الخــطــة
مـــقدمــة
الفصل الأول : القواعد الموضوعية لجريمة القذف
المبحث الأول : أركان جريمة القذف
المطلب الأول : الركن المادي
المطلب الثاني : ركن العلنية
المطلب الثالث : القصد الجنائي
المبحث الثاني : المسئولية الجزائية و المدنية المترتبة عن قيام الجريمة
المطلب الأول : المسئولية الجزائية
المطلب الثاني : المسئولية المدنية
المبحث الثالث : أسباب الإباحة و الإعفاء و مدى استفادة القاذف منها
المطلب الأول : أسباب الإباحة و الإعفاء وفقا للقواعد العامة
المطلب الثاني : أسباب الإباحة و الإعفاء وفقا للقواعد الخاصة
الفصل الثاني : القواعد الإجرائية لجريمة القذف
المبحث الأول : إجراءات المتابعة
المطلب الأول : الشكوى
المطلب الثاني : التقادم
المطلب الثالث : الاختصاص
المبحث الثاني : إثبات الجريمة و تسبيب الحكم
المطلب الأول : إثبات الجريمة
المطلب الثاني : تسبيب الحكم
المبحث الثالث : الجزاء
المطلب الأول : عقوبة القذف الموجه للأفراد
المطلب الثاني : عقوبة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية و الهيئات
المطلب الثالث : عقوبة القذف المرتكب بواسطة نشرية
الخـاتمـة
الفصل الأول : القواعد الموضوعية لجريمة القذف :
المبحث الأول : أركان جريمة القذف .
القذف لغة هو الرمي والتوجيه ، وفي لغة القانون هو جريمة قوامها فعل الإسناد أو الادعاء ينصب على واقعة محددة من شأنها المساس بشرف واعتبار المجني عليه ، وعليه ومن خلال هذا التعريف الموجز نبين عرضا لأركان هذه الجريمة انطلاقا من تعريفها .
وعليه فان جريمة القذف تقوم على أركان ثلاثة وهي:
الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير، العلنية ، القصد الجنائي.
المطلب الأول : الركن المادي : الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير .
وهذا الركن يتحلل بدوره إلى عناصر سنتناول دراستها بنوع من التحليل.
أولا : الادعاء أو الإسناد.
الإسناد : IMPUTATION : وهذا ما نصت عليه المادة 296 ق.ع. صراحة، وهو يفيد نسبة الأمر إلى الشخص المقذوف على سبيل التأكيد سواء كانت الوقائع المدعى بها صحيحة أو كاذبة مثلا: فلان هو الذي سرق مال المؤسسة وأن هذا التعبير يفيد التأكيد والحزم .
الادعاء : ALLÉGATION ويحمل معنى الرواية عن الغير أو ذكر الخبر محتملا الصـدق أو الكذب مثلا : يقال أن فلان هو الذي سرق مال المؤسسة ، فهذا التعبير يكتنف معنى الرواية ويكون الإسناد أو الادعاء بأي وسيلة من وسائل التعبير سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة ويتحقق سواء على سبيل القطع أو الشك ، المهم أن يكون من شأنه أن يلقى في أذهان العامة من الناس عقيدة ولو وقتية في صحة الإسناد أو الادعاء .
ويستوي في القذف أن يسند القاذف الأمر الشائن إلى المقذوف على أنه عالم به أو يسنده إليه بطريق الرواية عن الغير أو يردده على أنه مجرد إشاعة، فإذا ذكر القاذف الخبـر وأرفقه بعبارة ( والعهدة على الراوي) فإن ذلك لا يرفع عنه مسؤولية القذف ، وتبعا لذلك قضي بأنه يعد قذفا من ينشر في جريدة مقالا سبق نشره في جريدة أخرى وكان يتضمن قذفا على أساس إعادة النشر يعد قذفا جديدا ، وسيان أن يكون الإسناد على سبيل التصريح أو التلميح أو التعريض أو التورية أو في قالب المديح.
وبوجه عام يتحقق الإسناد المعاقب عليه متى كان المفهوم من عبارات القاذف أنه يريد بها إسناد أمر شائن إلى شخص المقذوف .
كما لا يشترط صدور أو ترديد عبارات القذف من القاذف فقد يتحقق القذف بصيغة الإيجاب ردا على استفهام من ردد هذه العبارات فيعتبر قذفا من يجيب بكلمة نعم على السؤال التالي: هل أنت نسبت إلى فلان الموظف أنه اختلس مبلغ من المال مما عهد إليه من أموال .
وقد يلجأ القاذف إلى استخدام الأساليب المجازية ومع هذا يجوز أن يعد قذفا متى أمكن إثبات أنه لم يقصد المعنى الحقيقي للألفاظ المستخدمة بل أراد معناها المجازي . ولكن الأصل في هذا وجوب الأخذ بالمعنى الحقيقي الظاهر إلى أن يثبت العكس .
وخلاصة القول التي يمكن أن نستنتجها فيما يخص هذا العنصر، أن المشرع الجزائري يعاقب على الإسناد أو الادعاء متى كانت العبارات توحي بأن المتهم يريد بها إسناد أو ادعاء بواقعة شائنة إلى الشخص المقذوف ، ولا عبر هنا بالصيغة أو الأسلوب القولي الصادر من المتهم فلقاضي الموضوع سلطة في استنباط العبارات التي تتضمن إسنادا أو ادعاءا والتي تكون ماسة بالشرف والاعتبار ، وهكذا قضي بأن (الادعاء أمام بعض الفلاحين بأن الوثائق المحررة من قبل هذا الموثق لا تكتسي أي حجية قانونية ولا قيمة لها من الناحية القانونية وهو الأمر الذي جعلهم يسحبون وثائقهم من ذلك الموثق والتقدم إلى موثق ثاني دلهم عليه المتهم يشكل مساسا بالاعتبار والشرف ). قرار في 07/11/2000 ملف رقم 129058 عن غ. ج . م .ق 2 . قرار غير منشور إذن الادعاء أو الإسناد الماس بالشرف و الاعتبار من عدمه هو مسألة موضوعية ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في ذلك.
ثانيا: تعيين الواقعة :
إن التشريع الجزائري في المادة 296 ق.ع.يشترط أن ينصب هذا الادعاء أو الإسناد على واقعة محددة ومعينة ، كمان يسند إلى موظف سرقته للمال الذي عهد إليه فهنا الواقعة هي السرقة أما إذا جاء الادعاء أو الإسناد خاليا من الواقعة فإنه يعد تجريما آخر .
ويقصد بالواقعة أي أمر يتصور حدوثه سواء قد حدث فعليا أو كانا محتملا الحدوث ، فالجريمة تكون مستحيلة التحقق إذا كانت الواقعة بدورها مستحيلة الوقوع.
وهناك من عرفها بأنها حادث ايجابي أو سلبي أو مادي أو أدبي يترتب عليه المساس بالشرف والاعتبار .
وما يلاحظ على التشريع الجزائري أنه يعاقب على مجرد الإسناد أو الادعاء سواء صحت وقائعه أم كانت كاذبة ، رغم أنه لا يوجد نص صريح في هذا المجال غير أنه يمكننا أن نستنتج حسب رأينا انه وفي غياب استثناء في هذه النقطة القانونية، فيجب التقيد بما ورد في المادة 296 من ق.ع.(يعد قذفا كل ادعاء بواقعة ) فنلاحظ أن عبارة واقعة جاءت كعبارة عامة دون تحديد هل هي صحيحة أم كاذبة، فنية المشرع حسب رأينا ترمي إلى الأخذ بالواقعة سواء كانت صحيحة أم كاذبة وهذا خلافا مما ذهبت إليه المحكمة العليا في هذه المسألة فنجد في قرار لها صادر بتاريخ 02/11/1999 ملف رقم 195535 وهو قرار غير منشور قد قضي بأنه ( لايقع تحت القانون إسناد الادعاء بواقع إلا إذا لم يتمكن صاحب الادعاء من إثبات ادعاءه ومن ثمة يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرر أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية ) وفي قرار آخر بتاريخ 07/09/1999 ملف رقم 179811 وهو قرار غير منشور قضي بأنه (تقوم جريمة القذف في حق المتهم مادام التحقيق قد اثبت عدم صحة الوقائع التي أسندها المجني عليه ).
ويبدو من خلال القرارين المذكورين أعلاه أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركنا جديدا غير وارد لا في المادة 296 ولا في المادة 298 ق.ع.ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة وهذا خلافا للتشريع الفرنسي الذي كان واضحا في هذا المجال ، والذي يقر بهذا الشرط، ولكن نظمه وفقا لقواعد وقيده بقيود معينة طبقا للمادة 35 من قانون الإعلام السالف الذكر .
وقد أشرنا سابقا أن الادعاء أو الإسناد يجب أن ينصب على واقعة محددة ومعينة غير انه لا يستلزم أن يكون هذا التحديد مطلقا وشاملا ، بلا يكفي التحديد النسبي إن كان يدل في الظروف التي تم فيها عن قصد الجاني وسلطة التقدير ترجع إلى قاضي الموضوع مثلا ذلك أن ينعت شخص أخر بأنه (ابن زنا) فإذا كان مسند هذه العبارة بقصد التشهير به على أنه ولد غير شرعي فهي جريمة قذف .
ثالثا: الواقعة من شأنها المساس بالشرف و الاعتبار.
قبل ذلك يجب تحديد الفعل المخالف للنزاهة والإخلاص سواء وقع هذا الفعل تحت طائلة قانون العقوبات أم لا، ومثال ذلك ، الادعاء بأن شخص منح مبلغ مالي كرشوة للحصول على منفعة ما، أما الفعل الماس بالاعتبار هو ذلك الفعل الذي له أثر مباشر على قيمة الإنسان سواء عند نفسه أو عند الغير وذلك بأن يحط من كرامته أو شخصيته .
ومسألة الشرف والاعتبار يرجع تقديرها إلى قاضي الموضوع تبعا للظروف المحيطة بالواقعة المسندة ، مع وجوب الاسترشاد بالدلالة العرفية للمتهم ، وهذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 03/12/1995 ملف رقم 108616 غيـر منشور الـذي قضت بموجبه (إن المساس بالشرف والاعتبار مسألة موضوعية يرجع تقديرها لقضاة الموضوع.)
وعموما فإن الواقعة الشائنة المسندة لا يمكن حصرها جزما فهي كل ما ينافي القيم الأخلاقية ، والقضاء الفرنسي يوسع من مفهوم الواقعة الشائنة ، فيعتبر قذفا إسناد واقعة تمس بالحياة الاجتماعية ، الخاصة ، العامة ، وحتى المهنية للمقذوف، فقد قضي بأنه يعد قذفا الادعاء بأن الكاتب فلان ليس هو مؤلف كتبه ( crim10/10/1972 B351 ) .
و الواقع أن القضاء لا يميز بين الفعل الماس بالشرف والفعل المساس بالاعتبار فيستعملهما مترادفين ، وفي هذا السياق قضي بأن الادعاء بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها في حين أثبتت الخبرة الطبية التي أمر بها وكيل الجمهورية ، بعد الواقعة أنها لا تزال عذراء (غشاء بكارة مطاطي سليم) قضي بأن مثل هذا الادعاء فيه مساس بالشرف والاعتبار قرار 15/01/1995 ملف رقم 102628 غ . ج. م.ق 3 غير منشور.
كما قضي بأن ما ورد في الصحافة ( من أن الجد يضطهد حفيده وينتقم منه بكل كراهية وابتزاز دنيء وانه ظالم ومستبد اتجاه أحفاده وان له قلب مليء بالكراهية ) فيه مساس بالشرف والاعتبار . قرار 16/07/95 غ ج م ق 3 ملف رقم 107891 غير منشور .
كما قضي بأن الزعم في رسالة منشورة في الصحافة بأن كل ( المسئولين في القاعدة كاذبون وهم في خدمة الحقرة والظلم والرشوة والتغميس وهم مصنعون من البلاستيك والزفت وهم جهلاء ) يعد مساسا بالشرف والاعتبار . قرار 07/09/99 غ ج م ق 2 ملف رقم 195358 غير منشور .
وعلى عكس ما سبق فإن الادعاء بأن فلان رسب في الامتحان لا يعد قذفا لأن الرسوب لا يستوجب الاحتقار ، وكذا الادعاء بأن فلان مجنون وأنه مريض بمرض ما لم يكن من الأمراض التي تشين صاحبها كداء السيدا مثلا .
وخلاصة لما سبق فإن القانون يحمي أساسا القيم الأخلاقية التي حين يعتدي عليها بادعاء أو إسناد واقعة شائنة فيعد مساسا بالشرف والاعتبار ومع ذلك يجب التوفيق بين حماية شرف واعتبار الأشخاص وحق المواطنين في النقد والمنافسة وكذا اتجاه الفنانين والأعمال الإعلامية حتى لا نصطدم مع حق معترف به دستوريا وهو حق الشخص في حرية التعبير.
رابعا: تعيين الشخص أو الهيئة المقذوفة .
نستنتج هذا العنصر من المادة 296 ق.ع وذلك في عبارة (... الأشخاص أو الهيئة المدعى عليها) فالمقذوف أو المجني عليه في التشريع الجزائري يكون إما شخصا سواء طبيعيا أو معنويا أو هيئة ويجب أن يكون معينا ، وليس من الضروري أن يكونا معينا بالاسم وإنما يكفي لقيام القذف أن تكون العبارات موجهة على صورة يمكن معها فهم المقصود منها ومعرفة الشخص الذي يعنيه القاذف ، وهذه مسألة وقائع تفصل فيها محكمة الموضوع فإذا أمكن لها أن تدرك من فحوى العبارات من هو المعني استنتاجا من غير تكلف ولا كبير عناء قامت الجريمة ولو كان المقام خالي من ذكر اسم الشخص المقصود ،وهكذا قضي بأنه مادام المتهم أشار في المنشور الذي نشره في صحيفة " لومتان " إلى مدير مركب اسميدال فإنه بذلك يكون قد قصد الطرف المدني ل.م وهو مدير المركب إذ من الممكن تحديده من خلال الإشارة إلى صفته كمدير بالمركب غ. ج .م.ق.2 قرار 822000 ملف رقم 200084 غير منشور .
والقانون والقضاء الجزائريان يكتفيان بالتحديد النسبي، وعلته تكمن في لو أن القانون تطلب عكس ذلك ، لضاق نطاق القذف على نحو غير مقبول ، وكان من السهل على الجاني أن يفر من العقاب بأن يخفى في عباراته بيان بعض معالم شخصية المجني عليه
والمقذوف قد يكون شخصا أو هيئة .
أولا :الشخص : ويقصد به أي شخص طبيعيا كان أو معنويا والإشكال يثور بالنسبة للمجموعات أو الجماعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية مثال: نقابة الأطباء فهنا لا تقوم الجريمة إذا كانت
العبارات موجهة ضد المهنة ككل غير أنه يمكن قيام المسؤولية المدنية للقاذف اتجاه هذه المجموعة
وفي هذا الإطار لم يشر القانون الجزائري ولا حتى القضاء لهذه الحالة ، غير أننا يمكن القول أن هذا المفهوم أو الاتجاه يصلح تطبيقه في الجزائر. ونص قانون الإعلام 90/07 في مادته 45 على هذه الفئة .
ثانيا : الهيئات والمقصود بها :
- الهيئات النظامية: ورد ذكر هذا المصطلح في المادة 146 ق.ع.ولم يعرفه المشرع الجزائري وحسب القضاء الفرنسي هي هيئات لها وجود شرعي دائم والتي خولها الدستور والقوانين قسطا من السلطة والإدارة العمومية، والعنصر المميز لها أنه بإمكانها أن تجتمع في جمعية عامة للتداول وبذلك تعد هيئات نظامية في الجزائر: البرلمان ، مجلس الأمة ، المجلس الشعبي الوطني ، مجلس الوزراء ، مجلس الحكومة، المجالس الولائية والبلدية ، المجلس الأعلى للقضاء ، المحكمة العليا ، مجلس الدولة ، مجلس المحاسبة ، المجلس الدستوري.
الجيش الوطني الشعبي : الذي نص عليه في المادة 146 ق.ع ويدخل ضمن هذه الهيئة الدرك الوطني .
المجالس القضائية والمحاكم: الوارد ذكراهما في نص المادة 146 ق.ع.
- الهيئات العمومية: ويقصد بها الهيئات التي تم تأسيسها بنص صادر عن السلطات العمومية ويحكمها القانون العام ومفهومها أوسع، وينطبق هذا المفهوم على كافة الهيئات المؤسسة وعلى الجيش الوطني الشعبي والمجالس والمحاكم القضائية والوزارات ، مديرية الأمن الوطني ، الجمارك ، المديرية العامة للحماية المدنية ، وكل المؤسسات ذات الطابع الاداري ... الخ بالإضافة إلى المجالس العليا المعروفة .
ثالثا: رؤساء الدول ورؤساء البعثات الدولية وأعضائها المعتمدين : والمشرع الجزائري في هذا الجانب يبين :
- رئيس الجمهورية طبقا للمادة 144 مكرر ق.ع.
- رؤساء الدول الأجنبية طبقا للمادة 97من قانون الإعلام
- رؤساء البعثات الدولية و أعضائها المعتمدين في الجزائر المادة 98 قانون الإعلام .
رابعا: الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وباقي الأنبياء طبقا للمادة 144 مكرر 2 ق.ع.
خامسا : شعائر الدين الإسلامي طبقا للمادة 144 مكرر 2 ق.ع والمادة 97 قانون الإعلام .
والأصل أن القذف لا يقع إلا بالنسبة للأحياء وبالرجوع إلى القانون والقضاء الجزائريان نجد أنهما لم يتطرقا لهذه المسألة ، وقد وقع خلافا بين الشراح والمحاكم في فرنسا حول هذه المسألة والسبب أن دعوى القذف لا ترفع في فرنسا إلا بناء على شكوى المقذوف فإذا مات المجني عليه سقط بموته حق الشكوى.
وكانت محكمة النقض الفرنسية تقضي بأن قذف الأموات جريمة كقذف الأحياء إلى أن استقرت في أحكامها على ضوء المادة 34 من قانون الإعلام الفرنسي الصادر سنة 1881 والتي جاءت في مضمونها أن جريمة القذف في هذه الحالة تقوم إذا قصد الجاني من ورائها المساس بشرف واعتبار الورثة الأحياء، وعلى هذا الأساس نرى أن هذا الحكم واجب الإتباع في الجزائر رغم عدم النص على ما يقابله، ويقوم القذف في حق من يدعى مثلا بأن امرأة متوفية كانت تعاشر غير زوجها فهنا نستنتج أن هناك مساس بشرف واعتبار ورثتها.
ونشير بأن الشخص الغائب الذي لم تعلن وفاته يضل له الحق في الشرف والاعتبار .
أما عن موقف القضاء الجزائري فقد صدر حكم عن محكمة بئر مراد رايس القسم المدني في 22/07/2000 حول قضية القذف ضد ميت وتمثلت وقائع القضية في أنه أصدر الرئيس السابق على كافي كتابا في 1999 وكتب في إحدى صفحاته أن بطل الثورة الجزائرية المتوفي .السيد عبان رمضان كانت له علاقات سرية مع العدو وفي الصفحات من 121 و 123 كتب منه ما يلي :
(... عميروش ، كريم بلقاسم ، بن طوبال أكدوا بوجود علاقات بين عبان و بدون أن يخبرهم ...).
فأصدرت محكمة بئر مراد رايس القسم المدني حكما قضت فيه بما يلي : نزع كل نسخ الكتاب المعروضة للبيع والمتعلق بمذكرات الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة على كافي وقضي بحذف الصفحات 133 – 134 – 136 من الكتاب التي أشير فيها إلى السيد المتوفي عبان رمضان ودفع مبلغ رمزي كتعويض عن الضرر الذي مس بذكرى الميت وبورثته وزوجته الأرملة
ونبدي ملاحظة هنا وهي كان من المفروض حصر الأشخاص والهيئات محل القذف في مواد قانونية تجسد ترتيب وتسلسل منهجي ، وهذا تجنبا لأي غموض أو تأويل خاطئ ونشير أن المشرع الفرنسي أضاف شخصا طبيعيا آخر وهو المكلف بخدمة عمومية ، غير أننا نلاحظ أن هذه الإضافة والتمييز يدخل في باب توقيع الجزاء أي من شأن هذه الصفة أن تؤدي إلى تشديد العقاب فقط .
المطلب الثاني: ركن العلانية:
أولا : تعريف العلانية .
العلانية اصطلاحا في القانون لا تخرج عامة عن معناها لغة، فكل ما يقع تحت نظر الكافة أو يصل إلى سمعهم أو يمكنهم أن يقفوا عليه بمشيئتهم دون عائق يعتبر علانية
و هي وسيلة علم أفراد المجتمع بعبارات القذف بحيث لا يقوم القذف إلا اذا كان الإسناد علنيا ، و العلنية تقوم على عنصرين هما :
1- العنصر المادي : وهو السلوك المنتج لحدت نفسي من شأنه إيصال الفكرة أو الشعور أو الإرادة الآثمة للجمهور.
2- العنصر المعنوي: وهو تعمد إيصال الفكرة أو الشعور أو الإرادة إلى الغير قصد الإذاعة .
فتعتبر العلنية ركنا مميزا لجنحة القذف فإذا غاب هذا الركن أصبحت الجريمة مجرد مخالفة يعاقب القانون عليها في المادة 463 ف.2 من.ق.ع بعنوان السب الغير العلني، والمشرع الجزائري لم يذكر العلنية كركن في المادة 296 ق.ع . غير أنه حسب بعض شراح القانون .يعتبره مجرد سهو لكونه اقتبس أحكام القذف من قانون الإعلام الفرنسي المؤرخ في 29/07/1881 إذ أغفل نقل ما نصت عليه المادة 23 منه وهي التي عرفت طرق العلانية وانتقل مباشرة إلى نقل محتوى المادة 29 التي تقابل نص المادة 296 من ق.ع.ج ، وبعدها نقل محتوى المادة 32 وتقابلها المادتين 298 مكرر من ق.ع.ج. لكن المتتبع للواقع المعاش فإن طرق العلنية لا يمكن حصرها خاصة مع التطورات التي عرفتها البشرية في شتى المجالات ( المعلوماتية ، السمعي البصري ) غير أنه عموما تتم العلانية بإحدى الطرق الآتية : القول ، الكتابة ، الصور. وهو أيضا ما تضمنته المادة 4 من قانون الإعلام بالنسبة للقذف الذي يرتكب بواسطة وسيلة إعلامية .
ثانيا : طرق العلانية :
الطريقة الأولى : القول
وقد يكون بالجهر به أو ترديده في اجتماع عام أو طريق عام أو أي مكان آخر عمومي أو الجهر بالقول أو الصياح في محل خاص بحيث يستطاع سماعه من مكان عام وكذلك بإذاعة القول أو الصياح أو بطريق اللاسلكي أو بأي طريقة أخرى .
1 – الجهر بالقول أو الصياح في محل عمومي : يجب التمييز هنا بين بعض المفاهيم الأساسية فيما يخص مسألة المكان العمومي .
أ. المكان العمومي بطبيعته : فتتحقق العلانية ولو كان المحل خاليا من الناس ، إذ من المحتمل دائما سماعه وهذا المكان هو الذي يكون بصفة قاطعة ودائمة مباحا للجمهور كالطرق العمومية والشوارع والميادين والمتنزهات العمومية.
ب. المكان العمومي بالتخصيص: ولكن بشرط وجود الجمهور لأن المكان لا يكتسب صفة العمومية إلا بوجود الجمهور ، فمثل هذه الأماكن ليست مباحة للجمهور بصفة دائمة ، بل في بعض الأوقات أو ساعات معينة وفي ماعدا هذه الحالات تعتبر حالات خاصة ، وتطلق عليها صفة العمومية إلا على جزء مخصص للجمهور فيعد من قبيل ذلك ، الملاهي العامة ، المساجد ، قاعة الجلسات ... الخ.
ويذهب عامة الشراح إلى أن وجود الجمهور والسماع الفعلي غير مشترطين لتحقق العلانية حيث تتم ولو كان الجهر في وقت كان فيه المكان خالي من الناس .
وهنا نستنتج أن المكان العام بالتخصيص يمكن أن يتحول إلى مكان خاص ( كمن يتلفظ اتجاه شخص في زاوية من مقهى ولا يسمعه الحاضرون ) والعكس كذلك فالمكان الذي يكون أصلا مكان خاص قد يتحول إلى مكان عمومي كما سبق ذكره.
وهكذا قضي بأن التصريح لعدد من الأشخاص ممن حضروا حفل الزفاف بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها يشكل العلنية .
فيما قضي بأن العبارات الواردة في مقال تقدم به متقاضي أمام القسم المكلف بالأحوال الشخصية لا تكتسي طابع العلنية .
ج . المكان العمومي بالمصادفة : هي أماكن خاصة بطبيعتها ولكنها تكتسب الصفة العامة من وجود عدد من أفراد الجمهور فيها بطريق المصادفة أو الاتفاق كالمنازل والمحلات التجارية ، رواق العمارة ، مكتب رئيس البلدية؛ ورشة خاصة .
وفي كل الأحوال فإن مسألة تحديد ما إذا المحل عموميا بالمصادفة أو بالتخصيص هي مسألة موضوعية يرجع تقديرها لقاضي الموضوع.
أما الاجتماع العام :
فإن العلنية تتحقق في حالات معينة إذا كان الجهر بالقول أو الصياح في اجتماع عام ومعيار الاجتماع العام هو عدد الحاضرين ، شروط القبول لحضوره ، طبيعة العلاقات التي تربط أعضاءه والقانون الجزائري لم يتطرق إلى تعريفه رغم وقوعه في الحياة اليومية للمواطنين ، وقد عرف من طرف بعض شراح القانون بأنه( كل محفل احتشد فيه عدد كبير من الناس لم يدعو إليه بصفة خاصة ولا حرج على أي إنسان من الاشتراك فيه وذلك بغض النظر عن صفة المكان الذي احتشد فيه الجميع ) مثال ذلك مراسم الأفراح بكل أنواعها والتي تتم في القرى والأرياف والتي يمكن أن يحضر فيها كل شخص فقد قضت المحكمة العليا في قرار لها ( أن التصريح لعدد من الأشخاص ممن حضروا حفل الزفاف بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها يشكل
العلانية) .
ونشير أن الاجتهاد القضائي في فرنسا قد اعتبر أن بعض الاجتماعات هي عمومية بطبيعتها منها اجتماعات هيئات القانون العام مثل المجالس البلدية .
غير أنه في حالة الاجتماع المحصور في فئة تربطها علاقات قرابة أو عضوية نادي أو حزب أو جمعية ، فالاجتماع خاصا مهما كان عدد المجتمعين . وعلى ضوء هذا المبدأ يعد اجتماعا خاصا مجلس إدارة شركة أو مؤسسة اقتصادية ، أو انعقاد جمعية عامة لنادي أو جمعية مهما كان طابعها .
إن الجهر بالقول أو الصياح ليس من شأنه أن يؤدي إلى توافر العلانية ولا يوجب القانون في القذف أن يقع في حضور المجني عليه ، ذلك أن في اشتراط توافر العلنية ليست مواجهة شخص المجني عليه بما يتأذى به من عبارات القذف ، وإنما هي ما يصاب به المجني عليه من جراء سماع عامة الناس عنه ، ما يشينه في شرفه واعتباره ، وهذه العلة تتحقق بمجرد توافر العلانية وإن لم يعلم المجني عليه بما رمي به .
وهناك من يرى أيضا أن معيار الاجتماع العمومي هو تشكيلة المجموعة ووجود أو عدم وجود شخص أجنبي أو بعبارة أخرى وجود مجموعة تربط بين أعضائها مصالح مشتركة ، وهكذا فإن العبارات المفصح عنها في قاعات محجوزة في مطاعم ومقاهي وأماكن عمل لا تكتسب العلانية .
2 - الجهر بالقول أو الصياح في محل خاص :
تتحقق العلانية هنا بالقول او الصياح في محل خاص إذا كان يستطيع سماعه من كان في مكان عام ، مثلا : من كان في منزل وصدرت منه ألفاظ القذف تعتبر علانية إذا أمكن سماعها من الذين يمرون في الشارع العام .
ولا تتحقق العلانية إذا حصل الجهر بالقول في مكان خصوصي بحيث لا يستطيع سماعه من مكان عام من كان في ذلك المكان ، أما إذا كان المكان عام ، فلا يشترط السماع الفعلي بل تتوفر العلنية ولو كان المكان العمومي خاليا من الناس .
3 – إذاعة القول أو الصياح به بآلية لبث الصوت :
وتحقق العلنية هنا بالقول أو الصياح بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى كالمذياع والتلفاز فيعتبر مكان الجريمة في هذه الحالة محطة الإذاعة أو مكان الإرسال ومن ثمة فإن التلفزيون يحقق العلانية بالنسبة للصور كما تحققها الإذاعة اللاسلكية بالنسبة للكلام إلا ما تعلق بالهاتف النقال أو الثابت وما يدخل في حكمه ، فإن صفة العلنية تنتفي هنا كون أن الألفاظ أو العبارات يكتنفها الطابع السري بين المتهم والمجني عليه .
وكون هذه الوسيلة ذات طابع سري بين الأشخاص إلا أن الاعتداءات على شرف واعتبار الناس قد كثرت بواسطته وهذا ما لمسناه حقيقة في التربص الميداني ضف إلى ذلك فإن الجاني يطمئن لهذه الوسيلة لما توفره من سرية تامة ، حسب رأينا فيجب عقاب القاذف بعقوبة القذف العلني ، وهذا للاعتبارات السالفة الذكر كما ذهب إلى ذلك المشرع المصري في هذا الاتجاه والذي خصص مادة لذلك هي م 308 مكرر من ق.ع
ونفس الأمر يطرح فيما يتعلق بالقذف الموجه عن طريق شبكة الانترنت والتي تثير إشكالات ، فاحتمال ذيوع الادعاءات أو الاسنادات عبر هذه الشبكة واردة بنسبة كبيرة مما قد يحقق العلانية، ورغم أن المشرع تطرق إلى هذه الوسيلة بصفة ضمنية في المادة 144 مكرر والتي خصها فقط بالقذف الموجه إلى رئيس الجمهورية بقولها (أو بأي وسيلة إلكترونية أو معلوماتية ... ) أيفهم أن هذا الحكم لا يطبق على الأشخاص الآخرين ؟ لذا وجب على المشرع التدخل لا زالت هذا الغموض.
الطريقة الثانية : الكتابة :
تم الإشارة إليها في المادة 296 ق.ع بعبارات : الكتابة والمنشورات ، واللافتات والإعلانات ،ونلاحظ أن الوسائل الثلاثة الأخيرة هي من قبيل التزيد كون أن مصطلح الكتابة كافي ويشمل كل ما هو مكتوب في (الجرائد ، المجلات ، الكتب ، المنشور ، اللافتة ، الإعلان الحائطي ... الخ ) وكذلك المادة 144 مكرر ق ع ذكرت وسيلة الرسم وجاء في المادة 90 من قانون الإعلام : الصور ، الرسوم ، البيانات التوضيحية غير أن الإشكال يكمن في كيفية تحقق العلانية بالكتابة .
أ- التوزيع : ويتحقق بتسليم المطبوعات أو الكتب أو اللافتات إلى عدد من الأفراد بغير تميز ، فلا يتوفر التوزيع بالإفضاء الشفوي إلى عدد من الناس بما تتضمنه الورقة ، ولا تتحقق العلنية بالتوزيع على عدد من الأعضاء فالقانون يشترط أن يكون التوزيع على عدد من الناس بغير تميز .
على أنه لا يشترط أن يكون التوزيع بالغا حدا معينا ، بل يكفي أن يكون المكتوب قد وصل إلى عدد من الناس ولو كان قليلا ، سواء أكان ذلك عن طريق تداول نسخة واحدة منه أم بحصول عدة نسخ .
ب ـ حالة التعريض للأنظار:وهنا يكون العرض سواء في مكان عام أو في حالة اجتماع ، وكذا في لوحة الإعلانات ، وبالتالي فلا يتوافر التعريض إذا وجدت الكتابة داخل مظروف ولو كان موضوعا في الطريق العام وبالنتيجة تكون العلنية منتفية .
ويتحقق العرض كذلك حتى في مكان خاص كالمؤسسة، المدرسة ، ففي هذه الحالة يشترط أن يطلع عليها أشخاص أجانب عن المؤسسة .
فقد قضي في فرنسا بموجب قرار صادر بتاريخ 10/07/1973 بأن العلنية متوافرة في حالة إلصاق مكتوب في بهو مدرسة كبيرة كون أن هذا الأخير يمكن أن يمر فيه أشخاص لا ينتمون إلى المؤسسة وبالتالي يكون باستطاعته الإطلاع على هذا المكتوب.
وبخصوص موقف القانون والقضاء الجزائريين فإنهما لم يتطرقا لهذه المسألة بوضوح غير أن مقصد المشرع هو أن الكتابة تعتبر كوسيلة في تحقق العلنية ، ولذلك فإن الأمر يرجع إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في استخلاصها في حالة التعريض في محل خاص متى تبين له أن المتهم قصد إذاعة إسناده أو ادعاءاته.
ج – حالة البيع أو العرض للبيع :
وهو ما اصطلح عليه المشرع الجزائري في المادة 296 ق.ع بالنشر وإعادة النشر وهذه الحالة تنطبق على الكتب ، المجلات ، الجرائد ، النشرات ، البحوث ،الرسوم الصور.
يقصد بالبيع نقل الملكية مقابل ثمن محدد ، وتتحقق العلنية في هذه الحالة ببيع المكتوب المتضمن لعبارات القذف إلى الجمهور ولو انصب ذلك على نسخة واحدة أو نسخ عديدة لشخص واحد أما العرض للبيع فهو طرح الكتابة أو ما في حكمها ليشتريها من يريد يثبت سبل الدعاية أو الإعلان حتى ولو حصل البيع أو العرض في مكان خاص . لكون أن مصدر العلنية هنا غير متعلق بصفة المكان ، وإنما الوسيلة هي عملية البيع التجاري المفضية للتداول المكتوب ومن ثم إذاعته .
لكن هناك إشكال: هل يمكن اعتبار القذف بواسطة رسالة هو قذف بالكتابة ؟
المشرع .ج : نص في المادة 296 ق.ع على طرق تحقق العلنية ومن بينها الكتابة وقد وردت هذه العبارة بصورة عامة ، فهل على هذا الأساس يمكن أن نعتبر أن القذف الموجه بواسطة الرسالة عن طريق البريد هو قذف علني ؟
حقيقية أن المشرع الجزائري لم ينظم هذه المسألة وإنما أورد فقط القواعد العامة في المادة 296 ق.ع. فلا يمكن تصور رسالة في ظرف مغلق تتضمن ادعاءات أو اسنادات لوقائع مشينة أنها قذفا علنيا وهذا عكس ما اتجهت إليه المحكمة العليا في قرار لها باعتبار أن القذف الموجه بواسطة رسالة عن طريق البريد هو جنحة ، لكن كما أشرنا سابقا فإن جنحة القذف تتطلب العلنية وهو ركن منعدم في قضية الحال .
غير أن المشرع الفرنسي تفطن لهذا الإشكال الذي من شأنه أن يشكل في نفس الوقت فراغا قانونيا وأصدر قانون 11/06/1887 معدل ومتمم للقانون الصادر سنة 1881 والمتعلق بالإعلام .
فاشترط لتحقق العلانية في هذه الحالة وبالتالي اعتبار القذف جنحة شرطين أساسين وهما:
- أن تكون الرسالة مكشوفة ، - وأن يعهد إلى إدارة البريد في إرسالها، ويدخل في حكم الرسالة المكشوفة البطاقات البريدية ، البرقيات ، التلكس ،... الخ أي كل ما يمكن الإطلاع عليه .
الطريقة الثالثة: الصور:
تتحقق العلنية بنشر الصور أو إعادة نشرها ، ويتسع مفهوم الصور ليشمل على وجه الخصوص الرسوم والكاريكاتور بأنواعها والصور المتحركة والأفلام السينمائية وكل التركيبات السمعية البصرية .
إذن العلنية تعتبر ركنا في جريمة القذف ، وتمت الإشارة إليها ضمنيا في المادة 296 من ق.ع من خلال ذكر وسائل وطرق تحققها ، ولهذا تخلف العلانية تبقى الجريمة قائمة وهذا ما لم يتطرق إليه المشرع الجزائري عكس المشرع الفرنسي والمصري اللذان أفردا مواد خاصة ، فيتم عقاب القذف الغير علني على أساس مخالفة ، لكن العمل القضائي في الجزائر جرى على تطبيق أحكام السب غير العلني المنصوص عليه في المادة 463 /02 ق.ع . و هذا في حالة تخلف ركن العلانية ، وهذا مخالف لمبدأ الشرعية لذا وجب التدخل لسد هذا الفراغ .
وكخلاصة لهذا الركن فإن جريمة القذف لا تقوم مبدئيا إلا بفعلين أولاهما الإفصاح عن الإسناد أو الادعاء المتضمن لعيب فيهما أو خدش للشرف أو الاعتبار ، وثانيها الإذاعة أي إعطائها العلنية التي تفترضها الجريمة وفي الغالب يرتكب الفعلين شخص واحد ولكن إذا ارتـكـب كـل من الفعلـين على حدي ومن طرف شخصين ويعني أن من أقتصر نشاطه على مجرد إعطاء العلنية لواقعة كان قد ذكرها غيره يعد معه فاعلا للقذف .
المطلب الثالث: القصد الجنائي :
أولا : عناصر القصد الجنائي
جريمة القذف من الجرائم العمدية ، فلا تتحقق إلا بتوافر القصد الجنائي لدا مرتكبها ، وهو العلم بعناصر الجريمة وانصراف إرادته إلى ارتكابها أي علم القاذف بحقيقة الأمور التي يسندها إلى المجني عليه وكذا علمه بعلانية الإسناد .
ويتوفر القصد لجنائي في جريمة القذف ، متى أذاع القاذف أو نشر الخبر المتضمن القذف . وهو عالم أن ذلك الخبر فيه مساس بشرف وسمعة المقذوف ، آو انه إذا صح اوجب عقابه ، و لا عبرة بالبواعث ، فقد لا يكون فيه غرض القاذف الإضرار بالمقذوف وقد يكون مدفوعا بعوامل شريفة ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة ، وقد يكون من واجب القاضي النظر إلى تلك البواعث والاعتبار بها في تخفيف العقوبة ، ولكنها لا يمكن أن تكون سببا في محو الجريمة وذلك لان القذف ضار بذاته لأنه يترتب عليه حتما مجرد وقوعه ، تعريض سمعة المجني عليه للقيل والقال ، فلا محل لاشتراط نية الإضرار ، حيث لا يتصور إمكان تخلف الضرر ، سواء تعمد القاذف الأضرار بسمعة المقذوف أم لم يتعمد فقد كان في وسعه أن يدرك أن فعله منتج للضرر حتما .
فالقصد الجنائي في جريمة القذف في الأصل ما هو إلا علم القاذف بان ما أسنده للمقذوف من خلال الخبر الذي أذاعه آو نشره في إحدى الجرائد من شأنه أن يلحق ضررا بالمقذوف سواء ماديا أو معنويا .
ثانيا: استخلاص القصد الجنائي .
القصد الجنائي وان كان يجب إثباته لدى القاذف إلا أن عبارات القذف ذاتها قد تكون من الصراحة والوضوح بحيث يكون من المفروض علم القاذف بمدلولها ، وبأنها ماسة بشرف واعتبار المقذوف فالعلم مفترض متى كانت عبارات القذف التي تضمنها المقال شائنة بداتها كأن تكون متضمنة لعيب معين او ماسة بالشرف والاعتبار ، أو مما يمس بسمعته أو يستلزم عقابه وبالتالي يكون مبنى هذه العبارات حاملا بنفسه الدليل الكافي على القصد الجنائي ، ولا حاجة إلى الاستدلال في هذه الحالة على القصد الجنائي بأكثر من ذلك ، وعلى المتهم القاذف في هذه الحالة أن يثبت انعدام القصد الجنائي لديه فيما أذاعه أو نشره ، أما إذا لم تكن عبارات القذف صريحة كأن تكون بأسلوب مجازي ، مما يستعمله القاذف عادة في مقاله لإخفاء قذف ، فلا محل لافتراض العلم أو القصد الجنائي في هذه الحالة بل يجب على المدعي أو النيابة العامة إثبات القصد الجنائي للقاذف ولا يقبل الاعتذار باستفاضة الأمر الذي أسنده إلى المجني عليه ، وشيوعه بين الناس ، فالاعتبار لا يمحو الجريمة سواء كان القذف بالإذاعة أو النشر ولا بالاحتجاج بان المقذوف هو الذي ابتدره بالقذف أولا فان الاستفزاز لا يعد عذرا في جريمة القذف .
وقد استقر القضاء على انه في القذف المرتكب بواسطة النشر ، يتعين بحث وجود الجريمة أو عدم وجودها ، تقرير مرامي العبارات لمعرفة القصد الجنائي ، فإذا اشتمل المــــقـــال علـــى عــبــارات يكون الغرض منها الدفاع عن المصلحة العامة و أخرى يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقرير أيهما كانت له الغلبة في نفس صاحب المقال .
إذن إن القصد الجنائي في جريمة القذف مفترض ، ولا يشرط القانون القصد الجنائي الخاص وإنما القصد العام.
وحسن النية لا أثر لها على المسؤولية في جريمة القذف.
حيث استقر القضاء الفرنسي على أن سوء النية مفترضة ، فيقع على عاتق المتهم إثبات حسن نيته ، وقد ذهبت المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها بأنه (يفترض في الاسنادات القاذفة بأنها صادرة بنية الإضرار) وما يلاحظ على هذا القرار حسب رأينا أن المحكمة العليا كأنها تتجه إلى الإقرار بضرورة توافر القصد الجنائي الخاص وهو نية الإضرار وأضافت علاوة على ذلك بأنه مفترض ، والقاضي غير ملزم ببيان سوء النية في الحكم لأنه مفترض.
وهذه القرينة يمكن أن تزول إذا ما أثبت المتهم حسن نيته ، والقاضي لا يمكنه أن يرفض أو يستبعد دليل القاذف ،وفي هذا الاتجاه استقر القضاء الفرنسي ، فنجد في بعض الحالات أنه أستبعد فيه حسن النية وحالات أخرى قبل فيها حسن النية التي تذرع بها المتهم ومن حالات استبعاد حسن النية نذكر : حالة عدم وجود عداوة شخصية ، عدم قدرة الصحفيين على تقديم الدليل على أن ما نشروه غير كاذب في نقطة أساسية ، وكذلك أن الغلط لا يشكل وحده دليلا على حسن نية في حين أنه قبل في حالات معينة حسن النية التي تذرع بها المتهم ، مثل رسالة وجهها شرطي إلى رئيس المحكمة أثناء ممارسته وظيفته لإفادة المحكمة بمعلومات حول سيرة وأخلاق المتهمة .
فنلاحظ هنا أن هذه المسألة موضوعية تستخلصها محكمة الموضوع حسب الدليل المقدم من المتهم. أما في ما يخص موقف المشرع والقضاء الجزائريين حول هذه المسألة فلم يتعرضا لها ، غير أننا يمكن القول أنه لا حرج في الأخذ بالاتجاه الذي استقر عليه القضاء الفرنسي.
وعليه فالقذف في جوهره هو توجيه معنى سيء إلى شخص أو أشخاص بقصد الإساءة إليهم .
ويختلف القذف عن السب في كون هذا الأخير لا يقوم على تحديد الواقعة أو المساس بالشرف والاعتبار كما في جريمة القذف وإنما يقوم على كل تعبير يتضمن تحقيرا أو إساءة أو خدشا لكرامة المجني عليهم ، وهذا ما هو مستخلص من نص المادة 297 ق ع ( يعد سبا كل تعبير مشين آو عبارة تتضمن تحقرا أو قدحا لا ينطوي على إسناد أية واقعة ) .
أما تمييز القذف عن الاهانة فهذه الأخيرة هي كل عبارة مشينة تنقص من الاحترام للمواطن ولوظيفة وهي أوسع من القذف وهي لا تحصل إلا في أشخاص حسب وظيفتهم حسب المادتان 144 و 146 ق ع وهي (كل من أهان قاضيا أو موظفا أو قائدا أو ضابطا عموميا أو احد رجال القوة العمومية ).
في حين البلاغ الكاذب هو إسناد واقعة كاذبة تبلغ إلى احد ممثلي السلطة القضائية أو الإدارية أو إلى جهة مختصة في النظر في الجريمة أو إلى احد المسئولين المعنيين وهذا ما هو مستخلص من المادة 300 من قانون العقوبات المعدلة .
المبحث الثالث : المسؤولية الجزائية والمدنية المترتبة عن قيام الجريمة .
المطلب الأول : المسؤولية الجزائية .
طبقا للقواعد العامة فان القاذف إذا ثبت ارتكابه لجريمة القذف، وكان خاليا من موانع المسؤولية وأسباب الإباحة فتنطبق عليه العقوبات المقررة لهذه الجريمة وتقوم مسؤوليته الجنائية ، سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا إلا أن القذف الذي يرتكب بواسطة الإعلام فالمسؤولية الجزائية للقاذف تثير عدة إشكالات نظرا لتداخل أكثر من شخص طبيعي أو معنوي اللذين ذكرهم قانون الإعلام في إحداث الجريمة فهناك الصحافي ، الطابع ، الناشر ، الباعة . ومن ابرز هذه الإشكالات تحديد الفاعل الأصلي والشريك وكذلك تحديد مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية .
أولا : مسؤولية الفاعل الأصلي .
أ- مسؤولية الفاعل الأصلي في وسائل الإعلام التقليدية .
إن أحكام قانون الإعلام نصت على المسؤولية الجزائية للصحافي ومدير النشرية في حالة نشر أي مقال أو بث أي خبر فقد نصت المادة 41 من القانون على ( يتحمل المدير أو كاتب المقال أو الخبر مسؤولية أي مقال ينشر في نشرية دورية أو أي خبر يبث بواسطة الوسائل السمعية البصرية ).
إلا أن هذه المادة لم تحدد بوضوح من هو الفاعل الأصلي ومن هو الشريك فقد يكون حسب هذه المادة المدير هو الفاعل الأصلي وكاتب المقال بصفته كاتب مقال شريك أو العكس . وقد يكون المدير مسولا وحده أو كاتب المقال .
و الأصل المتابع كاتب المقال كفاعل و المدير كشريك لكن يستشف من المادة 43 أنه إذا لم يتابع الكاتب فتكون متابعة المدير كفاعل .
وبالرجوع إلى قانون العقوبات نجد أن المادة 41 منه اعتبرت فاعلا أصليا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكابها ، بينما اعتبرت المادة 42 الشريك في الجريمة هو من لم يشترك اشتراكا مباشرا ولكنه قدم المساعدة وبكل الطرق مع علمه بذلك .
ب – مسؤولية الفاعل الأصلي في وسائل الإعلام الحديثة
ونقصد بها خصوصا الانترنيت وبشأن الأشخاص اللذين يجب مسائلتهم عن جرائم القذف المرتكبة عبر شبكة الانترنت بصفتهم فاعلين أصليين للنشر هم:
1- مورد المعلومات :وهو الذي يبث الرسائل على الموقع الخاص به إلى المتعاملين .
2- مورد الخدمات : يقوم بتوريد الخدمات والمعلومات للمحتاجين إليها وقد يكون مالكا للخدمة أو منفذا لها وهو ملزم بتعيين شخص طبيعي كمدير للنشر يتحمل المسؤولية على محتوى الخدمة .
3- المتدخل : فهو الذي يتحصل بالشبكة بقصد الحصول على المعلومات او نشرها ويقوم ببث رسائل وهو مسئول عن محتواها .
4- المنفذ المورد أو المتعهد الوصولي : يقوم بتوريد الخدمة للجمهور من خلال الاستخدام عبر هذه الشبكة بعقود اشتراك وغالبا ما يكون شخصا معنوي مثل جامعة أو شركة تجارية .
5- المورد المستضيف أو متعهد الإيواء: يقوم بتأمين الخدمة وتخزين المضمون .
ثانيا : مسؤولية الشريك :
إلى جانب قيام مسؤولية كاتب المقال بصفته الفاعل الأصلي في الجريمة ، تقوم أيضا مسؤولية أشخاص آخرين باعتبارهم شركاء فيها ، فقد نصت المادتان 42-43 من قانون الإعلام على هذه المسؤولية وحددت الأشخاص المشتركين في الجريمة .
نصت المادة 42 على " يتحمل مسؤولية المخالفات المرتكبة، المكتوبة والمنطوقة، أو المصورة المديرون والناشرون في أجهزة الإعلام، والطابعون أو الموزعون، أو الباتون، والبائعون و ملصقو الإعلانات الحائطية "
كما نصت المادة 43 على ما يلي : " إذا أدين مرتكبو المخالفة المكتوبة أو المنطوقة أو المصورة يتابع مدير النشرية أو ناشرها باعتبارهما متواطئين ، ويمكن أن يتابع بالتهمة نفسها في جميع الأحوال المتدخلون المنصوص عليهم في المادة 42 أعلاه "
ومن استقراء هاتين المادتين يتضح لنا أن مسؤولية الشريك يتحملها كل من مدير النشرية كما سبق ذكره و أيضا الناشر الذي يسمح بنشر الخبر المسيء لاعتبار وشرف الغير ولياقتهم . ويعد شريكا أيضا الطابع لما قدم مساعدة للصحافي أو كاتب المقال بواسطة تسخير وسائل مؤسسته والموزع الذي يقوم مثلا بتوزيع النشريات التي تتضمن أخبارا أو معلومات خاطئة أو مشوهة لسمعة وشرف الآخرين ، ولم يستثن القانون حتى الباعة لتلك النشريات من هذه المسؤولية .
ويتحمل أيضا مسؤولية الشريك الأشخاص الذين يقومون ببث الإخبار أو المعلومات غير الصحيحة عبر وسائل الإعلام المختلفة ، المنطوقة أو المصورة والأشخاص الذين يقومون بالعمل الاشهاري من خلال إلصاق إعلانات على الجدران أو اللوحات الاشهارية من شأنها المساس بشرف واعتبار الأفراد . ومساهمتهم في الجريمة هي مساهمة فعلية ومباشرة ولذا يتم متابعتهم ومعاقبتهم عن الأفعال المرتكبة .
وتعتبر مسؤولية هؤلاء مسؤولية مفترضة لا تدفع إلا بان يقيموا من اعتبروا مسؤوليين جنائيا الدليل على حسن نيتهم . إلا أنه عمليا فيما يتعلق بالجرائم الخاصة بالقذف المرتكب بواسطة الإعلام ، تكون الدعاوى مرفوعة ضد كل من الصحافي أو مدير النشرية أو كلاهما فقط ، أي تقتصر على احدهما أو ضدهما معا دون أن تسلط على الأطراف المشاركة فيها والتي حددها قانون الإعلام كما سبق ذكره .
والمسؤولية الجنائية في هذه الحالة ، هي مسؤولية مفترضة ، ويقصد بها إن المشرع يعتبر أن المسؤولية الجنائية موجودة ، دون حاجة لإثباتها ، رغم أن عبء إثبات المسؤولية الجنائية يقع على عاتق النيابة العامة ، و أنها تقع على كل مساهم في النشر ، حتى ولو لم يرق دوره إلى مستوى الفاعل أو الشريك ، في الجريمة وفقا للقواعد العامة في قانون العقوبات .
فالكاتب هو أكثر الناس معرفة بموضوع المقال ، فلا يتصور نفي القصد الجنائي عنه ، على أساس عدم معرفته وعلمه بحقيقة تلك الوقائع موضوع المقال .
ومن تمة يفترض أن المدير مسئول كفاعل أصلي ، على أساس أن الجريمة لا يتصور تماما أو تنفيذها ، إلا بالنشر الذي يباشره المدير ، وذلك طبقا للمواد 41-42-43 من قانون 07.90 . فمسؤولية مدير النشرية مبنية على افتراض قانوني بأنه اطلع على كل ما نشر في الجريدة ، وان قدر المسؤولية التي تنجم على النشر ولو لم يطلع فعلا ، فلا يستطيع دفع تلك المسؤولية بإثبات انه كان وقت النشر غائبا عن مكان الإدارة ، أو أن لم يطلع على أصل المقال المنشور أو لم يكن لديه الوقت الكافي لمراجعتها ، ويظهر من ذلك ، ان المسؤولية الجنائية في الجرائم الإعلامية أتت على خلاف المبادئ العامة ، التي تقضي أن الإنسان لا يكون مسئولا إلا عن العمل الذي يثبت بالدليل المباشر ، أن قام به فعلا .
فهي إذن مسؤولية استثنائية رتبها القانون لتسهيل الإثبات في الجرائم الإعلامية ومع ذلك يستطيع مدير النشرية أن يثبت بالدليل ، أن هناك قوة قاهرة حالت بينه وبين الاطلاع على المقال موضوع الجريمة . فإذا كانت المسؤولية الجنائية لكاتب المقال ومدير النشرية أو الناشر مفترضة ، فانه يمكن ان يتابع بالتهمة نفسها البائعون، الموزعون و ملصقوا الإعلانات الحائطية ، إذا ثبت انه كان في وسعهم معرفة مشتملات الكتابة آو الرسم ، آو غيرها مما استعمل في ارتكاب الجريمة ، غير أنهم لا يسألون بصفتهم فاعلين أصليين ، وإنما كمساهمين في الجريمة الإعلامية . ويمكن لهم دفع هذه المسؤولية إذا أقاموا الدليل على حسن نيتهم . كأن يكون مثلا المطبوع باللغة الأجنبية لا يعرفها البائع أو الملصق ، أو كان بالغة العربية وكان البائع لا يفهم من مراميها أو لا يعرف القراءة.
ومخبر الجريدة ، الذي ينقل إلى رئاسة تحرير ها خبرا عن واقعة أو حديثا ينسبه لشخص يعتبر في حكم المؤلف ، ومن تم يتقرر عليه قانونا ، المسؤولية العقابية للمؤلف ونفس الحكم ينطبق على المترجم الذي ينقل من لغة لأخرى . وكل من يقدم المعلومات والبيانات التي يبنى عليها المقال .
وتجدر الإشارة في هذا المطلب إلى مسؤولية مالك الجريدة ، فتقدير مسؤوليته العقابية يخضع للقواعد العامة للقانون العقوبات ، مادام لم يتم النص على مسؤوليته في نصوص قانون 07.90 المتعلق بالإعلام ، فلا تثبت مساءلته إلا إذا ثبت انه فعلا ساهم في تأليف المقال أو الخبر المعاقب عليه ، أو في نشره ، ولكن في الأصل أن ملكية الجريدة لا تعني مجرد مشاركة بالأموال ، و إنما تعني مشاركة بخط فكري معين في المقال الأول ، قبل اعتبار الموضوع استثمارا ماليا . فمالك الجريدة عادة ما يكون من أهل الفكر ، فيضع الخط العام لسياسة النشر في الجريدة ، ومن ثمة فهو من المشاركين الأساسيين في عملية النشر ، لذا تجدر مساءلته كمساءلة مدير النشرة أو الناشر ، ويجب عدم دفع المسؤولية عنه ، إلا إذا اثبت عدم علمه بحقيقة ما نشر في الجريدة التي يملكها .
ثالثا - مسؤولية المؤسسة الإعلامية :
إن مسؤولية المؤسسة الإعلامية تخص مسألة مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية .
وقانون العقوبات الجزائري ينص في أحكامه على عقاب الشخص المعنوي كحل الشخص الاعتباري ومصادرة الأموال والمعدات كعقوبة تكميلية للعقوبة الأصلية التي تسلط على الممثل القانوني له والذي هو في هذه الحالة المسير للمؤسسة الإعلامية .
وحل الشخص الاعتباري يعني عدم الاستمرار في نشاطه حتى ولو كان تحت اسم آخر آو بإدارة من قبل أشخاص جدد مديرين كانوا أم مسيرين أو أعضاء مجلس إدارة .
وقانون الإعلام لم يشذ على هذه القاعدة ، بحيث انه لم يحمل المسؤولية مباشرة إلى المؤسسة الإعلامية وإنما نص على انه يمكن للمحكمة بعد إدانة الفاعلين الأصليين والشركاء في الجريمة ومعاقبتهم إن تأمر بغلق المؤسسة الإعلامية بصفة مؤقتة أو نهائية أو حجز ومصادرة جميع الوسائل التي تملكتها المؤسسة والتي استعملت في ارتكاب الجريمة ولذا تكون الإجراءات التي تتخذ ضد المؤسسة الإعلامية هي عقوبات تكميلية وليست عقوبات أصلية . وعدم نص المشرع على مسؤولية المؤسسة الإعلامية في قانون الإعلام حسب اعتقادنا هو أن العقوبة التكميلية المسلطة عليها تكفي كعقوبة لها ولا بد أن تكون العقوبة الأصلية على الشخص التي يديرها – مدير المؤسسة الإعلامية - لان هذا الأخير قد يفلت من العقاب إذا قلنا بمسؤولية المؤسسة الإعلامية .
المطلب الثاني: المسؤولية المدنية :
أولا : أساسها في حالة القذف العادي :
أن إتيان أي فعل مجرما قانونا يترتب عنه المسؤولية الجزائية وقد تترتب عنه أيضا المسؤولية المدنية وهي القاعدة العامة في المسؤولية وتترتب المسؤولية المدنية للقاذف في حالة القذف العادي فيمكن للضحية طلب التعويض عن كافة أوجه الضرر سواء كانت مادية أو جثمانية أو أدبية ما دامت ناجمة عن الوقائع موضوع الدعوى الجزائية طبقا للمواد 239.3.2من قانون الإجراءات الجزائية.
ثانيا : أساسها حالة القذف المرتكب بواسطة النشر .
ولقدعلمنا أن قانون الإعلام قد رتب المسؤولية الجزائية سواء كانت هذه المسؤولية مسؤولية الفاعل الأصلي ، أو مسؤولية الشريك ، فانه نص أيضا على المسؤولية المدنية لكل منهما .
فقد جاء في المادة 45 من هذا القانون انه ( يمكن لكل شخص نشر عنه خبر يتضمن وقائع غير صحيحة او مزاعم مسيئة من شأنها أن تلحق به ضررا معنويا آو ماديا ، إن يستعمل حق الرد او يرفع دعوى قضائية ضد مدير الجهاز والصحافي المشتركين في المسؤولية ) .
فالشخص الذي نشرت أو بثت حوله إخبار أو معلومات كاذبة ومن شأنها المساس أو النيل من شرفه واعتباره . فإنها تسبب له ضررا معنويا أو ماديا ومن ثم يحق له اللجوء إلى جهة القضاء لإثبات مسؤولية كل من الصحافي ومدير الجهاز الإعلامي المدنية وطلب جبر الضرر ومسؤولية الصحافي والمدير في هذه الحالة هي مسؤولية المتبوع عن افعال تابعه .
فيعد الصحافي تابعا لمدير النشرية بحكم علاقة التبعية المتمثلة في عقد العمل ، ومن ثم تكون لمدير النشرية سلطة تامة في الرقابة والتوجيه والخضوع و إصدار الأوامر والتوجيهات إلى الصحافي ، ونصت على هذه مسؤولية المادة 136 من القانون المدني الجزائري .
وتقتضي المسؤولية عن أعمال التابع حسب المادة توافر شرطين: الأول قيام علاقة التبعية والثاني وقوع خطأ من التابع حال تأدية الوظيفة أو بسببها ما دام له سلطة فعلية عليه في الرقابة والتوجيه .
وعليه فان مسؤولية مدير النشرية بصفته متبوعا تقوم بمجرد قيام الصحافي بعمل غير مشروع ، حيث يعتدي على شرف وكرامة واعتبار الأفراد وهو يؤدي وظيفته تحت رقابته و إشرافه وتوجيهه .
ويتبين من الفقرة الأولى من نفس المادة أن الأساس القانوني لمسؤولية المتبوع عن أعمال التابع هو الخطأ المفترض فرضا لا يقبل إثبات العكس ، أي أن قرينة المسؤولية هنا قرينة قاطعة لا يجوز إقامة الدليل على عكسها ولذلك يستحيل على المتبوع دفع هذه المسؤولية .
ومن ثم فإذا قام الصحافي بعمل إعلامي قد مس فيه بشرف واعتبار الأشخاص أو بسمعة أو شرف الدولة ، فان مسؤولية مدير النشرية تقوم بمجرد قيام مسؤولية الصحافي ولا يمكن له أن ينفيها ، وتكون مسؤوليتهما متضامنة حيث يستطيع المتضرر أن يطلب التعويض من احدهما عن الضرر الذي لحق به سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا حسب المادة 45 من قانون الإعلام .
و يتمثل التعويض بالنسبة للقذف المرتكب بواسطة النشر في حق الرد و التصحيح ، فحق الرد يكون وسيلة وقائية و هو حق لكل شخص مسمى أو معين في مقال جريدة لتقديم توضيحاته .
و بالنسبة للأشخاص المعنوية فيحق لها الرد بواسطة من يمثله أي رئيس السلم الإداري او الشركة أو الجمعية ... الخ .
و يمارس حق الرد ضمن شروط موضوعية وشكلية .
- الشروط الموضوعية :
o وجوب نشر الخبر في صحيفة او دورية أيا كان نطاق توزيعها .
o وجوب شمول الرد على الوقائع و التصريحات الواردة بالمقال سواء أكانت مقالا أو حديثا .
o لا يجوز الرد على الكتب و المطبوعات لصعوبة نشرها من جديد .
- الشروط الشكلية :
o نشر الرد في نفس المكان الذي نشر فيه المقال .
o ان يكون محررا باللغة التي حرر بها المقال و بنفس حروف المقال .
o ان يكون الرد خلال شهرين من تاريخ النشر حسب المادة 47 من قانون الإعلام اما إذا تجاوز هذه المدة فليس للمضرور إجبار مدير النشر على الرد .
o و يجب أن تنشر الصحيفة الرد في غضون يومين إبتداءا من تاريخ الشكوى
و ما يجب الإشارة إليه هو ان القانون لم يعط للشخص المضرور هذا الحق فقط بل سمح له في نفس الوقت برفع دعوى قضائية ضد مدير النشرية و كاتب المقال ، ويمكن لضحية القذف طلب التعويض النقدي و القاضي يقدر التعويض تقديرا كافيا لجبر الضرر و إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل حدوث النشر الضار بشرفه و اعتباره .
والضرر المادي الذي يصيب المتضرر يتمثل في الحط من مكانته الاجتماعية أو فقدان منصب عمله إذا كان عاملا أو إصابته بخسارة إذا كان يمارس التجارة أو مهنة حرة إلى غير ذلك من الأضرار المادية ، هذا إذا كان المتضرر فردا عاديا ، أما الأضرار المادية التي قد تصيب الدولة تتجلى خاصة في الخسارة التي تلحقها ، أما الضرر المعنوي فانه يتمثل فيما يصيب المتضرر في شرفه أو سمعته سواء كان هذا المتضرر شخصا عاديا او الدولة .
وللمحكمة السلطة الكاملة في تقدير التعويض ولا يخضع عملها لرقابة المحكمة العليا .
المبحث الثالث :أسباب الإباحة والإعفاء ومدى استفادة القاذف منها .
المطلب الأول: أسباب الإباحة والإعفاء وفقا للقواعد العامة .
أولا : أحكام المادة 39 من قانون العقوبات
تنص المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على أنه ( لا جريمة :إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون .إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع الشرعي عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء ).
المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة في الأفعال المبررة ، إضافة إلى ذلك نجد في التشريع المقارن حالتين لم يتطرق إليهما تشريعنا وهما حالة الضرورة ورضاء المجني عليه والسؤال الذي يطرح في قضية الحال هو : هل أن المادة 39 السابقة تطبق على جريمة القذف؟
مبدئيا نقول بما أن هذه الجريمة من جرائم القانون العام ، فهي تدخل في نطاق هذه المادة لكن يجب التريث قبل إصدار حكما قطعيا .
فجريمة القذف هي من الجرائم القولية والتعبيرية وليست جرائم النتيجة المادية .
- بالنسبة لحالة الدفاع الشرعي الواردة في المادة 39 ف2 فحقيقة نستبعدها ، كون أن المشرع الجزائري حسب رأينا يقرها في الجرائم المادية والتي تتسم بالاعتداء المادي- lagression – المجرم قانونا مثل السرقة والضرب ، ... الخ .
- أما فيما يخص الفعل الذي قد يأمر به القانون أو يأذن به فهنا مسألة أخرى كون أن الأفعال هنا تنزع عنها صفة التجريم فتصبح مباحة بشرط أن يكون القانون قد نص عليها صراحة أو أذن بها .
وخلاف للقانون المقارن ففي القانون المصري تعد أفعالا مباحة :
الطعن في أعمال الموظف أو من في حكمه (م 302 ف 2 ق.ع .مصري ) ، أخبار الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله (م 304)، الدفاع أمام المحاكم ، (م 309 ) ، القذف استعمالا لحق النقد.
أما في التشريع الفرنسي فيباح في حالة ما إذا أثبت القاذف صحة الواقعة ولكن بالشروط الواردة في المادة 35 من قانون الإعلام الفرنسي ، وقد تطرقنا إلى هذا سابقا ، كذلك في حالة الدفاع أمام المحاكم وكذلك حق النقد في حدود معينة .
وما يمكن أن نستنتجه أن المشرع الجزائري لم يأذن ولم يأمر بأي فعل من شأنه أن يشكل قذفا ومنحه صفة الفعل المبرر ، ونفس الأمر بالنسبة للاجتهاد القضائي الذي لم يتطرق إلى هذه المسألة وعلى هذا الأساس وكخلاصة مبدئية فإن التشريع الجزائري لا يقر بأسباب الإباحة بالنسبة لجرائم القذف غير أنه إذا ما طرحت المسألة أو قضية من هذا القبيل على المحاكم حسب رأينا يمكن أن نتصور حلا قانونا إذا ما أثيرا دفعا من طرف المتهم في هذا المجال مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يجب على القاضي الجزائي في هذه الحالة التقيد بالتفسير الضيق وهو المبدأ الذي يحكم القانون الجزائي.
فمثلا حالة النقد أو الدفاع أمام المحاكم ، فإذ أثيرت دفوعا على هذا الأساس فوفقا للقواعد الموضوعية التي تحكم جريمة القذف ، فإذا رأي قاضي الموضوع محلا لتوافر أركان الجريمة السابق ذكرها وله السلطة التقديرية في بعض المواطن القانونية فيصرح بالإدانة، أما إذا انعدمت أركان الجريمة وكانت في إطار حق النقد أو الدفاع أمام المحكمة فيجب أن يكون حكمه معلل ومسببا على أساس انعدام ركن من أركان الجريمة، مثلا وليس باعتبار أن هذا الفعل يدخل في نطاق أسباب الإباحة التي لم ينص عليها المشرع إطلاقا .
ثانيا : أحكام المادة 463 فقرة 2 من قانون العقوبات .
تنص المادة 463 من ق.ع ف 2 (... كل من أبتدر أحد الأشخاص بألفاظ سباب غير علنية دون أن يكون قد أستفزه ) .
تتعلق هذه المادة بالسب غير العلني، و يلاحظ أن المشرع أخذ بعذر الاستفزاز كعذر معفي في هذه الحالة أي في حالة المخالفة فقط ، غير أن الإشكال يثور حول مسألة الإثبات ، فالقضاء يتعذر عليه معرفة من بدأ بالسب وعبء الإثبات هنا يقع على من يدعى عذر الاستفزاز ونظرا لهذا غالبا ما يستبعد تطبيق عذر الاستفزاز في الواقع العملي فنجد المتابعة في هذه الحالة تتم على أساس السب العلني المتبادل.
أما بالنسبة للقذف سواء العلني أو غير العلني ، فالمشرع لم يقر بعذر الاستفزاز ، غير أنه بما أن العمل القضائي يطبق أحكام السب الغير العلني من حيث الجزاء والوصف فالسؤال الذي يطرح هل يجوز تطبيق هذا العذر في حالة القذف الغير العلني ؟.
فحقيقة أن القياس مستبعد في القانون الجزائي ، إلا أنه وفي هذه الحالة إذا طبقنا العذر المعفي فإنه أصلح للمتهم إضافة إلى ذلك أن نية المشرع الجزائري اتجهت إلى إباحة الفعل في حالة الاستفزاز كون قصد العلنية متخلفة في حالة المادة 463 ف2 والتي من شأنها المساس بشرف واعتبار الشخص لدى العام وهذا يعتبر أقل ضررا لو أنها توفرت .
إذن حسب الاعتبارين السابقين واللذان توصلت إليهما فإن حسب رأيي يجوز تطبيق عذر استفزاز في حالة القذف الغير العلني ، غير أنه يبقى رأي محل نقاش .
المطلب الثاني : أسباب الإباحة والإعفاء وفقا للقواعد الخاصة.
أولا : صحة الواقعة المسندة .
المشرع الجزائري لا يعتد بصحة الواقعة المسندة ، فالقانون يعاقب على مجرد إسناد صحت وقائعه أم كانت كاذبة ، وهذا ما يميز التشريع الجزائري عن التشريعين الفرنسي والمصري اللذان يشترطان عدا حالات خاصة ، عدم صحة الوقائع المسندة .
غير أنه يستشف من بعض قرارات المحكمة العليا أنها تميل إلى الأخذ بصحة الواقعة كسبب لإباحة القذف ، وهكذا قضي بأنه لا يقع تحت طائلة القانون إسناد الادعاء بواقعة إلا إذا لم يتمكن صاحب الادعاء من إثبات ادعائه ومن ثم يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرز أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية .م.ق2 قرار 02/11/1999 ملف رقم 195535 : غ منشور .
وفي قرار آخر جاء فيه أن جريمة القذف تقوم في حق المتهم مادام التحقيق قد أثبت عدم صحة الواقعة التي أسندها المجني عليه غ. ج .م .ق 2 قرار في :07/09/1999 ملف رقم 179811 غير منشور .
ويبدو من خلال القرارين المذكورين أعلاه أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركنا جديدا غير وارد في المادة 296 ق.ع ولا في المادة 298 ق.ع . ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة وهذا ما أشار إليه بعض شراح القانون الجزائري .
ثانيا : الحصانة البرلمانية :
والنقطة ما قبل الأخيرة التي نتطرق لها هي مسألة الحصانة البرلمانية المتعلقة بالنواب في المجلس الشعبي الوطني وكذا أعضاء مجلس الأمة طبقا للمادة 109 من الدستور ، والتي تنص في فقرتها الثانية انه *لا يمكن أن يتابعوا او ترفع عليهم دعوى جزائية بسبب ما عبروا عنه من أراء او ما تلفظوا به من كلام* ، وعليه يمكن القول بأن العبارات التي قد تلفظ بها النواب على مستوى الغرفتين أو الآراء التي يبدونها قد تكون منطوية على مساس أو خدش للشرف أو الاعتبار وذلك قد يشكل قذفا ، فالسؤال الذي يطرح : هل تدخل هذه الآراء و الألفاظ في نطاق الأفعال المبررة ? والجواب هو أنها لا تعتبر أفعالا مبررة من منظور المادة 39 من قانون العقوبات لاسيما الفقرة الأولى منها ، وإنما هي امتداد لأثر الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها النائب فهناك نحن أمام قيد يرد به رفع الدعوى العمومية أو المتابعة الجزائية فقط ، وما يؤكد قولنا هو ما نصت عليه المادة 110 من الدستور بقولها ( لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب او عضو في مجلس الأمة بسبب جريمة او جنحة إلا بتنازل صريح منه أو بإذن .. الخ ) .
وبالتالي إذا كان هناك تنازل صريح من النائب أو إذن من الهيئة المختصة برفع الحصانة البرلمانية ، فتتم متابعة النائب جزائيا على أساس القذف فلا مجال لأسباب الإباحة في هذه الحالة.
ثالثا : حق النقد المباح
عرفته محكمة النقض المصرية ( بأنه إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر، أو العمل بغية التشهير به ، أو الحط من كرامته ، فإذا تجاوز هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره فدف أو سب أو اهانة حسب الأحوال ) .
ولهذا الحق شروط وهي :.
1- أن يستند النقد إلى واقعة ثابتة ومعلومة للجمهور أي أن لا تكون الواقعة من صنع الخيال و أن لا تكون الواقعة سرية .
2- أن تكون الواقعة ذات أهمية بالنسبة للجمهور .
3- أن تكون عبارات النقد ملائمة للواقعة أي لا يجوز أن يكون النقد مبررا للشتم أو التشهير أو التجريح .
4- أن يكون النقد قائما على حسن النية اتجاه الواقعة أي اعتقاد الناقد بصحة الرأي الذي يبديه ولا يهم إن كان صائبا أو خاطئا وان يكون النقد يهدف إلى المصلحة العامة .
الفصل الثاني : القواعد الإجرائية لجريمة القذف :
المبحث الأول : إجراءات المتابعة :
تثير المتابعة من أجل جريمة القذف عدة مسائل في بالغ الأهمية :
المطلب الأول : الشكوى:
نشير أولا إلى أن قانون العقوبات الجزائري قبل تعديله بموجب القانون 01/09 المؤرخ في 26/06/2001 لم يكن يستوجب شكوى في هذا المجال ، ولكن إثر هذا التعديل نصت المادتان 144 مكرر 144 مكرر 2 ق.ع بصفة صريحة أنه في حالة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول صلي الله عليه وسلم أو بقية الأنبياء أو الاستهزاء بالدين أو بأي شعيرة من شعائر الإسلام ، فإن المتابعة تباشر ها النيابة العامة بصفة تلقائية ، في حين إذا اطلعنا على المادة 146المعدلة بموجب القانون السابق الذكر فإنها لم تتضمن ما يشير بأن المتابعة الجزائية تكون تلقائية في حالة القذف الموجه إلى البرلمان أو إحدى غرفتيه أو ضد المحاكم والمجالس القضائية أو ضد الجيش الوطني الشعبي أو أية هيئة نظامية أو عمومية .
مبدئيا يمكن القول بأن هناك استنتاج منطقي وسليم ،و ذلك باقتران المادة 146 بالمادتين 144 مكرر و 144 مكرر 2 وذلك على النحو التالي :
فعندما يتعلق الأمر برئيس الجمهورية أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو باقي الأنبياء وكذا شعائر الدين الإسلامي ، فالمتابعة تكون تلقائية ، أما بالنسبة للحالات الأخرى الواردة في المادة 146 تكون المتابعة بناء على شكوى.
غير أنه إذا رجعنا إلى المادة 296 وما يليها ، نجد أن هذا الاستنتاج لا يستقيم من الناحية القانونية ، كون أن هذه النصوص المتعلقة بالقذف لا تشترط شكوى المجني عليه ، وهذا بخلاف التشريع الفرنسي الذي يشترط الشكوى بصريح نص المادة 48 من قانون الإعلام ، وقد سايره المشرع المصري في ذلك ورفع الشكوى في إطار هذين التشريعين يكون من طرف المجني عليه أو من قبل نائبه القانوني والتنازل عن الشكوى يضع حدا للمتابعة .
إذن نلاحظ أن المشرع خرج على ما هو ساري به العمل في التشريع المقارن غير أننا يمكن أن نبين معالم المتابعة من أجل القذف في ضل التشريع الجزائري على ضوء المواد السابقة وفقا لما يلي :
أولا : المتابعة التلقائية :
إذا كان القذف موجها إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول ( ص) أو بقية الأنبياء أو الدين أو لأية شعيرة من شعائر الإسلام : يكون على النيابة العامة مباشرة المتابعة تلقائيا أي تخضع المتابعة لمبدأ الشرعية وليس للنيابة سلطة الملائمة .
ثانيا : المتابعة بناءا على شكوى:
وتشمل الهيئات العمومية والنظامية والأفراد ، فتكون المتابعة بناءا على شكوى المجني عليه وإما بمبادرة من النيابة وهنا للنيابة سلطة ملائمة المتابعة ، غير أنه إذا تمت المتابعة بناء على شكوى المجني عليه فإن سحب شكواه لا يوقف المتابعة لأن المشرع لم يعلق المتابعة على شكوى ، وقضاء المحكمة العليا مستقر في هذا المجال ( عدا الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون ، لا تتأثر الدعوى العمومية بسحب شكوى الضحية).
والمشرع الجزائري بعدم اشتراطه شكوى المجني عليه يكون قد خرج على ما هو معمول به في القانون المقارن حيث توقف جل التشريعات المتابعة الجزائية على شكوى المجني عليه أو ممثله ولكن برغم جميع ما تقدم نجد أن العمل القضائي يسير في اتجاه مخالف لما أقره قانون العقوبات حيث أننا لم نلاحظ أي قضية تتعلق بالقذف تمت المتابعة الجزائية فيها بصورة تلقائية من النيابة وإنما جميع المتابعات تتم بناء على شكوى المضرور ، بل أن الأمر يتعدى ذلك حيث أن حتى القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية والتي جاء التعديل من أجل التشديد سواء من حيث العقوبة أو من حيث التأكيد على أن المتابعة الجزائية يجب أن تكون تلقائية من طرف النيابة العامة ولكننا في الواقع العملي لا نجد ذلك محققا فكم هي الجرائد التي تظهر الرسوم التي قد تشكل مساسا بشرفه أو اعتباره ومع ذلك لا تتحرك النيابة من أجل متابعة الفاعلين فما السبب في ذلك ؟.
إن الإجابة على مثل هذا السؤال لا يمكن أن تكون جازمة ولكن يبدو أن القضاة متأثرين بالقانون المقارن وخاصة المصري والفرنسي حيث أنه لا يجوز رفع الدعوى العمومية في جرائم الاعتبار في القانون المصري إلا بناء على شكوى المجني عليه إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي ، وتسري هذه الجرائم قواعد الشكوى والتنازل وتنقضي هذه الدعوى بتنازل مقدم الشكوى في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي.
وفي القانون الفرنسي تشترط المادة 48 من قانون الأعلام شكوى المجني عليه أو من ينوب عنه قانونا ، وتوقف المتابعة بسحب الشكوى م 49.
والجدير بالذكر في إطار الإجراءات انه نظرا للخصوصية التي تتميز بها جريمة القذف كجريمة إعلامية و صحفية فان المشرع الإجرائي أضفى نوعا من الخصوصية فيما يخص إجراءات المتابعة ، حول هذه الجريمة وهو الأمر الذي يظهر من خلال المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية الفقرة 04 التي تمنع صراحة اتخاذ إجراءات التلبس بشأن جرائم الصحافة .
وقد رسم المشرع الجزائري لضحية القدف طريقا اخر يتمثل في تكليف المتهم مباشرة بالحضور امام المحكمة طبقا للمادة 337مكرر من قانون الاجراءات الجزائية
المطلب الثاني : التقادم .
بالرجوع إلى قانوني العقوبات والإعلام لاسيما المواد المتعلقة بهذه الجريمة ، لا نلمس منها بأن المشرع الجزائري قد نص على مدة معينة لتقادم جرائم القذف ، وقد سايره القضاء في ذلك بحيث أنه لم يتعرض لهذه المسألة ، وعلى هذا الأساس لا يمكننا الخروج عن القواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائرية فإذا لحق بجريمة القذف وصف الجنحة ، وطبقا م 8 ق أ.ج ، تتقادم الدعوى العمومية فيها بمرور ثلاث سنوات من تاريخ اقترافها إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء التحقيق أو المتابعة .
أما في حالة المخالفة فتنص المادة 9 من ق أ ج ،على أن مدة التقادم تكون بمضي سنتين كاملتين ويتبع في شأنها الحكم السابق ذكره في حالة الجنحة.
ونشير هنا بأن التقادم من النظام العام يمكن إثارته في كافة مراحل الدعوى طبقا للقرار الصادر عن المحكمة العليا ( جنائي 30/04/1981 مجموعة قرارات غ.ج .ص.92 )، ولو لأول مرة أمام هذه الهيئة .
وبخلاف التشريع الجزائري ، فإن معظم التشريعات المقارنة نصت على مهلة جد قصيرة ، نظرا لكون أن هاتين الجريمتين تمتاز بخصوصيات معينة فنجد أن التشريع المصري نص على أنه لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها ، كما حدد القانون الفرنسي مدة التقادم بثلاثة أشهر من تاريخ ارتكابها (م 65 من قانون الإعلام).
وقد بين بداية حساب التقادم : مثلا في حالة إعادة نشر الكتاب فالمدة تحسب من بيع كل طبعة جديدة للكتاب ، و بالنسبة لجريدة يومية فمن يوم النشر ،و جريدة شهرية فمن اليوم الأول للشهر ، أما الرسالة من تاريخ استلامها .
ويفترض القانون بذلك تنازل المجني عليه عن حقه في الشكوى
المطلب الثالث : الاختصاص.
نتناول هنا نوعين من الاختصاص هما المحلي والنوعي .
أولا: الاختصاص المحلي:
بالرجوع إلى القاعدة العامة أي قانون الإجراءات الجزائية حيث تنص المادة 329 فقرة 01( تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محل إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محل القبض عليهم ولو كان هذا القبض قد وقع لسبب آخر) ونصت المادة 37 من نفس القانون على نفس القواعد التي تحكم الاختصاص المحلي فيما يخص وكيل الجمهورية .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل أن هذه القواعد العامة تنطبق على جريمة القذف ؟
الجواب هو: أنه لم يتضمن قانون العقوبات ولا قانون الإعلام قواعد للاختصاص المحلي خاصة بجريمة القذف مما يجعل هذه الجريمة تخضع للقواعد العامة للاختصاص المحلي المنصوص عليه أعلاه .
ويثار الإشكال إذا ارتكبت الجريمة بواسطة الصحافة المكتوبة غير أن هذا تم حسمه من طرف القضاء الفرنسي بالاستقرار على أن الاختصاص يكون بالنسبة للصحافة المكتوبة لكل محكمة تقرأ الصحيفة في دائرة اختصاصها ، ولكل محكمة تلتقط فيها الإذاعة بالنسبة للصحافة المسموعة ، غير أنه لا يجوز أن تتم المتابعة من أجل نفس الواقعة أمام محكمتين في آن واحد ، ففي قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه أنه *ينعقد الاختصاص المحلي في جرائم القذف عن طريق الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية* لكل محكمة قرأت بدائرة اختصاصها الجريدة أو سمعت فيها الحصة الإذاعية أو شهدت فيها الحصة المرئية *، وهذا ما تبنته المحكمة العليا في قضية يومية الخبر حيث قضت في قرارها الصادر في 17/07/2001 بأن *جنحة القذف بواسطة النشر في يومية إخبارية تعتبر بأنها ارتكبت في جميع الأماكن التي توزع فيها اليومية والتي من المحتمل أن يقرأ فيها الخبر* قرار غ.ج.م.ق 2 ملف 240983 غير منشور : حيث نقضت المحكمة العليا قرارا صادرا عن مجلس قضاء قسنطينة بعدم اختصاص بمحكمة قسنطينة بالنظر في جنحة القذف المنسوبة لمدير يومية الخبر بدعوى أن الاختصاص المحلي يؤول إلى المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها المقر الاجتماعي لمؤسسة الخبر أي الجزائر العاصمة أما إذا ارتكبت الجريمة بواسطة رسالة أو الهاتف فالمستقر عليه في فرنسا والجزائر أن المحكمة المختصة هي تلك التي استلمت الرسالة أو استقبلت المكالمة الهاتفية في دائرة اختصاصها. ففي قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه ( أنه من المقرر قانونا أن مكان ارتكاب جريمة القذف بواسطة رسالة خاصة مبعوثة من مكان إلى أخر إلى الشخص المعني بالقذف ، هو المكان الذي استلمت وقرأت فيه هذه الرسالة من طرف الشخص الذي بعثت إليه) .
أما إذا ارتكبت جريمة القذف بواسطة الجهر بالقول أو الصياح في مكان عمومي سواء بطبيعته أو بالمصادفة أو بالتخصيص فمنطقيا فإن المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها هذا المكان هي صاحبة الاختصاص.
ثانيا : الاختصاص النوعي :
فيما يتعلق بهذه المسألة فالتشريع الجزائري واضح ، فيعتبر جهة القضاء الجزائي هي المختصة بالنظر في جرائم القذف.
غير أن جهة القضاء الجزائي تتضمن محكمة الجنح والمخالفات والجنايات ، وهذه الأخيرة مستبعدة كون أن قانون العقوبات الجزائري أفضي وصف الجنحة والمخالفة فقط على جريمة القذف .
فيختص قسم الجنح طبقا للمادة 328 ق.أ.ج حالة وصف الجنحة .
ويختص قسم المخالفات حالة جريمة القذف التي تخلفت فيها العلنية .
ويختص قسم الأحداث حالة المخالفة مرتكبة من قبل الحدث طبقا للمادة 446 من ق.إ.ج.
المبحث الثاني :إثبات الجريمة و تسبيب الحكم فيها .
المطلب الأول: إثبات الجريمة .
عبء الإثبات في المواد الجزائية يقع على عاتق المتهم وهو سلطة الاتهام والمتمثلة في النيابة وبالتبعية على المدعى المدني وإن كان هذا الأخير ليس منوطا أصلا بهذا العبء فيقتصر دوره على تنوير المحكمة وذلك بسرد الوقائع والمطالبة بالتعويض ، والنيابة تقوم بجمع عناصر الإثبات باعتبارها ممثلة عن المجتمع يهمها إثبات براءة البريء كما يهمها إدانة المدان .
ومن بين الأسئلة التي تطرح ، ماذا تثبت سلطة الاتهام في جريمة القذف ؟ ، وهل وسائل الإثبات مقيدة ؟ ، وما هو موقف القاضي الجزائي من الأدلة المعروضة عليه ؟ .
أولا : إثبات سلطة الاتهام :
- سلطة الاتهام تثبت أركان الجريمة السابقة من فعل الإسناد وركن العلنية ، أما القصد الجنائي هو مفترض وبالتالي على المتهم إثبات حسن نيته .
- فالإثبات يقع على فعل الإسناد المتمثل في إسناد واقعة مشينة للمجني عليه هذا أولا أما ثانيا تثبت النيابة ركن العلنية وهذا الركن مهم جدا فهو يحدد إما جنحة أو مخالفة .
ثانيا : وسائل الإثبات :
- أما بالنسبة لوسائل الإثبات فتعتبر حرية الإثبات ميزة لنظرية الإثبات الجنائي وبالرجوع إلى التشريع الجزائري لم يخصص المشرع طرقا خاصة لإثبات جريمة القذف فإنما أخضعها للقواعد العامة ، حيث نصت المادة 212 ق . ا.ج (على أنه يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ماعدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك ، وللقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص ) ، وبمفهوم المخالفة فإن جريمة القذف ليست من الجرائم التي نص القانون فيها على طرق الإثبات الخاصة وعليه فهي تدخل ضمن المادة 212 ق.إ.ج.
ومنه نستنتج أن القانون الجزائري لا يشترط لإثبات وقائع القذف دليلا معينا بل يجوز إثباتها بكافة الطرق بما فيها شهادة الشهود والقرائن .
وعلى هذا الأساس يمكن إثبات قصد العلانية بالقرائن ، وعبارات القذف بواسطة شهادة الشهود كما يمكن الإثبات بأن توزيع المنشورات أو الكتب حصل بدون تمييز بين عدد من الناس وأن المتهم نوى إذاعة ما هو مكتوب، كما يكفي النيابة أن تثبت توافر العلانية بمجرد إثبات صفة المكان ، مثل الجهر بالقول في مكان عمومي بطبيعته، فيكون دليل الإثبات اعتراف المتهم بأنه تلفظ بذلك في حديقة عمومية مثلا.
كما يمكن الاعتماد على جريدة يومية كدليل للإثبات بشرط تحديد اسمها وتاريخ صدورها وعددها ، فصدور المقال يعتبر كدليل على حصول الإذاعة أي توافر العلنية ، أما قصد الإذاعة فيستنبط من الظروف المحيطة بالواقعة ، ويمكن الاعتماد على تسجيل صوتي لمقطع من العبارات التي تم إذاعتها .
كما يعتبر طريقا للإثبات الشهادة مثلا: شخصان كانا في مكتبة عمومية (محل خاص) سمعا صدور عبارات من الجاني اتجاه المجني عليه ينسب إليه مثلا واقعة إتلاف وسرقة الكتب وكان يردد هذه العبارات بواسطة الجهر بالقول والصياح معا في آن واحد ، ففي هذا المثال العلنية متوافرة كون أن الجهر بالقول أو الصياح صدر في مكان خاص غير أنه تحول إلى مكان عمومي بالتخصيص بمجرد أن سمع من كان بالمكتبة من الجمهور هذه العبارات والتي يؤكدها الشاهدين اللذان كانا متواجدين في المكتبة ، إذن فالعلانية هنا كوصف قد تحققت ويبقى قصد الإذاعة ، وهذه المسألة تستنبطها محكمة الموضوع من ظروف الواقع .
والمتهم له كافة لطرق لإثبات حسن نيته .
ثالثا : موقف القاضي الجزائي من الأدلة المعروضة عليه :
أما الإجابة عن السؤال المتعلق بموقف قاضي الموضوع من الأدلة المطروحة عليه فنجد المادة 212 السابقة ، أعطت للقاضي الحرية في أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الشخصي وعليه فله الحرية الكاملة في تقدير عناصر الإثبات.
فالقاضي يقدر بكل حرية الأدلة المعروضة عليه تقديرا منطقيا ومسببا لكن عليه حين النطق بالحكم سواء بالإدانة أو البراءة أن يبين الأدلة التي أعتمد عليها في حكمه ، وله أن يأخذ بشهادة شاهد ويستغني عن سماع شاهد أخر كما له كامل السلطة في تقدير الاعتراف ، و له أن يعتمد على المحررات كدليل للعلانية أو يستبعدها .
وكخلاصة لهذه المسألة نقول أن التشريع الجزائري أخضع الإثبات في جريمة القذف إلى القواعد العامة وعبء الإثبات أصلا يقع على النيابة وبالتبعية على المدعى المدني وأن إثبات هذه الجرائم يجوز بكافة طرق الإثبات ، ولقاضي الموضوع الحرية في استخلاص الدليل وتقديره طبقا لمبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي.
المطلب الثاني : تسبيب الحكم.
الحكم الجزائي لابد أن يتضمن بيانا كافيا للواقعة المسندة إلى المتهم فضلا عن بيانات أخرى ، بالإضافة إلى الأسباب التي بني عليها .
وحسب المادة 379 ق.إ.ج .ووفقا لمسايرة القضاء لذلك تطرقت المحكمة العليا في قرار لها إلى أعطاء تعريف الأسباب (الأسباب هي الحيثيات التي يستند إليها القاضي للتدليل على النتيجة التي يصل إليها في منطوق حكمه ، ولقد استلزم المشرع في المادة 379 من ق.أ.ج أن تشمل الأحكام والقرارات الصادرة من الجهات القضائية الفاصلة في الجنح والمخالفات على الأسباب وذلك تحت طائلة البطلان).
فلا بد بيان الواقعة ، وبيان الظروف التي وقعت فيها ، والعلة من تسبيب الأحكام ضمان لحسن سير العدالة وإعطاء لصاحبه رقابة مباشرة على أن المحكمة قد ألمت بوجهة نظره في الدعوى وكذلك حتى تتمكن المحكمة العليا من ممارسة رقابتها .
و لا يمكن الاكتفاء بالإحالة إلى ملف الدعوى أو القول أن التهمة ثابتة دون تبيان عناصرها ، أو تسبيب الحكم عل وجود قرائن متماسكة تدين المتهم وذلك بدون إبرازها أو تحديدها .
وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها (لا يعتبر كافيا مجرد القول لأنه يستخلص من أوراق ملف القضية وجود قرائن كافية للإدانة). :
وقياسا على ما سبق لابد أن يتضمن الحكم الصادر في جريمة القذف أركانها كاملة. لكن ما لحظناه خلال التربص أن جل الأحكام تتخلف فيها هذه الأركان وتكتفي بالعبارات فقط .
إنما يتعين إثباته في حكم الإدانة : عبارات القذف وعلانية الإسناد.
أولا : عبارات القذف :
لابد على القاضي أن يثبت في حكمه ألفاظ القذف حتى تتسن الرقابة .
فأحيانا يقع خلط بين جريمة القذف وجريمة السب فقد تكون العبارات منطوية على سب وتكيف على أساس أنها جريمة قذف ، فبذكر هذه العبارات أو الألفاظ يمكن للمحكمة العليا فرض رقابتها على التكييف الصحيح وإعطاء تأويل صحيح للعبارات خاصة إذا جاءت بشكل غير مباشر أو على سبيل التلميح ، أي أن دورها يكمن في مراقبة القاضي في صحة ما يستخلصه منها .
إذن لابد إبراز عبارات القذف في الحكم ولا يكفي في الإحالة على محضر الضبطية أو التحقيق
ففي قرارها الصادر بتاريخ 21-11-2000 غ . م .ج .ق 2 ملف رقم 220184 غير منشور نقضت فيه المحكمة العليا قرار كونه لم يحدد عناصر الجريمة ، وجاء فيه ( كان على قضاة المجلس تحديد الأفعال أو السلوكات والعبارات التي مست بشرف واعتبار الشخص) .
كما نقضت من جهة أخرى قرارا أدان المتهم بالقذف استنادا إلى السبب الأتي ( حيث يتبين من الملف ومن المناقشة التي دارت في الجلسة أن تهمة القذف متوفرة الأركان في قضية الحال مما يتعين إدانة المتهم بهذه التهمة ) قرار في 21-09-1999 غ .ج .م .ق 2 ملف رقم 199887 غير منشور .
ثانيا : بيان علانية الإسناد:
بموجب هذا الركن يتحدد الوصف القانوني للجريمة إما مخالفة أو جنحة .
فيلزم حكم الإدانة بأن يثبت علانية إسناد المتهم في القذف ، وقاضي الموضوع لابد أن يبين الوقائع التي تم استخلاص منها هذه العلانية وله السلطة في تقدير الوقائع المادية.
ولا بد ذكر طريقة تحقق العلانية في الحكم فمثلا إذا كانت وسيلة العلانية هي القول تلزم المحكمة أن تبين ما إذا كان محل الجهر أهو مكان عمومي أم مكان خاص ، مع تحديد وصف هذا الأخير بدقة.
وإذا كانت العلانية عن طريق النشر في الجرائد تعين عليها أن تشير إلى اسم الجريدة ، عددها ، وتاريخ النشر، وإذا كانت العلانية عن طريق إعلان حائطي ، يجب أن يبين مضمون هذا الإعلان ومكان عرضه للأنظار ومدى تمكن الجمهور من الإطلاع عليه وعددهم الأدنى إن أمكن ذلك ... الخ.
إن إغفال بيان ركن العلانية يعيب الحكم ويستوجب نقضه والمحكمة العليا مستقرة في هذا الاتجاه كون أن عدم إبراز العلانية في الحكم يعتبر قصورا .
أما في ما يتعلق بالركن المعنوي ومدى إلزامية إبرازه في حكم الإدانة ، فإن التشريع الجزائري يعتبره (القصد الجنائي العام) مفترض في جريمة القذف ، وقد استقر جل الفقهاء والقانونين على أن القاضي غير ملزم ببيانه في أسباب الحكم ، وبالتالي فإن عدم ابرز هذا الركن لا يؤدي إلى القصور في التسبيب .
المبحث الثالث : الجزاء .
لم يكن قانون العقوبات الجزائري يعاقب على القذف الموجه إلى الهيئات رغم تجريمه في المادة 296 منه وجاء قانون 01/09 المعدل من قانون العقوبات بعقوبة لهاته الهيئات .
المطلب الأول : عقوبة القذف الموجه للأفراد:
أولا : الأفراد الطبعيين :
ويقصد بالإفراد الأشخاص المطبعيين إذ يعاقب القانون على القذف بالنسبة لهذه الفئة بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 250.00 إلى 500.000 دج .أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب المادة 298 ق.ع . و يضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية .
ثانيا : الأفراد المنتمون لمجموعة أو دين :
أما في حالة القذف الموجه إلى شخص أو أكثر ينتمون إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين وكان الغرض منه التحريض على الكراهية بين مواطنين ، فتكون العقوبة الحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 10.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا لأحكام المادة 298 ف2 ق.ع.
وتجدر الإشارة أن هذه العقوبات هي عقوبات جريمة القذف المنطوية على وصف الجنحة أما في حالة المخالفة فكما سبق وأن أشرنا فإن التشريع الجزائري لم يتطرق إلى هذه الحالة تاركا فراغا قانونيا ، غير أنه تطبق المادة 463 ف2 وفقا ما استقر عليه العمل القضائي وبالتالي العقوبة تكون الغرامة من 3000 إلى 6000 دج كما أجاز المشرع أن يعاقب الجاني بالحبس لمدة ثلاثة أيام على الأكثر طبقا للمادة 463 المعدلة .
المطلب الثاني : عقوبة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية والهيئات .
بالرجوع إلى المواد 144 مكرر و 146 المستحدثة أو المعدلة تطبق على الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق القذف أو على الإساءة إلى الرسول ( ص) والأنبياء الآخرين وشعائر الدين الإسلامي وعلى القذف الموجه إلى الهيئات العقوبات الآتية:
أولا : عقوبة الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق القذف : الحبس من 3 أشهر إلى 12 شهرا وغرامة من 50.000 إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط . وتضاعف هاته العقوبات في حالة العود حسب المادة 144 مكرر ق.ع.
والعقوبة هنا مهما كانت طريقة القذف سواء بالكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة الكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى .
ثانيا : عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات : الحبس من 3أشهر إلى 12 شهرا وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، حسب المادتان/ 141 مكرر و/ 146مكرر 1 و اللتان أشارت إليهما المادة 146 وتضاعف هاته العقوبات حالة العود .
ثالثا : عقوبة الإساءة إلى الرسول (ص) وبقية الأنبياء أو الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الدين الإسلامي : الحبس من 3 سنوات إلى 5 سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط حسب المادة 144 مكرر 2 .
نلاحظ هنا أن المشرع لم يوفق في مسعاه من الناحية المنهجية ، لذلك أنه كان منتظرا أن تدرج عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات ضمن أحكام الفصل الأول من الباب الثاني الخاص بالجنايات والجنح ضد الأشخاص وتحديدا في القسم الخامس بعنوان الاعتداء على شرف واعتبار الأشخاص وذلك مباشرة بعد العقوبات المقررة للقذف الموجه إلى الأفراد في المادة 298 ق ع
لكن المشرع قام بإدراج عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات ضمن أحكام الفصل الخامس من الباب الأول الخاص بالجنايات والجنح ضد الشيء العمومي وتحديدا في القسم الأول بعنوان الإهانة والتعدي على الموظف .
و حتى و إن كان المشرع لم يشر إلى القذف غير العلني على أساس ان القذف يقتضي العلنية ، فقط طبق القضاء الفرنسي على القذف الغير علني حكم السب غير العلني و هي مخالفة يعاقب عليها المشرع الجزائري بغرامة من3000 دج إلى 6000 دج حسب المادة 463 ف 2 من قانون العقوبات.
وعلاوة على ذلك يمكن إضافة العقوبات التكميلية للمتهم حسب المادة 9 من قانون العقوبات كتحديد الإقامة والمنع من الإقامة والحرمان من مباشرة بعض الحقوق والمصادرة الجزئية للأموال وحل الشخص المعنوي ونشر الحكم .
ويمكن للمحكمة حسب المادة 99 من قانون الإعلام أن تأمر بحجز الأملاك التي تكون موضوع المخالفة وإغلاق المؤسسات الإعلامية إغلاقا مؤقتا أو نهائيا .
المطلب الثالث:عقوبة القذف المرتكب بواسطة نشرية .
أولا : مسؤولية النشرية :
ما يلفت الانتباه هو تقرير المسؤولية الجزائية لرئيس التحرير عما يتم نشره في النشرية حسب المادة 144 مكرر 01 م ق ع وهو أمر أستحدثه المشرع الجزائري لا يوجد في التشريعات المقارنة ولا ندري ما هو الأساس الذي اعتمده المشرع الجزائري لتحديد هذه المسؤولية؟
كما أنه من اللافت للانتباه استحداث المشرع في تعديله لمسؤولية النشرية كعنوان وتسليط العقوبة عليها بالرغم من عدم تمتعها بالشخصية القانونية من ثم فليس لها كيان قانوني فكيف بإمكان توقيع العقوبة على كيان ليس له شخصية قانونية ؟.
ربما يكون المشرع قد وقع في سهو أو خطأ فذكر النشرية عوضا أن يذكر مؤسسة النشر أو مؤسسة الطباعة والتي تتمتع بالشخصية المعنوية ، و كان أحرى عليه إن كانت نيته تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن ينص على مسؤولية مؤسسة الطباعة و النشر التي تصدر عنها النشرية .
ثانيا : العقوبـة:
تعاقب النشرية بغرامة من 500.000 دج إلى 5.000.000 دج وفي حالة العود تضاعف عقوبة الغرامة حسب المادة 144 مكرر 1 المعدلة .
و كخلاصة لجريمة القذف أنه، هناك قضية انفجرت مؤخرا في الجزائر و هي قضية القذف التي رفعها القائد الليبي معمر القذافي ضد مدير جريدة الشروق و صحافية بنفس الجريدة .
و حيث أدانت محكمة حسين داي بالجزائر العاصمة مدير جريدة الشروق اليومي علي فضيل و الصحافية نائلة برحال ستة أشهر حبس نافذة و 20 ألف دينار كغرامة لكل منهما كما طلبت توقيف صدور اليومية لمدة شهرين ، و دفع 500.000 دج كتعويض عن الضرر عن قضية القذف رفعها مؤخرا امين لجنة العلاقات الجزائرية الليبية ضد اليومية نيابة على القائد الليبي معمر القذافي .
تأتي هذه القضية بعد نشر اليومية تحقيقين في شهر أوت الماضي تضمنا تصريحات لبعض قادة لقبائل التوارق الجزائريين و المليين و النيجريين تتحدث عن وجود مخطط ليبي لضرب استقرار الجزائر و هو ما اعتبره الطرف الليبي مساسا بأمن ليبيا و الجزائر مؤكدا ان ما نشر مجرد أكاذيب خالية من أي تأسيس أو أدلة .