الحمد لله رب العالمين ، له الحمد الجميل والثناء الحسن ، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأصلي وأسلم على من بلغ الرسالة وأدى الأمانة وتركنا على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك ، وعلى الآل الأطهار والصحابة الأبرار ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القرار .
وبعد : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ربنا جل وعلا " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " [ آل عمران 31 ]
وقال " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " [ الأعراف 158 ]
وقال جل من قائل " وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " [ النساء 115 ] .
وقال " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " [ الحشر 7 ] .
و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ، قيل ومن يأبى يا رسول الله ؟! قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى )) رواه البخاري .
و عنه أيضا رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن يعصني فقد عصى الله ، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ، ومن يعص الأمير فقد عصاني )) رواه مسلم .
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة )) . قيل : يا رسول الله وما الرويبضة قال : (( الرجل التافه ينطق في أمر العامة )) رواه ابن ماجه وأحمد والحاكم .
ومن خلال يحياه المؤمن ويعيشه في واقعه يرى أن ما أخبر به قد تجلى للعيان وتحقق ، فلا يزيده ذلك إلا تمسكا بالسنة وعضا عليها بالنواجذ ...
فقد تحققت الغربة في زمننا هذا ، ونطق الرويبضة ، وتحدث السفهاء وتكلموا في أمور الدين وشؤون العامة ، وظهرت البدع ووجدت لها من يروجها وينشر ، وتباينت الآراء وتحير العقلاء وأولوا الأحلام في خضم الفتن المتلاطمة تلاطم الأمواج ...
حتى قيل ما حاجتنا للسنة ، وفي القرآن كفاية ، وتلك سنة وفقط ، ولا إثم في ترك مستحب ، والسنة ليست ملزمة .. وهلم جرا من الأقوال التي لو اجتمعت على جبل لتزعزع من مكانه ، فكيف وقائلها يدعي الانتساب إلى الملة والدين ، واتباع سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم .
وتالله لقد كذب وأفك وشطط وفرط من هذه مقولته ، وهذا ديدنه ، فالدين والسنة كل لا تبعيض فيها ، ومن ادعى غير ذاك زاغ وزاغ قلبه والعياذ بالله ، وإن لنا في سلفنا لأسوة وقدوة وأثرا ..
فلقد كانوا رضي الله عنهم يتبعونه صلى الله عليه وسلم في كل حركاته وسكناته ، حتى أن ابن عمر رضي الله عنهما من أشدهم تتبعا له عليه الصلاة والسلام حتى أثار فرط اتباعه هذا ، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت : ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله، كما كان يتبعه ابن عمر .
ولقد قضى عمره الطويل المبارك على هذا الولاء الوثيق ، حتى جاء على المسلمين زمان كان صالحهم يدعو ويقول : اللهم أبق عبد الله بن عمر ما أبقيتني ، كي أقتدي به ، فإني لا أعلم أحدا على الأمر الأول غيره .
ثم انظروا يا رعاكم الله هذا الحديث عند الترمذي – وهو صحيح – والقصة العجيبة التي وردت فيه ، مما يخبر عن شدة تمسك القوم بالسنة ووقوفهم عند قول النبي صلى الله عليه وسلم أمرا أو نهيا ... !!
وانظروا إن شئتم فتح الباري شرح صحيح البخاري ( الاعتصام بالكتاب والسنة )
عن أبي عثمان عن ابن مسعود قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء ثم انصرف فأخذ بيد عبد الله بن مسعود حتى خرج به إلى بطحاء مكة فأجلسه ثم خط عليه خطا ثم قال لا تبرحن خطك فإنه سينتهي إليك رجال فلا تكلمهم فإنهم لا يكلمونك قال ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أراد فبينا أنا جالس في خطي إذ أتاني رجال كأنهم الزط أشعارهم وأجسامهم لا أرى عورة ولا أرى قشرا وينتهون إلي ولا يجاوزون الخط ثم يصدرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان من آخر الليل لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءني وأنا جالس فقال لقد أراني منذ الليلة ثم دخل علي في خطي فتوسد فخذي فرقد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رقد نفخ ... )) تمام الحديث - سنن الترمذي - .
فسبحان الله ، ولا إله إلا الله
أنظروا إلى شدة تمسك ابن مسعود بما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لدرجة أنه لم يبرح مكانه من بعد العشاء إلى آخر الليل حتى جاءه النبي صلى الله عليه وسلم ، ونتيجة ذلكم التمسك ، فرضي الله عنهم وأرضاهم ونفعنا بعلمهم واقتفاء آثارهم وجمعنا بهم في الجنة هو ولي ذلك .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ** إن التشبه بالكرام فلاح
" فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63) " النور
كتبه الربيع ب