منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - آداب الموعظة الحسنة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-12-04, 08:53   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي


5- التحضير الجيد للموعظة: وذلك بمراجعة النصوص وضبطها وحفظها، فالآيات لا مساومة عليها، بل يجب ضبطها حفظًا وتلاوةً. وأما الأحاديث النبوية فلا شك أن حفظها وضبطها هو الأفضل والأمثل، فإن لم يكن فقد رخَّص بعض العلماء في نقل الحديث بالمعنى، ولكن المعنى المستقيم الذي لا يغيِّر في الحديث شيئًا ولا يزيد ولا ينقص فيه، فإن بعض الناس ينقل الحديث بالمعنى، ولكنه يأتي بمعنى مخالف لما يدل عليه الحديث، بل يزيد وينقص فيه، فليحذر مَن يفعل ذلك أن يدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن كذب عليِّ متعمدًا فليتبوَّأ مقعده من النار» متفق عليه.


وليقل بعد رواية الحديث بالمعنى: «أو كما قال صلى الله عليه وسلم»، وكان ابن مسعود وأبو الدرداء وأنس رضوان الله عليهم إذا رووا الحديث يقولون: «أو نحو هذا»، أو «شبهه» أو «قريبًا منه». الباعث الحثيث للحافظ ابن كثير رحمه الله.


أما إذا كان الواعظ يعظ مِن ورقة، فلابد أن يكتب الحديث بنصه من مصادره، أما أحاديث الدعاء والأذكار فهذا مما يتعبد بلفظه، فلا يجوز روايته بالمعنى. والله أعلم.


وكلما كانت الموعظة مليئة بالنصوص من الآيات والأحاديث وكلام السلف رحمهم الله كانت أكثر تأثيرًا وحبذا لو ذكر فيها شيئًا من القصائد الوعظية فهذا مما يزيدها جمالاً، قال تعالى: }فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ{ [ق: 45]. والسُّنَّة المطهَّرة مليئة بأحاديث الزُّهد والرقائق، وقد جمع ذلك المحدِّثون أمثال البخاري ومسلم وغيرهما، بل قد صنَّف الإمام أحمد وعبد الله بن المبارك كتبًا في الزهد.


وكلام السلف في المواعظ والرقائق كثير، وعليه نور تجده في كتاب (الحلية) لأبي نعيم، و (صفة الصفوة) لابن الجوزي، و (سير أعلام النبلاء) للذهبي. رحمهم الله جميعًا.


ومما يوصى به في هذا المضمار من شعر الزهد والرقائق كتاب: (دليل الدعاة إلى شعر الرقائق والزهد) لأزهري أحمد محمود.


6- أن تكون الموعظة وسطًا لا طويلة مملَّة ولا قصيرة مخلَّة، كما كانت مواعظ النبي صلى الله عليه وسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: «كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا» مسلم.
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رجلاً قام يومًا فأكثر القول، فقال عمرو: لو قصد هذا في قوله كان خيرًا له، سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لقد رأيت أو أمرت أن أتجوز في القول، فإن الجواز هو خير» أبو داود بإسناد حسن. وقال صلى الله عليه وسلم:«إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مَئِنَّةٌ مِن فقهه، فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة، فإن من البيان لسحرًا» مسلم.



عن عطاء قال: «دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها فقالت له: خَفِّف فإن الذكر ثقيل» نزهة الفضلاء (1/467).


وكان عبيد بن عمير واعظًا رحمه الله.
فعلى الواعظ أن يلاحظ عدم الإطالة، ففي الإطالة السآمة، وإذا ملَّ السامع من الموعظة فلن يستفيد منها وربما أنسى آخرُها أولهَا.


7- عدم الإكثار من المواعظ، وذلك أن الإكثار منها يقلل أثرها في النفوس، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة. عن أبي وائل قال: «كان عبد الله يُذَكِّر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لَوَدِدْتُ أنك ذَكَّرْتَنَا كل يوم. قال: أَمَا إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أُمِلَّكُمْ، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها؛ مخافة السَّآمة علينا». البخاري (عبد الله: هو: ابن مسعود) الفتح (1/215).


فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخشى على الصحابة السآمة، فغيره من باب أولى.


وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «حدِّث الناس كل سبعة – أي كل أسبوع – مرة، فإن أبيت فمرَّتين، فإن أكثرت فثلاثًا، لا تملَّ الناس» البخاري. وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أمر القاص أن يقص كل ثلاثة أيام مرة المسند.


8- أن لا تكون الموعظة متشعبة المواضيع، فبعض الوعاظ يعظ في عدة مواضيع ويكثر من ذلك فيكون الواعظ بين أمرين حلوهما مر، فإما أن يطيل، وهذا يسبب السآمة والملل، وإما أن يقصر فلا يعطي كل موضوع حقه فتكون المواضيع وكأنها فهرس كتاب، أما إذا كانت الموعظة في موضوع واحد محدد، أو اثنين على الأكثر أعطى الموضوع حقه، وأفاد فيه، مع التزام عدم التطويل، ومن تتبع أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد غالبها في موضوع واحد، وإن وجد بعض الأحاديث في عدة مواضيع فإن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح العرب وأبلغهم وأوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.
9- البلاغة: قال تعالى: }وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا{ [النساء: 63]. وفي حديث العرباض: «وعظنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة...»
.



وهذا يتطلب من الوعاظ أن يتعلم اللغة العربية وآدابها وأساليبها، وحسن تلاوة القرآن الكريم، وقراءة الأحاديث النبوية، والقصائد الوعظية، وكلام السلف، قراءة صحيحة، وكلما كان أبلغ كان أكثر تأثيرًا قال صلى الله عليه وسلم: «إن من البيان لسحرًا» متفق عليه. ولست أقصد بذلك أن لا يتكلم إلا البلغاء الفصحاء، ولكنها دعوة للوعاظ في تعلم اللغة وأساليبها، ولا يعني ذلك أيضًا التفاصح والتكلف في البلاغة المنهي عنها كما قال صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون» قالها ثلاثًا. مسلم. وبوَّب النووي رحمه الله على هذا الحديث بقوله: «باب كراهة التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللغة ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم» رياض الصالحين (539).


وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تَخَلَّلَ الباقرة بلسانها» أبو داود. والباقرة أي البقرة، كما في رواية الترمذي: «البليغ» المبالغ في فصاحة الكلام وبلاغته. عون المعبود (7/ 237) والحديث حسَّنه الألباني في الصحيحة برقم (880).


وإنما البلاغة تعني مراعاة مقتضى الحال – أي حال السامع، ومدى إدراكه وثقافته – وإفهامه بأحسن الألفاظ وأكثرها تأثيرًا عليه، بعيدًا عن وحشي اللغة وتعقيدها، وعن الكلمات العامية الساقطة، كما قال الجاحظ في كتابه: (البيان عن البلاغة): «أما أنا فلم أر أمثل طريقة في البلاغة من الكتَّاب وذلك أنهم قد التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعَّرًا وحشيًا ولا ساقطًا عاميًا» نقلاً عن كتاب (جواهر الأدب) للسيد أحمد الهاشمي ص (29).


وقال الماوردي رحمه الله: «وليس يصح اختيار الكلام إلا لمن أخذ نفسه بالبلاغة وكلفها لزوم الفصاحة حتى يصير متدربًا بها معتادًا لها فلا يأتي بكلام مستكره اللفظ ولا مختل المعنى؛ لأن البلاغة ليست على معان مفردة ولا لألفاظها غاية، وإنما البلاغة أن تكون المعاني الصحيحة مستودعة في ألفاظ فصيحة فتكون فصاحة الألفاظ مع صحة المعاني هي البلاغة» أدب الدنيا والدين للماوردي.


وقال ابن رجب رحمه الله: «والبلاغة في الموعظة مستحسنة؛ لأنها أقرب إلى قبول القلوب واستجلابها، والبلاغة هي التوصل إلى إفهام المعاني المقصودة وإيصالها إلى قلوب السامعين بأحسن صورة من ألألفاظ الدالة عليها وأفصحها وأحلاها للأسماع، وأوقعها في القلوب، وكان صلى الله عليه وسلم يقصر خطبته ولا يطيلها، بل كان يبلغ ويوجز» جامع العلوم والحكم لابن رجب (310).


10- وضع عناصر للموعظة: ينبغي للواعظ أن يعدَّ للموعظة إعدادًا جيِّدًا، ويرتبها بعناصر محددة بحيث ينتظم الكلام ويلتزم بالوقت المحدد فلا يملُّ ولا يُخِلُّ وتشتمل الموعظة على ثلاثة عناصر: المقدمة، والعرض، والخاتمة.


أ- المقدمة: تحتوي على السلام، والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، والثناء على السامعين؛ ليفتح قلوبهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه:«والله إني أحبك» فقال: «أوصيك يا معاذ لا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» أبو داود. وقال صلى الله عليه وسلم:«نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل». قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. متفق عليه.


وقد يبين فيها عنوان الموعظة، ولماذا اختار هذا الموضوع، أو أهميته، ونحو ذلك من الكلام الذي يشوق السامعين لسماع موعظته.


ولتكن المقدمة قصيرة؛ لأنها تمهيد لما بعدها من العرض، وليست هي الأصل، أما ما يفعله بعض الوعاظ من إطالة المقدمة وتكلف السجع وكثرة الكلمات المترادفة فهذا يأخذ عليه وقت الموعظة، وربما ملَّ السامع قبل أن يبدأ في أصل الموعظة وبعض الناس إذا رأى الواعظ أطال في المقدمة علم أن العرض أطول فربما خرج وترك سماع الموعظة.


ب- العرض: وهو الأصل في الموعظة وإذا رتبه الواعظ على عناصر فرعية بحيث ينظم كلامه فهذا جيد حتى لا ينسى شيئًا مما يريد أن يعظ به ولا يشتت ذهن السامع ويحتوي العرض على موضوع الموعظة من الأدلة وكلام السلف ونحو ذلك مما أعده الواعظ، وأن لا تكون متشعبة كما مر في الفقرة (8)، وينتبه الواعظ أن لا يخرج عن أصل موعظته؛ لأن بعض الوعاظ يخرج إلى موضوع آخر يطرأ عليه أثناء الموعظة من ذكر قصة أو شرح حديث استدل به ونحو ذلك، فيسهب فيه فينسى أصل الموعظة وربما انتهى دون أن يرجع إلى الأصل أو يأخذه الوقت فلا يعطي أصل الموعظة حقه من البيان فتقل الفائدة.


جـ- الخاتمة: وفيها تلخيص مختصر لما عرضه الواعظ والوصية بالعمل بما ورد في الموعظة ثم ختمها بشكر السامعين على إنصاتهم والدعاء لهم ولعامة المسلمين ولأئمتهم والدين النصيحة، ومسك الختام الصلاة والسلام على خير الأنام.










رد مع اقتباس