[align=justify]6- وقال :
يا أكرم الرسل ما لي من ألوذ به *** سواك عند حلول الحادث العمم
يقول الشيخ سليمان بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله - تعقيباً على هذا البيت -: فتأمل ما في هذا البيت من الشرك : منها : أنه نفى أن يكون له ملاذ إذا حلت به الحوادث إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس ذلك إلا لله وحده لا شريك له، فهو الذي ليس للعباد ملاذ إلا هو.
ومنها : أنه دعاه وناداه بالتضرع وإظهار الفاقة والاضطرار إليه، وسأل منه هذه المطالب التي لا تطلب إلا من الله، وذلك هو الشرك في الإلهية(8).
وانتقد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد ابن عبد الوهاب هذا البيت قائلاً : فعظم البوصيري النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يسخطه ويحزنه ؛ فقد اشتد نكيره -صلى الله عليه وسلم- عما هو دون ذلك كما لا يخفى على من له بصيرة في دينه ؛ فقصر هذا الشاعر لياذه على المخلوق دون الخالق الذي لا يستحقه سواه ؛ فإن اللياذ عبادة كالعياذ، وقد ذكر الله عن مؤمني الجن أنهم أنكروا استعاذة الإنس بهم بقوله : ((وأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً)) [الجن: 6]، أي طغياناً، واللياذ يكون لطلب الخير، والعياذ لدفع الشر، فهو سواء في الطلب والهرب(9).
وقال العلامة محمد بن علي الشوكاني - رحمه الله - عن هذا البيت : فانظر كيف نفى كل ملاذ ما عدا عبد الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وغفل عن ذكر ربه ورب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . إنا لله وإنا إليه راجعون(10).
7- وقال أيضا :
فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
فجعل الدنيا والآخرة من عطاء النبي -صلى الله عليه وسلم- وإفضاله، والجود هو العطاء والإفضال ؛ فمعنى الكلام : أن الدنيا والآخرة له -صلى الله عليه وسلم-، والله - سبحانه وتعالى - يقول : ((وإنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ والأُولَى)) [الليل:13](11).
وقوله : ومن علومك علم اللوح والقلم. في غاية السقوط والبطلان ؛ فإن مضمون مقالته أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم الغيب، وقد قال - سبحانه - : ((قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ والأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللَّهُ)) [النمل:65] وقال - عز وجل - : ((وعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ ويَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ والْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِن ورَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا ولا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ ولا رَطْبٍ ولا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)) [الأنعام:59]، والآيــات فـي هـذا كثيرة معلومة(12).
وأخـيـراً أدعو كل مسلم عَلِقَ بهذه القصيدة وولع بها أن يشتغل بما ينفع ؛ فإن حق النبي -صلى الله عليه وسلم- إنـمـا يكون بتصديقه فيما أخبر، واتباعه فيما شرع، ومحبته دون إفراط أو تفريط، وأن يشتغلوا بسماع القرآن والسنة والتفقه فيهما ؛ فإن البوصيري وأضرابه استبدلوا إنشاد وسماع هذه القصائد بسماع القرآن والعلم النافع، فوقعوا في مخالفات ظاهرة ومآخذ فاحشة.
وإن كـــان لا بد مـن قـصائد ففي المدائح النبوية التي أنشدها شعراء الصحابة -رضي الله عنهم- كحسان وكعب بن زهير ما يغني ويكفي.
سبحانك اللهم وبحمد أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
الهوامش :
8 - تيسير العزيز الحميد ص 219-220.
9- الدرر السنية 9/80 .
10- الدر الضيد ص 26.
11- تيسير العزيز الحميد ص 220.
12- أنظر الدرر السنية 49-50-81-82-85-268.[/align]