منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مواقف أم سليم الأنصارية مفخرة لكل مسلم ومسلمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-09-11, 14:24   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموقف الثالث: أم سليم الأنصارية والتسليم بقضاء الله وقدره:


وهذا الموقف هو من أعجب المواقف التي سُجلت لأم سليم رضي الله عنها أظهرت فيه قوة وثباتًا على تحمل المكاره والاستسلام لقضاء الله وقدره مع الرضا، وهو موقف يتطلب من المرأة المسلمة أن تتدبره لتدرك كيف أن الإسلام يعلو بالمرأة المسلمة من الحضيض الذي كانت فيه أيام جاهليتها من شق الجيوب، وضرب الخدود، والدعاء بالويل والثبور إذا حلت بها مصيبة من فقد عزيز من ابن أو قريب - إلى أعلى مقامات الصبر والثبات والاحتساب في تحمل المصائب مهما عظمت.

وقد مر بنا أن أم سليم رضي الله عنها تزوجت بعد زوجها الأول أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه فولدت له ابنًا، وهذا الابن هو أبو عمير الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه ويقول له: «يا أبا عمير ما فعل النغير ([1])»([2]).


وعند ابن حبان «فحملت ( منه) فولدت غلامًا صبيحًا، فكان أبو طلحة يحبه حبًّا شديدًا، فعاش حتى تحرك فمرض ، فحزن أبو طلحة عليه حزنًا شديدًا حتى تضعضع ( أي خضع وذل) وأبو طلحة يغدو ويروح على رسول الله صلى الله عليه وسلم فراح روحة فمات الصبي»([3]).


وإليك القصة كما عند البخاري قال أنس رضي الله عنه: «اشتكى ابن لأبي طلحة فمات، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه مات هيأت شيئًا ونحته في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام ؟ قالت: هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، وظن أبو طلحة أنها صادقة قال: فبات فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما» قال سفيان: قال رجل من الأنصار فرأيت لهما تسعة أولاد كلهم قرأوا القرآن ([4]).


قال ابن حجر: وفي رواية سعيد بن منصور ومسدد وابن سعد والبيهقي في الدلائل من طريق سعيد بن مسروق عن عباية بن رفاعة قال: كانت أم أنس تحت أبي طلحة، فذكر القصة شبيهة بسياق ثابت عن أنس رضي الله عنه وقال في آخره: فولدت غلامًا، قال عباية: فلقد رأيت لذلك الغلام سبع بنين كلهم ختم القرآن ([5]).


وفي رواية لمسلم من حديث أنس رضي الله عنه «مات ابن لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهله: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه قال: فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع مثل ذلك فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم ؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني»([6]).


هل قرأتم أو سمعتم في التاريخ امرأة توفى ابنها، وهو ما يزال في بيتها قبل دفنه فلا يظهر منها أي جزع أو حزن فضلاً عن البكاء والعويل ثم تقوم بخدمة زوجها وتهيئ نفسها له حتى يقضي وطره منها كأن لم يحدث شيء ؟ وفوق ذلك كله حاولت أن تخفف عن زوجها من هول صدمة الخبر قبل سماعه بقولها: «يا أبا طحلة لو أن قومًا أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم، قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم أخبرتني».


فجمع في هذه الألفاظ القليلة بين حسن الاستهلال لما ترمي إليه من وجوب التسليم لقضاء الله وقدره، وبين العزاء له بأسلوب رقيق مقنع ومع ذلك لم يعجب هذا الصنيع زوجها فاشتكاها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بموت ابنه وما فعلته زوجته البارحة فما أن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قولته حتى قال:«أعرستم الليلة ؟ قال: نعم، قال: اللهم بارك لهما في ليلتهما»([7]).


فكان ثمرة ذلك الصبر الفريد من نوعه أن صار سببًا لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهما بالبركة فيما حصل منهما في تلك الليلة، فاستجاب الله لهما تلك الدعوة فحملت من ذلك اللقاء فجاءت بابن، وكان لهذا الابن سبع بنين كلهم قرأوا القرآن أي حفظوه كما تقدم، إضافة إلى ما وعد الله الصابرين يوم القيامة من أن يوفيهم أجرهم بغير حساب.

([1]) هو طائر مثل العصفور كان الولد يلعب به.

([2]) رواه البخاري في صحيحه في كتاب الأدب باب الانبساط إلى الناس (10/526 / 6129) ومسلم في الأدب باب تحنيك المولود (3/1692 برقم 2150).

([3]) صحيح ابن حبان (9/ 159/ 7143).

([4]) رواه البخاري في الجنائز باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة (3/ 169 برقم 1301).

([5]) قال ابن حجر في الفتح (3/ 169): وأفادت هذه الرواية أن في رواية سفيان تجوزًا في قوله لهما لأن ظاهره أنه من ولدهما بغير واسطة، وإنما المراد من أولاد ولدهما المدعو له بالبركة وهو عبد الله بن أبي طلحة. اهـ.

([6]) في صحيح مسلم في فضائل الصحابة باب من فضائل أبي طلحة (4/ 1909).

([7]) رواه البخاري في الأطعمة باب تسمية المولود غداة يولد (9/ 587 برقم 5470).










رد مع اقتباس