منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-10-23, 17:19   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء السادس

السلالة البراهمية وإنما في استطاعة الإنسان أياً كانت الطائفة أو الطبقة التي ينتمي إليها أن يكتسب مثل هذه الصفات عن طريق ما يكتسبه من فضائل سلوكية وعملية في مقدمتها الوسطية والاستقامة والتأمل والحكمة ( ).
تعاليم بوذا في جملتها تمثل ثورة جذرية على الأسس الاجتماعية التي ارتكزت عليها الديانة البراهمية، تلك الديانة التي أقامت في المجتمع الهندي القديم نظاماً عبودياً ليس له مثيل، وكان أول الآراء التي دعت إليها البوذية هو القضاء على مظاهر المغالاة في التفرقة بين الطوائف من حيث الحقوق والالتزامات، وانتهجت في سبيل ذلك أساليب حول تلك المجاهدات الصوفية والأساليب التقشفية، ومحاولة خلاص الفرد من نزواته وشهواته الملحة، وليس معنى ذلك أن البوذية تعني بالتأملات العقلية والتصورات الميتافيزيقية إنما إذا نظرنا إليها من وجهة نظر تحليلية ألفينا أنها مجموعة من القواعد السلوكية العملية التي يجب علىالفرد التزامها لكي يحيا حياة فاضلة خلواً من الآلام والآثام، والسبيل إلى ذلك هو أن يسلك الفرد سلوك العدل والإخاء بعد التحرر من الشهوات ومن هنا امتزجت البوذية بالآراء الصوفية.
ومن ناحية أخرى، فإن البوذية وإن كانت قد أبعدت الناس عن التفكير في شئون الحياة الدنيوية والحقوق والوجبات الاجتماعية، إلا أنها أعلنت في نفس الوقت مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية وتقضي على المزايا الوراثية، فهناك قانون أبدي أطلق عليه مصطلح الكرما Karma ووفق هذا القانون، وجد الناس متساويين في الخلقة والحقوق بقدر مساواتهم في حظوظهم من الآلام، إن الوجود مرتبط بالألم والرغبة في الحصول على أي شيء تنطوي على عنصر الألم لهذه الرغبة، ومن ثم كان القصد في الرغبات والشهوات وسيلة فذة للتقليل من شقاء الحياة وهمومها، وتنتهي هذه الفلسفة السلوكية إلى شبه إنكار للشخصية الإبداعية الإيجابية، وإلى إعلاء لنظرية التوسط والاعتدال في أمور الحياة، ومن هنا جاء التفكير الاجتماعي البوذي ذا طابع أخلاقي سلوكي يعمل على خلاص المجتمع الهندي من براثن النظام الطائفي عن طريق هدم العقيدة البراهمية التي كانت تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة، وأن السودرا من طبيعة مدنسة يحرمه من ممارسة الحياة الدينية، وأثبتت بالتفسيرات العقلية لأسفار الفيدا Vidas التي يقدسها البراهمية والقوانين المانوية التي تنظم حياتهم الاجتماعية، إن اللاهوتية والقدسية ليست صفة ولادية أو فطرية للسلالة البراهمية، وإن كل الطبقات تتساوى في طبيعتها الحيوية والاجتماعية وإنه في استطاعة أي إنسان أيا كانت الطائفة التي ينتمي إليها أن يكتسب هذه الصفة عن طريق فضائل سلوكية عملية هي الاستقامة والتأمل والحكمة( ).
والجوهر الأساسي لمذهب (بوذا) هو فكرة الألم، فالوجود الإنساني بعيد عن الكمال، وحتى أسعد الناس وأوفرهم حظاً يتعين عليه التسليم بقدر من البؤس أو التعاسة. ولا شك أن هذه الفكرة قد ترسخت لديه منذ الصغر، فقد أحس بما يشوب من نكد وكد وتعب وشعر بما يصاب به الإنسان من مصائب تبليه بالشيخوخة والمرض والموت، ومن ثم أهدته خبرته إلى أن الحياة أساسها الألم ولا تبعث إلا على الحزن، ولا يمكن للإنسان الخلاص منها ما لم يبحث عن علة هذا الألم وأسبابه الحقيقية.
يقول: (أيها الرهبان أو النساك هذه هي الحقيقة المقدسة عن الألم: المولد ألم، والهرم (الشيخوخة) ألم والموت ألم، والاجتماع بغير المألوف ألم، وعدم الحصول على ما يهوى ألم).
لقد بحث بوذا عن علة الألم وأسبابه الحقيقية في الوجود أو العالم فوجدها ترجع إلى كل من الشهوة والجهل. أما الشهوة وخصوصاًَ شهوة الحياة التي تسبب الولادة بعد كل موت، فالجهل يدفع الإنسان إلى حب الحياة والتعلق بمفاتنها وتمعن الشهوة في طلب المزيد من اللذة والشهوة، وعلى من يعرف أن الجهل هو سبب شقائه وعلة عودته إلى الحياة فيجب عليه أن يبحث عن المعرفة الحقة التي تمحو جهله ليخلص من الآلام.
يقول: (أيها الرهبان، هذه هي الحقيقة المقدسة عن مصدر الألم الطمأ، الشهوة، الهوى، الرغبة في التلذذ، فالهوى والشهوة يجران من مولد إلى مولد، ومن ألم إلى ألم).
وسبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية ( ).
ويقوم الطريق النبيل على حقائق مقدسة:
- العقيدة الصادقة (سلامة الرأي) - النية الصادقة (سلامة النية)
- القول الطيب (سلامة القول) - الفعل الحسن (سلامة الفعل)
- العيش السوي (سلامة العيش) – الجهد القيم (سلامة الجهد)
الوعي السليم (سلامة الوعي) – التأمل الصالح (سلامة التركيز)
والإيمان بهذه العقيدة لا يكفي طالما كان سلوك الفرد غير فاضل، ولذلك يجب أن يكون صافي النية، لا يكن للغير أي شراً وحقداً وحسد، يحب خير للجميع ويعمل لخير الغير والآخرين على الدوام، وذلك لا يتحقق ما لم يتجنب الكذب والنفاق والرياء والنميمة والغيبة، يتوخى الصدق في القول ويبعد عن لغو الحديث، فلا يسب أحداً سباً يشين سمعته ويخدش كرامته، كما يجب أن يكون سلوكه فاضلاً لا يأتي بمنكر الأفعال، ولا يعتدي على حقوق الغير ولا يقتل أي كائن حي، ولا يسرق ولا يغش ولا يتعاطى الخمور والمخدرات ولا يزني، أي أن السلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل، ووسائل الكسب العيش.
ووجد بوذا أن طريق الخلاص لا يمكن للإنسان بلوغه إلا إذا تخلص من النواقص: الوهم – الشك – العمل لكسب القوت – الشهوة الجنسية – الكراهية والحقد – حب الحياة الأرضية – الرغبة في الحياة السماوية – الكبرياء – الغرور.
وقد أحدث بوذا ثورة دينية قلبت الأوضاع الدينية والاجتماعية المألوفة رأساً على عقب، وحارب نظام الطوائف، فلا وجود لطبقة البراهمة أو الكهنة ورجال الدين، وما كانوا يتمتعون به من حظوة ونفوذ وسطوة. فقد نادى بالمساواة بين جميع الأفراد وإنه لا فرق بين الطبقات الثرية والطبقات الدنيا إلا بالجهاد في سبيل تحقيق النرفانا التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالجهد الذاتي.
خواطر وتأملات وعظات هندية قديمة من إنجيل بوذا
- العالم مملوء بالشر والعذاب لأنه مملوء بميول الإنسان إلى الشر وبالملذات الحسية، الناس ضائعون ضالون تائهون لأنهم يفكرون بأن الضلال والغواية أفضل بكثير من الحقيقة
- سبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية.
- ارفضوا جشع أنانيتكم تصلوا إلى حالة الفكر الهادئ الذي يصنع الطيبة والرفق والحكمة والتساهل.
- لا تخادعوا، لا تحتقروا ولا تمقتوا بعضكم البعض، وفي أي مكان وجدتم، لا تغضبوا لا تشتموا ولا تهينوا ولا تحقدوا.
- ازرعوا اللطف والعطف والرفق يميناً وشمالاً، وفي كل مكان.
- إن قاعدة الحياة التي هي دائماً الأحسن والأفضل هي الامتلاء بالمحبة، اطرد من قلبك الغضب والحسد والغيرة.
- الشر هو القتل والسرقة والفجور والكذب والاغتيال والحق والإيمان بعقائد باطلة( ).
- الخير هو الامتناع عن القتل والسرقة والفجور والكذب.
- خطايا الجسد الثلاث هي: القتل والسرقة والزنا.
- خطايا اللسان الأربع وهي: الكذب والافتراء والشتم والكلام بالباطل.
- خطايا الفكر الثلاث وهي الطمع والبغض والضلال ( ).
الطريق البوذي
أ- الأخلاق ب- التأمل ج- الحكمة
إن الوصف الأساسي للطريق البوذي هو أنه ذو ثلاث شعاب هي: الأخلاق والتأمل والحكمة، وهي ليست ثلاث مراحل متعاقبة يمر المرء بالواحدة منها تلوا الأخرى، وإنما هي شعاب أو دروب نسير عليها جميعاً في وقت واحد.
أ- الأخلاق: يعبر عن القواعد الأخلاقية الخمس الأساسية – بالنسبة للرهبان ولعامة الناس على حد سواء في صيغة تستخدم بانتظام في العبادات اليومية، ويمكن ترجمتها على وجه التقريب كما يلي، أتعهد بالإحجام عن إلحاق أي أذى بالكائنات الحية، وأن لا آخذ شيئاً لم يعط لي (أي أن أمتنع عن السرقة)، وبأن أمتنع عن الممارسات الجنسية اللاأخلاقية، وعن الكذب، وتناول الخمر والمخدرات التي تذهب العقل.
وهناك درجة أكثر تقدماً في النظام الأخلاقي يتبعها البعض من عامة الناس وتعتمد على مراعاة ثلاثة مبادئ إضافية هي: أن أمتنع عن تناول الطعام بعد الظهر، وأن أمتنع عن الرقص والغناء وألعاب التسلية، وأن أمتنع عن استخدام أكاليل الزهور أو مستحضرات التجميل، وأن لا أتزين بأي نوع من أنواع الزينة، وكذلك الامتناع عن قبول الذهب والفضة والامتناع عن استعمال فراش وثير.
ب- التأمل: السلوك الحق ينبغي أن يصحبه الفكر الحق أو المواقف الحقة، والفكر والعمل مرتبطان بالوجود الحق، لأن تنمية الفكر الحق هي من أول أهداف التأمل.
ج- الحكمة: السمات الرئيسية للحكمة التي أعلنها بوذا هي أن الحياة فانية (والكل زائل) فلا شيء يمكن أن يبقى نفس الشيء أو أن يظل على حاله، فالكون كله الذي يمثل الإدراك الحسي هو في حالة تدفق مستمر والناس لا ينظرون إلى الأشياء على أنها دائمة إلا على سبيل الخطأ ( ).
وتشمل الحكمة كلاً من الفهم الصحيح للأشياء على ما هي عليه، والعزم على السلوك طبقاً لهذا الفهم.
وتكشف الحكمة عن طبيعة الأشياء وأسباب المعاناة، ولكنها لا تتوقف عند هذا الحد، وإنما هي تعبر كذلك عن نفسها في التصميم على قهر المعاناة من خلال تنحية الرغبة الأنانية، ويتضمن هذا التطعيم غرس حب شامل في عمقه ومداه، يكشف عن نفسه في الشفقة واللا أذى، حيث يتم التخلي كلية عن الرغبات الأنانية وسوء النية والكراهية والعنف، عندما نبلغ الحكمة.
والسلوك الأخلاقي هو في آن واحد انعكاس للحكمة والانضباط وشرط لهما، فالشخص الحكيم هو وحده الذي يمكن أن يكون خيراً، والشخص الخير هو وحده الذي يمكن أن يكون حكيماً، وكل من الحكمة والخير يقتضي الانضباط، وبناء على هذا فإن المرء بدأ وينتهي بالأمور الثلاثة بصورة متزامنة، والسلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل وسلامة كسب العيش.
وسلامة القول تعني بصفة عامة تجنب كل قول يفضي إلى التعاسة واستخدام العبارات التي تجلب السعادة. ويشمل تطبيقه السلبي.
- لا كذب
- لا نميمة ولا اغتياب ولا حديث قد يجلب الكراهية أو الغيرة أو العداء أو الفرقة بين الآخرين.
- لا حديث يتسم بالشدة أو الوقاحة، ولا حديث يشوبه الخبث، ولا أسلوب ينقصه الأدب أو الاحتشام.
- لا ثرثرة نابعة من الكسل أو الخبث أو الحمق.
وسلامة السلوك تعني تجنب القتل أو الإيذاء، والتعفف عن السرقة والغش والنشاط الجنسي غير الأخلاقي وهو على الصعيد الإيجابي يعني أن سلوكيات الفرد ينبغي أن تهدف إلى دعم السلام والسعادة للآخرين.
أما سلامة العيش فهي تمد نطاق مبدأ السلوك الحق إلى المهنة التي يختارها المرء على امتداد حياته، وبناء على هذا فإنها تستبعد المهن التي من شأنها أن تؤذي الآخرين، مثل الإتجار في الأسلحة النارية و الخمور والمخدرات والسموم والقتل والدعارة .. إلخ. وسبل كسب العيش التي تنشر السلام والخير ( ).
مذهب السيخ Sikhism
ولد المعلم الروحي ناناك Nanak عام 1469م، والمكان الحقيقي الذي ولد فيه موضع خلاف، ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن والديه ينتميان إلى قرية تلفاندي Talivandi التي تبعد أربعين ميلاً عن جنوب غربي (لاهور) وتعرف الآن باسم ننكانا – صاحب Nankana – Sahub، ولقد قضى ناناك طفولته وشبابه في هذه القرية ولم يتركها إلى بعد أن تزوج وأنجب غلامين.
ثم انتقل ناناك وهو لا يزال شاباً إلى مدينة سلطانبور Sultanpur وفي أواخر عام 1500 غادر هذه المدينة وتبنى حياة الزهاد المتجولين داخل الهند وخارج حدود الهند.
مع بداية أول مؤلف تم تسجيله من كتب السيخ المقدسة نجد فكرة واحدانية الله، فالله عند المعلم (ناناك) واحد، وهو الخالق، المفارق المتعالي الذي يجب أن يرتبط به ارتباطاً وثيقاً أولئك الذين يبحثون عن الخلاص.
ويصف المعلم ناناك الله بأنه الواحد الذي لا شكل له، وهو الأزلي وهو (ما لا يوصف)، والله حاضر في كل مكان وموجود في كل مكان.
طريق الخلاص:
إن العقبة الرئيسية التي تعوق عملية السعي إلى الخلاص هو الوضع البشري، فالناس في ضلالهم واقعون في عبودية العالم، لأن ولاءهم للعالم ولقيمة، وهذا التعلق بالعالم يسجنهم داخل دورة تناسخ لا نهاية لها من الميلاد والموت.
فالناس يسعون إلى تحقيق الخلاص عن طريق التعلق بالقيم الدنيوية، ولذلك فهم ضحايا الوهم الذي يصور لهم أن التعلق بالقيم الدنيوية هو الحقيقة في ذاتها. وهذه الحالة من الضلال أو الوهم تمنع الكشف أو التجلي الإلهي.
وعلى الإنسان أن يتجاوز هذا العالم الدنيوي بنظام العبادات والزهد لكي تجد الروح اتحادها الصوفي بالله، وتبلغ الروح مرحلة الانعتاق باندماجها في الله ( ).

الفلسفة اليونانية
- طاليس:
أدرك طاليس 546 ق. م أن الماء ضروري لحياة الإنسان والحيوان والنبات وإن شيئاً ما لا يمكن أن يثمر أو يتوالد بدون الماء، كما أننا نجد أن البذور الأصلية لجميع الأحياء تحتفظ بقدر من الرطوبة.
ويذكر أرسطو أن طاليس هو القائل: (بأن الماء هو العلة المادية للأشياء جميعاً، وأن الأرض تطفو فوق الماء، وأن للمغناطيس قوة حيوية، وأن العالم مليء بالآلهة).
فما معنى قول طاليس أن الماء هو العلة المادية للموجودات؟ يقصد بذلك الإشارة إلى أن الماء هو المادة الأولى الخام لجميع الأشياء، هذه المادة تتشكل بعد ذلك وتتخذ صوراً أو هيئات مختلفة.
وكأن طاليس يريد أن يصل إلى مبدأ أول مادي يفسر به التغيرات المختلفة التي تطرأ على الظواهر الطبيعية، فرأى أن الماء هو العنصر الوحيد الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة، فقد يتحول هذا السائل إلى مادة غازية أو إلى مادة جامدة التراب والثلج، ويذكر طاليس أنه رأى بنفسه كيف تتم هذه التحولات في الطبيعة وكيف أن هذه التحولات تبدأ من الماء لتعود إلى الماء، فالماء يتحول بفعل الحرارة إلى بخار، ثم يعود ليتساقط على هيئة مطر، ثم يتحول بعد ذلك إلى تراب يتحول إلى ماء كما نشاهد في الينابيع الأرضية مثلاً، ومن ناحية أخرى فقد أوحت إليه ظاهرة التبخر القول بأن الرطوبة المتصاعدة من البحر على هيئة بخار هي التي تحفظ نار الأجسام الإلهية السماوية( ).
وينسب أرسطو لطاليس قوله: (بأن العالم مليء بالآلهة)، ويفسر أرسطو هذا القول بأن طاليس ربما يعني بذلك أن للعالم نفساً، أو هناك عقل للعالم، فهناك عقل إلهي أوجد الأشياء من الماء، وقد أرجع طاليس الظواهر الكونية إلى أصل واحد على أساس منطقي، والنظر إلى العالم على أنه وحدة متناسقة في الوجود ( ).
انكسمندر: يرى أن الأشياء كلها مستمدة من عنصر أول أوحد، لكن هذا العنصر ليس هو الماء كما ظن طاليس، ولا هو أي عنصر آخر مما نعرف، بل إنه لا نهائي وخالد ولا حدود لزمانه، وهو (يحتوي على العوالم كلها) ذلك لأنه ظن أن عالمنا هذا إن هو إلا عالم واحد من طائفة كبيرة، وهذا العنصر الأول يتحول إلى العناصر المختلفة التي نألفها، ثم تتحول هذه العناصر المألوفة أحدها إلى الآخر، وله في ذلك عبارة هامة تستوقف النظر (إن الأشياء تعود فترتد إلى العنصر الذي منه نشأت، كما جرى بذلك القضاء، لأنها تعوض بعضها بعضاً، ويرضى بعضها، لما وقع منها من إجحاف، كما يقضي بذلك أمر الزمان).
ففكرة العدالة، سواء في ذلك العدالة الكونية والعدالة الإنسانية، قد لعبت دوراً في الفلسفة اليونانية، وقد عبر انكسمندر عن فكرة العدالة بأنه لابد أن يكون هناك نسبة معينة من النار ومن التراب ومن الماء في العالم، لكن كل عنصر من هذه العناصر (وقد تخيلها آلهة) لا يغني عن السعي في سبيل اتساع رقعة ملكه، غير أن ثمة نوعاً من الضرورة أو القانون الطبيعي لا ينفك يرد التوازن إلى حيث كان، فحيث كان نار مثلاً نرى الآن رماداً، والرماد من التراب – هذه الفكرة عن العدالة، والعدالة هنا معناها عدم مجاوزة الحدود المفروضة منذ الأزل، هي من أعمق العقائد اليونانية، وكانت الآلهة خاضعة لحكم العدالة خضوع البشر له.
وكان لانكسمندر حجة يدلل بها على أن العنصر الأول لا يمكن أن يكون ماء ولا عنصر آخر غير الماء مما نعرف لأنه لو كان من هذه العناصر عنصر أولي لاكتسح العناصر الأخرى، ويروي عنه أرسطو أنه قال: إن هذه العناصر المعروفة لنا يعارض بعضها بعضاً، فالهواء بارد والماء رطب والنار حارة، وعلى ذلك فلو كان أحد هذه العناصر لا نهائياً، لزالتا العناصر الباقية قبل اليوم) وإذن فلابد أن يكون العنصر الأولي محايداً في هذا الصراع الكوني( ).
ويقول انكسمندر إن اللامتناهي هو العلة المادية والعنصر الأول في وجود الأشياء جميعاً، ورفض القول بأن اللامتناهي ماء أو أي عنصر آخر، إذ أنه في نظره جوهر مختلف عن كل هذه العناصر. وهذا اللامتناهي أزلي لا زمن له تصدر عنه كل السموات والعوالم الموجودة في هذه السماوات ويوضح انكسمندر أن هناك شيء أزلي لا يفنى هو مصدر الأشياء جميعاً وترجع إليه هذه الأشياء، فهو معين لا ينضب.
والواقع أن موقف انكسمندر تطور طبيعي لفكرة طاليس، لقد رأى انكسمندر أن الماء لا يمكن أن يكون مصدراً لجميع الموجودات، ولابد أن تكون العلة الأولى شيئاً عاماً يقبل التشكلات المختلفة، كما يقبل الأضداد، وإذن فقد قال باللامتناهي السابق على العناصر، أما هذه المادة اللامحدود فإنها تشتمل على الأضداد، ويظل النزاع مستمراً بين هذه الأضداد، إذ أن كلا منها يحاول التغلب على ضده، فيتغلب الحار على البارد في فصل الصيف مثلاً، ويحدث العكس في فصل الشتاء، وينتهي هذا الصراع في الغالب لمصلحة أحد الطرفين لمدة موقوتة ليعود فيتلاشى في المادة الأولى( ).