الأدلة على إبطال القول بالعلل
إن قلنا إن علَّة تحريم الخمر الإسكار فهل حرم ربنا جلّ وعلا الخمر لأنها مسكرة ؟ فنسأل هل هذا الإسكار
· من فعل الله تعالى ؟
· أم من فعــل غيره ؟
والجواب بالتأكيد هي من فعل الله عزَّ وجلَّ. فيكرر السؤال هل فعل الله جلَّ وعلا الإسكار لعلة أو لغير علَّة؟
فإن قيل: فعلها تعالى لغير علة، كان هذا إقرار أنه تعالى يفعل الأشياء لغيرعلَّة.
وإن قيل: بل فعلها تعالى لعلل أخر، سُئل في هذه العلل أيضاً كما سُئل في التي قبلها، وهكذا أبداً.
فلا بد ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما:
· إما أن يقال أنه سبحانه و تعالى يفعل الأشياء لغير علة.
· أو يقال بمفعولات لا نهاية لها، وأشياء موجودة لا أوائل لها، وهذا خروج عن الشريعة بإجماع الأمة.
ويقال أيضاً:
ما تقولون في إنسان قال في حياته أو عند موته: اعطوا زيداً 1000 جنيه فإنه يتيم وفى قريته أيتام كثيرون أنعطى كل يتيم 1000 جنيه أم لا نعطى أحداً إلا زيداً، فإن قيل: نعطى الجميع خالفنا الإجماع، وإن قيل. لا نعطى إلا زيداً تركنا القول بالعلل.
ثم نقول ـــ ولله المثل الاعلى ـــ إذا أمر ربُّ البيت أولاده بعدم دخول حجرة معينة وتوعد من يدخل منهم تلك الحجرة ؛ فيكون عندنا إحتمالان:
إما أن يكون رب البيت يريد اختبار أولاده ولا توجد علّة لذلك النهى؟
وإما أن يكون اشترى ذلك البيت فعلم أن تلك الحجرة بها حشرات تحمل أمراضاً خطيرة,فأحكم غلقها, وأصدر ذلك النهى؟
فترى النهى عن الزنى من أى الاحتمالين؟
هل علم ربنا أن الزنى ينقل أمراضاً فحرمه أم حرمه ابتداءاً ولما خالفنا الامر عاقبنا ربنا جلّ وعلا بالأمراض؟ يؤكد الاحتمال الاخير قول رسول الله عليه السلام فى حديث طويل "...... لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا" [ سنن ابن ماجه: كِتَاب الْفِتَنِ؛ بَاب الْعُقُوبَاتِ؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم ؛صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1321)؛السلسلة الصحيحة (1/ 105)؛صحيح الترغيب والترهيب (1/ 187) تحقيق الألباني فى جميع الكتب السابقة ( صحيح )]
فكأن الأمراض كانت عقوبة لنا ولم تكن علَّة للتحريم
فلو جاز أن يقال بالعلل لكان الإقدام به على كلام الناس، أولى من الإقدام به على الله عزَّ وجلَّ ورسوله فلما اتفقوا على أن من قال: اعطوا زيداً 1000 جنيه فإنه يتيم وفى قريته أيتام كثيرون لا يُعطى إلا زيداً وحده خوفاً من تبديل أمر الموصي وكلامه، فإن الأوجب ألا ننسب إلى الله تعالى ولا إلى رسوله تعليلاً لم ينصَّا عليه.
لقد نهي اللهٌ تعالى الناسَ عن سؤالهم النبي عليه السلام وأمرهم الاقتصار على ما يفهمون مما يأمرهم به فقط،فلو كان المراد من النص غير ما سمع منه لكان السؤال لهم لازماً، ليتبينوا ويتعلموا،فلما منعوا من السؤال أيقنا أنهم إنما لزمهم ما أُعْلِموا به فقط.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فى حديث طويل قَالَ:"نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ ....................... " [مسلم:كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب السُّؤَالِ عَنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ]
وعَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ:"أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً مَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" [مسلم :كتاب البر والصلة والآداب باب تفسير البر والإثم].