منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الجن وصفاتهم وسبل الوقاية منهم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2015-03-05, 20:24   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

صفات الجن

إن الناظر في عالم الجن الكبير لا يمكنه معرفتهم معرفة جيدة حتى يدرس أوصافهم التي وردت في الكتاب العزيز وفي السنة الصحيحة، ولذا كان لابد من الحديث عن أوصافهم بوضوح، وأنا مبين ذلك في الأمور التالية:


1- أنهم خلقوا من نار، قال الله عز وجل: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ}([1])، وقال: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ}([2]).


وأخرج مسلم في كتاب الزهد والرقاق من صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم».


2- أنهم أقدم خلقًا من الإنس، قال الألوسي في تفسيره «روح المعاني»([3]) عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ}([4]): «وتقديم الجن؛ لأنهم أعرف من الإنس، وأكثر عددًا، وأقدم خلقًا».


3- أنهم يأكلون ويشربون، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح مسلم في كتاب الأشربة من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله». وثبت في سنن أبي داود، كتاب الطهارة، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، انهَ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة، فإن الله تعالى جعل لنا فيها رزقًا، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك». والحممة: الفحمة.


وقد قيل: إن طعام المؤمنين منهم ما ذكر اسم الله عليه، وطعام الكفار ما لم يذكر اسم الله عليه، قاله عماد الدين العامري في كتابه «بهجة المحافل».


وقال ابن عبد البر معلقًا على ما ذكر في السنة من أن طعام الجن العظم والروثة، وشرابهم الجدف، وهي الرغوة والزبد , هذه أشياء لا تدرك بعقل، ولا تقاس على أصل، وإنما فيه التسليم لمن آتاه الله من العلم ما لم يؤتنا وهو نبينا صلى الله عليه وسلم وقال: «ويحتمل أن الجن كلهم يأكلون ويشربون ويحتمل أن يكون بعضهم»([5]).


وجاء في شرح الزرقاني: وقال ابن العربي: «من نفى عن الجن الأكل والشرب فقد وقع في حبالة إلحاد وعدم رشاد، بل الشيطان وجميع الجان يأكلون ويشربون وينكحون ويولد لهم، ويموتون، وذلك جائز عقلاً، وورد به الشرع، وتظافرت به الأخبار فلا يخرج عن هذا المضمار إلى حمار، ومن زعم أن أكلهم شم فما شم رائحة العلم، وقال صاحب آكام المرجان: «العمومات تقتضي أن كل أصناف الجن يأكلون ويشربون». اهـ.


4- أنهم يتناكحون ويتناسلون، ولهم ذرية.


قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي}([6])، قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: «وذرية إبليس: الشياطين الذين يغرون بني آدم»([7])، وأخرج بسنده عن مجاهد {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي} قال: ذريته: هم الشياطين»([8]).


ومما يستدل به على أن الجن يتناكحون ويتناسلون ما ثبت في الصحيحين وسنن الترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي وأبي داود، عن أنس بن مالك رضي الله عنهقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» قال في «عون المعبود شرح سنن أبي داود»([9]): «قال الخطابي: الخبث الشياطين وإناثهم الخبث بضم الباء جماعة الخبيث، والخبائث جمع خبيثة، يريد ذكران الشياطين وإناثهم». اهـ.
وإن قال قائل: هل يمكن التناكح بين الإنس والجن؟

قيل: الجواب ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: «وقد يتناكح الإنس والجن، ويولد بينهما ولد، وهذا كثير معروف»([10]). اهـ. قلت: ويمكن الاستدلال على ذلك بقوله تعالى عن الحور: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}([11])، قال ابن الجوزي في «زاد المسير»([12]). «وفي الآية دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي». اهـ.


5- أنه يرحم بعضهم بعضًا.
ودليل ذلك ما أخرجه مسلم في كتاب التوبة من صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعًا وتسعين رحمة، يرحم بها عباده يوم القيامة».


6- أنهم مكلفون.
قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}([13]).



قال ابن القيم يرحمه الله: «أخبر سبحانه أنه إنما خلقهم للعبادة، وكذلك إنما أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه ليعبدوه، فالعبادة هي الغاية التي خلقوا لها، ولم يخلقوا لمجرد الترك فإنه أمر عدمي لا كمال فيه من حيث هو عدم، بخلاف امتثال المأمور؛ فإنه أمر وجودي، مطلوب الحصول»([14]). ا هـ.


وثبت في سنن الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنهt أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بست» وذكر منها قوله: «وأرسلت إلى الخلق كافة» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.


والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم: «وأرسلت إلى الخلق كافة» أي جنهم وإنسهم كما أخرج ما يشهد لذلك الدارمي في المقدمة من سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل له: فما فضله على الأنبياء؟ أي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ}([15])، وقال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ}([16]) فأرسله إلى الجن والإنس. وقال ابن حجر: «وإذا تقرر كونهم مكلفين فهم مكلفون بالتوحيد وأركان الإسلام وأما ما عداه من الفروع فاختلف فيه لما ثبت من النهي عن الروث والعظم وأنهما زاد الجن»([17]).

7- أن منهم المسلم والكافر، والصالح والفاسد.
قال الله تعالى مخبرًا عن الجن قولهم: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا}([18])، قال البغوي في تفسيره «معالم التنزيل»([19]): قوله: {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} أي دون الصالحين. {كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} أي جماعات متفرقين وأصنافًا مختلفة، والقدة: القطعة من الشيء، يقال: صار القوم قددًا إذا اختلفت حالاتهم، وأصلها من القد وهو القطع. قال مجاهد: يعنون: مسلمين وكافرين.


وقيل ذوو أهواء مختلفة. وقال الحسن والسدي: الجن أمثالكم فمنهم قدرية، ومرجئة ورافضة. وقال ابن كيسان: شيعًا وفرقًا لكل فرقة هوى كأهواء الناس. وقال سعيد بن جبير: ألوانًا شتى، وقال أبو عبيدة: أصنافًا. اهـ.


وقال سبحانه مخبرًا عنهم كذلك: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا}([20])، والقاسطون: الكافرون. ومما يشهد لوجود المسلمين الصادقين من الجن قوله سبحانه: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}([21]).


وهذا فيه إشارة عميقة إلى مدى التأثر الكبير الذي وقع لهؤلاء المؤمنين من الجن بالقرآن الذي استمعوا إليه، ويكشف عن تلك الميزة العظيمة التي اتسموا بها، عندما أصبحوا دعاة لقومهم إلى الإيمان والإسلام، وهي لحظات تجلب للقلب الخشوع واليقين، وفي الوقت نفسه تنذر وتهدد كل معرض عن القرآن والإيمان به أنه إن لم يخضع لخطاب هذا الكتاب، ويستسلم لمنزله فليس له جزاء إلا النار، وبئس القرار: {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}([22])، وهي كذلك تحفز نفوس المؤمنين إلى الجد في تبليغ الإسلام، ودعوته إلى الناس: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([23]).


ومما يستدل به كذلك على أن من الجن مسلمين مؤمنين ما أخرجه مسلم في كتاب الصلاة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن وما رآهم. انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ([24])، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء. وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب. قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة، وهو بنخل ([25])، عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له. وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء. فرجعوا إلى قومهم، فقالوا: يا قومنا! إنا سمعنا قرآنا عجبًا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدًا. فأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}.


ومما يستدل به كذلك على وجود المسلمين من الجن ما أخرجه مسلم كذلك في كتاب التفسير من صحيحه عن عبد الله ([26]): {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}([27]) قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفرًا من الجن، فأسلم النفر من الجن، واستمسك الإنس بعبادتهم، فنزلت: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}.

وللمسلمين من الجن أعمال طيبة، وأفعال حسنة مثل ما ورد في شعب الإيمان للبيهقي أنهم يأمرون بالخير، ويكفون عن الكذب والشر، ومثل ما جاء في معجم الطبراني الكبير أن منهم من ينبه العبد إلى التوحيد ويحذره من الشرك ([28])، ومثل ما جاء في مسند البزار أن منهم من يصلي مع المؤمن إذا صلى، ويقرأ بقراءته ويستمع إليه([29])، ونحو ما ورد من بكاء نفر منهم على قتل عمر كما في مصنف ابن أبي شيبة([30])، والسنة للخلال([31])، وبكائهم كذلك على قتل عثمان كما في السنة للخلال كذلك([32]) وبكائهم على قتل الحسين([33]).


وإن قال قائل: هل في الجن من يعد صحابيًا؟


فيقال له: قال ابن حجر وهو يتحدث عن قول البخاري في تفسير الصحابي بأنه من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين: «وهل يختص ذلك بجميع بني آدم أو يعم غيرهم من العقلاء؟ محل نظر، أما الجن فالراجح دخولهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إليهم قطعًا، وهم مكلفون، فيهم العصاة والطائعون، فمن عرف اسمه منهم لا ينبغي التردد في ذكره في الصحابة وإن كان ابن الأثير عاب على أبي موسى ([34]) فلم يستند في ذلك إلى حجة»([35]) اهـ.


8- محاولة الشياطين منهم استراق السمع ليعينوا من يطيعهم من شياطين الإنس من السحرة وغيرهم.


ويشهد لذلك ما أخرجه مسلم في كتاب السلام من صحيحه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنهم بينما هم جلوس ليلةً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رمي بنجم فاستنار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ماذا كنتم تقولون في الجاهلية، إذا رمي بمثل هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. كنا نقول: ولد الليل رجل عظيم، ومات رجل عظيم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنها لا يرمى بها لموت أحد ولا لحياته. ولكن ربنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمرًا سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال. قال: فيستخبر بعض أهل السموات بعضًا حتى يبلغ الخبر هذه السماء الدنيا فتخطف الجن السمع، فيقذون إلى أوليائهم، ويرمون به، فما جاءوا به على وجهه فهو حق، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون».



قال النووي: ومعنى يقرفون: يخلطون فيه الكذب. والشاهد قوله: فتخطف الجن السمع، فيقذفون إلى أوليائهم، ويرمون به، ويوضح ذلك رواية أخرى في كتاب السلام كذلك من صحيح مسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سأل أناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليسوا بشيء» قالوا: يا رسول الله! فإنهم يحدثون أحيانًا الشيء يكون حقًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك الكلمة من الجن، يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة، فيخلطون فيها أكثر من مائة كذبة».


قال الخطابي وغيره: معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين، كما تؤذن الدجاجة بصوتها صواحباتها فتتجاوب. اهـ.


وفي هذا دليل على تحريم الكهانة وإتيان الكهان وحث على منع ذلك كما قال الماوردي في الأحكام السلطانية: «ويمنع المحتسب الناس من التكسب بالكهانة واللهو ويؤدب عليه الآخذ والمعطي». اهـ.


9- أن الشياطين منهم من يكذب الكذب العظيم، وقد دل على ذلك الحديثان السابقان.


10- أن المردة منهم يشدون ويوثقون بالأغلال عند دخول رمضان بحيث لا يخلصون من افتتان المسلمين إلى ما يخلصون إليه في غيره لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن والذكر([36])، ويشهد لذلك ما أخرجه الترمذي في كتاب الصوم من سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم تفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار» هذا لفظ الترمذي، ورواه بنحوه البخاري ومسلم. قال في «تحفة الأحوذي»([37]): «وأما ما يوجد خلاف ذلك في بعضهم فإنها تأثيرات من تسويلات الشياطين أغرقت في عمق تلك النفوس وباضت في رءوسها». اهـ.


11- أنهم لا يعلمون الغيب كغيرهم من المخلوقين.


قال الله تعالى عند ذكر موت نبيه سليمان عليه الصلاة والسلام: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ}([38]).


قال القرطبي: «قيل كان رؤساء الجن سبعة، وكانوا منقادين لسليمان عليه السلام وكان داود عليه السلام أسس بيت المقدس، فلما مات أوصى إلى سليمان في إتمام مسجد بيت المقدس، فأمر سليمان الجن به، فلما دنت وفاته قال لأهله: لا تخبرهم بموتي حتى يتمنوا بناء المسجد، وكان بقي لإتمامه سنة. وفي الخبر أن ملك الموت كان صديقه، فسأل عن آية موته، فقال: أن تخرج من موضع سجودك شجرة يقاتل لها: الخرنوبة، فلم يكن يوم يصبح فيه إلا تنبت في بيت المقدس شجرة، فيسألها: ما اسمك؟ فتقول الشجرة: اسمي كذا وكذا، فيقول: ولأي شيء أنت؟ فتقول: لكذا وكذا، فيأمر بها فتقطع، ويغرسها في بستان له، ويأمر بكتب منافعها ومضارها، واسمها وما تصلح له في الطب، فبينما هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة نبتت بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة، قال: ولأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا المسجد، فقال سليمان: ما كان الله ليخربه وأنا حي، أنت الذي على وجهك هلاكي وهلاك بيت المقدس! فنزعها وغرسها في حائطه، ثم قال: اللهم عم عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء، وأنهم يعلمون ما في غد، ثم لبس كفنه، وتحنط، وخل المحراب، وقام يصلي واتكأ على عصاه على كرسيه، فمات ولم تعلم الجن إلى أن مضت سنة، وتم بناء المسجد.



قال أبو جعفر النحاس: وهذا أحسن ما قيل في الآية، ويدل على صحته الحديث المرفوع، روى إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام إذا صلى رأى شجرة نابتة بين يديه، فيسألها ما اسمك؟ فإن كانت لغرس غرست، وإن كانت لدواء كتبت، فبينما هو يصلي ذات يوم إذا شجرة نابتة بين يديه، قال: ما اسمك؟ قالت: الخرنوبة، فقال: لأي شيء أنت؟ فقالت: لخراب هذا البيت، فقال: اللهم عمِّ عن الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنحتها عصا، فتوكأ عليها حولاً لا يعلمون، فسقطت، فعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنظروا مقدار ذلك، فوجدوه سنة».


وقال القرطبي كذلك: وفي التفسير بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس، قال: أقام سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام حولاً لا يعلم بموته وهو متكئ على عصاه، والجن منصرفة فيما كان أمرها به، ثم سقط بعد حول، فلما خر تبينت الإنس أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ([39]).


والحديث أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.


([1])سورة الحجر: 27.

([2])سورة الرحمن: 15. وانظر «الإحكام» لابن حزم (2/166).

([3])(9/119).

([4])سورة الأعراف: 179.

([5])«التمهيد» (11/116).

([6])سورة الكهف: 50.

([7])«جامع البيان» (8/237).

([8])المرجع السابق.

([9])للإمام العظيم آبادي (1/12)، وانظر «فيض القدير» للمناوي (1/99).

([10])«مجموع الفتاوى» (19/39)، وانظر «حاشية ابن القيم» (14/8).

([11])سورة الرحمن: 56.

([12])(7/315).

([13])سورة الذاريات: 56-58.

([14])بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم (4/248).

([15])سورة إبراهيم: 4.

([16])سورة سبأ: 28.

([17])سورة الجن: 11.

([18])(8/240).

([19])«فتح الباري» (6/345)، وانظر «التمهيد» لابن عبد البر (11/117).

([20])سورة الجن: 14، 15.

([21])سورة الأحقاف: 29-32.

([22])سورة الجن: 17، ومعنى (صعدًا) أي شاقًا.

([23])سورة فصلت: 33.

([24])موضع قرب مكة.

([25])قال النووي: الصواب «بنخلة» مكان معروف.

([26])هو ابن مسعود t.

([27])سورة الإسراء: 57.

([28])انظر «معجم الطبراني الكبير» (4/211).

([29])انظر «مسند البزار» (7/97) برقم (2655)، وانظر «حلية الأولياء» (6/245)، وانظر «الإرشاد» لأبي يعلي (2/187).

([30])(6/357).

([31])(2/316).

([32])(2/339).

([33])قال في مجمع الزوائد (9/199): «رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه»، وانظر «فيض القدير» (1/205).

([34])لم أقف عليه.

([35])«فتح الباري» (7/4)، وانظر «لسان الميزان» (7/301).

([36])انظر «فتح الباري» (4/114)، وانظر «تحفة الأحوذي» للمبارك فوري (3/291).

([37])(3/291).

([38])سورة سبأ: 14.

([39])«الجامع لأحكام القرآن» (14/179، 180).









رد مع اقتباس