منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - هل خرج محمد بن عبد الوهاب عن الخلافة العثمانية ؟ [مجموعة من العلماء]
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-10-21, 12:51   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
العثمَاني
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية العثمَاني
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مناقشة شرعية لسبب خروج الوهابية على الخلافة العثمانية (10)

معنى التكفير:

قد يقول قائل (كما في دعاوى المناوئين، ص169-171):"لقد بلغت هذه الفرية الخاطئة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله -، فتعددت ردوده وأجوبته عليها، ولأن فرية تكفير المسلمين واستباحة دمائهم قد شاعت وذاعت في غالب بلاد المسلمين، وانتشرت انتشار النار في الهشيم، فقد حرص الشيخ – رحمه الله – على تأكيد هذه الردود, وإعلان براءته مما ألحق به..، فأرسل هذه الردود إلى مختلف البلاد. فعلى النطاق المحلي في منطقة نجد، نلاحظ أن الشيخ قد بعث رسالة لأهل الرياض ومنفوحه، ينفي تلك الفرية، يقول الشيخ الإمام رحمه الله: (وقولكم إننا نكفر المسلمين، كيف تفعلون كذا، كيف تفعلون كذا. فإنا لم نكفّر المسلمين، بل ما كفرنا إلا المشركين). ويبعث رسالة لمحمد بن عيد أحد مطاوعة ثرمداء، يقول فيها: (وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن، والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم، يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله)... ويؤكد الشيخ الإمام - مرة أخرى - بطلان تلك الدعوى، وأنها دعوى كذب وبهتان، فيقول جواباً على سؤال الشريف..: (وأما الكذب والبهتان، فمثل قولهم: أنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله..). ويبعث الشيخ رسالة لأحد علماء المدينة لدحض فرية تكفير الناس عموما، يقول الشيخ: (فإن قال قائلهم أنهم يكفرون بالعموم فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، الذي نكفر الذي يشهد أن التوحيد دين الله ودين رسوله، وأن دعوة غير الله باطلة ثم بعد هذا يكفّر أهل التوحيد). ويكتب الشيخ الإمام إلى إسماعيل الجراعي صاحب اليمن تكذيباً لهذه الفرية، قال الشيخ: (وأما القول بأنّا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين، ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم)".

أقول:

ردود الشيخ ابن عبد الوهاب تتعلّق بأمرين: عدم تكفير المسلمين، والتكفير بالعموم.

أمّا التكفير بالعموم فمعناه – كما في جواب مسائل وردت على ولدي الشيخ ابن عبد الوهاب حسين وعبد الله -: "أن يكفّر الناس كلهم عالمهم وجاهلهم، ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم، وأما التكفير بالخصوص فهو أن لا يكفّر إلا من قامت عليه الحجة بالرسالة التي يكفر من خالفها" (عن مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1 ص44). فالشيخ لا يكفّر كل فرد بعينه، وهذا معنى نفيه التكفير بالعموم.
وأمّا عدم تكفير المسلمين، فالشيخ لا يكفّر إلا من ثبت كفره لديه؛ ولذا قال: "ما كفرنا إلا المشركين". ومراد الشيخ أنّ من كفّرهم لم يثبت إسلامهم حتى يقال إنّه كفّر المسلمين.

والملاحظ في هذه الردود أنّ الشيخ لا ينكر التكفير أي يقرّ بأنه كفّر، ولكنه ينفي التكفير بالعموم. فمن كفّر الشيخ؟

الحقيقة أنّ الشيخ ابن عبد الوهاب لم يكفّر كلّ الناس أي حكم على كل فرد بعينه بأنه كافر، إنما كفّر أغلب الناس، وكفّر المجتمع والدار والدولة. وإليك الدليل من ثقافة الدعوة الوهابية:

- قال الشيخ ابن عبد الوهاب لمحمد بن سعود (كما في عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر ج1ص42): "وأنت ترى نجداً وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة والاختلاف والقتال لبعضهم بعض".

- وقال في رسالة أرسلها إلى مطاوعة أهل سدير والوشم والقصيم (كما في تاريخ نجد، ص243-245): "وهذا معنى قول (لا إله إلا الله)... فمن عرف هذه المسألة عرف أن أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان، وزيّن لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب حبّ الصالحين وتعظيمهم... لكن المشركون في زماننا أضلّ من الكفار الذين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين: أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}، الآية. والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أناسا لا يوازنون عيسى والملائكة. إذا عرفتم هذا فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر، عبادة الأصنام، هذا يأتي إلى قبر نبي، وهذا إلى قبر صحابي كالزبير وطلحة، وهذا إلى قبر رجل صالح وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته، وهذا ينذر له، وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والآخرة، وهذا يسأله خير الدنيا والآخرة. فإن كنتم تعرفون أن هذا الشرك من جنس عبادة الأصنام الذي يخرج الرجل من الإسلام، وقد ملأ البر والبحر، وشاع وذاع، حتى إن كثيرا ممن يفعله يقوم الليل، ويصوم النهار، وينتسب إلى الصلاح والعبادة فما بالكم لم تفشوه في الناس؟ وتبينوا لهم أن هذا كفر بالله، مخرج عن الإسلام؟".
- وقال في رسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن ربيعة مطوع أهل ثادق (كما في تاريخ نجد،ص342): "وهذا الشرك الذي ذكره قد طبق اليوم مشارق الأرض ومغاربها، إلا الغرباء المذكورين في الحديث {وقليل ما هم}...".

- وقال (كما في الدرر السنية، ج10 ص6-8): "فاصبروا يا إخواني، واحمدوا الله على ما أعطاكم، من معرفة الله سبحانه، ومعرفة حقه على عباده، ومعرفة ملة أبيكم إبراهيم - في هذا الزمان - التي أكثر الناس منكر لها... وسمعتم قول المشركين: الشرك عبادة الأصنام، وأما الصالحون فلا، وسمعتم قولهم: لا نريد إلا من الله، لكن نريد بجاههم; وسمعتم ما ذكر الله في جواب هذا كله. وقد منّ الله عليكم بإقرار علماء المشركين بهذا كله، سمعتم إقرارهم: أن هذا الذي يفعل في الحرمين، والبصرة، والعراق، واليمن، أن هذا شرك بالله، فأقروا لكم: أن هذا الدين الذي ينصرون أهله، ويزعمون أنهم السواد الأعظم، أقروا لكم أن دينهم هو الشرك".

- وقال ابن غنّام (في تاريخ نجد، ص13-14): "كان أكثر المسلمين – في مطلع القرن الثاني عشر الهجري – قد ارتكسوا في الشرك، وارتدوا إلى الجاهلية، وانطفأ في نفوسهم نور الهدى، لغلبة الجهل عليهم، واستعلاء ذوي الأهواء والضلال. فنبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، واتبعوا ما وجدوا عليه آباءهم من الضلالة... فعدلوا إلى عبادة الأولياء والصالحين... وظلوا يعكفون على أوثانهم تلك حتى صدق فيهم قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}. وأحدثوا من الكفر والفجور، والشرك بعبادة أهل القبور، وصرف النذور إليهم، والابتهال بالدعاء لهم ما زادوا به على أهل الجاهلية... عكف إذن أكثر الناس على دعوة الأولياء والصالحين: أمواتهم وأحيائهم وفتنوا بالاعتقاد بقدرتهم على تقديم النفع وصرف السوء من دون الله... ولقد انتشر هذا الضلال حتى عمّ ديار المسلمين كافّة...". وانظر تفصيله لمظاهر الشرك في بلاد المسلمين كافة (نجد، الحجاز، الشام، مصر، العراق...) من ص14 إلى ص22 من كتابه.

- وقال ابن بشر (كما في عنوان المجد في تاريخ نجد،ج1 ص33-34): "وكان الشرك إذ ذاك قد فشا في نجد وغيرها، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور والبناء عليها والتبرك بها والنذر لها، والاستعاذة بالجن والنذر لهم، ووضع الطعام وجعله لهم في زوايا البيوت لشفاء مرضاهم ونفعهم. والحلف بغير الله وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر".

- وقال عبد العزيز بن سعود في رسالة إلى أهل المخلاف السليماني (كما في الدرر السنية، ج1 ص266-267): "... فلما منّ الله علينا بمعرفة ذلك، وعرفنا أنه دين الرسل، اتبعناه ودعونا الناس إليه، وإلا فنحن قبل ذلك على ما عليه غالب الناس، من الشرك بالله، من عبادة أهل القبور، والاستغاثة بهم، والتقرب إلى الله بالذبح لهم، وطلب الحاجات منهم، مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات، وارتكاب الأمور المحرمات، وترك الصلوات، وترك شعائر الإسلام، حتى أظهر الله تعالى الحق بعد خفائه، وأحي أثره بعد عفائه، على يد شيخ الإسلام، فهدى الله تعالى به من شاء من الأنام. وهو الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أحسن الله له في آخرته المآب، فأبرز لنا ما هو الحق والصواب، من كتاب الله المجيد، الذي: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].فبين لنا أن الذي نحن عليه، وهو دين غالب الناس، من الاعتقادات في الصالحين وغيرهم، ودعوتهم، والتقرب بالذبح لهم، والنذر لهم، والاستغاثة بهم في الشدائد، وطلب الحاجات منهم أنه الشرك الأكبر، الذي نهى الله عنه، وتهدد بالوعيد الشديد عليه، وأخبر في كتابه أنه لا يغفره إلا بالتوبة منه... فحين كشف لنا الأمر، وعرفنا ما نحن عليه من الشرك، والكفر بالنصوص القاطعة، والأدلة الساطعة، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام الأئمة الأعلام الذين أجمعت الأمة على درايتهم، عرفنا أن ما نحن عليه، وما كنا ندين به أولا، أنه الشرك الأكبر، الذي نهى الله عنه وحذر...".

- وقال سعود بن عبد العزيز في رسالة إلى الكتخدا علي بك نائب والي بغداد من قبل الدولة العثمانية(كما في الدرر السنية، ج9 ص285): "... وما ذكرت من جهة الحرمين الشريفين، الحمد لله على فضله وكرمه، حمدا كثيرا كما ينبغي أن يحمد، وعز جلاله، لما كان أهل الحرمين آبين عن الإسلام، وممتنعين عن الانقياد لأمر الله ورسوله، ومقيمين على مثل ما أنت عليه اليوم من الشرك والضلال والفساد، وجب علينا الجهاد بحمد الله فيما يزيل ذلك عن حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم من غير استحلال لحرمتهما".

- وقال إبراهيم وعبد الله وعلي أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1 ص27): "... تعرفون ما من الله به علينا وعليكم من دين الإسلام وهو أعظم نعمة أنعم الله بها على جميع المسلمين. وأكثر الناس اليوم على الشرك وعبادة غير الله".
- وفي جواب مسائل وردت على ولدي الشيخ ابن عبد الوهاب حسين وعبد الله قالا (كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج1 ص44): "وقد يحكم بأنّ أهل هذه القرية كفار حكمهم حكم الكفار ولا يحكم بأن كل فرد منهم كافر بعينه؛ لأنه يحتمل أن يكون منهم من هو على الإسلام معذور في ترك الهجرة أو يظهر دينه ولا يعلمه المسلمون [أي أتباع الوهابية]...".

- وقال عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (كما في مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، ج4 ص48-49): "... الاختلاف الذي بيننا وبينكم ليس هذا سببه، وإنما سبب الاختلاف والعداوة والمقاتلة لمن قاتلناه هو الشرك بالله الذي قد انتشر وذاع في سائر البلاد، من يمن وشام ومغرب ومشرق، وهو الاستغاثة بالصالحين ودعوتهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد...".

- وسئل أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى (كما في الدرر السنية، ج9 ص252-253): "من لم تشمله دائرة إمامتكم، ويتسم بسمة دولتكم، هل داره دار كفر وحرب على العموم؟ فأجابوا: الذي نعتقده وندين الله به، أن من دان بالإسلام، وأطاع ربه فيما أمر، وانتهى عما نهى عنه وزجر، فهو المسلم حرام المال والدم، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولم نكفر أحدا دان بدين الإسلام، لكونه لم يدخل في دائرتنا، ولم يتسم بسمة دولتنا، بل لا نكفر إلا من كفر الله ورسوله، ومن زعم أنا نكفر الناس بالعموم، أو نوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ببلده، فقد كذب وافترى. وأما من بلغته دعوتنا إلى توحيد الله، والعمل بفرائض الله، وأبى أن يدخل في ذلك، وأقام على الشرك بالله، وترك فرائض الإسلام، فهذا نكفره ونقاتله، ونشن عليه الغارة، بل بداره; وكل من قاتلناه فقد بلغته دعوتنا، بل الذي نتحقق ونعتقده: أن أهل اليمن وتهامة، والحرمين والشام والعراق، قد بلغتهم دعوتنا، وتحققوا أنا نأمر بإخلاص العبادة لله. وننكر ما عليه أكثر الناس، من الإشراك بالله من دعاء غير الله، والاستغاثة بهم عند الشدائد، وسؤالهم قضاء الحاجات، وإغاثة اللهفات; وأنا نأمر بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وسائر أمور الإسلام; وننهى عن الفحشاء والمنكرات، وسائر الأمور المبتدعات; ومثل هؤلاء لا تجب دعوتهم قبل القتال، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون، وغزا أهل مكة بلا إنذار ولا دعوة. وأما قوله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم خيبر، لما أعطاه الراية، وقال: "انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام"، فهو عند أهل العلم على الاستحباب، وأما إذا قدرنا: أن أناسا لم تبلغهم دعوتنا، ولم يعلموا حقيقة أمرنا، فإن الواجب دعوتهم أولا قبل القتال، فيدعون إلى الإسلام، وتكشف شبهتهم إن كان لهم شبهة، فإن أجابوا فإنه يقبل منهم، ثم يكف عنهم، فإن أبوا حلت دماؤهم وأموالهم".

- وقال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين (كما في الدرر السنية، ج10 ص404-405): "وهذا الذي ذكر الشيخ أن من فعله كافر بإجماع المسلمين، هو الذي يفعل اليوم عند هذه المشاهد المشهورة في أكثر بلاد الإسلام، بل زادوا على ذلك أضعافه، وضموا إلى ذلك الذبح والنذر لهم، وبعضهم زاد السجود لهم في الأرض. فنقول: كل من فعل اليوم ذلك عند هذه المشاهد، فهو مشرك كافر بلا شك، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع؛ ونحن نعلم أن من فعل ذلك ممن ينتسب إلى الإسلام، أنه لم يوقعهم في ذلك إلا الجهل، فلو علموا أن ذلك يبعد عن الله غاية الإبعاد، وأنه من الشرك الذي حرمه الله، لم يقدموا عليه، فكفرهم جميع العلماء، ولم يعذروهم بالجهل، كما يقول بعض الضالين: إن هؤلاء معذورون لأنهم جهال".

- ووصف الشيخ عبد اللّطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب ما كان عليه الناس زمن الشيخ ابن عبد الوهاب فقال (كما في عيون الرسائل والأجوبة على المسائل، ص661-672): " كان أهل عصره ومصره في تلك الأزمان، قد اشتدت غربة الإسلام بينهم، وعفت آثار الدين لديهم، وانهدمت قواعد الملة الحنيفية، وغلب على الأكثرين ما كان عليه أهل الجاهلية، وانطمست أعلام الشريعة في ذلك الزمان، وغلب الجهل والتقليد والإعراض عن السنة والقرآن، وشب الصغير وهو لا يعرف من الدين إلا ما كان عليه أهل تلك البلدان، وهرم الكبير على ما تلقاه عن الآباء والأجداد، وأعلام الشريعة مطموسة، ونصوص التنزيل وأصول السنة فيما بينهم مدروسة، وطريقة الآباء والأسلاف مرفوعة الأعلام، وأحاديث الكهان والطواغيت معبورة غير مردودة ولا مدفوعة، قد خلعوا ربقة التوحيد والدين، وجدوا واجتهدوا في الاستغاثة والتعلق على غير الله، من الأولياء والصالحين، والأوثان والأصنام والشياطين. وعلماؤهم ورؤساؤهم على ذلك مقبلون، ومن بحره الأجاج شاربون، وبه راضون... وهكذا سائر بلاد نجد، على ما وصفنا من الإعراض عن دين الله، والجحد لأحكام الشريعة والردّ. ومن العجب أن هذه الاعتقادات الباطلة، والمذاهب الضالة، والعوائد الجائرة، والطرائق الخاسرة قد فشت وظهرت، وعمّت وطمّت، حتى بلاد الحرمين الشريفين... كذلك ما يفعل بالمدينة المشرفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، هو من هذا القبيل، بالبعد عن منهاج الشريعة والسبيل... وأما بلاد مصر وصعيدها وفيومها وأعمالها، فقد جمعت من الأمور الشركية والعبادات الوثنية والدعاوى الفرعونية ما لا يتسع له كتاب، ولا يدنو له خطاب، لا سيما عند مشهد أحمد البدوي وأمثاله من المعتقدين المعبودين. فقد جاوزوا بهم ما ادعته الجاهلية لآلهتهم... كذلك ما يفعل في بلدان اليمن، جار على تلك الطريق والسنن، ففي صنعاء وبرع والمخا وغيرها من تلك البلاد ما يتنزّه العاقل عن ذكره ووصفه، ولا يمكن الوقوف على غايته وكشفه، ناهيك بقوم استخفهم الشيطان، وعدلوا عن عبادة الرحمن إلى عبادة القبور والشيطان. فسبحان من لا يعجل بالعقوبة على الجرائم، ولا يهمل الحقوق والمظالم. وفي حضرموت والشحر وعدن ويافع ما تصتك عن ذكره المسامع، يقول قائلهم: شيء لله يا عيدروس! شيء لله يا محيي النفوس. وفي أرض نجران من تلاعب الشيطان، وخلع ربقة الإيمان، ما لا يخفى على أهل العلم بهذا الشأن... وكذلك حلب ودمشق وسائر بلاد الشام، فيها من تلك المشاهد والنصب والأعلام ما لا يجامع عليه أهل الإيمان والإسلام من أتباع سيد الأنام، وهي تقارب ما ذكرنا من الكفريات المصرية، والتلطخ بتلك الأوحوال الوثنية الشركية. وكذلك الموصل وبلاد الأكراد، ظهر فيها من أصناف الشرك والفجور والفساد. وفي العراق من ذلك بحره المحيط بسائر الخلجان... وكذلك جميع قرى الشط والمجرة على غاية من الجهل والمغرّة. وفي القطيف والبحرين من البدع الرافضية، والأحداث المجوسية، والمقامات الوثنية، ما يضاد ويصادم أصول الملة الحنيفية. فمن اطلع على هذه الأفاعيل، وهو عارف بالإيمان والإسلام، وما فيهما من التفريع والتأصيل، تيقن أن القوم قد ضلوا عن سواء السبيل، وخرجوا عن مقتضى القرآن والدليل، وتمسكوا بزخارف الشيطان، وأحوال الكهان، وما شابه هذا القبيل...".

- وقال الشيخ حمد بن علي بن عتيق (كما في هداية الطريق، ص137-138): "... بلغني عنك ما ساءني، عسى أن يكون كذبا، وهو أنك تنكر على من اشترى من أموال أهل الأحساء، التي تؤخذ منهم قهرا. فإن كان صدقا فلا أدري ما الذي عرض لك؛ والذي عندنا أنّ الذي ينكر مثل هذا الأمر يعتقد معتقد أهل الضلال القائلين: إن من قال (لا إله إلا الله) لا يكفر، وإن ما عليه أكثر الخلق من فعل الشرك وتوابعه، والرضاء بذلك، وعدم إنكاره، لا يخرج من الإسلام. وبذلك عارضوا الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أصل هذه الدعوة، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون قد اطلع على أن البلد إذا ظهر فيها الشرك وأعلنت فيها المحرمات، وعطلت فيها معالم الدين، تكون بلاد كفر، تغنم أموال أهلها وتستباح دماؤهم... هذا ونحن نقول: قد يوجد فيها من لا يحكم بكفره في الباطن من مستضعف ونحوه، وأما في الظاهر فالأمر - ولله الحمد - واضح، ويكفيك ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في أهل مكة، مع أن فيهم مستضعفين، وكذلك ما فعله أصحابه بكثير ممن ارتد عن الإسلام من استباحة الدماء والمال والسبي، وكل عاقل وعالم يعلم أن ما أتى به هؤلاء من الكفر والردة أقبح وأفحش وأكثر مما فعله أولئك...".

- وقال أيضا (كما في هداية الطريق، ص207-209): "جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر أم بلد إسلام; فنقول وبالله التوفيق:... وأما إذا كان الشرك فاشيا، مثل دعاء الكعبة والمقام والحطيم، ودعاء الأنبياء والصالحين وإفشاء توابع الشرك مثل الزنا والربا وأنواع الظلم، ونبذ السنن وراء الظهر، وفشوّ البدع والضلالات، وصار التحاكم إلى الأئمة الظلمة ونواب المشركين، وصارت الدعوة إلى غير القرآن والسنة، وصار هذا معلوما في أي بلد كان، فلا يشك من له أدنى علم أنّ هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، لا سيما إذا كانوا معادين أهل التوحيد... وجماع الأمر أنه إذا ظهر في بلد دعاء غير الله وتوابع ذلك، واستمر أهلها عليه وقاتلوا عليه، وتقررت عندهم عداوة أهل التوحيد وأبوا عن الانقياد للدين، فكيف لا يحكم عليها بأنها بلد كفر؟ ولو كانوا لا ينتسبون لأهل الكفر، وأنهم منهم بريئون مع مسبتهم لهم، وتخطئتهم لمن دان به والحكم عليهم بأنهم خوارج أو كفار، فكيف إذا كانت هذه الأشياء كلها موجودة؟ فهذه مسألة عامة كلية".

- وقال الشيخ سليمان بن سحمان (كما في منهاج أهل الحق والإتباع في مخالفة أهل الجهل والابتداع، ص15-17): "قد كان أهل نجد قبل ظهور هذه الدعوة المحمدية [أي دعوة الشيخ ابن عبد الوهاب] على غاية من الجهالة والضلالة, والفقر والعالة, لا يستريب في ذلك عاقل, ولا يجادل فيه عارف, كانوا على غاية من الجهالة في أمر دينهم, في جاهلية: يدعون الصالحين, ويعتقدون في الأشجار والأحجار والغيران, ويطوفون بقبور الأولياء, يرجون الخير والنصر من جهتها, وفيهم من كفر الاتحادية والحلولية, وجهالة الصوفية ما يرون أنه من الشعب الإيمانية والطريقة المحمدية, وفيهم من إضاعة الصلاة ومنع الزكاة وشرب المسكرات ما هو معروف مشهور, وغير ذلك من جميع الفواحش والمنكرات التي لا تحصى, ولا تستقصى, فهذه هي حال الحاضرة من أهل نجد قبل ظهور الدعوة الإسلامية والطريقة المحمدية. وأما حال الأعراب من أهل نجد وغيرهم فهم أغلظ كفرا ونفاقا, وأشد إعراضا عن الدين, مع ما هم عليه من قتل النفس ونهب الأموال وارتكاب المحرمات... ويصدق عليهم قول الأعرابي الذي وفد على الشيخ في الدرعية - لما تبين له الإسلام, وعرف أنّ ما هم عليه قبل ذلك هو الكفر والإشراك بالله - فقال: أشهد بالله أني وسائر البدو كفار, وأنّ المطوع الذي ما يكفر البدو كافر... فهذه هي حال أهل نجد حاضرتهم وباديتهم بعد ما دخلوا في دين الله وتركوا ما كانوا عليه قبل ذلك من الكفر بالله والإشراك به".

وقال (ص79): "... من في جزيرة العرب لا نعلم ما هم عليه جميعهم, بل الظاهر أن غالبهم وأكثرهم ليسوا على الإسلام, فلا نحكم على جميعهم بالكفر لاحتمال أن يكون فيهم مسلم. وأما من كان في ولاية إمام المسلمين [يعني الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود] فالغالب على أكثرهم الإسلام, لقيامهم بشرائع الإسلام الظاهرة. ومن قام به من نواقض الإسلام ما يكونون به كفارا فلا نحكم على جميعهم بالإسلام ولا على جميعهم بالكفر, لما ذكرنا. وأما من لم يكن في ولاية إمام المسلمين فلا ندري بجميع أحوالهم وما هم عليه, لكن الغالب على أكثرهم ما ذكرناه أولا من عدم الإسلام".

وقال (ص84): "أهل نجد كانوا قبل دعوة الشيخ على الكفر, وبينا أن جميع باديتهم وحاضرتهم أسلموا بتلك الدعوة, وعمهم الإسلام بما أغنى عن إعادته ههنا".

يتبع إن شاء الله تعالى...
24 محرم 1435هـ