منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - رحلة بني هلال إلى الغرب و خصائصها التاريخية و الإجتماعية و الإقتصادية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2014-07-11, 23:17   رقم المشاركة : 287
معلومات العضو
علي أبو زيان
محظور
 
إحصائية العضو









افتراضي

السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تأثير الحملة الهلاليّة:
هذه المقتطفات في تقويّة وتأكيد وتمتين وتحقيق لمذهبي في التّاريخ، الّذي هو مذهب كلّ عاقل أريب، بعيد عن الإيديولوجيّة والغلّ والحقد، ملتزم بالنّصوص الّتي أوردها ابن خلدون وغيره من جهابذتنا، وظلّت خالدة عبر الزّمن، يستشهد بها القريب والبعيد، العدوّ والصّديق، الكافر والمسلم، وهي ضربة قاضيّة في عُنُقِ دَنِيٍّ وشلّته وأصحاب فكرته، الحقودين الجُبناء، غُصَصًا وأُجاجا في حُلوقهم، شوكا في إِبهامهم، حصى في أحذيتهم، ملحا شَطَطا في جُروحهم، كيّاتٍ على جباههم وجلودهم وظهورهم!
أن تركوا الحقّ، واتّبعوا الباطل! الشّعوبيّون، القوميّون، الأرذال، الأنذال!
أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خير!
قال Ernest Mercier (في Histoire de la berbèrie): • لما دخل الهلاليّون أرض المغرب، كانوا غير مرغوب فيهم بادئ الأمر. وكان حُكّام البربر، في صراعهم ضدّ جيرانهم، أو السّاكنات، الّتي هي من نفس أصلهم، استعانوا بهؤلاء العرب، الّذين كانوا دائمًا مستعدّين للحرب، فقرّبوا رؤساءهم بالمصاهرة والمجالسة، وأقطعوهم الأراضي، واعتمدوا عليهم في جمع الإتاوات وتجنيد الجنود. فأدى ذلك إلى ضعف الجنس البربري وتقهقره؛ وأصبح العرب القوة الفعليّة في يد الحكّام الأمازيغ، ففرض هؤلاء عليهم نفوذهم، وأصبحوا خطرا على هؤلاء الحكّام أنفسهم.وقد فرض العرب نفوذهم أوّل الأمر على القبائل البربريّة والواحات المنعزلة؛ ومع مرور الوقت امتد نفوذهم حتى إلى مدن التل المهمة. • ففي البسائط، حيث تجاور العرب والبربر في السُّكنى، أخذ البربر بمذاهب العرب في زيهم ولغتهم وسائر شعارهم، وهجروا لغتهم العجميّة إلى لغتهم، ثم نسوها كأن لم تكن لهم. وهذه الحالة قد تأكّد منها، سجّلها، شاهدها، أثبتها، اكتشفها، ابنُ خلدون [constaté par Ibn-Khaldoun]، في عدّة مواضع من مُؤلّفه. قال: ((ولهاصة، من نفزاوة، يركبون الخيل، ويأخذون مذاهب العرب، في زيّهم، ولغتهم، وسائر شعارهم؛ كما هو شأن هوّارة))‏. وفي موضع آخر لهُ، فيما يخصّ هوّارة، كان كلامه أكثر دقّة [il est encore plus précis]: ((من هوّارة، بأرض التّلول، من إفريقيا، ما بين تبسّة إلى مرماجنّة إلى باجة، ظواعن، صاروا في عداد النّاجعة من عرب بني سُليم، في اللّغة والزّيّ وسكنى الخيام وركوب الخيل وكسب الإبل وممارسة الحروب وإيلاف الرّحلتين في الشّتاء والصّيف‏ في تلولهم ... وهجروا لغتهم العجميّة إلى لغتهم، ثم نسوها كأن لم تكن لهم إه. هذا التّحوّل المهمّ، الّذي وصفه ابن خلدون، هو الّذي منح سُكّان البسائط وفُحوص الوديان، في تونس والمغرب الأوسط، شكلهم الحاليّ.إنّ العرب الأقحاح يتركّزون اليوم في عمالة طرابلس، وعلى تخوم الهضاب العليا وفي الصحراء، ويمثّلهم اليوم المخادمة وأولاد نايل والسّحاري والعكارمة وحميان وآخرين كُثُر.أمّا القبائل العربيّة، الّتي تسرّبت إلى التّلّ، فقد انصهرت بالسّاكنة المحلّيّة، وزيادة على أسماءها، الّتي ظلّت شاهدة عليها، فقد عرّبت جيرانها بالمُجاورة. فما كان من هؤلاء البربر إلاّ أَنْ اتّخذوا أسماء جديدة، بالصّيغة المعروفين بها اليوم. نذكر، مثلا، في عمالة قُسنطينة، اللّمامشة والحنانشة والحراكتة، ثلاث قبائل تشكّلت من هوّارة، وتسيطر على الهضاب، تبسّة قُسنطينة وباجة. إنّها، هي، الّتي تكلّم عنها ابن خلدون، أعلاه. يوجد في شماليّهم عرب مرداس (سليم)؛ ومن غربيّهم كَرْفة ودُريد (الأثبج)، الّذين انصهروا نهائيّا وتشتّتوا، بينما كان العُنصُر المحلّيّ المُتجدّد قد استرجع غلبته. نذكر أيضا أولاد عبد النّور، بين سطيف وقسنطينة، الّذين تكوّنوا، في أكثرهم، من سدويكش (كُتامة). • أمّا في عمالة وهران، فقد دخل العرب في فترة أحدث نسبيّا، وظلّوا أنقياء رغم تواجد ساكنات بربريّة، خضعت لهم، دون أن تكون لها القوّة الكافيّة، لتظهر على شكل جديد، كما حدث في عمالة قُسنطينة. • ويجب الإشارة أيضا إلى وصول الشّيوخ المرابطين، القادمين عموما من الغرب، من السّاقيّة الحمراء، في عمالة درعة. فقد كانوا محترمين من جانب السّكّان الّذين قدموا إليهم، وأثّروا عليهم تحت غطاء الدّين، فقد جمعوا، في كذا موضع، تحت لواءهم، عشائر مختلفة الأصول، اتّخذت اسمهم إهـ.
قال Stéphane Gsell (في Histoire ancienne de l’Afrique du Nord): هذا القطر، الّذي تقاتل عليه الشّرق والغرب، والّذي ترك به كُلٌّ طابِعَهُ، والّذي اختلط فيه الرّومان والرّوم ليغرسوا به المسيحيّة اللاّتينيّة؛ أصبح من هذا الحين (الفتح العربيّ) كلّه شرقيّا، وانقضى بذلك عصر الاتّحاد اللاّتينيّ، الّذي كان حول البحر المتوسّط إه. وقال أيضا: البربر، كانوا يثورون على العرب، إمّا أنفة من أداء الخراج، وإمّا طمعا في الاستقلال، وغرضهم إخراج العرب من وطنهم؛ وقد استطاعوا أن يؤسّسوا دويلات أو دولا من طرابلس إلى الأندلس؛ ومع ذلك لم يفكروا، ولو يوما واحدا، في رفض لغة العرب وديانتهم، والرّجوع إلى اللّغة اللاّتينيّة والدّين المسيحيّ؛ فبقي مؤلّفوهم، في الفقه والتّوحيد والتّاريخ، يكتبون تآليفهم باللّغة العربيّة؛ وملوكهم شادوا قصورهم على الفنّ العربي؛ وصارت بعض القبائل البربريّة تُلفّق أنسابا تتصل بها من العرب؛ ولم يبقى من حضارة الرومان والبيزنطيّين غير خرابات عظيمة وتذاكير للقوّة الرّوميّة إه.
ويستغرب المؤرخ الفرنسي Félix Gautier (في Passé de l’Afrique du Nord) في سبب تزايد بني هلال، وتأثيرهم الكبير على بلاد المغرب، قال: كيف استطاع البدو الأعراب، من بني هلال، التّكاثر وسط عشرة ملايين بربريّ [حسب إحصائه!]؛ بينما كانوا، خلال دخولهم أفريقيا، وهم في أحسن ظرف، لا يتعدّون المائتي فرد [حسب إحصائه أيضا! وقد جعل ابن خلدون المعقل لوحدهم مائتين]، خاصّة وأنّ الظّروف المحيطة بهذا التكاثر كانت الحرب والصّراعات التي لا تسمح بأي تكاثر جنسي؟ إهـ.
قال Carette (Origine et mégration …): اختار حاكم مصر، من بين جميع الأساليب، الأسلوب النّاجع، الرّهيب، الّذي سيترك الآثارَ الأكثرَ عُمقا، وهو فتح أبواب المغرب، للقبائل العربيّة، الّتي كانت ساكنة في صعيد مصر .. ففي عام 1048م، استعدّت ثلاث قبائل عربيّة كبيرة [هلال وسُليم والمعقل] للسّير، بتعداد مليون (1.000.000) فرد، تستطيع تجهيز خمسة آلاف (5.000) مقاتل إهـ.
قال Camps (Comment la Berbèrie est devenue le Maghreb arabe ): بدأ التّعريب أوّل الأمر بلزوم النّطق الصّحيح لبعض الجُمل اللاّزمة لأداء العبادة. أمّا في المرحلة الأولى (القرن 7م-القرن 11م) فقد كان الاستعراب اللّغويّ والثّقافيّ بخاصّة في الحاضرة. فكثير من مدن المغرب القديمة، القيروان وتونس وتلمسان وفاس، احتفظت بلغة كلاسيكيّة [فُصحى] ذكرى لهذا التّعريب الأوّل .. هذه العربيّة الحضريّة، المشبعة بتعابير عديدة مقتبسة عن البربر، كانت متواجدة، أيضا، حسب W. Marçais، عند قُدماء الرّيفيّين الآهلين، مثل سكّان ساحل تونس، أو سواحل قسنطينة، أو ترارا، أو جبالة الرّيف الشّرقيّ .. وهو نتاج آليّة الاستعراب الأولى .. إلاّ أنّ هذا الشّكل القديم للعربيّة المحلّيّة، قد غمرته لُغة أكثر شعبيّة، هي العربيّة البدويّة، الّتي تشكّل، نوعا ما، وحدة جغرافيّة، من قبلة تونس إلى ساحل الذّهب، صاعدة بقوّة نحو الشّمال، إلى بسائط الجزائر الوسطى وعمالة وهران والمغرب الأقصى. وهذه العربيّة جاءت بها القبائل الهلاليّة، في القرن 11م، فهم بالفعل الّذين عرّبوا حقيقة قسما كبيرا من البربر .. وقد تلى بني هلال بنو سليم، الّذين تسرّبوا إلى أفريقيا، عام 1051م .. وقد كان هُناك مجموعتان رئيستان، الأولى تضمّ قبائل زَغبة والأثبج ورياح وجشم وربيعة وعديّ، الّتي تنتمي إلى هلال، والثّانية، من بني سليم. ثمّ تبعهم المعقل اليمانيّون، الّذين تبعوا طريقهم القبليّة، وبلغوا قبلة المغرب والصّحراء الغربيّة .. ومنذ قدوم هؤلاء الأعراب سعى حُكّام البربر إلى استخدامهم .. ثمّ قام الموحّدون بنقل بعض رياح وجشم والأثبج إلى مُقاطعات المغرب الأقصى، الحوز وبسائط المحيط [تامسنا ودكّالة] الّتي عرّبوها أيضا .. إنّها ظاهرة غريبة وشاذّة، يجب أن تُقال، وحادثة تاريخيّة مُدهشة (مذهلة)، هذا التّحوّل العرقيّ الاجتماعيّ (ethno-sociologique) لساكنة من عدّة ملايين من البربر، بفعل بعض عشرات الآلاف من الأعراب! .. فقد كان الوندال ضِعْفَ عَددِهم! ولكن محاهم البيزنطيّون .. إهـ.
شُكرا.