بسم الله الرحمن الرحيم
قصة الخنفشار
كان هناك رجل يدعي العلم الغزير , ويجيب عن كل سؤال يرد إليه , وكان لا يدع شاردةً ولا واردةً إلا وهو يدلي بدلوه فيها , ولم يقل يوما في مسألة : لا أعلم .....
بل كان يؤلف أجوبة من عنده , ويضع لها أدلة ويتظاهر بها أمام الناس ,
فاجتمع بعض العقلاء يوما وقالوا : هذا الرجل .. إما أنه أعلم أهل الأرض ...... أو أنه يستغل جهلنا .....
ثم اتفقوا أن يجروا له امتحانا , فألفوا كلمة من ستة أحرف هي كلمة ( خنفشار ) , ثم جاءوا إليه وقبلوا رأسه وعظموه , ثم قالوا :
يا شيخ ..... مسألة .. مسألة ... أشكلت علينا وأردنا أن تبين لنا جوابها ...
فقال : علي الخبير وقعتم .. ما هي مسألتكم .. ؟ تختلفون وأنا حي ... ؟
فقالوا : ما هو الخنفشار .. ؟
أستقبل الإعرابي السؤال بابتسامة واثقة ثم قال :
يا لها من غرابة ألا تعرفوا ما هي الخنفشار ! .. ؟
فقالوا : لا !
فقال : الخنفشار ... نبات ينبت في جنوب اليمن .. فيه مرارة ..., وإذا أكلته الناقة حبس اللبن في ضرعها .... ,
ويستخدمه أهل الإبل إذا أرادوا بيعها يغشون به الناس , حتي يظن المشتري أن الناقة تدر لبنا كثيرا ... , وهي غير ذلك ..
ثم اتكأ الشيخ وقال :
والخنفشار مشهور عند العرب , وقد ذكروه في أشعارهم , وذكره النبي – صلي الله عليه وسلم – في سنته ,
أما عند العرب .. فقد قال الشاعر لمحبوبته :
لقد عقدت محبتكم فؤادي كما عقد الحليب الخنفشار
ثم تنحنح وقال :
أما الدليل من السنة فقد قال رسول الله – صلي الله عليه وسلم : ....
فتدافعوا إليه وتصايحوا , وقالوا :
كفي .... كفي .... إتق الله يا كذاب ........
كذبت علي لغة العرب ...... وكذبت علي الشاعر .....
وتريد أن تكذب علي رسول الله – صلي الله عليه وسلم - ... ؟
ثم طردوه من بينهم .
ذكرت هذه القصة توطئة لما انا بصدد بسطه ،
فأقول متوكلا على الله
التعالم هو ادِّعاء العلم ممن يفتقر إليه
و ذكر أهل العلم رحمهم الله أن مراتب الإدراك ست و هي :
العلم
الجهل البسيط
الجهل المركّب
الوهم
الشك
الظّن
و لي عودة أذكر فيها تعريف كل مرتبة بعد ذلك في المشاركات
و الذي له مساسٌ بموضوعي هو الجهل المركّب
و الذي هو إدراك الشيء من وجه يخالف ما هو عليه
هذا ، و قال بعض العارفين : النّاس أربعة :
رجل يدري و يدري أنه يدري فهذا عالم فاسألوه
و رجل يدري و لا يدري أنه يدري فهذا نائم فأيقضوه
و رجل لا يدري و يدري أنه لا يدري فهذا مسترشد فأرشدوه
ورجل لا يدري و لا يدري أنه لا يدري فهذا مُدَّعٍ فانبذوه
و هذا الأخير هو صاحب الجهل المركّب و هو المتعالم
و هو الذي اصطُلح عليه بعد ذلك بالخُنفشار
و على جماعتهم بالخنفشاريين ممن أُصيبوا بداء الخفشرة
و هو داء عضال و سمٌّ قتّال
مسبِّباته : العجب و التعالم و الكبر و الرياء و السُّمعة و حب النفس
و احتقار الآخرين و استصغارهم
و صاحبه يستكبر أن ينسب العلم إلى الله فيما لا يعلم ، و أن يقول لا أدري فيما ليس يدريه .
روي عن علي بن أبي طالب أنه قال : " خمس خذوهن عني ، فلو خضتم فيهن البحر ما و جدتموهن إلا عندي ، ألا لا يرجُوَنّ أحد إلا ربه ، و لا يخافن إلا ذنبه ، و لا يستنكف أن يتعلم ما ليس عنده ، و أن يقول لما لا يعلم لا أعلم ، و منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد ."
و قال أحد السلف : " نصف العلم لا أدري " .
ألا فليتق الله امرؤ هذا حاله ، و عليه أن يُحصن نفسه بحقنة " لا أدري "
فإن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب .
و لبُّ القول ما قال الصِّدِّيق الأكبر و الصَّاحب الأطهر أبوبكر الصديق رضي الله عنه : " رحم الله امرءا عرف قدر نفسه فوقف دونها " .
بقلم : المهاجر إلى الله
السُّلميّ
كما أرجو من المشرفين أن يُبقوا الموضوع في قسم العام إن رأوا أنه يوافق قسما آخر