[يوسُف سُلطان]

..

.. بالأمس ..

أو قبل فوات أوان الحياة بلحظات .. راودتني أمنية ..




أن أقبّلها وأعتذر


أعتذر لها عن الدرس الذي لم أعلّمها إيّاه !



هي كعادتها .. هناك .. لا تحتمل أن تبتعد عنّي أكثر من جدار ..

وأنا ... من مكاني أرقُبها في جلستها الطفولية المضحكة وهي تتعامل بجدّية الكبار مع كأس الحليب المسائي .. و كيف تمرّر كفّها من رشفة لرشفة .. تمسحُ شفتيها من رغوة الحليب ، و تتمتم ..

دون أن أفهم ما تقول .. وأتعجّب من قسوتي .. وأنا الذي لم أحاول يوما أن أفهم ما تقوله في همهمتها ...
فات الأوان

فهذا المساء ..هو آخر المساءات يا ابنتي ..فتشجّعي لتودّعي أباك ،

واصرخي كما تفعل كل البنات حين يودعن آبائهنّ .. في كلّ فراق ..







كلّ شيء في هذا المساء ملائم للوداع ..

حتى ديكور الغرفة ، وأشياءها ..وألوانها .. فقدت البريق والشعور .. وكلّ الأشياء تتضايق من كلّ الأشياء ..

ليس غير البياض والسواد .. ليس غير عتبة الغرفة التي لم ألحظها يوما وأنا أتخطاها للداخل والخارج .. ألف مرّة .. تلمحني من قريب بنظرة انتقام .. تستَعجِلُ مرور النعش .. ..

أرفع رأسي من على العتبة .. لعلّي ألتقط مشهدا من فوقي .. أمنّي الخاطر أن يكون أحسن من كلّ المشاهد التي صادفتني هذا المساء ..

وعلى نغمات قاتلة





مصباح يعانق ضوءً شاحبا كالحزن ، يتراقصان على نسَمات هواءٍ خريفيّ صلب !!



لم يحن الأوان .. لبداية أيّ شيء ، ولا لنهاية أيّ شيء .. سوى الموت

* * * * *

(((..إليكم أهدي هذه الأحاديث .. إلى كلّ أبٍ حنون .. وأزيد معها قبلةً على جبينه .. وإلى كلّكم مخصوصة معنونة ..
إلى فاطمة زهرة العين ذات الضفائر الرطبة التي تفلت من ربطة الشعر ..
إلى تلك التي جعلتني أعيد فتح عيناي بزاوية مناسبة .. ترى الحياة في واحدة ، وفي الأخرى ترى الموت أقرب للجفون ..
هذه الأحاديث وأخرى تجيئ مع كلّ ظلام ... مهداة إلى كلّ هؤلاء ..
ولنفسي أترك الظلام .. مع مزيد من الأسى .. والإيمان بغير يأس بأنّ الفجر يلي كل ظلام .. مهما حلك .. )))
سلام ...