الطب عند العرب قبل الإسلام
عرف العرب الطب في الجاهلية وذكر علماء اللغة أن الطب من المجاز بمعنى السحر فوجدوا علاقة بين الطب والسحر ، وهو تعبير عن مداواة الأمراض قديماً بالسحر فقد كان الساحر طبيباً يقصده الناس للتداوي بسحره وهي عادة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا ، وكذلك كان الكهان يداوون المرضى ، وعرف عن كهان مصر معالجتهم للمرضى ؛ لاعتقادهم أن الأمراض من الآلهة ولا شفاء منها إلا بالتوسل إليها.
وكان الطب في الجاهلية شرف كبير ، ومكانة رفيعة الشأن ، ولا بد أن الكهان والسحرة في الجاهلية هم من مارسوا مهنة الطب بالسحر والأدعية والتجارب الخاصة ، ومن المؤسف أن الجاهلية لم تعطنا نصوصاً طبية أو نصوصاً وصفية للشفاء من الأمراض ، فاستعنا بذلك من الموارد الإسلامية مثل كتب التفسير والأخبار والتراجم والحديث وغيرها من الكتب ففيها إشارات لبعض الأمراض وفي بعضها إشارات إلى معالجة بعضها ، وأفادتنا الموارد الأعجمية كثيراً لورود أمراض فيها وطرق معالجة كانت معروفة وشائعة قبل الإسلام.
والطب في الجاهلية من العلوم المحظوظة بالنسبة لفروع العلوم الأخرى ، فقد أشير إلى أسماء عُرفت بممارستها لهذه المهنة ، ومن أهمهم :
الحارث بن كَلَدَة الثقفي ، والنَّضْر بن الحارث ، وابن أبي رمثة التميمي ، وضماد بن ثعلبة الأزدي ، وكلهم من عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم وأدرك زمانه ، وبفضل هذه المعاصرة ذُكرتْ أسماؤهم بكتب السيرة والحديث والأخبار ..
وبالنسبة للحارث بن كَلَدَة الثقفي ، فإنه من ثقيف ومن أهل الطائف ، طاف البلاد ، وتعلم الطب بناحية فارس وأرضها وتمرَّس هناك فعرف الداء والدواء.
وقيل إن سعد بن أبي وقاص مرض بمكة ، فوصَّاه الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوة الحارث بن كلدة الثقفي ، فعاده الحارث وشفاه من مرضه.
وقيل إن الحارث بن كَلَدَة الثقفي هو القائل : ( الطب : الأزم ، والبطنة بيت الدواء ، والحِمية رأسُ الدواء ، وَعوِّدوا كل بدن ما اعتاد ) ونُسِبَ للحارث كتاباً هو كتاب المحاورة في الطب بينه وبين كسرى ، ولكنْ لم يتم الإشارة إلى مضمونه أو محتوياته ، وتمَّ الزعم أن كسرى أمر بتدوينه. وذُكر أن الحارث بن كلدة كان شاعراً ذا حكمه في شعره.
أما النَّضْر بن الحارث بن كلدة الثقفي ، فقد طاف البلاد أيضاً كأبيه ، واجتمع بالأفاضل والعلماء بمكة وغيرها ، وعاشر الأخبار والكهنة ، واطلع على علوم الفلسفة والحكمة ، وتعلم من أبيه أصول الطب ، ورُويَ عنه أنه شديد العداوة للرسول فكان يُكثر الأذى له ، ويحط من قدره عند أهل مكة.
ورَوت ألأخبار أنه ابن خالة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولهذا فلا يمكن أن يكون ابناً للحارث بن كلدة الثقفي ، كما ذكر ابن أبي أصبيعة وغيره.
ومهما قيل من أخبار عن هذا النّضْر إلا أنه كان من أسياد قريش وأشرافها ، وعلى علمٍ يقين بالشعر وأخبار الأمم وأحاديث ملوك الفرس وأخبارهم ، وهذا لا ينفي مزاولته لمهنة الطب.
أما ابن أبي رمثة التميمي ، فكان طبيباً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مزاولاً لأعمال اليد وصناعة الجراح ، ولم تورد الأخبار عنه شيئاً سوى المذكور.
ومن الأطباء الذائعة أخبارهم بين الجاهليين طبيب يُدعى ابن حِدْيَم ، من تيم الرباب ، وزعم أنه كان من أطب العرب حتى أنه تفوق على الحارث بن كلدة الثقفي بطبه وضُرِبَ بطبه المثل فقيل :
( أطبُّ من حديم ) ، وكان حديم بارعاً في الكي ، وعالماً مشهوراً ، وهو أقدم من الحارث بن كلدة الثقفي.