الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد...
مع دخول شهر الله المحرم ، يتناصح الناس فيما بينهم بالمحافظة على صيام عاشوراء ، ونجد الكثير من الملصقات والمطويات التي تتحدث عن فضل صيام ذلك اليوم ، والتي غالبًا ما تكون محتوية على كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" عن مراتب صوم عاشوراء ، حيث قال:
فمراتب صومه ثلاثة:
أكملها: أن يصام قبله يوم وبعده يوم
ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر ، وعليه أكثر الأحاديث
ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم
فأعلى مراتب صوم عاشوراء – عندهم - هو صيام الأيام الثلاثة
ثم إن لم يصم أحدهم التاسع لأي سبب
ندبوه إلى صيام العاشر والحادي عشر
والبعض يترك صيام التاسع اختيارًا ، ثم يصوم الحادي عشر مع العاشر!
معتقدا أنه قد وافق السنة وخالف أهل الكتاب.
وفي الحقيقة إخواني الكرام هذا القول يفتقر للدليل ، بل إن الدليل الصحيح على خلافه.
فقد روى مسلم وغيره عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، قال:
حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع ". قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
***
ويتضح لنا من هذا الأثر أن أكمل مراتب صوم عاشوراء هو صيام التاسع مع العاشر وفقط ، لأنه المنصوص عليه والموافق للسنة.
وأن التعبد لله عز وجل بإضافة صيام الحادي عشر إلى التاسع والعاشر كأكمل مراتب صوم عاشوراء ، هو مما لم يثبت به دليل صحيح.
ولا يقول عاقل أن الزيادة عما ورد في السنة خير ، فلو كان خيرًا لندبنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الحريص على نصح أمته.
أما الأثر الذي نُدب فيه صوم الأيام الثلاثة
" صوموا يومًا قبله ويومًا بعده "
فهو ضعيف ، وقد قال الشيخ الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة (9/288):
4297 - ( لئن بقيت لآمرن بصيام يوم قبله أو يوم بعده . يوم عاشوراء ) .
أخرجه البيهقي في "السنن" (4/ 287) عن ابن أبي ليلى ، عن داود بن علي ، عن أبيه ، عن جده مرفوعاً .
قلت : وهذا إسناد ضعيف ؛ داود هو ابن علي بن عبد الله بن عباس ، وهو مقبول عند الحافظ .
وابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن - ؛ ضعيف سيىء الحفظ .
"صوموا يوماً قبله ، ويوماً بعده" ليس فيه : "لئن بقيت ..." ، وهو مخرج في "حجاب المرأة المسلمة" (ص 89) .
وذكر اليوم الذي بعده منكر فيه ؛ مخالف لحديث ابن عباس الصحيح بلفظ :
"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع" .
أخرجه مسلم ، والبيهقي ، وغيرهما .
فالحاصل مما سبق أن أفضل وأكمل مراتب صوم عاشوراء هي مرتبة صوم التاسع والعاشر ، ثم يليها صوم العاشر مفردًا.
وأنبه على أنني لم أقصد بكلامي صد الناس عن صيام يوم الحادي عشر من المحرم ، أو إثبات عدم مشروعية صومه.
ولكن المقصد أن من شاء أن يصومه فليصمه ، للدليل العام الوارد في فضل صوم شهر المحرم ، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم " رواه مسلم.
أما أن يُعتقد أن صومه مع التاسع والعاشر من السنة ، وأنها أكمل مراتب صيام عاشوراء ، فلا.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
https://www.forsanhaq.com/showthread.php?t=198115