منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رحلة بني هلال إلى الغرب و خصائصها التاريخية و الإجتماعية و الإقتصادية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-07-14, 23:19   رقم المشاركة : 350
معلومات العضو
علي أبو زيان
محظور
 
إحصائية العضو









افتراضي

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تساءل الكثير عن العربيّة الفُصحى: هل كانت قبائل العرب، جميعا، تتكلّم هذه اللّغة؟ أو هي لغة قريش وحدها، سادت بعد الإسلام ونزول القرآن بها؟ وقد رجّح العلماء القول الثّاني! فهل معنى ذلك أنّ القبائل العربيّة، المتعدّدة، كانت تتكلّم بلُغات، أو بلهجات، بعيدة عن الفُصحى؟ وهل وجود هذه اللّهجات، يعني أنّ العرب لم يكونوا جميعا يتكلّمون الفُصحى، أو يتعاملون بها؟ أو أنّهم كانوا يتعاملون، في حياتهم اليوميّة، بلغات خاصّة؛ ثمّ يتخاطبون بالفصحى، عند لقاءاتهم؟ قال أبو نصر الفارابي (پاراب-ي)، الفيلسوف التّركيّ: كانت قُريش أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ، وأسهلَها على اللّسان عند النّطق، وأحسنَها مسموعا، وأبينها إبانة عند النّطق إهـ. وقال أحمد بن فارس: أخبرني أبو الحسين أحمد بن محمّد، مولى بني مخزوم، بقزوين، قال: حدّثنا أبو الحسين محمّد بن عبّاس الخشكيّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي عبد الله، قال: ((أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرّواة لأشعارهم، والعلماء بلُغاتهم وأيّامهم ومحالّهم، أنّ قريشًا أفصح العرب ألسِنة وأصفاهم لغة)) .. وذلك أنّ الله (جلّ ثناؤه) اختارهم من جميع العرب، واصطفاهم، واختار منهم نبيّ الرّحمة (صلّى الله عليه وسلّم)؛ فجعل قريش قُطّان حرمه، جيران بيته الحرام، وولاته .. لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفيّة قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكَسْرَ الّذي تسمعه من أسد وقيس إهـ.
وممّا يلفت الانتباه أنّ الشّعراء العرب القُدماء كانوا، إذا أراد أحدهم نظم شعره، تجافى عن لهجة قبيلته المحلّيّة، إلى تلك اللّهجة الأدبيّة العامّة. وقد اتّفق العلماء اللّغويّون على استهجان تلك اللّهجات، منبّهين على ما يخالف فيها اللّغة العربيّة الفُصحى. فمنها منسوبة إلى قبائل معيّنة (ملقّبة)، ومنها ما عدّوه غير ملقّب (مشترك في كثير من اللّهجات)، ومنها ما هو لثغة، وهكذا ... (سبق ونقلت لكم أمثلة عن ذلك).
واللّهجة، في لسان العرب: اللّغة، طريقة أداء اللّغة، النّطق، جرس الكلام ونغمته.
ويعرّف المُتأخّرون اللّهجة أنّها: صفات أو خصائص تتميّز بها بيئة ما في طريقة أداء اللّغة أو النّطق.
فإن قيل اللّغة! فُهِمَ منْهُ العربيّة الفصحى.
وإن قيل لهجة منطقة ما! قُصِدَ طريقةُ أداء أهل تلك المنطقة للّغة، بخصائص معيّنة، يختلفون فيها عن غيرهم.
وقد تكون هذه الخصائص صوتيّة: نطق القاف كافا، أو الجيم ياء، أو الذّال زايا، أو في ترقيق الصّوت أو تفخيمه، أو في طريقة النّبر ونظام المقاطع؛ وقد تكون في بنية الكلمة ووزنها، وفي تقديم بعض الأصوات على بعض؛ وقد تكون في اختلاف تركيب الجملة، والرّبط بين أجزاءها، أو في دلالات بعض الألفاظ.
نقطة مهمّة: يجب أنّ تقال: هناك فرق بين التّعبير وبين الألفاظ المستعملة في ذلك التّعبير! فالتّعبير هو طريقة الكلام بعبارات تتكوّن إمّا من جملة أسميّة (مبتدأ وخبر) أو بجملة فعليّة (فعل وفاعل أو فعل وفاعل ومفعول به أو بذلك مع مُضاف ومُضاف إليه) ، وهكذا ... أمّا الألفاظ فهي الاصطلاحات الموجودة في تلك اللّغة، قد تكون منها أصلا، أو مقتبسة من لغات أخرى (سواء بقيت على حالها، أو حوّرت لتناسب اللّغة). مثال ذلك: يوجد في الإفرنسيّة مئات الكلمات الّتي دخلتها من اللاّتينيّة، وهي من أصل عربيّ: حبل، كحول، سمت، دار الصّناعة، القماش الموصليّ، غزال، جبس، زرافة، .. فهل يعني أنّنا إذا وظّفنا مجموعة كبيرة من كلمات ذات أصل عربيّ cable، alcool، zénith، arsenal، mousseline، gazelle، gypse، girafe، … في عبارة طويلة، أو في نصّ صغير، باللّغة الإفرنسيّة؛ فهل يعني ذلك أنّنا نتكلّم بالعربيّة؟ أم بالأفرنسيّة؟
• فلا يعني وجود كلمات أمازيغيّة كثيرة في لهجة ما أنّ أولئك القوم كانوا بربرا؛ منتصرين ومستشهدين لذلك بأنّ الموطن موطن بربر! فقد يكونون عربا، تأثّروا في لهجتهم واقتبسوا عن البربر الّذين اختلطوا بهم كلمات بربريّة!
• ولا يعني، حسب نفس القاعدة، أنّ وجود كلمات عربيّة في لهجتنا الأمازيغيّة أنّنا عرب! فنحن بربر تأثّرنا بالعرب في لهجتهم واقتبسنا عنهم كلمات عربيّة نتداولها اليوم (مثل ما هو في الشّاويّة اليوم)! وذلك الاقتباس إمّا عن طريق الحواضر، قبل الحملة الهلاليّة؛ وإمّا عن طريق البدو العرب بعد الحملة الهلاليّة! وإمّا أن تكون كلمات قريبة من اللّغة العربيّة (من الفينيقي’، وهي لغة ساميّة: مثل كلمة قرطا: قرية)؛ أو كلمات ذات جذور مشتركة بين اللّغات السّاميّة الحاميّة (وهو أمر لاحظه كبار المختصّين، مثل كلمة أمان = الماء؛ يذامّن = الدّم؛ ثادّارث = الدّار؛ ثامتّانت = الموت؛ ثاخّامث = الخيمة ...).
• ولذلك يقال في القاعدة: من تكلّم بالأمازيغيّة فلا شكّ بأنّه أمازيغيّ! ومن تكلّم بالعربيّة فلا يجزم بأنّه عربيّ! إذ البربريّ يستعرب (وتأثير ذلك معروف، أهمّه الدّين)! أمّا أن يتبربر العربيّ؛ فمستبعد! لترسّخ مفهوم سمّو الجنس العربيّ! ونحن نعلم أنّ ذلك باطل ما عدا في الّذين اصطفاهم الله ليخرج منهم نبيّه! إذ لا فضل لعربيّ على أعجميّ إلاّ بالتّقوى!
• فرغم أنّ اللّهجات الجزائريّة والمغربيّة والتّونسيّة واللّيبيّة والموريتانيّة مليئة إلى النّخاع بالألفاظ (الاصطلاحات) الأمازيغيّة! لم يجرأ أحد من علماء اللّغة، عالميّا، على تصنيفها ضمن اللّهجات البربريّة! بل صنّفوها ضمن اللّهجات العربيّة dialectes arabes، من اللّغة العربيّة langue arabe، من المجموعة السّاميّة groupe sémitique، من العائلة السّاميّة الحاميّة (الأفريقيّة الآسيويّة) famille chamito-sémitique (afro-asiatique).
• أمّا ما يذكر، وخاصّة في ما كتبه الإدريسيّ، عن التّبربر بالمجاورة! فكان يقصد به هوّارة طرابلس! فهؤلاء تعرّبوا في مواطنهم الأولى؛ فلمّا انتقل بعضهم إلى المغرب الأقصى، أخذوا بلغة بربر تلك النّواحي (شلوح مصمودة)! ومثال ذلك هوّارة سوس الحاليّة، الّتي كلامها كان عربيّا، ثمّ صار شلحياّ!
• فمن السّهل على الأمازيغيّ تعلّم اللّهجة العربيّة الدّارجة، إلاّ أنّه من الصّعب بمكان تعلمّ العربيّ (أو استرجاع المستعرب) اللّهجة الأمازيغيّة (قبايليّة أو شاويّة أو غيرها)! فعند الأوّل تقبّل (اجتماعيّ ونفسيّ وغيرها من العوامل) لذلك! وليس عند الثّاني (بنفس العوامل) تقبّل ذلك!
• لمّا نقلت تميّز عربيّة الحضر (البربر الآهلين المستعربين) بعلامات خاصّة، منها لثغ التّاء حرفا بين السّين والتّاء (ts)؛ ولثغ الطاء تاءً؛ ولثغ الظّاء دالاً؛ ولثغ الذّال دالا؛ ونُطْقِ القاف الحضريّة؛ قال بعضُهم في إحدى مُداخلاته: لأنّ تلك الحروف ليست في لسان البربر أصلا! فأجيبه: إنّ الحرفين الوحيدين، عند كافّة المختصّين في اللّسان والكتابة الأمازيغيّة، الدّخيلان على اللّسان الأمازيغيّ، هما حرفا العين والحاء! ولذلك لا يوجدان في خطّ التّيفيناغ! ولا يوجدان في التّارگيّة الحاليّة! فيقولون، في محمّد: مخمّد؛ وفي عليّ: غليّ. عليّ ابن مُحمّد: غالي أَگْ مَخَمّد. وقد دخل هذان الحرفان إلى لهجات الشّمال مع الفينيقيّين! أمّا الطّاء فموجود: هيطّ (هيطّاوين) = العين (العُيون). وكذلك الظّاء: يظ (ييظان) = اللّيلة (اللّيالي). وكذلك الذّال: أذرار (يذورار، يذرارن) = الجبل (الجبال). فأهل تلك المناطق بخاصّة (قبايل الحضرة)، ورُبما الحضر عامّة، ليس لديهم أصلاً هاته الحروف في لهجتهم! فهي لكنة خاصّة بهم، لا تنطبق على غيرهم من البربر!
أعلم أنّ هدف إخوتي الرّقيّ بلُغتنا وثقافتنا وهويّتنا الأمازيغيّة!
إلاّ أنّ لذلك قواعد وطرائق!
ويتوجّب ذلك بتأنّي وصبر وكفاح وتعقّل ومُحايدة وبعيدا عن كلّ عاطفة!


تفضّلوا واقرؤوا هذه المداخلة السّابقة لي:
https://www.djelfa.info/vb/showthread.php?p=3991135252#post3991135252