منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - تَعَبْ'؛,
الموضوع: تَعَبْ'؛,
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-10-29, 11:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ايمان و امل
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي تَعَبْ'؛,

أقلِبُ ورقة أخْرى ,سأكمل هذا الجُزْء ثُمَّ أخْلُدُ للنوم ...


إنَّها العِبارَة التِي أُكَرِّرُها مُنْذُ ساعَتَين،...
يمر الوقتُ، ورقة ورقة... و تزحفُ الدَّقائِقُ اللَّزِجَةُ على أعْصابِي لٍتُخَدِّرَها بحقْنة تعبٍ أخِرى ،فلم يَبْقَ لِي من المُورفينات ما يُسكتُ الطِّفلَة الصارِخة بداخلي إلا التَّعب.



و تتراكم السَّاعاتُ على مكْتَبِي ،أوْراقًا مُزْدَحِمَّة بالأمْراض و أعْراضها و أدْوِيَتِها ،ولا مَكانَ للإنْسانِيَّة أراهُ بَيْنَها ، فقط يَتَحول جسْم الإنْسان إلى كَومَة أعراضٍ و تَحاليل ،و يحاول العقْل الطِّبِي تَجْرِيدَها من المشاعر و الأحاسيس ...
كيف يَتَحَوَّلُ هذا الكائن المُعقَّدُ إلى نَظِريَّاتٍ مُمَنْطَقَةٍ مُبْسوطَةٍ فِي أوراقَ مكتوبة بالفرنسية و جاهزة للحِفْظ الأصَم ،هكذا ببساطَةٍ بِغَباءٍ و تفاهَة.



وَرَقَةٌ أُخْرى ، إنَّها الواحِدَة بعد مُنْتصَفِ الليْلِ، لا بُدَّ أن أحْلام النّاَئِمِين أيضا جاوَزَت المُنْتَصَفْ،... فقطْ لمن مازال يَحْلُم يكون الليل نوما و النَّوم هَناءا ،أحْلامي أنا تَسَلَّلَت مني زَحْفا، خارج مَجال الذَّاكرة ،وقَطَعت أخادِيد الجُرْح و الشَّفاء و ... اخْتَفَتْ فِي ......لست أدري أين .


أكْتافِي مُتْعَبَة، ولكن ليسَ بَعْد ليس بما يكفي مازال فيَّ ما يكفي للتفكير و الذِكْريات...


ورَقَةٌ أُخْرى....أصابِعي تَكْتُبُ بكَسَلْ ...أرَى الدَّخان الرمادِي يَتَصاعدُ منها مشْحونا برائحة الحبر و رذاذ السَّخافة المالح،
و تَخْتَفي الحروف و السُّطور من على الورق، ويظل يتصاعد هذا الدخان... يلُفُّنِي يَمْلأ مِحْجَرَيّْ عَيْنَيَّا بالحبر و المُلوحَة ،



هَذا الدُّخان به ... رائحَة سَجائِرِك و لَون أنْفَاسِكَ الحَارَّة و ضَبابِيَّة كَلماتِك...


إنَّهُ يَتَمَرَّدُ على سِيادَة التَّعَب لِيوقِظَ الآلام الرَّاقِدَة.


لَمْ يُغادِرْنِي هَذا الدُّخانُ المَسْمومُ مُنْذُ أن أخَذْتُ منك سِيجارتك لأغْرِسَها فِي يَدِي [من غَيْر قَصْد] فأنا أحْتَرِفُ الآلام [من غير قصد]


هل تذْكُرْ !

يوم أن يَبِسَتْ دَواخِلِي يَأسًا و سَكَنَ فِيها الخوف عَلَيْك، وأنا أراك تَلُفُّ شَبابك و صحتك في سيجارة و تُشْعِلَها

خَطَفْتُها منك و لم أدر ما ذا أفعَلُ بها

تحدَّيْتَنِي :


- ماذا؟ مآبك هل تريدين رشفَة ؟ كما في الأفلام مثلا ... إنَّك أضْعف من ذلك يا فتاة ... أضعف من أن تُنْقِذِيني أنا الذي اخترتُ الاحْتِراق...هاتِها ، إنها تُفْسِدُ مَنْظَر يَديك الجميلَتَين

ولم تُكْمل كلامك إلا و السِيجارة مَغروسَة في راحة يدي ،أطْفَأتُها و أشْعَلْتُ في روحي لهيبا ،و تسَرَّب دُخانُها إلى شَراييني ليسكُنها كَما تَسَرَّبت رجولتُك الطَّاغية في طُفوليَّتي ، في أنوثَتي في جلدي لتَحْتَلَّني ، أو كما تسَرَّبت نَظَراتُك في قلبي لَتوشِمَهُ بك...

وانْطَفأت السِيجارَة في دَهشة منك ، و مددت يَدَكْ السَّمْراء الكَبِيرَة لِتُطْبِقَها على يَدِي و تَفْتَح أصابِعي الموجوعَة الضاغطة على الجُرْح الحارْ...

نَظَرْتَ طَويلا إلى الجرح الرَّمادي ، ثم شَهِقْتَ ضاحِكًا:

- يا حَمْقاء.. ! ما كان عليك فعل ذلك، الجميع يعلم أنك لي، فلا داعي للأخْتام

لماذا ؟ لماذا ضحكتَ يومَها يا هشام، ماذا أخْفيت في تلك الضحكة الصاخبة، أي صوت صرخ فيك لتسكته بقهقهة ساخرة، لماذا يومها كنت قاسيا، قاسيا جدا معي.

تسرَّبت دموع مالحة ممزوجة بالدُّخان، و سَكَبْتُها داخليا، تَسَلَّخَت أعماقيَ الهشَّةُ وسالت أسياخا سوداء من وجع و يأسٍ و.... سَخافة.

و لم يسْقُط القناع عن وجهي، لم أبكِ أمامك يوما مهما فعلْت، لم تنزَع وشاح الكِبْرياء عني يوما.

ابْتَسَمْتُ ،ونَظَرْتُ إلى الجرْح و أنا التي تَدْري أنَّه ختْمُ الفِصال لا ختم امتِلاك

فأنت لم تَمْتَلِكْنِي يوما

أهذا ما أوجَعَكْ؟ أنَّي لم أرْكَع لَكَ يوما كما تفعل النَّساء ...

قُلْتُ لك:

- نعم لا بأس بالأخْتامْ في انْتِظار أن يَعلم العالم أنَّك لي...

و لم تكن لي و لن تكون أبدا


و تعالَت ضِحكاتك أكْثَر حتى ملأت موقف السَّيارات الذي كنا نقف فيه، تعالت ساخرة و مُرَّة.

- ألم تَتَعلَّمي بَعدْ؟ ليست هُناك من النَّساء من لديها الموهبة و الصّبْرُ ،و الأنوثة الكافية لتَحتَويَّني ...

- و أنا إذا؛ ماذا أكون؟

- أنت ؟ أنت لست امرأة أنت "طِفْلَة".....

نعم أعلم ذلك يا هشام، أعلم إني مازلت طفلة مهما كبرت، و أعلم أنّكَ مُسْتَبِدٌّ و طاغية، أطْغى من أن تحتملك امرأة، وأنَّ نَظراتك الحادَّة أمْضى من أن توقفها دروعٌ من كبريا؛
و أعلم أن هيْبَة رجولتك أقوى من أن تُذيبها حلاوة أنثى بدلالها..
أعلم أنَّك قاسٍ جدا و أنك تبْحث عن امرأة تُخرج منك الطِّفْل الخائف في داخلك، عن امرأة تحولك إلى طفل في العاشرة...

أعلم ذلك و أكثر.

إذا لما ؟ لما تركت النِّساء جميعا و جئتني ، كشفت لي عن وجهك الطِّفْل الشَّقي ...
ومددت يدك المُرْتَجِفة الخائفة إلى يَدي ،لتُخْرِج مني الطِّفْلَة
لنتمرَّد معا
لِنَلْعب معا تحت المَطر حتى التَّعبْ...

لما بنيت بيننا جسرا و ملعبا وغابات من الأحلام و البراءة و الحنان و غمرتـَ[هما] معا بالضياء

لم ؟ بعدما اعتادت أنا الطِّفلة عليك رميت بها في الوحل... و رحلْت

تلك الطِّفلة مازالت تصْرُخ ... صُراخُها يُخيفُني ،يُؤنِّبُني ، يُعذِّبُني
و الدُّخانُ الخارج منيَّ يَلُفُّني ، يخْنُقُني ، يَغْتالُني ...

أرْكُضُ...أرْكُضُ هاربة إلى النافذة، هارِبَةً منكْ ، من طَيْفِكَ و كَلماتِكْ ... من نَظَراتِكَ و بَحَّة صوتِكَ الذِي يعلو بالضحكة....هارٍبَة من الوجع من الخيبة و الزَّمَنْ...
أفْتَحُها بلهفة ، ليصْفَعَني هواءُ تشرينَ الباردُ النَّقي ، يُعِيدُني إلى غُرْفتي و أوراقي و تَعَبي... إلى هُنا ، حيثُ لا طِفْلٌ أنت و لا رَجُلْ،
إلى حيثُ لم يبْقَ منك إلَّا دُخانٌ تسَلَّلَ ذات شَقاوة سخيفة في أوردتي و احْتَلَّها...


حيث ما أنت إلا ذِكْرى موبوءة مُحاصَرةٌ باليأس و النَّدم.

أعود إلى مَكْتبي ، لأغْرَق من جديد في الورق...

أقلب ورقة أخرى، سأكمل هذا الجزء ثم أخلد إلى... تعبْ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ



قسنطينة 17/05/2015


13:04


إيمان~








 


رد مع اقتباس