* أسباب الوقوع في الشهوة:
السبب الأول: المحبة الموهوم صلاحها:
وإن شئت فقل المحبة لغير الله، وهذا ما يعيش بعضهم، ويطلق عليه وصف التعلق، فأحيانًا تكون البداية بمحبة في الله ، وتصبح هي الهدف من تلك العلاقة، فإذا غاب ذلك الهدف، وكثرة اللقاءات وأصبحت هي الغايات وقع الخلل، وبخاصة إذا كان فارق السن كبيرًا، أو وجد عوامل تغذي جانب التعلق: كالمزاح، والخواء الروحي، والتجمل الزائد، وغيرها من الأمور، وقد درج ابن حزم رحمه الله أقسام تلك المحبة على خمس درجات:
أولها: الاستحسان، وهو أن يتمثل الناظر صورة المنظور حسنة، أو يستحسن أخلاقه، وهذا يدخل في باب التصادق.
ثم الإعجاب، وهو رغبة الناظر في المنظور إليه، وفي قربه.
ثم الألفة، وهي الوحشة إليه متى غاب.
ثم الكلف، وهو غلبة شغل البال به، وهذا النوع يسمى في باب الغزل بالعشق.
ثم الشغف، وهو امتناع النوم، والأكل، والشرب إلا اليسير من ذلك، وربما أدى ذلك إلى المرض، أو إلى التوسوس، أو إلى الموت، وليس وراء ذلك منزلة في تناهي المحبة أصلاً )([1]).
وزيادة على ما سبق أسوق لك أخي الكريم بعض الدلائل التي تدل على وجود داء التعلق، فمنها:
1- إيثار بعضهم أنسه بصاحبه ومن تعلق قلبه به على أنسه بالله عز وجل، وأنسه بالخير والهدى.
2- استقلال رغبات الصاحب، بينما استكثاره لداعي الاستجابة لله عز وجل وداعي الخير والهدى.
3- الغضب والغيرة للصاحب أكثر من الغضب والغيرة عن انتهاك حرمات الله عز وجل.
4- غض الطرف عن مساوئ الصاحب ومن القلب به متعلقٌ، والنظر إلى حسناته مع إسقاط أخطائه وزلاته، أو مقارنته بمن هو أسوأ خشية التأثير في نفسيته!!
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد
جاءت محاسنه بألف شفيع
5- دوام المجالسة والممازحة، وبذل المال دون وجود الداعي لذلك.
وأذكر بعض ضوابط الأخوة في الله، والتي تجلي لنا داء التعلق وكوامنه:
أولها: التجرد والصدق في طلب الأخوة.
ثانيها: أن تكون مبنية على البر والتقوى.
ثالثها: أن يكون هناك تناصح ودعوة بالحسنى.
رابعها: ألا تؤدي هذه الأخوة إلى التفريط في حق الله، بحجة الانشغال بالأهم!
خامسها:أن تقترن بالإيمان والعمل الصالح، فهما المقياس لتلك العلاقة؛ متى ما فقدت فقدت معها الأخوة في الله.
2-السبب الثاني : الفراغ والخلوة وكثرة التفكير والاستغراق في الخواطر الرديئة:
فإذا ما ارتبط الفراغ بالخلوة ومرحلة الشباب، وكذا عدم وضوح الأهداف أو ضوابطها حصلت الويلات:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسدة
فقد يظن أن حصول الخيرية والاستقامة الظاهرية للشاب من البدهيات الرئيسة في ابتعاده عن الشهوات والملهيات، وعصمة له من الفتن، ولا ريب أن هذا مفهوم خاطئ، فالاستقامة هي وضوح الهدف، والقناعة في السير على الطريق، والاجتهاد والعمل وحمل الهم، وبذل الجهد، ولزوم الجادة، ولهذا يقول أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي- رحمه الله: (إذا تعطيل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة؛ أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره، فأنى لمن هذه حاله أن، يكون عنده وقت فراغ للتفكير في الأمور الترفيهية المباحة فضلاً عن غيرها، ولا أقصد من هذه الصورة محاكمة القارئ إلى تطبيقها، بل شحذًا للهمة نحو المزيد من الرقي.
وإذا تأملنا أفضل الحلول لمسألة الفراغ والخلوة وكثرة التفكير والاستغراق في الخواطر الرديئة وجدناه غالبًا يندرج في ما ذكره ابن القيم رحمه الله، حينما قال في مجاهدة وحفظ الخواطر ما يلي:
1- العلم الجازم باطلاع الرب سبحانه ونظره إلى قلبك وعلمه بتفاصيل خواطرك.
2- حياؤك منه.
3- إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلق لمعرفته ومحبته.
4- خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
5- إيثارك له أن تساكن قلبك غير محبته.
6- خشية أن تتولد تلك الخواطر ويستعر شرارها فتأكل ما في القلب من الإيمان ومحبة الله ، فتذهب جملة وأنت لا تشعر.
7- أن تعلم أن تلك الخواطر بمنزلة الحب الذي يلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أن كل خاطرة منها فهي حبة في فخ منصوب لصيدك وأنت لا تشعر.
8- أن تعلم أن تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلاً.
9- أن تعلم أن تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلب في غمراته غرق فيه وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص منه فلا يجد إلى ذلك سبيلاً.
10- أن تعلم أن تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامة والخزي ([2]).
ولو لم يكف بعضهم من الفراغ والخلوة والاسترسال في الخواطر الرديئة إلا إضاعة الوقت، وفعل العادة السرية السيئة عند البعض لكفى ذلك رادعًا!
3-السبب الثالث : عدم سلوك المنهج النبوي في التعامل مع الشهوة:
وسلوك المنهج النبوي بالصيام عند انعدام المقدرة على تحمل الأعباء الزوجية سواءً المالية أو غيرها، وفي الحديث: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»([3]).
ومن طرق المنهج النبوي في التعامل مع الشهوة: غض البصر، وإقلال النظر إلا فيما يحل، فالنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع، وفي هذا قيل: الصبر على غض البصر أسهل من الصبر على ألم ما بعده. قال الشاعر:
وكنت متى ما أرسلت طرفك رائدًا
لقلبك يومًا أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر
عليه ولا عن بعضه أنت صابر ([4])
4-السبب الرابع : عدم إنكار المنكر:
ويكون الإنكار بالطرق الشرعية المناسبة، ولهذا يقول ابن تيمية رحمه الله
والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير منكر) ([5]). وارتباط النهي عن المنكر بموضوع الشهوة هو أن الشاب قد يرى بعض ما ابتلي به غيره من القضايا السلوكية والأخلاقية، فقد لا ينكر، أو يجامل ويداهن، فيظن منه الموافقة والتأييد لتلك الأفعال المشينة، ولذا يحصل الخلل، وسيأتي بيان ذلك الخلل في ضعف الشخصية.
5- السبب الخامس : الخواء الروحي:
وهو نوع من الفراغ يجده الشاب في نفسه، وذلك يكون ببعده عن الحسنات ومقارفته للسيئات، ويسمى أيضًا بالفراغ الإيماني، وكم سمعنا من حالات كان سبب وقوعها في الانحراف ذلكم الفراغ بشهوة ساعة، فـ «كيف يكون عاقلاً من باع الجنة بما فيها بشهوة ساعة؟!»([6]).
فتجنب الشهوات واحذر
أن تكون لها قتيلاً
فلرب شهوة ساعة
قد أورثت حزنًا طويلاً
6- السبب السادس : ضعف الشخصية والطيبة الزائدة:
وهذا الأمر سبب للوقوع في الشهوة من جهتين:
الأولى: أن يُتعدَّى على الشاب بممازحات وتجاوزات دونية لا يقبلها الشاب نفسه، فتمنعه تلك الطيبة (السذاجة) من الإنكار عليهم!!
الثانية: أن تكون طيبته طيبة زائدة، بأن يستغفل ذلك الشاب، ويثق بكل أحد، فيلتقي بالصالح والفاسد، وقد تقع المصيبة بأن يكون فريسة لأرباب الشهوات والفجور، وترديد بعضهم «أنا واثق في نفسي» ليست بإطلاق.
7- السبب السابع : إطلاق النظر:
فبعض الشباب مصاب بما يسمى بـ «حب الاختلاس» أو «استراق النظر الجنسي» فتراه يقلب بصره يمنة ويسرة، وتثيره المناظر الجنسية، وهنا يقول الدكتور فايز الحاج: (ومسترق النظر أو مختلس النظر يسعى لإشباع رغبته الجنسية عن طريق النظر من ثقب الباب، أو مراقبة المنبهات والأشياء والأفعال الجنسية، فهو دائم البحث عن فرصة يشهد فيها موقفًا مثيرًا جنسيًا، ولذلك فإنه دائم التسكع حول الحمامات، والمراحيض العامة، أو الشقق، على أمل أن يختلس نظرة إلى شخص عارٍ»([7]).
([1])الأخلاق والسير، لابن حزم ص136.
([2])طريق الهجرتين ص274.
([3])فتح الباري 9/134.
([4])الجواب الكافي ص218.
([5])رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص17.
([6])الفوائد ص60.
([7])الفاحشة – عمل قوم لوط ص63.