وسأذكرك أيها المسلم بدروس نغفل عنها:
أ- الاعتبار بالليل الذي نتذكر به القبر فنكثر من زيارة المقابر الزيارة الشرعية عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها»([1]).
ب- الاعتبار بالنوم: الذي يذكرنا بالموت بنص الآية والحديث، قال تعالى: } وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ { [الأنعام: 60]، وقال تعالى: } اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ { [الزمر: 42].
أما الحديث فقال صلى الله عليه وسلم: «النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون»([2])، وبهذا الاعتبار يكثر من ذكر الموت عملاً بالحديث: «فأكثروا من ذكر هادم اللذات»([3]).
ج- الاعتبار بالنهار: الذي يذكر بالآخرة باجتماع الناس وزحام الناس، فيجعل الآخرة همه لكي يجمع الله عليه شمله ويجعل غناه في قلبه وتأتيه الدنيا وهي راغمة.
د- الاعتبار بالشمس: التي تذكر بالحساب يوم أن يجد حرّها ويتصبب العرق وتدنو من روس الخلائق، تكون منهم قدر ميل، قال سليم بن عامر: فلا أدري هل أراد بميل، ميل المكحلة أو المسافة في الأرض. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: «يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا»([4]).
هـ- الاعتبار بالقمر: لأن الهلال يبدأ صغيرًا ثم يكبر حتى يكمل في الخامس عشر، ثم يتناقص شيئًا فشيئًا حتى يعود كما بدأ، ويختفي في ليلة أو ليلتين آخر الشهر، وهو يذكر بحال الإنسان عندما يولد وعندما يشيب وعندما يهرم.
و- الاعتبار بالفصول الأربعة:
ففصلاً الشتاء والصيف: يذكران بالنار.
وفصلا الربيع والخريف: يذكران بالجنة.
* نتذكر في هذا العام مثلاً كم من ميت مات، كان معنا في أول هذا العام لكنه لم يدرك آخر العام!
*نتذكر كم مولود لم يكن موجودًا أول العام أصبح آخر العام مولودًا! إنها أرحام تدفع وأرض تبلع!!
* نتذكر كم من غني في أول العام أصبح في آخر العام فقيرًا، والعكس.
* نتذكر كم من صاحب ملك نزع منه: كان له الملك أول العام، وأصبح آخر العام ليس له ملك.
الخامس: حفظ الأعمال:
وتحفظ الأعمال بثلاثة أمور، وإن اقتصرنا على أمرين لكان صحيحًا:
1- الإخلاص.
2- المتابعة.
3- إتقان العمل.
أما الإخلاص: فتجعل كل شيء لله، لا تجعل مع الله ندًا ولا شريكًا، فبالإخلاص يحفظ العمل، ويحفظ الإيمان، وتحفظ الفطرة، وينجو من النار، ويأمن من الفتنة.
أما المتابعة:أي متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه أسوتنا الذي نتأسى به، وقدوتنا الذي نقتدي به، ومعلمنا الذي نتعلم منه، والهادي الذي نهتدي به، ومعلمنا الذي نتعلم منه، والهادي الذي نهتدي به، من اقتدى به دخل الجنة، ومن لم يقتد فقد أبى دخول الجنة، يقول صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد»([5])، ويقول: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى» قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى»([6]).
* أما إتقان العمل: فلا يكون العمل مُتقنًا إلا بالإخلاص والمتابعة، قال صلى الله عليه وسلم: «لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا» قال ثوبان: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها»([7]).
السادس:حفظ الأعمار:
وتحفظ الأعمار بخمسة أمور:
1- التوبة: وهي الإنابة لله والاستسلام له، وطلب الهداية وأسبابها، والعمل الصالح، ومداومة التوبة، واستعجال التوبة، وإصلاح الماضي بالندم، وإصلاح الحاضر بالإقلاع عن الذنب وبالإخلاص، وبردَّ المظالم إلى أهلها.
2- الاستقامة: وهي الثبات على دين الله عز وجل، والاستقامة على الإيمان والتقوى، ومداومة العمل الصالح، والدعاء، وقراءة القرآن على الدوام، ومصاحبة الصالحين، والعلم النافع، والاقتداء بالأنبياء.
3- مراقبة الرب عز وجل: في كل مكان وفي كل زمان، وعلى كل حال.
4- حفظ النهار بالصيام:لأنه جنة من الذنوب والمعاصي والشر والفساد والآثام والنار، وباب من أبواب الجنة، ومن أبواب الخير.
5- حفظ الليل بالقيام: لأنه شعار الصالحين، ودأب الصالحين، وبه تتحقق العبودية والشكر لله، وبه يُجاهد الشيطان، وبه تفتح أبواب الخير، وبه تغلق أبواب الشر، وسبب من أسباب دخول الجنة، وهو سبب من أسباب النجاة من النار، ومرضاة لرب العالمين، ومغفرة للذنوب، وبه يجاهد الإنسان نفسه ويجاهد به عدوه، وهو مطرد لداء الجسد.
([1]) مسلم كتاب الجنائز باب استئذان النبي r ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (977).
([2]) رواه الطبراني في الأوسط والبزار وصححه الألباني في الصحيحة (3/74).
([3]) صححه الألباني في إرواء الغليل (3/145).
([4]) البخاري كتاب الرقاق باب قول الله تعالى: {أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } (6532).
([5]) مسلم كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (4468).
([6]) البخاري كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7280).
([7]) ابن ماجه كتاب الزهد باب ذكر الذنوب وصححه الألباني برقم (4245).