حكم المعاكسات الهاتفية:
لا يشك عاقل في تحريم المعاكسات الهاتفية، وشدة خطورتها على الفرد والأسرة والمجتمع؛ فهي بريد الزنا ووسيلة من وسائل الشيطان للوقوع في الفاحشة، قال الشيخ بكر أبو زيد: «كنت أظن المعاكسات مرضًا تخطَّاه الزمن، وإذا بالشكوى تتوالى من فعلات السفهاء في تتبع محارم المسلمين في عقر دورهم فيستجبرونهن بالمكالمة والمعاكسة السافلة.
ومن السفلة من يتصل على البيوت؛ مستغلاً غيبة الراعي، ليتخذها فرصة علَّه يجد من يستدرجها إلى سفالته، وهذا نوعٌ من الخلوة أو سبيل إليها، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: «إياكم والدخول على النساء»؛ أي: الأجنبيات عنكم، فهذا وأيمُ الله حرام حرام، وإثم وجناح، وفاعله حريٌّ بالعقوبة، فيُخشى عليه أن تنزل به عقوبة تلوِّث وجه كرامته، ومما ينسب للإمام الشافعي – رحمه الله تعالى -:
إن الزنا دين فإنْ أقرضته
كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
نعوذ بالله من العار ومن خزي أهل النار»([1]).
فتوى: سئل الشيخ ابن جبرين السؤال التالي:
ما الحكم فيما لو قام شاب غير متزوج وتكلم مع شابه غير متزوجة في الهاتف؟
فأجاب: لا يجوز التكلم مع المرأة الأجنبية بما يثير الشهوة، كمغازلة وتغنج، وخضوع في القول، سواء أكان في الهاتف أو في غيره؛ لقوله تعالى: }فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ{[الأحزاب: 32].
فأما الكلام العارض لحاجة فلا بأس به؛ إذا سلم من المفسدة، ولكن بقدر الضرورة([2]).
أين مراقبة الله؟
أيها المعاكس: أما سمعت قول الله تعالى: }مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ{[ق: 18].
أما علمت أن كل قول تتكلم به محسوب عليك، مكتوب في صحيفتك؟
أما تعلم أن الله مطلع عليك، عالم بأسرارك، قادر على عقوبتك؟
إذا كنت تعلم ذلك فأين مراقبتك لله، وقد جعلته أهون الناظرين إليك؟
يا مدمن الذنب أما تستحي
والله في الخلوة ثانيكا
غرَّك من ربك إمهاله
وستره طول مساويكا
أما تستحي أيها المعاكس وأنت أيتها المعاكسة من رب السماوات والأرض، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء!! لعلك تقول: إنه لا يراني أحد!! كلا.
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل
خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما تخفي عليه يغيب
ألم تر أن اليوم أسرع ذاهب
وأن غدًا لناظره قريب
قال تعالى: }وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا (47) وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا (48) وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا{[الكهف: 47-49]، يا له من يوم عظيم: }يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ{[الطارق: 9، 10]، }يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ{[إبراهيم: 48].
كيف يكون حالك أيها المعاكس في هذا اليوم العظيم؟
كيف يكون حالك حينما يُنادى عليك بأخبث الأسماء: فلان ابن فلان الزاني، الفاجر، المعاكس؟
ليس ذلك أمام فرد أو اثنين أو جماعة، بل أمام الخلائق أجمعين!!
هل تساوي هذه الشهوة التي لا تتجاوز سويعات العذاب الأليم الدائم غير المنقطع في نار جهنم؟
أين عقلك؟ أين فكرك؟ أين بصيرتك؟!
([1])«أدب الهاتف».
([2])«فتاوى المرأة».