منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لحظات الإحتضار
الموضوع: لحظات الإحتضار
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-10-20, 19:19   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أولاً: لحظات المحتضرين

أخي الكريم: هل فكرت في يوم من الأيام كيف ستكون خاتمتك؟ هل خلوت بنفسك يومًا وسألتها: كيف قد تكونين يا نفسي ساعة الاحتضار؟ كيف سيكون حالك والناس مجتمعون حولك يبكون، ويتأسفون ولا أحد منهم يجد لك حيلة أو شفاء؟



كيف سيكون جوابك إن لقنك الحاضرون «لا إله إلا الله»؟ هل ستقولينها أم ينقبض اللسان؟ هل ستقبلينها أم تردينها فيختم لك بالكفر؟



فلربما كانت تلك الأسئلة من دواعي يقظتك، ومن موجبات زوال غفلتك، وانقطاعك عن اللهو واللعب، وتناسي لحظات الاحتضار العصبية، وثواني الفراق الأليمة، حيث سكرات الموت وخروج الروح وانتهاء العمر والأجل.


أخي:



هب أنك قد ملكت الأرض طُرًا






ودان لك البلاد فكان ماذا


أليس غدًا مصيرك جوف قبر






ويحثو الترب هذا ثم هذا







فتفكر يا عبد الله، فإنما هي أيام ولحظات وساعات معدودات، ويأتي داعي الموت، فلا هروب ولا محيد. }وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ{.


مشيناها خطى كتبت علينا






ومن كُتبت عليه خطى مشاها


وأرزاق لنا متفرقات






فمن لم تأته منا أتاها


ومن كتبت منيته بأرض






فليس يموت في أرض سواها







من أحوال المحتضرين:



ولا بأس أخي الكريم، أن أذكر لك بعض لطائف المحتضرين، ممن فتح عليهم لحظة الموت بالثبات واليقين وختم لهم بصالح الأعمال، جزاء ما قدموا في حياتهم من الطاعات والقربات.


فقد حكى القرطبي في كتابه التذكرة: عن شيخ شيخه أحمد بن محمد القرطبي أنه احتضر فقيل له: قل لا إله إلا الله، فكان يقول: لا. فلما أفاق ذكرنا له ذلك، فقال: أتاني شيطانان عن يميني وعن يساري. يقول أحدهما: مت يهوديًا فإنه خير الأديان. والآخر يقول: مت نصرانيًا فإنه خير الأديان. فكنت أقول لهم: لا. لا. أنى تقولان هذا!! فكان الجواب لهما (لا) لكم.


فالله، الله، إذا نزل بك الموت، فلا يكن لك هم إلا الثبات على الدين والاستغفار من الذنوب، والتوبة النصوح، لعلك تلقى ربك طاهرا نقيًا. فإن عوارض الفتن عند الاحتضار لا تحصى، فربما وجد المرء تشوقًا إلى الدنيا، وانزعج لفراق الأحبة، أو ضعف عن تحمل سكرات الموت وزفراته، أو فتنه شيطان مريد فمال الإنسان عن دينه نسأل الله الثبات وحسن الخاتمة.


وعن عبد الله بن الإمام أحمد، قال: حضرت وفاة أبي، فكان يغرف ثم يفيق ويقول: لا بعد. لا بعد. فعل هذا مرارًا، فقلت له: يا أبتّ أي شيء يبدو منك؟ قال: الشيطان قائم بحذائي عاض على أنامله يقول: فتني يا أحمد. وأنا أقول: لا بعد حتى أموت.


فتذكر – أخي الكريم – عسر هذه اللحظات، وتذكر ما يحصل فيها من البلاء والفتن، فوالله إنها لأحرى بالتذكر والتأمل، والاستعداد والتشمير عن ساعد الجد بالانتهاء عما حرم الله، وفعل ما افترضه وأوجبه، والإكثار من الخيرات وما ينفع في الدار الآخرة. فإن ذلك من أعظم ما يسهل على المرء سكرة الموت، ويجعله ثابتًا موقنًا من دينه ساعة الاحتضار.


فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر ويقرأ: }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ{ [القمر: 54، 55].


وهذا العلاء بن زياد لما حضرته الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كنت والله أحب أن استقبل الموت بتوبة. قالوا: فافعل رحمك الله فدعا بطهور فتطهر، ثم دعا بثوب له جديد فلبسه، ثم استقبل القبلة، فأومأ برأسه مرتين أو نحو ذلك، ثم اضطجع ومات(1). ولما احتضر عامر بن عبد الله بكى، وقال: لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي، وأتوب إليك من جميع ذنوبي، لا إله إلا الله ثم لم يزل يرددها حتى مات.


ومن لطيف قدرة الله، أنه سبحانه وتعالى يثبت المؤمنين بالقول الثابت لحظة الاحتضار وما ذلك إلا ثمرة صبرهم وتقواهم وملازمتهم للطاعات وبعدهم عن الخطايا والمعاصي والسيئات.


وهذا عمر بن عبد العزيز رحمه الله، عند موته يقول: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحد النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظرًا شديدًا يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تاليًا يتلو: }تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ [القصص: 83].


أخي:



فكن بالله ذا ثقة وحاذر



هجوم الموت من قبل أن تراه


وبادر بالمتاب وأنت حي



لعلك أن تنال به رضاهُ



([1]) لطائف المعارف لابن رجب الحنبلي ص(586).









رد مع اقتباس