منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - بعض ضلالات سيد قطب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-12-06, 22:00   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
صفية السلفية
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية صفية السلفية
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

أدب سيد مع رسول الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام



قال في كتابه " التصوير الفني في القرآن " : (ص 200-204 )
لقد عرضنا من قبل قصة صاحب الجنتين وصاحبه، وقصة موسى وأستاذه، وفي كل منهما نموذجان بارزان، والأمثلة على هذا اللون من التصوير هي القصص القرآني كله؛ فتلك سمة بارزة في هذا القصص، وهي سمة فنية محضة، وهي بذاتها غرض للقصص الفني الطليق، وهاهو ذا القصص القرآن، ووجهته الأولى هي الدعوة الدينية، يلم في الطريق بهذه السمة أيضاً، فتبرز في قصصه جميعاً، ويرسم بضع نماذج إنسانية من هذه الشخصيات، تتجاوز حدود الشخصية المعنية إلى الشخصية النموذجية؛ فلنستعرض بعض القصص على وجه الإجمال، ولنعرض بعضها على وجه التفصيل.
1 – لنأخذ موسى؛ إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج.
فها هو ذا قد رُبي في قصر فرعون، وتحت سمعه وبصره، وأصبح فتىً قوياً.
]وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ[([1]).
2 - وهنا يبدو التعصب القومي، كما يبدو الانفعال العصبي.
3 - وسرعان ما تذهب هذه الدفعة العصبية، فيثوب إلى نفسه؛ شأن العصبيين:
]قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ[([2]).
]فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ[([3]).
4 - وهو تعبير مصور لهيئة معروفة: هيئة المتفزغ المتلفت المتوقع للشر في كل حركة، وتلك سمة العصبيين أيضاً.
ومع هذا، ومع أنه قد وعد بأنه لن يكون ظهيراً للمجرمين؛ فلننظر ما يصنع... إنه ينظر:
]فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ[([4]) مرة أخرى على رجل آخر! ]قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ[([5]).
5 - ولكنه يهم بالرجل الآخر كما هم بالأمس، وينسيه التعصب والاندفاع استغفاره وندمه وخوفه وترقُّبه، لولا أن يذكره من يهم به بفعلته، فيتذكر ويخشى:
]فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ[([6]).
وحينئذ ينصح له بالرحيل رجل جاء من أقصى المدينة يسعى، فيرحل عنها كما علمنا.
6 - فلندعه هنا لنلتقي به في فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات؛ فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع حليم النفس.
7 - كلا! فها هو ذا يُنادي من جانب الطور الأيمن: أن ألق عصاك. فألقاها؛ فإذا هي حيةٌ تسعى، وما يكاد يراها حتى يثب جرياً لا يعقبُ ولا يلوى... إنه الفتى العصبي نفسه، ولو أنه قد صار رجلاً؛ فغيره كان يخاف نعم، ولكن لعله كان يبتعد منها، ويقف ليتأمل هذه العجيبة الكبرى.
8- ثم لندعه فترة أخرى لنرى ماذا يصنع الزمن في أعصابه.
لقد انتصر على السحرة، وقد استخلص بني إسرائيل، وعَبَرَ بهم البحر، ثم ذهب إلى ميعاد ربه على الطور، وإنه لنبي، ولكن ها هو ذا يسأل ربه سؤالاً عجيباً: ]قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي[([7]).
9 - ثم حدث مالا تحتمله أية أعصاب إنسانية، بله أعصاب موسى: ]فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ[([8]).
10 - عودة العصبي في سرعة واندفاع!
11 - ثم ها هو ذا يعود، فيجد قومه قد اتخذوا لهم عجلاً إلهاً، وفي يديه الألواح التي أوحاها الله إليه، فما يتريَّث وما يني، ]وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ[([9]).
وإنه ليمضي منفعلاً يشدُّ رأس أخيه ولحيته ولا يسمع له قولاً: ]قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي[([10]).
12 - وحين يعلم أن السامري هو الذي فعل الفعلة؛ يلتفت إليه مغضباً، ويسأله مستنكراً، حتى إذا علم سر العجل:
]قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا[([11]).
13 - هكذا في حنق ظاهر وحركة متوترة.الخ
14 - فلندعه سنوات أخرى.
لقد ذهب قومه في التيه، ونحسبه قد صار كهلاً حينما افترق عنهم، ولقي الرجل الذي طلب إليه أن يصحبه ليعلمه مما آتاه الله علماً، ونحن نعلم أنه لم يستطع أن يصبر حتى ينبئه بسرِّ ما يصنع مرة ومرة ومرة، فافترقا...
15 - تلك شخصية موحدة بارزة، ونموذج إنساني واضح في كل مرحلة من مراحل القصة جميعاً.

انظر كم سخرية سخر بها سيد قطب من هذا النبي الرسول الكريم الكليم الوجيه عند الله
وأقول: إن موسى رسول كريم من رسل الله الكرام أولي العزم عليهم الصلاة والسلام، وإن له عند الله وعند المؤمنين لمنزلة عظيمة ومكانة رفيعة توجب على الناس حبه واحترامه وتوقيره كسائر أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام.
قال الله في شأنه: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا[([12]).
وقال تعالى: ]وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى[([13]).
وقوله تعالى : ]واصطنعتك لنفسي [([14]).
وقال تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا[([15])
وهذا الأذى الذي أوذي به رسول الله موسى دون ما آذاه به سيد قطب بمراحل، فالله يبرؤه ويبرؤه مما افتراه عليه سيد قطب أعظم البراءات، ويغضب له أشد الغضب، وكذا يبرؤه كل مؤمن يبرؤه من هذه الافتراءات، ويغضب له، فهل نرى شيئاً من هذا من المتعصبين لسيد قطب؟، نسأل الله لنا ولهم التوفيق والسداد وحب الحق.
و لقد كان يكفي سيداً أن يقرأ (كتاب أحاديث الأنبياء) من "صحيح البخاري" ليرى أنه قد أسرف واشتطَّ وحلق بعيداً في خياله المجنح وأسلوبه القصصي في التهويل والتمثيل بما ألصقه من صفات الاندفاع والعصبية والحدة والفزع والتوتر ...الخ بكليم الله ورسوله موسى عليه الصلاة والسلام؛ فلقد أخرج البخاري ومسلم في "صحيحهما"([16]) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قسم النبيُّ e قسماً، فقال رجل: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي e فأخبرته فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ثم قال: "يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر".
إن ما نسبه سيد إلى نبي الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام ينافي ما يستحقه من التبجيل والتوقير والاحترام، وذلك مما تقشعر له الجلود، وإن حكم هذا العمل الخطير عند العلماء غليظ جداً وكبير. راجع: كتاب "الشفاء"([17]) للقاضي عياض، وكتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول e"([18]) لشيخ الإسلام ابن تيمية.
انظر كتاب " أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره " ص (19-26)