( إليكم التتمة ) ..
وجوب الاهتمام بالعقيدة لا يعنى إهمال باقي الشرع من عبادات وسلوك
ومعاملات وأخلاق:
وأعيد التنبيه بأنني لا أعنى الكلام في بيان الأهم فالمهم وما دونه على أن
يقتصر الدعاة فقط على الدعوة إلى هذه الكلمة الطيبة وفهم معناها، بعد أن أتم
الله عز وجل علينا النعمة بإكماله لدينه ! بل لا بد لهؤلاء الدعاة أن يحملوا
الإسلام كُلاً لا يتجزأ، وأنا حين أقول هذا- بعد ذلك البيان الذي خلاصته:
أن يهتم الدعاة الإسلاميون حقاً بأهم ما جاء به الإسلام، وهو تفهيم المسلمين
العقيدة الصحيحة النابعة من الكلمة الطيبة "لا إله إلا الله "، أريد أن استرعي
النظر إلى هذا البيان لا يعني أن يفهم المسلم فقط أن معنى: " لا إله إلا الله "،
هو لا معبود بحق في الوجود إلا الله فقط ! بل هذه يستلزم أيضاً أن يفهم
العبادات التي ينبغي أن يعبد ربنا- عز وجل – بها، ولا يوجه شيء منها لعبد
من عباد الله تبارك وتعالى، فهذا التفصيل لا بد أن يقترن بيانه أيضاً بذلك
المعنى الموجز للكلمة الطيبة، ويحسن أن أضرب مثلاً – أو أكثر من مثل،
حسبما يبدو لي – لأن البيان الإجمالي لا يكفي.
أقول: إن كثيراً من المسلمين الموحدين حقاً والذين لا يوجهون عبادة
من العبادات إلى غير الله عز وجل، ذهنهم خال من كثير من الأفكار والعقائد
الصحيحة التي جاء ذكرها في الكتاب والسنة، فكثير من هؤلاء الموحدين
يمرون على كثير من الآيات وبعض الأحاديث التي تتضمن عقيدة وهم غير
منتبهين إلى ما تضمنته، مع أنها من تمام الإيمان بالله عز وجل، خذوا مثلاً
عقيدة الإيمان بعلو الله عز وجل، على ما خلقه، أنا أعرف بالتجربة أن كثيراً
من إخواننا الموحدين السلفيين يعتقدون معنا بأن الله عز وجل على العرش
استوى دون تأويل، ودون تكييف، ولكنهم حين يأتيهم معتزليون عصريون،
أو جهميون عصريون، أو ماتريدي أو أشعري ويلقي إليه شبهة قائمة على ظاهر
آية لا يفهم معناها الموسوس ولا الموسوس إليه، فيحار في عقيدته، ويضل
عنها بعيداً، لماذا؟ لأنه لم يتلق العقيدة الصحيحة من كل الجوانب التي تعرض
لبيانها كتاب ربنا – عز وجل – وحديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم،
فحينما يقول المعتزلي المعاصر: الله – عز وجل – يقول: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ
فِي السَّمَاءِ ...} (الملك: ). وأنتم تقولون: إن الله في السماء، وهذا معناه أنكم
جعلتم معبودكم في ظرف هو السماء المخلوقة!! فإنه يلقى شبهة على من أمامه.
بيان عدم وضوح العقيدة الصحيحة ولوازمها في أذهان الكثيرين:
أريد من هذا المثال أن أبين أن عقيدة التوحيد بكل لوازمها ومتطلباتها
ليست واضحة – للأسف في أذهان كثير ممن آمنوا بالعقيدة السلفية نفسها،
فضلاً عن الآخرين الذين اتبعوا العقائد الأشعرية أو الماتريدية أو الجهمية
في مثل هذه المسألة، فأنا أرمي بهذا المثال إلى أن المسألة ليست بهذا اليسر
الذي يصوره اليوم بعض الدعاة الذين يلتقون معنا في الدعوة إلى الكتاب
والسنة إن الأمر ليس بالسهولة التي يدعيها بعضهم، والسبب ما سبق بيانه
من الفرق بين جاهلية المشركين الأولين حينما كانوا يدعون ليقولوا:
لا إله إلا الله فيأبون؛ لأنهم يفهمون معنى هذه الكلمة الطيبة، وبين أكثر
المسلمين المعاصرين اليوم حينما يقولون هذه الكلمة؛ ولكنهم لا يفهمون
معناها الصحيح، هذا الفرق الجوهري هو الآن متحقق في مثل هذه العقيدة،
وأعني بها علو الله عز وجل على مخلوقاته كلها، فهذا يحتاج إلى بيان،
ولا يكفي أن يعتقد المسلم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طـه: 5) .
"ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء "(1).دون أن يعرف أن
كلمة "في " التي وردت في هذا الحديث ليست ظرفية، وهي مثل "في "
التي وردت في قوله تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ...} (الملك).؛
لأن "في" هنا بمعنى " على " والدليل على ذلك كثير وكثير جداً؛ فمن ذلك:
الحديث السابق المتداول بين ألسنة الناس، وهو مجموع طرقه – والحمد لله –
صحيح، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " ارحموا من في الأرض " لا يعني
الحشرات والديدان التي هي في داخل الأرض ! وإنما من على الأرض؛
من إنسان وحيوان، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: "... يرحمكم من
في السماء "، أي: على السماء، فمثل هذا التفصيل لا بد للمستجيبين لدعوة الحق
أن يكونوا على بينة منه، ويقرب هذا: حديث الجارية وهي راعية غنم، وهو
مشهور معروف، وإنما أذكر الشاهد منه؛ حينما سألها رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " أين الله؟" قالت له: في السماء"(1). لو سألت اليوم كبار شيوخ
الأزهر – مثلاً – أين الله؟ لقالوا لك: في كل مكان ! بينما الجارية أجابت بأنه
في السماء، وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا؟؛ لأنها أجابت على الفطرة،
وكانت تعيش بما يمكن أن نسميه بتعبيرنا العصري ( بيئة سلفية) لم تتلوث
بأي بيئة سيئة – بالتعبير العام -؛ لأنها تخرجت كما يقولون اليوم – من مدرسة
الرسول صلى الله عليه وسلم – هذه المدرسة لم تكن خاصة ببعض الرجال
ولا ببعض النساء، وإنما كانت مشاعة بين الناس وتضم الرجال والنساء وتعم
المجتمع بأكمله، ولذلك عرفت راعية الغنم العقيدة لأنها لم تتلوث بأي بيئة سيئة؛
عرفت العقيدة الصحيحة التي جاءت في الكتاب والسنة وهو مالم يعرفه كثير
ممن يدعي العلم بالكتاب والسنة، فلا يعرف أين ربه! مع أنه مذكور في الكتاب
والسنة، واليوم أقول: لا يوجد شيء من هذا البيان وهذا الوضوح بين المسلمين
بحيث لو سألت – لا أقول: راعية غنم – بل راعي أمة أو جماعة؛ فإنه قد يحار
في الجواب كما يحار الكثيرون اليوم إلا من رحم الله وقليل ما هم !!!
الدعوة إلى العقيدة الصحيحة تحتاج إلى بذل جهد عظيم ومستمر:
فإذاً، فالدعوة إلى التوحيد وتثبيتها في قلوب الناس تقتضي منا ألا نمر بالآيات
دون تفصيل كما في العهد الأول؛ لأنهم – أولاً – كانوا يفهمون العبارات العربية
بيسر، وثانياً لأنه لم يكن هناك انحراف وزيغ في العقيدة نبع من الفلسفة وعلم
الكلام، فقام ما يعارض العقيدة السليمة، فأوضاعنا اليوم تختلف تماماً عما كان
عليه المسلمون الأوائل، فلا يجوز أن نتوهم بأن الدعوة إلى العقيدة الصحيحة
هي اليوم من اليسر كما كان الحال في العهد الأول، وأقرب هذا في مثل لا يختلف
فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان – إن شاء الله تعالى-:
من اليسر المعروف حينئذ أن الصحابي يسمع الحديث من رسول الله
صلى الله عليه وسلم مباشرة ثم التابعي يسمع الحديث من الصحابي مباشرة ...
وهكذا نقف عند القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، ونسأل: هل كان
هناك شيء اسمه علم الحديث؟ الجواب: لا، وهل كان هناك شيء اسمه علم
الجرح والتعديل؟ الجواب: لا، أما الآن فهذان العلمان لا بد منهما لطالب العلم،
وهما من فروض الكفاية؛ وذلك لكي يتمكن العالم اليوم من معرفة الحديث إن كان
صحيحاً أو ضعيفاً، فالأمر لم يعد ميسراً سهلاً كما كان ذلك ميسراً للصحابي،
لأن الصحابي كان يتلقى الحديث من الصحابة الذين زكوا بشهادة الله – عز وجل –
لهم ... إلخ. فما كان يومئذ ميسوراً ليس ميسوراً اليوم من حيث صفاء العلم وثقة
مصادر التلقي، لهذا لا بد من ملاحظة هذا الأمر والاهتمام به كما ينبغي مما يتناسب
مع المشاكل المحيطة بنا اليوم بصفتنا مسلمين، والتي لم تحط بالمسلمين الأولين
من حيث التلوث العقدي الذي سبب إشكالات وأوجد شبهات من أهل البدع
المنحرفين عن العقيدة الصحيحة منهج الحق تحت مسميات كثيرة، ومنها الدعوة
إلى الكتاب والسنة فقط ! كما يزعم ذلك ويدعيه المنتسبون إلى علم الكلام.
ويحسن بنا هنا أن نذكر بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة في ذلك ومنها:
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الغرباء في بعض تلك الأحاديث، قال:
" للواحد منهم خمسون من الأجر "، قالوا: منا يا رسول الله أو منهم؟
قال: " منكم"(1).
وهذا من نتائج الغربة الشديدة للإسلام اليوم التي لم تكن في الزمن الأول،
ولا شك أن غربة الزمن الأول كانت بين شرك صريح وتوحيد خال
من كل شائبة، بين كفر بواح وإيمان صادق، أما الآن فالمشكلة بين المسلمين
أنفسهم فأكثرهم توحيده مليء بالشوائب، ويوجه العبادات إلى غير الله
ويدعي الإيمان؛ هذه القضية ينبغي الانتباه لها أولاً، وثانياً: لا ينبغي
أن يقول بعض الناس: إننا لا بد لنا من الانتقال إلى مرحلة أخرى غير مرحلة
التوحيد وهي العمل السياسي !! لأن الإسلام دعوته دعوة حق أولاً، فلا ينبغي
أن نقول: نحن عرب والقرآن نزل بلغتنا، مع تذكيرنا أن العرب اليوم عكس
الأعاجم الذين استعربوا، بسبب بعدهم عن لغتهم، وهذا ما أبعدهم عن كتاب
ربهم وسنة نبيهم، فهب أننا – نحن العرب – قد فهمنا الإسلام فهماً صحيحاً،
فليس من الواجب علينا بأن نعمل عملاً سياسياً، ونحرك الناس تحريكاً
سياسياً، ونشغلهم بالسياسة عما يجب عليهم الاشتغال به، في فهم الإسلام:
في العقيدة، والعبادة، والمعاملة والسلوك !! فأنا لا أعتقد أن هناك شعباً يعد
بالملايين قد فهم الإسلام فهماً صحيحاً –أعني: العقيدة، والعبادة، والسلوك –
وربي عليها.
أساس التغيير هو منهج التصفية والتربية:
ولذلك نحن ندندن أبداً ونركز دائماً حول النقطتين الأساسيتين اللتين هما قاعدة
التغيير الحق، وهما: التصفية والتربية، فلا بد من الأمرين معاً؛ التصفية والتربية،
فإن كان هناك نوع من التصفية في بلد فهو في العقيدة، وهذا – بحد ذاته –
يعتبر عملاً كبيراً وعظيماً أن يحدث في جزء من المجتمع الإسلامي الكبير-
أعني: شعباً من الشعوب -، أما العبادة فتحتاج إلى أن تتخلص من المذهبية
الضيقة، والعمل على الرجوع إلى السنة الصحيحة، فقد يكون هناك علماء
أجلاء فهموا الإسلام فهماً صحيحاً من كل الجوانب، لكني لا أعتقد أن فرداً أو
اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة، أو عشرين يمكنهم أن يقوموا بواجب التصفية،
تصفية الإسلام من كل ما دخل فيه؛ سواء في العقيدة، أو العبادة، أو السلوك،
إنه لا يستطيع أن ينهض بهذا الواجب أفراد قليلون يقومون بتصفية ما علق به
من كل دخيل ويربوا من حولهم تربية صحيحة سليمة، فالتصفية والتربية الآن
مفقودتان.
ولذلك سيكون للتحرك السياسي في أي مجتمع إسلامي لا يحكم بالشرع آثار
سيئة قبل تحقيق هاتين القضيتين الهامتين، أما النصيحة فهي تحل محل التحرك
السياسي في أي بلد يحكم بالشرع من خلال المشورة أو من خلال إبدائها بالتي
هي أحسن بالضوابط الشرعية بعيداً عن لغة الإلزام أو التشهير، فالبلاغ يقيم
الحجة ويبرئ الذمة.
ومن النصح أيضاً، أن نشغل الناس فيما ينفعهم؛ بتصحيح العقيدة، والعبادة،
و السلوك، والمعاملات.
وقد يظن بعضهم أننا نريد تحقيق التربية والتصفية في المجتمع الإسلامي!
كل هذا ما لا نفكر فيه ولا نحلم به في المنام؛ لأن هذا تحقيقه مستحيل؛
ولأن الله عز وجل يقول في القرأن الكريم {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}(هود: 118). وهؤلاء لا يتحقق فيهم
قول ربنا تعالى هذا إلا إذا فهموا الإسلام فهماً صحيحاً وربوا أنقسهم
وأهليهم ومن كان حولهم على هذا الإسلام الصحيح.
من يشتغل بالعمل السياسي؟ ومتى؟
فالاشتغال الآن بالعمل السياسي مشغلة ! مع أننا لا ننكره، إلا أننا نؤمن
بالتسلسل الشرعي المنطقي في آن واحد، نبدأ بالعقيدة، ونثني بالعبادة
ثم بالسلوك؛ تصحيحاً وتربية ثم لا بد أن يأتي يوم ندخل فيه في مرحلة
السياسة بمفهومها الشرعي؛ لأن السياسة معناه: إدارة شؤون الأمة، من الذي
يدير شؤون الأمة؟ ليس زيداً، وبكراً، وعمراً؛ ممن يؤسس حزباً أو يترأس
حركة، أو يوجه جماعة !! هذا الأمر خاص بولي الأمر؛ الذي يبايع من قبل
المسلمين، هذا هو الذي يجب عليه معرفة سياسة الواقع وإدارته، فإذا كان
المسلمون غير متحدين – كحالنا اليوم – فيتولى ذلك كل ولي أمر حسب
حدود سلطاته، أما أن نشغل أنفسنا في أمور لو افترضنا أننا عرفناها حق المعرف
ة فلا تنفعنا معرفتنا هذه؛ لأننا لا نتمكن من إدارتها، ولأننا لا نملك القرار
لإدارة الأمة، وهذا وحده عبث لا طائل تحته، ولنضرب مثلاً الحروب القائمة
ضد المسلمين في كثير من بلاد الإسلام هل يفيد أن نشعل حماسة المسلمين تجاهها
ونحن لا نملك الجهاد الواجب إدارته من إمام مسؤول عقدت له البيعة؟! لا فائدة
من هذا العمل، ولا نقول: إنه ليس بواجب ! ولكننا نقول: إنه أمر سابق لأوانه،
ولذلك فعلينا أن نشغل أنفسنا وأن نشغل غيرنا ممن ندعوهم إلى دعوتنا؛ بتفهيمهم
الإسلام الصحيح، وتربيتهم تربية صحيحة، أما أن نشغلهم بأمور حماسية
وعاطفية، فذلك مما سيصرفهم عن التمكن في فهم الدعوة التي يجب أن يقوم
بها كل مكلف من المسلمين؛ كتصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وتصحيح
السلوك، وهي من الفروض العينية التي لا يعذر المقصر فيها، وأما الأمور
الأخرى فبعضها يكون من الأمور الكفائية، كمثل ما يسمى اليوم بـ (فقه الواقع )
والاشتغال بالعمل السياسي الذي هو من مسئولية من لهم الحل والعقد، الذين
بإمكانهم أن يستفيدوا من ذلك عملياً، أما أن يعرفه بعض الأفراد الذين ليس
بأيديهم حل ولا عقد ويشغلوا جمهور الناس بالمهم عن الأهم، فذلك مما صرفهم
عن المعرفة الصحيحة ! وهذا مما نلمسه لمس اليد في كثير من مناهج الأحزاب
والجماعات الإسلامية اليوم، حيث نعرف أن بعضهم انصرف عن تعليم الشباب
المسلم المتكتل والملتف حول هؤلاء الدعاة من أجل أن يتعلم ويفهم العقيدة الصحيحة،
والعبادة الصحيحة، والسلوك الصحيح، وإذا ببعض هؤلاء الدعاة ينشغلون بالعمل
السياسي ومحاولة الدخول في البرلمانات التي تحكم بغير ما أنزل الله ! فصرفهم
هذا عن الأهم واشتغلوا بما ليس مهماً في هذه الظروف القائمة الآن.
أما ما جاء في السؤال عن كيفية براءة ذمة المسلم أو مساهمته في تغيير هذا الواقع
الأليم؛ فنقول: كل من المسلمين بحسبه، العالم منهم يجب عليه ما لا يجب
على غير العالم، وكما أذكر في مثل هذه المناسبة: أن الله عز وجل قد أكمل النعمة
بكتابه، وجعله دستوراً للمؤمنين به، من ذلك أن الله تعالى قال: {... فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(الانبياء: من الآية7) فالله سبحانه وتعالى قد جعل المجتمع
الإسلامي قسمين: عالماً، وغير عالم، وأوجب على كل منهما مالم يوجبه
على الآخر، فعلى الذين ليسوا بعلماء أن يسألوا أهل العلم، وعلى العلماء أن يجيبوهم
عما سئلوا عنه، فالواجبات – من هذا المنطلق – تختلف باختلاف الأشخاص،
فالعالم اليوم عليه أن يدعوا إلى دعوة الحق في حدود الاستطاعة، وغير العالم عليه
أن يسأل عما يهمه بحق نفسه أو من كان راعياً؛ كزوجة أو ولد أو نحوه،
فإذا قام المسلم –من كلا الفريقين – بما يستطيع؛ فقد نجا، لأن الله عز وجل يقول:
{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا }(البقرة: من الآية286).
نحن – مع الأسف - نعيش في مأساة ألمت بالمسلمين، لا يعرف التاريخ لها مثيلاً،
وهو تداعي الكفار على المسلمين، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في مثل
حديثه المعروف والصحيح: " تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"،
قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: "لا، أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء
كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم لكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"،
قالوا: وما الوهن يارسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".(1)