منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-10-23, 16:56   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الثالث

ودخل الإسرائيليون في حروب كثيرة ضد الكنعانيين والفلستين وانهزم الإسرائيليون هزائم منكرة فاختاروا شاوول ملكاً عليهم، ولكنه قتل عندما انتصر عليه الفلستين في جلبوع وقدموا دروعه إلى معبد مينوس الفلستيني قرباناً.
وغزا داوود ملك يهوذا أورشليم التي كانت مركزاً لإحدى القبائل وجعلها عاصمة له، ثم حارب المؤابين والأمونيتين والأدومبين وانتصر عليهم ولكن العداء بين يهوذا وإسرائيل كان قوياً. وتبع داود ابنه سليمان (973-933) ق. م الذي تحالف مع فرعون مصر، ومع حيرام ملك صور، وأثرى كثيراً من التجارة ومع ذلك أدخل نظام الضرائب والسخرة، وكان مغرماً بالبناء فأقام المعبد الملكي وسوراً حول أورشليم، وقد بالغ الكتاب الإسرائيليون (في العهد القديم) بالإشادة بعظمة حكمة وثراء الدولة في عهده، ولكن ذلك لا يقاس بعظمة أي ملك مصري أو بابلي.
ولم يتمسك اليهود بإلههم دائماً بل عبدوا (بعل) إله مدينة صور، كما عبدوا (آمون) إله المصريين وحالفوا كل دولة تقوى ضد كل دولة يظنون ضعفها، فكانوا كالمقامرين يكسبون حيناً، ويخسرون في أغلب الأحيان، لذلك تعرضوا لكثير من النكبات، فتآمرت إسرائيل ضد سارجون فاستولى على عاصمتها ساريا ونفى أكثر من سبع وعشرين ألفاً من أهلها. وبذلك قضى على دولة إسرائيل وتحالفت يهوذا مع آشور ضد مصر فاجتاحتها جيوش الفرعون نخاو الثاني في موقعة مجدو (609) ق. م. وانضمت إلى مصر ضد بابل فاجتاحتها جيوش بختنصر الذي أنتصر علىنخاو في موقعة قمريش (605) ق. م وضرب بختنصر أورشليم 586 ق. م وساق غالبية الشعب العبري أسرى إلى بابل ( ).
وهكذا انتهت القرون الأربعة التي عاشتها المملكة العبرانية، وكانت من بدايتها إلى نهايتها مجرد حدث صغير على هامش أحداث تاريخ مصر وسورياً وآشور وفينيقيا، ذلك التاريخ الأكثر سعة وعظماً.
وفي بابل كتب العبرانيون تاريخهم وأدبهم وبكوا طويلاً على ماضيهم وبالغوا في تصوير أمجادهم، ومن ذلك التسجيل نشأت كتب العهد القديم إلا قليلاً مما أثر على موسى في الأسفار الخمسة الأولى.
ولما انتصر قورش الفارسي على بابل 539 ق. م سمح لليهود الذين أزروه بالعودة إلى أورشليم وأعطاهم ما بقي من خزائن بابل من أنيتهم الثمينة التي كان قد نهبها بختنصر عندما دمر أورشليم عن آخرها، وسمح قورش أيضاً بإعادة بناء الهيكل وممارسة عبادتهم.
ولكن اليهود الذين عادوا إلى أورشليم بأمر قورش كانوا شعباً يختلف في الدم والحضارة عن أولئك الأسرى الذين استاقهم بختنصر إلى بابل فإن هؤلاء الأسرى اختلطوا بالشعب البابلي وأخذوا عنهم ثقافتهم وحضارتهم كما دخل كثير من البابليين في الديانة اليهودية، ولذلك لا نعجب كثيراً إذا رأينا كثيراً من الأفكار التي احتواها العهد القديم مقتبسة من الثقافة البابلية مثل قصة الخلق وقصة الطوفان، وآدم وحواء، وقصة حياة موسى.
ولعل ثقافة بني إسرائيل في القرن الثامن كانت في أغلبها بابلية، فإننانجد لشرائعها أو سننها وعاداتها الاجتماعية نظائر في أرض الجزيرة، وليس من المعقول أن بني إسرائيل استعاروا هذه الشرائع والسنن والعادات مباشرة، وإنما الأقرب إلى المنطق في تفسير هذه الحقائق هو أن الكنعانيين هم الذين انتقلت هذه الأشياء بواسطتهم إلى العبريين، إلا أنه يظهر أن الخزف والعمارة وصياغة المعادن عند بني إسرائيل قد تأثرت في فلسطين ومصر.
والثابت تاريخياً أن اليهود قد اقتبسوا كثيراً من ثقافة المصريين حينما نزلوا لديهم مثلما اقتبسوا من ثقافة البابليين. ويقارن المؤرخون بين أقوال أمينوي الحكيم المصري القديم (القرن العاشر قبل الميلاد) وبين آيات سفر الأمثال وسفر الملوك في العهد القديم فيجدون تماثلاً يكاد يكون تاماً كما يجدون تشابهاً بين صلوات إخناتون للإله آتون وبين أقوال أنبياء العهد القديم ( ).
وفيما عدا ذلك نجد العهد القديم ما كتب فيه بعد الأسر حافلاً بكثير مما يعكس نفسية الشعب المضطهد المريض بكراهية الناس وحب نفسه والناقم على كل الشعوب لأنه أحق منها بكل ما لها من خير، لأنه شعب الله المختار، فلعن كاتبوا العهد القديم كل الشعوب التي حاربت العبرانيين وشوهوا تاريخها.
وفي بعض الفقرات نثبتها هنا، لتوضح لنا تعاليمهم، كما نوضح انتشار الشعائر الوثنية التي كانوا يناهضونها: ألست ترى ما يصنعون في مدن يهوذا وفي طرقات أورشليم؟ إن الأطفال يجمعون الحطب، والآباء يشعلون النار، والنساء يعجن العجين ليخبزن الكعك لمملكة السماء (عشتروت) ويصببن الشراب لسائر الآلهة ويحرقون أبنائهم وبناتهم في النار وذلك ما نهيتهم عن فعله، فالله يغضب لمثل هذا.
وفي (أرميا) فقرة غاية في الأهمية، يهاجم يهود مصر لوثنيتهم، فترى النبي ينبئ اليهود اللائذين بمصر أن (يهوا) سيفنيهم جميعاً، لأن زوجاتهم قد حرقن البخور لآلهة أخرى. وعندما لاحظ يهوذا هذه الأفعال الوثنية قال: لقد أقسمت باسمي العظيم أن اسمي لن يجري بعد الآن على لسان رجل من يهوذا، في أرجاء مصر كلها، سأرقب أهل يهوذا لتلحق بهم الشر، لا ليصيبهم الخير، وسيكتب على أهل يهوذا جميعاً، الذي يسكنون أرضي مصر، أن يفنوا بالسيف وبالمجاعة حتى يزولوا فرداً فرداً.
ولو كان (يهوا) قادراً على كل شيء، وإذا كان اليهود (شعبه المختار) لما وجدنا تعليلاً لما كان يعانيه اليهود من عذاب إلا سوء أفعالهم، والموقف النفسي هنا موقف الوالد يرى أبناءه، فاليهود ينالون العقاب لكي يطهروا من آرائهم، وقد فعلت بهم هذه العقيدة فعلها وهم في المنفى، بحيث طوروا في أنفسهم تعصباً أشد عنفاً وأسرف تطرفاً في الروح القومية التي لا تقبل في الشعب دخيلاً.
وكان اليهود يتميزون عن سائر أمم العالم القديم باعتدادهم القومي الذي ذهبوا فيه إلى حد العناد، فكل من عداهم كانوا إذا أصابهم الغزو، يستسلمون باطناً وظاهراً، أما اليهود فهو الشعب الوحيد الذي احتفظ لنفسه بعقيدته في امتيازه على سواه، وبإيمانه بأن ما أصابهم من الكوارث، إنما جاء نتيجة لغضب الله، لأنهم قصروا في صيانة ما لعقيدتهم الدينية ولطقوسهم من صفاء. وأخذت تنمو بين اليهود كل العوامل التي تعمل على تميزهم.
(أنا الله مولاكم الذي فصل بينكم وبين سائر الناس)
(إنكم ستكونون شعباً مقدساً، لأني – أنا مولاكم – مقدس)( ).
وأخذوا يعنون بالختان ليكون علامة تميز اليهودي عن غيره، ويزيدون من عنايتهم بيوم السبت ومبادئهم الخلقية نراها مبسوطة في سفر الجامعة الذي ربما كتب حوالي سنة 200 ق. م وهنا نجد الأخلاق مصطبغة بصبغة دنيوية إلى حد بعيد.
(حسن الأحدوثة بين الجيران له قيمة كبرى)
(الصدق خير سياسة) (التصدق مشكور)
(لا ينبغي أن نبالغ في الرأفة مع العبيد، فالعلف والعصار والأثقال للحمار، وكذلك الخبز والتأديب والعمل للخادم، أشغله في عمل، فذلك ما يصلح له، فإذا لم يكن مطيعاً زده أغلالاً على أغلال. واذكر في الوقت نفس أنك قد دفعت ثمنه وأنه إذا فر هارباً فقد ضاع عليك مالك. وفي هذا الحد للشدة النافعة.
(البنات مصدر قلق نفسي عظيم) و(من المرأة يأتي الخبث).
من الخطأ أن تكون مرحاً مع أبنائك والتصرف الصحيح معهم هو أن تحني رقابهم منذ الصغر.
والتعاليم الخلقية اليهودية قريبة الشبه جداً بتعاليم الأناجيل.
(ليحب كل منكم زميله من قلبه، وإذا أخطأ أحد في حقك فتحدث إليه في رفق، ولا تحمل في نفسك ضغينة، وإذا ندم الخاطئ واعترف بخطئه، فسامحه، أما إذا أنكر وقوع الخطأ منه فلا يأخذنك الغضب منه، حتى لا تنتقل عدوى العاطفة منك إليه فيأخذ في السباب وعندئذ يصبح خطؤه ضعفين. وإذا لم يكن ذا حياء، ومضى في اقترافه الخطأ فسامحه من قلبك، واترك الانتقام لله.
أحب ربك وجارك.
أحبوا ربكم طوال حياتكم، وأحبوا بعضكم بعضاً من قلوبكم.
أحب ربي كما أحب كل إنسان بكل قلبي.
الغضب أعمى، ولا يسمح لإنسان أن يرى وجه إنسان آخر رؤية الحق.
الكراهية إذن شر، لأنها دائماً تقترن بالكذب( ).


الفكر الاجتماعي في الصـــــيـن
تقف الصين وحدها وسط حضارات العالم العظيمة فقد تطورت في عزلة تامة، تقريباً، عن بقية الحضارات، ولهذا كانت إنجازاتها فريدة. وهذه الخاصية الفريدة جعلتها في آن معاً ممتعة لمن يشاهدها، محيرة لمن يحاول فهمها، أجل فقد تطورت الصين بنفسها وساعدتها على ذلك عزلتها الجغرافية عند النهاية الشرقية القصوى (في الطرف الشرقي الأقصى) من العالم الأوروبي الأسيوي القديم، تحيط بها جبال وصحراء ولا تمر بها أية طرق للتجارة.
كان الشعب الصيني في تراثه التقليدي يعتبر نفسه مركزاً للكون. وكلمه شنج – كيو Chun-Kuo وهي الاسم الصيني للصين. تعني حرفياً (مملكة الوسط) فقد عد الصينيون أنفسهم، على نحو ما فعل الإغريق، جزيرة من الثقافة وسط بحر من التوحش والهمجية.
ويبدأ التاريخ المسجل للصين بأسره شانج Shang التي استمر حكمها من القرن السادس عشر حتى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وكانت سجلاتها تتألف من مجموعة من العظام نقشت عليها نبؤات، وتم اكتشافها قرب نهاية القرن التاسع عشر، حيث أصبحت منذ ذلك الحين المصدر الرئيسي لتاريخ أسرة (شانج) كانت هذه العظام إجابات عن أسئلة قدمت إلى العرافين، وكانت الأسئلة تحفر على عظام الحيوانات والقواقع والأصداف، وتوجه إلى الأرواح طلباً للهداية والإرشاد. وبعد أن يحفر السؤال يقوم العراف بتسليط النار على ثقوب يحدثها في العظم ثم يؤول ما ينتج عن الحرارة من تصدعات بأن الأرواح تجيب ببشائر خيراً ونذير شؤم( ).
ونحن نحصل من طبيعة الأسئلة المطروحة على صورة لمجتمع ينظمه، في كل جانب تقريباً، من جوانب الحياة اليومية – التنبؤ بالغيب، وتحكمه اعتبارات الحظ الحسن أو الفأل السيء، أما (القوى) التي يستشيرونها في عملية التنبؤ بالغيب فهي أرواح الموتى من الملوك أو تي Ti وكذلك أرواح الأسلاف. ونحن نعرف أن هناك عنصراً جنسياً في هذه العبادة، وذلك من الآثار الباقية من أشكال الخطوط التي لا يزال من الممكن تمييزها. ولكننا نعرف أيضاً من الأسئلة التي تطرح حول آداب تقديم القرابين وتأدية الطقوس، أن آلهة التلال والأنهار وغيرها من آلهة الطبيعة والأرواح الحارسة كانت تعبد إلى جانب أرواح الموتى، ولم يكن الموتى وحدهم هم الذين يسألون عن الهداية والإرشاد في مسائل السلوك، بل كان يتوسل إلى قوتهم الداخلية (مانا) Mana حتى تكفل خصوبة الرجال والنساء والمحاصيل والحيوانات.
ولم تكن الأرواحية أو الأنيمزم Animism (عبادة آلهة الطبيعة) وطقوس الخصوبة وعبادتها – ولاسيما عبادة الأسلاف – مجرد مظاهر لأقدم الممارسات الدينية الصينية التي حفظها التاريخ فحسب، وإنما هي تتكرر في صور منوعة ومختلفة في (الديانة الشعبية) للعصور التالية ( ).
الملك ابن السماء: كان ملوك الصين ملوكاً وكهنة في آن واحد، وتعتمد سيادة الملك على أن السماء هي التي قلدته منصبه، وعندما ثار (ون Wen) على أسرة شانج تولى ابنه الملك (وو Wu) 1027 – 1025 ق. م العرش وأسس أسرة تشو. وحكمت هذه الأسرة على نحو ما تؤكد وثائق عهدها، معتقدة أن رسالتها قد قضت بها السماء، فالسماء هي التي أزاحت أسرة شانج وأنهت تفويضهم بالحكم، وهي التي كلفت أسرة تشو الملكية بتولي هذا المنصب الذي هو (تفويض من السماء).
وتعتقد أسرة (تشو) أن الإله الأعلى هو السلف الأعظم (شانج – تي Chang – Ti) وهو لفظ مرادف لـ تين Tien (أي السماء) وتمسك السماء – أو هكذا كان الاعتقاد السائد – بيدها الكون بأسره، وتقضي بتعاقب الفصول في مواقيتها وتأمر بدورة الموت والتجدد، وتكفل خصوبة الرجال والنساء والحيوانات والمحاصيل. غير أن السماء تمنح مسئولية تنظيم الكون لوصيتها على الأرض وهو (ابن السماء تين تزو Tien – Tzu ولقد وقع الاختيار على أسرة تشو للقيام بهذا الدور كما تزعم. (وتنظيم الكون) مسألة لابد أن تكون مقبولة عند السماء (بي Pei) عن طريق الطقوس والشعائر ومن خلال تأدية هذه الطقوس التي تستحدث وقائع النظام الطبيعي وتسلسله في الكون ووسط الجنس البشري.
وكانت الوظائف الكهونية للملوك تعتمد على تقديم القرابين للملوك الأموات وإلى شانج – تي Shang Ti الأكثر بعدا، ومن ثم الأكثر قوة من بينهم. كما تعتمد على تقديم تقرير لله عن مسار الأحداث الدنيوية، والانخراط في طقوس إيمانية مثل حرث الأرض، وبذر البذور.
ولقد كانت عبارة (مقبول من السماء) عن طريق الشعائر (باي Pei) هي رخصة الملك إلى السيادة وهي التي تزوده بالنفوذ السياسي القوي الذي يلزم رعاياه بالولاء له، ويساعد الملك في التأدية الصحيحة لواجبات الكهنة.
ويشهد على طبيعة الملك شبه الإلهية اختيار السماء له على أنه ابنها، مما يعطي للملك سلطة سياسية على رعاياه الذين يكلفون بدورهم (بالمناصب) عن طريقه. وكما أن الملك يحكم بفضل (تفويض) السماء له فكذلك بفعل أمراء الإقطاع في مملكته، إذ تكون لهم سيادة محلية تحت إشراف الملك( ).
الخصائص الأساسية للفكر الصيني:
تقوم الحضارة والثقافة الصينيتان على أساس فلسفي تشكله في المقام الأول مبادئ الكونفوشسية والتاوية والكونفوشسية الجديدة. وقد قامت هذه الفلسفات الثلاث بتشكيل حياة الشعب ومؤسساته، وكانت مصدر إلهام لها عبر ما يزيد على خمسة وعشرين قرناً من الزمان، وكانت الفلسفة الصينية التي أكدت على أهمية المحافظة على الحياة الإنسانية العظيمة ورعايتها مرتبطة أوثق الارتباط بالسياسة والأخلاق، واضطلعت بمعظم وظائف الدين.
ولم يكن الهدف الرئيسي للفلسفة الصينية هو في المقام الأول فهم العالم وإنما جعل الناس عظماء وعلى الرغم من أن الفلسفات الصينية المختلفة يشكل هذا الهدف قاسماً مشتركاً بينها، فإنها تختلف إلى حد كبير نتيجة الاستبصارات المختلفة عن مصدر العظمة الإنسانية. ففي التاوية ينصب التأكيد على اكتساب العظمة بالتوحد مع المنهج الداخلي للكون، ومن ناحية أخرى انصب التركيز في الكونفوشسية على تطوير الإنسانية من خلال النزوع الإنساني للقلب والفضائل الاجتماعية، وتجمع الكونفوشسية الجديدة التي استمدت إلهامها إلى حد ما من البوذية الصينية بين هذين الاتجاهين.
ولكون المرء عظيماً وجهان، في الفكر الصيني، فهو في المقام الأول يتضمن (عظمة داخلية) هي شموخ الروح منعكساً في سلام الفرد ورضائه بكماله. وهو يتضمن ثانيا (عظمة خارجية) تظهر في القدرة على العيش بصورة جيدة على الصعيد العملي، مع الشعور بالعزة في السياق الاجتماعي الذي يوجد فيه المرء في حياته اليومية المألوفة. وهذا المثل الأعلى يسمى (بالحكمة في الداخل والنبل في الخارج) وتعد هذه العظمة المزدوجة شيئاً أساسياً بالنسبة لكل من الكونفوشسية والتاويه.
وقد كانت العظمة الداخلية وإظهار هذه العظمة خارجياً إلى جعل الفلسفة الصينية شاملة لكل جوانب النشاط الإنساني، فالفلسفة ليست منفصلة عن الحياة، والممارسة لا يمكن أن تنفصل عن النظرية والاهتمام بالناس يأتي أولاً، فالعالم الإنساني له الصدارة، أما عالم الأشياء فيحتل مرتبة ثانوية.
وقد أدى ذلك إلى التأكيد على الأخلاق والحياة الروحية، فالروح وليس الجسد، هي الجانب الأهم في الوجود البشري وهذه الروح لابد من تغذيتها ورعايتها، لكي تتطور بحسب قدراتها، والهدف هو الوصول إلى مستوى اسمي للوجود الإنساني.
وقد أدى وضع العظمة الإنسانية موضع الممارسة إلى التأكيد على الفضائل العائلية وخاصة على مفهوم حب الأبناء للآباء، الذي يشكل حجر الزاوية في الأخلاق الصينية، فالبيئة المباشرة المحيطة بالصغار في المجتمع المتحضر هي بناء اجتماعي تشكله العائلة، وهنا يجري تشكيل وصياغة شخصية الطفل الأخلاقية والروحية، وهنا يتم إقرار بدايات العظمة، ومن خلال حب واحترام عظيمين في داخل العائلة يمكن غرس العظمة في الأفراد( ).
كونفوشيوس: ولد كونفوشيوس عام 551 ق. م في مملكة (لو) Lu والتي تعرف الآن بولاية شان تونج Shan – tung فتوفر كونفوشيوس على دراسة الأدب الصيني وألم بثقافات ومعارف عصره إلماماً كبيراً وعرف بفصاحته.
كان كونفوشيوس رزيناً منذ نعومة أظفاره، مثالاً لرفعة النفس وسمو الأخلاق إذ كان يستنكر دسائس الساسة ومؤمرات رجال الدولة وتقلد وظائف هامة وهو في العشرين من عمره، مثل كبير القضاة ووكيل وزارة الأشغال العامة وانتهى به المطاف إلى أن أصبح وزيرًا للعدل.
وكان متواضعاً ولم يكن لديه نزعة التمييز العنصري ويبدو ذلك واضحاً في قبوله لتلاميذه من أحط الطبقات، يقول: (في مجال التربية يجب ألا تكون هناك تفرقة طبقية).
وقدم كونفوشيوس فلسفة إنسانية اجتماعية استمدت مادتها من الأخلاق وكانت تدور حول البشر ومجتمعهم وقد ناقش أهم المبادئ وهي:
• جين Jen: ومعناها الود أو العطف أو الشفقة، صفة أخلاقية أساسية في الكونفوشية لابد من توافرها في الحكم الصالح. يرى كونفوشيوس أن الجين أو ما يعرف بطيبة القلب الإنسانية، أمر متعلق بالشعور والتفكير معاً وأنه أساس العلاقات الإنسانية كافة، وهنا نلحظ مدى اهتمام الفكر الصيني وتركيزه على القلب وليس على العقل.
• لي Li: وتعني قواعد اللياقة أو آداب المجتمع التي تحكم العادات والتقاليد التي تم الاعتراف بها من خلال ممارسة الناس لها عبر العصور.
• هسياو Hsiao: وتعني فضيلة توقير العائلة واحترامها وهذه الفضيلة التي تنشأ في العائلة تؤثر في الأفعال خارج المحيط العائلي وتصبح فضيلة أخلاقية واجتماعية. إن حب الأطفال لوالديهم ولإخوانهم يولد حب الإنسانية جمعاءً.
• يي Yi: وتترجم بمعنى الاستقامة، فالرجل الأسمى أو النبيل ينظر إلى الاستقامة باعتبارها جوهر كل شيء وهو يلتزم بها بحسب مبدأ آداب المجتمع Li ويبرزها في تواضع ويمضي بها إلى نهايتها في إخلاص ( ).
رأى كونفوشيوس أنه لا سبيل للقضاء على هذه الفوضى الأخلاقية إلا بالبحث عن تجديد أخلاقي قائم على تنظيم حياة الأسرة على أساس صالح قويم لأن أساس المجتمع هو الفرد المنظم داخل الأسرة المنظمة، فإذا أحسن الفرد حكم نفسه، استقر النظام في الأسرة وبذلك تصلح الدولة ويسهل حكمها ويرى أن الأسرة عاجزة عن تهيئة النظام الاجتماعي الطبيعي لأن الناس ليس بإمكانهم تنظيم أسرهم دون أن يقوموا أنفسهم ويعجزون عن تقويم أنفسهم لأنهم لم يطهروا قلوبهم أي نفوسهم من الشهوات والملذات، وقلوبهم غير طاهرة لأنهم غير مخلصين في تفكيرهم، ولا يخلصون لأن أهواءهم تشوه الحقائق وتحدد لهم النتائج.
وعلى ذلك ينصح كونفوشيوس بضرورة تقويم النفس وإصلاح العقل وبالتزود من المعارف الإنسانية بالقدر الذي يكفل القضاء على بواعث الشهوة الفاسدة الدنيئة.
ووضع كونفوشيوس قواعد الأسرة على أسس فلسفية ورأى أن طريق الفضيلة يبدأ بالأسرة إذ عندما تسود الألفة بين الزوجة والأولاد والزوج، فما أشبه المنزل بربابة وعود قد تآلفت أنغامها وعندما يعيش الأخوة في تآلف وسلام فحينئذ يظل إلى الأبد في وحدة وانسجام ويقول أيضاً: عامل أفراد أسرتك معاملة فاضلة، تستطيع بعد ذلك أن تعلم وتقود أمة بأكملها.
ويرى كونفوشيوس أن القانون الأخلاقي يقوم على أساس فكرة الوسط العدل أو الذهبي، فالاعتدال أصل أساسي في النفس، فالفرد الذي يتصرف أخلاقياً هو الذي يستطيع تحديد القانون الأخلاقي بالضبط، فلا يتعالى عليه أو يغالي في تصرفاته من جهة ومن جهة أخرى لا يصل في تخلقه إلى أقل من مستوى هذا القانون.
ويرى كونفوشيوس أن الحروب التي تهدد العالم إنما مردها إلى فساد الحكم، ويرجع هذا الأخير إلى أن القوانين الوضعية مهما بلغت من الدقة والرقي لا تستطيع أن تحل محل النظام الاجتماعي الطبيعي الذي تفرضه الحياة الأسرية المنتظمة. فإن كانت الأسرة فاسدة مختلة النظام فلا يمكنها أن تهيئ النظام الاجتماعي المنشود.
ودعا كونفوشيوس إلى توزيع الثروة والعناية بالعجزة والمسنين والأرامل، وناشد الحكام بالجد والاقتصاد من مظاهر البذخ والترف ( ).
وبالنظر إلى مظاهر الفوضى الضاربة في مختلف أوجه الحياة الصينية، فقد بدا هم كونفوشيوس الأساسي متمثلاً في كيفية تهذيب النفس الإنسانية وتربية العقل البشري وتنميته من ناحية، ومن الناحية الثانية كيفية العثور على أمير أو حاكم يستطيع أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يحيل أفكاره في التربية والتشريع إلى قواعد وقوانين منظمة تصلح من أحوال الدولة وتحفظ عليها هيبتها.
وقد أوضح كونفوشيوس أنه لا توجد أية مقاييس أو معايير عقلية نهائية أو مبادئ أخلاقية يمكن القول بأن العقل قد اكتشفها أو أنه توصل إليها قائمة بعيدة عن المجتمع، ومن هذا الإدراك فقد استطاع أن يستخلص إحدى النتائج الرئيسية تلك أن أسمى الأخلاقيات جميعاً هو الواجب الاجتماعي Social duty وأن النظام الوحيد في الكون الذي يمكن أن يشارك بفاعلية في إثرائه وتطويره هو النظام الاجتماعي Social order.
وقد كان هم كونفوشيوس هو كيف يصبح الناس نبلاء فاضلين ليحققوا بذلك العالم الفاضل والسلوك الفاضل يتضمن العديد من الخصائص في مقدمتها الوضوح والصدق والصراحة والغيرية وربما قبل كل هذا حب الآخرين.
والدين بالنسبة لكونفوشيوس هو مجموعة من السلوك الخلقي القويم الذي يتمثل في مواساة اليتيم والبر بالفقراء والمعوزين وحفظ اللسان عن الزلل، وكف اليد عن الاعتداء على الغير، وانتهى إلى مبدأه الأخلاقي الشهير (لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به). وفي ضوء هذا المبدأ سعى إلى تهذيب السلوك وتنميته، وهذا لا يتم إلا عن طريق التهذيب والتربية ( ).
ويهتم كونفوشيوس في حديثه عن الخير، وتهذيب القوة التي تولده وأداء الإيماءات والإشارات المناسبة التي هي علامته الخارجية – يهتم بالأخلاق الشخصية والأخلاق الاجتماعية لأن هذا هو الطريق إلى الإنسان المهذب الحقيقي، أو المثل الأعلى عند كونفوشيوس، وتلك هي إضافة كونفوشيوس نفسه المتميزة للديانة القديمة إذ أضفى على الدين مضموناً أخلاقياً.
ويبدو أن كونفوشيوس أثناء انشغاله بالسلوك الشخصي، وبالواجب الشخصي قد أوحى بأنه لا يهتم إلا قليلاً بعالم الأرواح وعالم ما فوق الطبيعة، لم يتحدث عن مشيئة السماء أو عن معجزات الطبيعة، ولم يتحدث عن الأرواح، وقد أكد كونفوشيوس أن خدمة الإله تصبح لا معنى لها إذا أهملت خدمة الناس، ومن هنا انصب اهتمامه الأساسي على مشكلات الإنسان الأخلاقية والاجتماعية وفي علاقته برفاقه من البشر وذلك هو جوهر تعاليمه.
ولاء الأبناء: الولاء البنوي هو أحد تعاليم كونفوشيوس، وهو باللغة الصينية هسياو Hsiao التي تعني أصلاً الولاء للآباء الموتى وللأسلاف، والواجبات التي ينبغي أن تؤدي لهم كتقديم القرابين والطعام. أما بالنسبة لكونفوشيوس الذي كان يشدد على تأدية الواجب للأحياء، فقد أصبح الولاء البنوي يعني خدمة (الوالدين أثناء حياتهما) ومن ثم اكتملت العلاقات الخمس لتعاليم كونفوشيوس وهي علاقة الأمير بالرعية، وعلاقة الابن بأبيه، والأخ الأكبر بأخيه الأصغر، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الصديق بصديقه. واحترام الابن لأبيه عند معظم الصينيين ينطوي في التطبيق العملي، على مواقف احترام الصغير للكبير، والحب والمودة المتبادلين من جانب الكبير للصغير، فكلاهما جزء من السلوك اليومي بين الأحياء، ومن الالتزام الديني في مراسم العبادة بعد الموت ( ).
أي أن فلسفة كونفوشيوس فلسفة إنسانية اجتماعية تدور حول البشر ومجتمعهم، وليس حول الطبيعة أو معرفة الطبيعة. ويقول كونفوشيوس أن ما يجعل البشر إنسانيين على نحو فريد هو الجين Jen أو طيبة القلب والتعبير الإنجليزي Human Heartedness . أي أن حب البشر وقدرتنا على الحب تشكل جوهر إنسانيتنا.
ويرى أنه لابد من تطوير محبة البشر ومد نطاقها إلى الآخرين حتى يتحقق قاعدة كونفوشيوس الذهبية الشهيرة (عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به) أو (لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعلوه بك)، وتتحقق إنسانية الإنسان من خلال الإيثار وقهر الأنانية.
ويؤكد كونفوشيوس على ضرورة احترام آداب المجتمع (لي Li) التي تحكم العادات والعلاقات التي تم الاعتراف بها من خلال ممارسة الناس لها عبر العصور.
ويشير كونفوشيوس إلى ضرورة مراعاة القواعد والأعراف والأخلاق السائدة ومراعاة آداب المجتمع والممارسات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية من جانب كل طرف تجاه الآخر، الحب في حالة الآباء، الولاء البنوي في حالة الأبناء، الاحترام في حالة الأخوة الأصغر، الصداقة في حالة الأخوة الأكبر، الولاء بين الأصدقاء، الاحترام للسلطة بين الرعايا، النزوع إلى الخير في حالة الحكام. أن الانضباط الأخلاقي في السلوك الشخصي، والآداب العامة في كل شيء.
وقد شدد كونفوشيوس على فضيلة الاستقامة (يي Yi) والتي تترجم Righteousness والتي هي جوهر كل شيء وهو يلتزم بها بحسب مبدأ آداب المجتمع (لي Li) ويبرزها في تواضع ويمض بها إلى نهايتها في إخلاص.
والاستقامة تدلنا على الطريق الصحيح للتصرف في مواقف محددة، والقدرة على إدراك ما هو صحيح وتعمل كنوع من الحس أو الحدس الأخلاقي ( ).
واهتم كونفوشيوس بالأسرة حيث إنها تشكل البيئة الاجتماعية المباشرة للطفل، ففي العائلة يتعلم الطفل احترام الآخرين وحبهم، حيث يأتي الآباء أولاً، فالأخوة والأخوات، والأقارب، ثم باتساع النطاق التدريجي، الإنسانية كافة.
فالولاء البنوي أو هيساو Hsiao هو فضيلة توقير العائلة واحترامها، فأولاً وقبل كل شيء يتم توقير الأبوين، لأن الحياة نفسها مسئولة عنهما، والتوقير ينبغي إظهاره للأبوين من خلال حسن السلوك في الحياة؛ وجعل إسهامهما معروفاً ومبجلاً، وإذا لم يكن بمقدور المرء أن يشرف اسم أبويه فعليه ألا يجلب لهما الخزي والعار على الأقل.
كما تمتاز تعاليم كونفوشيوس بأنها تستبعد الموضوعات المتصلة بتمجيد البطولة الجسمانية والمعجزات والخوارق الطبيعية، وكان كونفوشيوس نفسه شديد العطف على الكائنات الحية، ومما يروى عنه أنه لم يرتدي الملابس الحريرية لأنه لم يكن يستبيح لنفسه أن يقتل دودة القز ليستولى على نسيجها الخاص ليصنع منه ملابس لنفسه، وكان يفخر بأنه لم يستعمل الشبكة قط لصيد السمك، أو أنه لم يرم طائراً بسهم، وكان مبدؤه السلوكي أن الإنسان عليه أن يرد على الإحسان بالإحسان، وكذلك دعا كونفوشيوس إلى أن يقوم كل مواطن بواجبه حيال الدولة على الوجه الأكمل وأن يكون رائد كل فرد العدل والاستقامة ( ).
وقد أكد كونفوشيوس ضرورة ارتكاز المعرفة على الفضيلة، بل إن الفضيلة والعلم في نظره صنوان، فليس هناك أفضل من أن يداوم الإنسان على طلب التعلم ويثابر عليه أن الرجل المتعلم يكون متفوقاً بالطبع، والرجل المتفوق لا يعرف القلق أو الخوف، ثم إنه يوصي من وفق في تحصيل العلم أن يقوموا بتعليم غيرهم، فعلى المتعلم ضريبة تعليم من حالت ظروفه الاجتماعية دون ذلك.
وأشار كونفوشيوس إلى الشروط التي يجب توافرها في الحاكم الصالح ومنها أن يلتزم فضيلة الاعتدال والتوسط فيكون جواداً في غير إسراف؛ جاداً في طلب ما يرغب دون جشع، وأن يكون مهيباً دون عنف أو شراسة. وأن يؤيد القضايا والمبادئ السامية دون كبرياء أو غرور. وأن يكل تصريف الأمور إلى الشعب دون تذمر، وبذلك يمكننا أن نقر أن تفكير كونفوشيوس انطوى على المبدأ السياسي الهام، ألا وهو سيادة الشعب في نظره يجب أن يكون المصدر الحقيقي للسلطة السياسية، وندد بالحكام الذين يغفلون هذا المبدأ، بل إنه برر عن طريق تحمسه لهذه القاعدة السياسية الكبرى، الثورات التي زخر بها التاريخ القديم للصين ضد بعض الأباطرة الظالمين.
ويبدو أن كونفوشيوس لم يتحرر مع ذلك من الآراء الثيوقراطية إذ أنه كان يرى أن الحاكم إنما يستمد سلطته المطلقة من الآلهة، فيجب أن يعمل وفق مشيئتها، غير أن الحكم ليس حكماً مطلقاً لأن الآلهة إنما يمنحون سلطة الحكم لمن يرضى الشعب عن ولايته له، ولا يعطي الشعب ولايته إلا لحاكم عالم عادل، وإلا سقطت ولايته وجاز عزله ( ).
التاوية:
التاوية من المدارس الفلسفية المعارضة للكونفوشيسية رأسها لاو- تسي أو المعلم العجوز حيث أن (لاو) تعني العجوز و(تسي) (المعلم) وولد لاو- تسي حوالي عام 604 ق. م وتشير كلمة (تاو) إلى الدرب أو الطريق وهي تعني في التاوية المصدر أو المبدأ الذي يعمل على أساسه كل ما هو موجود وكلمة (تاو) عرقت بمعاني متعددة منها (الصراة السوى)، (واجب الإنسان) أو (الفضيلة العليا) أو (الغاية المثلى) والتاوية (الطاوية) هي فلسفات دعاة السكينة والطمأنينة، وانصب اهتمام هذه الفلسفات على (العالم الآخر) وسعت إلى إدراك الذات وتهذيب النفس من خلال تمرينات (اليوجا) للوصول إلى أقصى درجات العلو. وهم يرون في العلو تلك الواحدية الثابتة التي تكمن خلف عالم التغير وتعطي في نفس الوقت كلاً من