السلام عليكم وبعد :
لقد من الله علينا بهذا الدين - ليخرجنا من الظلمات الى النور - وتكفل - سبحانه بحفظ دينه من التحريف والتبديل - قال تعالى : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . - والذكر يشمل كلام الله وكلام نبيه - عليه السلام - ذلك أن كلام رسول الله إنما هو وحي أوحاه الله إليه - قال تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى - وقال أيظا : وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ - وقال أيظا : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ - فلولا السنة وكلام نبينا - بيانا وتوضيحا - لما وصل الينا ما شرعه الله لنا من عبادات - كالصلاة وأوقاتها وعدد ركعاتها وكيفية أدائها - والحج والعمرة وصفتهما - والزكاة ونصابها وغيرها مما شرعه الله لنا من طاعات وعبادات - وما أحله لنا من طيبات وما حرمه علينا من خبائث ومنكرات – فما نراه من دعاة العقلانية في ردهم أحاديث المصطفى – بعقولهم - لهو أمر غير مستغرب منهم - فهذا ديدن أهل الأهواء - وهي سنة الله في خلقه - فلابد لأهل الحق من معارض مبطل يقف في طريقهم - وهو أكبر دليل على حفظ الله لكلام نبيه - الذي هو وحي منه !! فمما يحفظ كلام نبينا لولا هؤلاء المبطلون ؟ فوجودهم وطعنهم في الحديث أوجد الله له أهل العلم بالحديث ليحفظوا كلام نبيه ويميزوه عن باطل - الوضاعين والكذابين - ووجود أهل الباطل هو إبتلاء لأهل الحق من ربهم !! - فأهل السنة ابتلاهم ربهم بأهل الأهواء – لينظر الى صبرهم وجهادهم - فيجازيهم على خير ما قدموا ويتجاوز - لهم عما نسوا أو أخطأوا - أما أهل الباطل ففي باطلهم يعمهون قال تعالى : وَلَوْ شِئْنَا لآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأِمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
- ومن تمام حفظ الله لكلام نبيه الذي هو وحي منه - سبحانه - أن قيض له علماء - عاملون فوضعو علم الإسناد ليحفظ خبر المصطفى ووضعو علم الجرح والتعديل ليميز بين رواة السنة ودونوا كل ذلك في تراجم للرواة - تكلموا فيها عن عدالتهم وصدقهم وضعفهم وتواريخ ميلادهم ووفياتهم - كما ذكروا تلاميذهم وشيوخهم - كل هذا خدمة للحديث حتى يحفظ ويصفى مما دس فيه من قبل الوضاعين والكذابين - فالعمدة في صحة الحديث من عدمه تكمن في دراسة سنده اتصالا او انقطاعا او توقفا او ارسالا أو رفعا - ودراسة رواته - ضعفا و ثقة وتدليسا وعنعنة وتصريحا بالتحديث - ومع هذا كله - وضع علم علل الحديث !! - أو بالأحرى هو علم فرض نفسه بنفسه !!- فقد يشوب الحديث الذي ثبت اتصال سنده وثبت ثقة رواته - قد يشوبه شيء ما يقدح في سنده – المتصل – أو في راويه - الثقة – أو في متنه – الصحيح – فقد يهم الثقة فيمن روى عنه !! فيحسبه زيد بن عمرو - الثقة - وهو زيد بن مالك -الضعيف - !!- مثلا - وقد يقلب السند وقد يتخلل السند راو - ثقة في نفسه - لكنه يروي عمن لم يسمع منه !! - مع معاصرته له !! - - كما أن هناك وضاعون متفنون !! قد أحكموا وضع الحديث بإسناده !!- وجهابذة علم الحديث هم من بينوا مثل هذه الاحاديث - التي تغيب عن كثير من أهل الحديث الأقل منهم شأنا – فما بالك بالفقهاء !! – فمابالك بعامة الناس !! وما بالك بمن يدعي للعقل منزلة يرد بها ما صح !! - ومثال هذا كثير متعدد في علم علل الحديث - وبسط الأمر - تفصيلا - يطول - فنافلة القول - أن صحة السند لا تعني دائما صحة الحديث !! - فأهل الحديث هم رأس هذا الأمر فوجب الرجوع اليهم والوقوف عند كلامهم وتعليلاتهم !!- قال الخطيب البغدادي :فمِنَ الأحاديثِ ما تَخْفَى عِلَّتُه فلا يوقَفُ عليها إلا بعد النظرِ الشديد، ومُضِيِّ الزمانِ البعيد» . و قال صالح بن محمد البغدادي : سمعتُ عليَّ بن المَدِيني يقول: «رُبَّمَا أدركتُ عِلَّةَ حديثٍ بعد أربعين سنةً . - وقال الأوزاعي : إنْ كنا لَنَسْمَعُ الحديثَ فَنَعْرِضُهُ على أصحابنا كما نَعْرِضُ الدرهمَ الزائفَ على الصَّيارفةِ؛ فما عَرَفُوا أَخَذْنا، وما أَنْكَروا تَرَكْنا . - أفبعد هذا كله !! يأتينا رجل يدعي العقل !! ينكر حديثا بعقله زاعما أنه ينزه النبي الكريم عن زواجه بعائشة وهي بنت تسع سنين - !! عجيب !! - قل للذي يدعي في العلم فلسفة ... علمت شيئا وغابت عنك أشياء !!- وكما قيل من جهل شيئا عاداه - أحيانا نعذر صنيعهم هذا - لمعرفتنا بجهلهم بمثل ما ذكرنا - ومالم نذكر - وما ذلك إلا لقلة بضاعتهم !! – وهي عنا قليلة !! لكنه التحري والبحث والتعلم قبل التكلم - ولا حجة لأحد في التخلف عن ذلك !!- والأمر متاح ولله الحمد - كما يجب على الإنسان أن يدرك خطر التكلم بغير علم !! قال تعالى : وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا - فهذا نهي صريح للتكلم بغير علم مع تذكير من الله تعالى - بأننا مسؤولون - وكما قال عليه السلام لمعاذ في حديثه الطويل قال : ... قال ألا أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه قال كف عليك هذا فقلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به فقال ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .. صحيح / سنن الترمذي – والله تعالى أعلم .