منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - مواقف أم سليم الأنصارية مفخرة لكل مسلم ومسلمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-09-11, 14:20   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الموقف الثاني: أم سليم الأنصارية مع ابنها أنس بن مالك في تربيته:


حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت الأنصار ومن كان فيها من المهاجرين مشغولين باستقبال النبي صلى الله عليه وسلم فرحين مستبشرين بمقدمة صلى الله عليه وسلم فجاء الجميع وهاجسُ كل واحدٍ منهم أن يتشرف برؤيته صلى الله عليه وسلم وتنافس الجميع في أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم عنده ليتشرف بجواره، فصار ذلك نصيب أبي أيوب الأنصاري، فأقبلت الأفواج على بيته لزيارته صلى الله عليه وسلم، فخرجت أم سليم الأنصارية من بين هذه الجموع، ومعها ابنها أنس رضي الله عنهما، فقالت: يا رسول الله، هذا أنس يخدمك، قال أنس رضي الله عنه: «خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت»([1]).


وكان أنس حينئذ ابن عشر سنين فخدم النبي صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر أنس بخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وقد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن أم سليم رضي الله عنها إنما فعلت ذلك تخلصًا من أنس لأنه رضي الله عنه كان من غير زوجها أبي طلحة الحالي والزوج غالبًا ما يضيق ذرعًا بأولاد زوجته من غيره، وحاشا أن يكون ذلك من أم سليم بل إن ابنها كان في نظرها كل شيء لدليل أن أنسًا رضي الله عنه كان يبيت ويأكل من بيت أمه، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي يحتاج فيها إلى الخدمة.


وكانت أم سليم رضي الله عنها بفطنتها وذكائها ترمي من وراء ذلك تحقيق مقاصد شرعية عظيمة منها أن:



1- خدمة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فأحبت أن يسعد بهذه الخدمة ابنها وفلذة كبدها، ومن ثم لتنال هي وابنها أجرًا عظيمًا عند الله سبحانه وتعالى.


2- أن يتربى ابنها أنس في بيت النبوة ليتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم، وتلك غاية من أشرف الغايات لا يتفطن إليها إلا أولوا الألباب.


3- أن يحوز أنس رضي الله عنه بسبب قربه من النبي صلى الله عليه وسلم أكبر قدر من سنته صلى الله عليه وسلم متمثلة في أقواله وأفعاله، فكان لها ما أرادت فصار أنس رضي الله عنه من الصحابة القلائل المكثرين لرواية الحديث.


ثم أرادت أم سليم أن تقدم لابنها أفضل جائزة تقدمها والدة لولدها، وذلك حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم سليم فلما انتهى حاجته وهم بالرجوع قالت له أم سليم رضي الله عنها: «يا رسول الله إن لي خويصة» (تصغير خاصة) قال: «ما هي ؟» قالت: خادمك رضي الله عنه (قال أنس) فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي «اللهم ارزقه مالاً وولدا وبارك له» (يقول أنس) فإني لمن أكثر الأنصار مالاً، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لي لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة ([2]).




وفي رواية الجعد عند مسلم قال أنس: «فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنين في الدنيا ، وأنا أرجو الثالثة ([3]) في الآخرة»([4]).


فهذا القدر من أولاده هو الذي مات في حياته قبل ذلك التاريخ، وأما الذين كانوا على قيد الحياة في ذلك الوقت فهم كما قال أنس: «وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو مائة»([5]).


أرأيتم كيف أن أم سليم رضي الله عنها أعتنت بابنها اليتيم وأحاطته بكل عناية، وحرصت عليه كل الحرص على أن يحصل على خير الدنيا والآخرة ؟ فما أعظمها من أم وأحسنها من مربية رضي الله عنها وأرضاها.


فإذا كان هذا بر أم سليم رضي الله عنها بابنها فما تظنون أن يكون بر أنس رضي الله عنه بأمه، وذلك هو ما يفوق الخيال فكان رضي الله عنه همزة وصل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم ينقل إليها أقواله وأفعاله حتى كأنها تشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب أم سليم بسبب ذلك، فكانت معدود من أهله تمشي مع نسائه صلى الله عليه وسلم إلى درجة أنه كان يدخل بيتها في غيابها وينام على فراشها كما سيأتي.


وكان لأم سليم رضي الله عنها أبناء آخرون من زوجها أبي طلحة، وإنما اخترنا أنسًا رضي الله عنه لشهرته بخدمته النبي صلى الله عليه وسلم ولتميزه عن أبنائها الآخرين لأنه من غير زوجها أبي طلحة، والأبناء إن كانوا من غير الزوج الحالي عادة ما يلقون إهمالاً، فإذا كان هذا حالها مع ابنها الذي هو من غير زوجها الحالي فعنايتها بأبنائها من زوجها الحالي من باب أولي.


دليل ذلك ما رواه مسلم بسنده عن أنس رضي الله عنه قال: كان لأم سليم - وهي أم أنس - يتيمة فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة فقال: «أنت هية (بإسكان الياء والهاء هاء السكت) لقد كبرت لا كبر سنك» فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية ؟ قالت الجارية: دعا عليَّ نبي الله أن لا يكبر سني، فالآن لا يكبر سني أبدًا أو قالت: قرني فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: «مالك يا أم سليم» فقالت: يا نبي الله دعوت على يتيمتي قال: «وما ذاك يا أم سليم» قالت: زعمت أنك دعوت أنه لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «يا أم سليم أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضي كما يرضي البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها طهورًا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة»([6]).


انظر كيف أن أم سليم رضي الله عنها اهتمت بأمر هذه البنت اليتيمة فما أن سمعت قوله صلى الله عليه وسلم فيها حتى كادت أن تفقد وعيها من هول ما أصابها جراء هذه الكلمة شفقة منها على هذه البنت اليتيمة فتحركت في حينها باحثة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لاستكشاف الموقف مع أن هذه اليتيمة كانت في حجر أم سليم، ولم تكن من أولادها لأنها لم تتزوج بعد زوجها الأول إلا أبا طلحة وقد توفي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وبالتالي لا يتصور أن يكون لها يتيمة، وإنما كانت تربيها ابتغاء مرضات الله.

([1]) رواه البخاري في صحيحه في الأدب باب حسن الخلق والسخاء (10/ 471 برقم 6037).

([2]) رواه البخاري في صحيحه مع الفتح (4/ 228 ح 1982) وقال ابن حجر ( أي أول ما مات لي من الأولاد إلى أن قدمها الحجاج).

([3]) قال ابن حجر: ولم يبين الثالثة وهي المغفرة كما بينها سنان بن ربيعة كما رواه ابن سعد.

([4]) رواه مسلم في المساجد باب جوازا الجماعة في النافلة (1/ 458 ح66).

([5]) رواه مسلم في الموضع السابق.

([6]) في البر والصلة (4/ 2009 ح 2603).










رد مع اقتباس