الأضحية عنه وعن أهل بيته:
روى الإمام مالك في «الموطَّأ» (2/486) والتِّرمذيُّ في «جامعه» (1505)– واللفظ له– من حديث عطاء بن يسار قال: سألتُ أبا أيُّوب الأنصاريّ: كيف كانت الضَّحايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرجلُ يضحِّي بالشَّاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطمعون، حتى تباهى النَّاسُ فصارت كما ترى.
وقال التِّرمذيُّ: (حسن صحيح). وأنا أذهبُ إلى ما ذهب إليه التِّرمذيُّ؛ فالسُّنَّةُ في ذلك أنَّ أهلَ البيت الواحد تكفيهم أضحية واحدة، ولو أرادوا أن يزيدوا فهذا أفضل وأحسن، وسبق في حديث أنس أنّه صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بكبشين.
وإذا تيسَّر للإنسان أن يذبح خارجَ بلده بالإضافة إلى ذبحه في بلده فهذا حسن جدًّا.
ولا يخفى ما تَمُرُّ به بعض بلاد المسلمين من حاجة شديدة وفقر مدقَع؛ فعلى المسلم أن لا ينسى إخوانَه من مساعدتهم بما ييسِّره الله له؛ فإنَّ في هذا الأجر العظيم عند الله سبحانه وتعالى.
ما يَجب على مَن أرادَ أن يُضَحِّي:
روى مسلم في «صحيحه» (1977) عن سعيد بن المسيَّب عن أمِّ سلمة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دَخَلَت العَشْرُ وأراد أحدُكم أن يضحِّي فلا يَمَسّ من شعره وبشره شيئا»؛ فدلَّ هذا الحديثُ على أنَّه لا يجوز لمن أراد أن يضحِّيَ الأخذُ من هذه الأشياء الثلاثة- الشَّعر والأظفار والبشرة- حتَّى يذبح أضحيتَه.
والمقصود بالبشرة: اللَّحم اليابس الذي قد يكون في نهاية الأظافر، أو في أسفل القدم.
وذهب الإمامُ أحمد إلى وجوب الامتناع من هذه الأمور، كما هو ظاهر حديث أمِّ سَلَمَة، وذهب الجمهور إلى الكراهية فقط.
والقول الأوَّلُ هو الأرجح؛ بدليل أنَّ الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ذلك، والأصل في النَّهي التَّحريم.
والإنسان الذي يريد أن يضحِّيَ هو الذي يجب عليه الامتناع، وأمَّا إذا أشرك أهلُ بيته معه فلا يَلزمهم الامتناع.
وكذلك لو وَكَّلَ غيرَه في التَّضحية عنه؛ فالوكيل لا يلزمه عدمُ الأخذ من هذه الأشياء؛ لأنَّه وكيلٌ، وأما الإنسان الذي وَكَّلَ فهو الذي يجب عليه الامتناع.
ولمن أراد أن يضحِّي أن يَمْتَشط وأن يمسَّ الطِّيب، وإنَّما يمنع من هذه الأشياء الثَّلاثة فقط.
ومما يدلُّ على أنَّ الامتشاطَ ليس بممنوع منه مَن أراد أن يُضَحِّي: ما رواه البخاريُّ في «صحيحه» (310) من حديث عروة؛ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعائشة وهي محرمة: «انقضي رأسَك وامتشطي».
والإحرامُ أشدُّ ممَّن أراد أن يضحِّي، والمحرم تحرم عليه هذه الأشياء أشدّ من الإنسان الذي يريد أن يضحّي، ومع ذلك قال: «انقضي رأسك وامتشطي».
وقت ذبح الأضحية:
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أول ما يَبدأ به يوم العيد بعد الصَّلاة النَّحر؛ ففي «الصَّحيحين» (البخاري/ 922، مسلم/ 1961) من طريق الشّعبيّ عن البراء قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أوَّلَ ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم نرجع فننحر؛ فمن فعل ذلك فقد أصاب سنَّتَنا، ومن نَحَرَ قبل الصَّلاة فإنَّما هو لحم قدَّمه لأهله ليس من النُّسُك في شيء».
* * *