ويضيف الكوراني: "وكون مصر منبر علم المهدي عليه السلام ومنطلق صوته إلى العالم، لا ينافي المستوى العلمي الذي دلت هذه الرواية وغيرها أن المسلمين يبلغونه في عصره، لأن أمر العلم يبقى نسبياً" (13)، وقال الكوراني في موضع آخر من كتاب آخر: "ثم يسير إلى مصر فيعلو منبره، ويخطب الناس، فتستبشر الأرض بالعدل، وتعطى السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها، وتتزين لأهلها، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في طرف الأرض كأنعامهم، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم" (14). فيفهم من الروايتين السابقتين ومن شرح الكوراني لهما أن وجود منبر دعوي أو إعلامي بمصر شرط من شروط خروج مهديهم المنتظر من سردابه، وبغير وجود هذا الشرط لن يتمكن مهدي الشيعة من الظهور وسيظل حبيس السرداب إلى أن يشاء الله بحسب معتقدهم الفاسد.
ويدعي الشيعة كذلك أن للمهدي في هرمي مصر كنوزاً وذخائر من العلوم وغيرها، ومرد هذا المعتقد راجع إلى رواية رواها الشيخ الصدوق في كتابه (كمال الدين وتمام الملة) جاء فيها: "أن ابن أحمد بن طولون شغَّل ألف عامل في البحث عن باب الهرم سنة، فوجدوا صخرة مرمر وخلفها بناء لم يقدروا على نقضه، وأن أسقفاً من الحبشة قرأها، وكان فيها عن لسان أحد الفراعنة قوله: (وبنيت الأهرام والبراني، وبنيت الهرمين وأودعتهما كنوزي وذخائري)، فقال ابن طولون: هذا شيء ليس لأحد فيه حيلة إلا القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وردت البلاطة كما كانت مكانها" (15)، وعلق الكوراني على هذه الرواية بقوله: "وفي هذه الرواية نقاط ضعف قد تكون من إضافة بعض الرواة، ولكن فيها نقاط قوة تستوجب الالتفات، والله العالم" (16).
ولهذا يحرص الشيعة غاية الحرص على التواجد في مصر لتهيئة وقت (ظهور الإمام الغائب) عبر التودد إلى أهلها، من خلال الدعوة للتقارب حينا، وبالتستر بحب آل البيت حينا آخر، وللشيعة سبلهم الأخرى التي يسعون من خلالها إلى اختراق المجتمع المصري، ومن هذه السبل النفاذ من خلال الاقتصاد، أو من خلال السياحة، أو النفاذ من خلال الطرق الصوفية والأحزاب السياسية، ولا ننسى دور الإعلام في هذه المسألة.
وهناك رواية ثالثة وردت في الإرشاد للشيخ المفيد، عن أبي الحسن قال: "كأنّي برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتّى تأتي الشامات، فتُهدى إلى ابن صاحب الوصيات" (17)، أما ما يبدو من تعارض بين الراويات الشيعية الواردة في شأن (مصر) ما بين (المدح والذم)، فهذا عائد في الأساس إلى كون هذه الروايات روايات مكذوبة، لم تصح لا سندا ولا متنا، كغالب الروايات الشيعية التي تمتلئ بها كتب مراجعهم، ولهذا يكثر التعارض في مروياتهم وكلامهم بصفة عامة.
يتبع