الوقفة الثانية :
الإخوان المسلمون و التصوف
عن كتاب وقفات مع كتاب للدعاة فقط للشيخ محمد بن سيف العجمي
يقول الأخ جاسم المهلهل في كتابه ( للدعاة فقط) ص: 115 ما نصه:" الإدعاء بأن الإخوان يمجدون التصوف ويدعون إلى إقامة الدين عليه : أولئك يبنون هذه الدعوى على فهم معكوس، ولنستبين ذلك سنذكر أشد العبارات في كتب الاستاذ البنا رحمه الله و التي يمكن أن يشم منها الباحث عن العورات شيئاً يكون عنده سلاحاً يضرب به أعراض المسلمين ويقطع به لحومهم:
( 1 ) قول الاستاذ البنا رحمه الله عند الحديث عن مراحل الدعوة و مرحلة التكوين :[ إنها استخلاص العناصر الصالحة لحمل اعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة في هذا الطور صوفي بحت من الناحية الروحية و عسكري بحث من الناحية العملية].
( 2 ) قول الاستاذ سعيد حوى في كتابه ( جولات في الفقهين الكبير و الأكبر ) : [ومن أجل تذوق العقائد الإسلامية وإقامة الأحكام الفقهية قام علم التصوف في الأصل ثم بعد ذلك خرج من أصل الوضع فبدلاً من أن يكون تابعاً لعلمي العقائد و الفقه صار متبوعاً فحدث نتيجة ذلك شرر كبير]. هذان هما أكثر ما يذكره الناقدون " أهـ.
ولنا مع هذا الكلام الخطير هذه الوقفة فأقول مستعيناً بالله : إنك لم تتق الله يا أخ جاسم في نقلك ولم تنصف حيث إنك ذكرت أبسط وأخف وأضعف العبارات ولم تصدق في قولك بأنك ستورد أشد العبارات من كلام منظري الإخوان، حيث أن هذه العبارات التي ذكرتها أنت ليست وحدها هي التي من أجلها اتهمت دعوة الإخوان المسلمين بمناصرة التصوف و السير في ركابه، وأنها دعوة لا تفرق بين سلفية وصوفية و بالتالي ليس لدى أفرادها وضوح في العقائد ولا المنهج ولا أصول التربية، بل تأخذ من هذا وذاك وتجمع بين الأضداد، وما ينفع وما يضر كما يصنع حاطب الليل الذي يجمع الحية مع الخشب، ولبيان ما تقدم وبيان أنك لم تورد العبارات الشديدة كما وعدت وانك لم تصدق ولم تنصف في نقلك إليك البيان و الدالة على ذلك :
أولاً : سعيد حوى: وهو أحد كبار منظري الإخوان يقول في كتابه ( جولات في الفقيه الكبير و الأكبر) الجولة الثامنة ص: 154 ما نصه وحرفه:" ثم إن حركة الإخوان المسلمين نفسها أنشأها ( صوفي ) وأخذت حقيقة التصوف دون سلبياته !!!" . أهـ.
ويقول الشيخ أبو الحسن علي الندوي في كتابه ( التفسير السياسي للإسلام ) ص:138-139 :" الشيخ حسن البنا ونصيب التربية الروحية في تكوينه وفي تكوين حركته الكبرى: غنه كان في أول أمره كما صرح بنفسه- في الطريقة الحصافية اشاذلية وكان قد مارس أشغالها وأذكارها وداوم عليها مدة، وقد حدثني كبار رجاله وخواص أصحابه أنه بقي متمسكاً بهذه الأشغال و الأوراد- إلى آخر عهده وفي زحمة أعماله " أهـ .
ونقف بعد هذا الكلام قليلاً ونقول: وهذا لعله أحد الأسباب الذي من أجله يسكت الإخوان المسلمون على الأقل عن محاربة التصوف مع ما جره على الأمة من بلاء وشر، فقد كان التصوف هو الباب الذي دخل منه الزنادقة و الباطنيون وكل فرق الضلالة كالرافضة والإسماعيلية، وكل الذين أرادوا ان يأكلوا أموال الناس بالباطل من أصحاب الطرق والاقطاعيات الدينية وممن استعبدوا الناس واستذلوهم باسم الولاية و المشيخة و الطريقة وآل البيت !!!.
ثانياً : الصوفية احدى السمات الرئيسية لدعوة الإخوان المسلمين : حيث يقول سعيد حوى في كتابه ( جولات ..) الجولة الأولى ص: 17 ما نصه وحرفه:" ولقد كتبت كتاب (تربيتنا الروحية) لتوضيح أحد مواضيع الفقهين الكبير و الأكبر وهو موضوع ( التصوف المحرر) لأضع الأمور في مواضعها في قضية الحقيقة الصوفية التي هي إحدى السمات الرئيسية لدعوة الاستاذ البنا رحمه الله !!! " ، ويقول أيضاً حوى في ص: 84 من كتابه ( جولات ) :" وسنحاول في رسالة مستقلة في التصوف وهي ( تربيتنا الروحية) أن نعطي لتصوفنا أبعاده الأصلية، وفي سلسلتنا ( الأساس في المنهج) سنحاول أن نعرض لكل قضايا التصوف بمزيد البيان على ضوء النصوص ليكون مسارنا مستقيماً وحجتنا على أمتنا قائمة "!!! أهـ .
ونقف هنا قليلاً ونقول: ولعل ظاناً يظن بأن الصوفية التي ( حررها) سعيد حوى، وسماها ( التصوف المحرر) هو تصوف خالٍ من الخرافات و الخزعبلات، وشعوذات الزنادقة ، والحال أنه لا يوجد تصوف محرر قط... ولكن لنساير سعيد حوى وننظر ما هذا التصوف الذي حرره، وستعجب جداً عندما تعلم وتقرأ أن تصوفه( المحرر) هو تصوف الزنادقة و الملاحدة الرفاعية الذين يزعمون أن الله قد أبرد لهم النار، واخضع لهم الأفاعي، و وقاهم من شر الطعن ولذلك هم يجتمعون في حلقات ذكرهم الشيطاني الذي يستغيثون فيه بشيخهم أحمد الرفاعي الكذاب الذي يدعي أن الرسول r خرج من قبره وصافحه في حج سنة 555هـ، تجتمع الزنادقة ويضرب أحدهم نفسه ( بالشيش) سيخ من حديد في شدقه لتخرج من الشدق الآخر ويشعلون شعلاً من النيران ويطفئونها في أفواههم على نحو ما يفعله مشعوذة الهند ويسمون هذه كرامات سيدهم الرفاعي، كنا نظن ان سعيد حوى ( منظر الإخوان ومفكرهم) سيحرر تصوفه المزعوم من هذا الإفك و المنكر، ولكنه للأسف جعل هذه الشعوذة و الدجل هي التصوف المحرر الذي يجب على الإخوان المسلمين أن يتقيدوا به وجعله من السمات الرئيسية لدعوة الإخوان المسلمين.. وهذه نصوص عباراته في هذا الدجل و الهراء: حيث يقول سعيد حوى في ( تربيتنا الروحية) ص: 218 :" وقد حدثني مرة نصراني عن حادثة وقعت له شخصياً وهي حادثة مشهورة معلومة جمعني الله بصاحبها بعد أن بلغتني الحادثة من غيره وحدثني: كيف أنه حضر حلقة ( ذكر) فضربه به أحد الذاكرين بالشيش في ظهره فخرج الشيش من صدره حتى قبض عليه ثم سحب الشيش منه ولم يكن لذلك أثر أو ضرر ، إن هذا الشيء الذي يجري في طبقات ابناء الطريقة ( الرفاعية) ويستمر فيهم هو من أعظم فضل الله على هذه الأمة إذ من رأى ذلك تقوم عليه الحجة بشكل واضح على معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، إن من يرى فرداً من أفراد الأمة الإسلامية يمسك النار ولا تؤثر فيه كيف يستغرب أن يقذف إبراهيم في النار؟ إن من يرى فرداً من أفراد امة محمد r يخرج السيف من ظهره بعد ان يضرب فيه في صدره ثم يسحب السيف ولا أثر ولا ضرر هل يستغرب مثل هذا حادثة شق صدره r ؟ إن هذا الموضوع مهم جداً ولا يجوز ان نقف منه موقفاً ظالماً ومحله في إقامة الحجة في دين الله على مثل هذه الشاكله، عن الحجة الرئيسية لمنكري هذا الموضوع هي أن هذه الخوارق تظهر على يد فساق من هؤلاء كما تظهر على يد صالحين وهذا صحيح ( والتعليل) لذلك هو أن الكرامة ليست لهؤلاء بل هي للشيخ الأول الذي أكرمه الله عز وجل بهذه الكرامة وجعلها مستمرة في أتباعه من باب المعجزة لرسولنا صلى الله عليه وسلم فهي كرامة الشيخ الذي هو الشيخ ( أحمد الرفاعي) رحمه الله " أهـ .
وبعد هذا الكلام أقف قليلاً وأقول للأخ جاسم: إذا كان سعيد حوى ( وهو منظركم) يرى أن هذه الكرامات المزعومة تظهر على يد فساق الطريقة الرفاعية إكراماً للشيخ الأول الذي هو ( أحمد الرفاعي) فلماذا لا تظهر هذه الكرامات على يد فساق أمة محمد r حيث أنه صلوات الله وسلامه عليه أفضل عند الله واكرم من احمد الرفاعي وأتباعه؟؟!!!
ثم متى أصبحت هذه الشعوذة و الدجل من الحجج التي تقام على هذه الأمة كما يزعم سعيد حوى ؟!! وأيضاً كيف يجتريء سعيد حوى وهو الذي تحتج بكلامه على تشبيه فساق وزنادقة الطريقةالرفاعية بصفوة خلق الله تبارك وتعالى خليلي الرحمن ( إبراهيم ومحمد ) عليهما أفضل الصلاة والسلام ؟؟!!!.
ثم ألا يخجل سعيد حوى وهو من ثقاتكم ومنظريكم من تشببيه ومقارنة الذي يضرب بالشيش ولا يؤثر فيه بحادثة شق صدر نبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟! وكذلك مقارنة الذي يمسك النار بيده بحادثة قذف خليل الرحمن بالنار ... هل هذا هو احترام وتقدير أنبياء الله ورسله عند منظركم هذا؟!! سبحانك هذا بهتان عظيم .
وأقول للأخ جاسم أيضاً : لماذا تقول في محاولتك لإبعاد هذه الحقيقة ونفيها بأنك ستورد أشد العبارات في ذلك وتعرض عن هذا الكلام الخطير الموجود في كتاب ( تربيتنا الروحية ) لسعيد حوى، فهل هذا هو الوضوح العقائدي عند الإخوان وهل من يعتقد هذا تبقى عنده عقيدة أصلاً فضلاً أن يكون عنده عقيدة واضحة، وهل هذا الكتاب ( تربيتكم الروحية) الذي كتب لكم وباسم الإخوان جميعاً ولكي يعطي تصوفكم أبعاده الأصلية كما يقول مؤلفه و الذي في حدود علمنا لم ينكره إخواني لليوم، ولم يكتب أحد منكم رداً عليه يجوز لكم معه أن تقولوا إن الإخوان المسلمين يملكون تصوراً عقائدياً واضحاً ؟؟! أليست دعوة الإخوان بهذا دعوة جامعة للغث و السمين و الخرافة والجهالة و الحق و الباطل ... اليس حراماً عليكم ان تدعو الناس إلى هذه الجهالات و الحماقات و الزندقات وتسمون دعوتكم الدعوة الأم و الجامعة و الشاملة و الواضحة ؟ !!! .
ونكمل المشوار مع سعيد حوى لبيان بعض الحقائق التي تغافل عنها وتجاهلها الأخ جاسم ولنرى الصوفية المحررة في كتابهم (تربيتنا الروحية)أيضاً في ص: 173 حيث يقول ما نصه وحرفه :" ولقد ارتاح الكثيرون من علماء بلادنا لنوع من حلقات الذكر سموها ( مجالس الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم) يجتمع الناس فيها وهو ( ساكتون) يصلي كل منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكل منفرد، ثم بعد ذلك يقرؤون شيئاً من القرآن يذكرون الله عز وجل بصيغة لا إله إلا الله ثم يختمون بدعاء " أ هـ .
ويقول أيضاً سعيد حوى في ص: 244 مانصه :" إن شيوخنا يرون أن البيعة التي تعطى للشيخ عند الصوفية هي بيعة على التقوى ولذلك فإنهم يكتفون فيها ( بوضع اليد) وقراءة قوله تعالى { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث إنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيئوتيه أجراً عظيماً} دون أن يضيفوا شيئاً آخر، إن البيع في هذا الإطار أي بأن يلحظ فيها ألا تكون أحكام البيعة العامة وبحيث لا تحول دون الالتزام بجماعة المسلمين وإمامهم، إن البيع بهذا الشكل لا حرج فيه". اهـ.
وبعد هذا الكلام نقف قليلاً ونقول: إن في هذا الكلام من الأخطاء ما يلي:
أ - بدعية حلقات الذكر المذكورة و التي لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا احد من أصحابه ولا تذكر عن احد من سلف الأمة الذين أُمرنا باتباعهم ... فهل هذه هي سلفية الإخوان؟!.
ب- نقل البيعة الصوفية إلى المنهج الإخواني كان له أثره الواضح في تعميق أخلاق القطيع و التبعية العمياء دون مناقشة لدليل أو برهان كما هو الحال في التبعية الصوفية( لا تعترض فتنطرد) !!.
ج- جعل هذه البيعة كبيعة الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم وقراءة الآية عندها شيء عظيم جداً، لأن هذه البيعة على الحزب و التنظيم وليست بيعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يقال فيها يد الله فوق أيديهم .!!.
ونكمل المشوار مع سعيد حوى حيث يقول في ( تربيته الروحية) ص: 301 ما نصه:" إني مأذون على طريقة الصوفية بتلقين الأوراد عامة بتلقين الاسم المفرد" ويقول أيضاً في ص:147 ما نصه:" ثم تأتي القضية الرابعة وهي : التي نطلق عليها أركان المجاهدة: إن الذين تكلموا عن أركان المجاهدة ذكروا أركاناً أربعة هي : العزلة و الصمت و السهر و الجوع وسنتكلم عنها بإجمال ليعود الأخ إذا أراد تفصيلاً إلى الكتب الموسعة كالإحياء وغيره" ويقول سعيد حوى أيضاً في ص :181 مانصه:" بالإمكان إنشاء الجلسات التالية في كل مسجد : جلسة ذكر، جلسة صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويمكن ان تدمج الجلستان فتكون الجلسة على النحو التالي
تبدأ الجلسة مثلاً بعد صلاة الصبح يوم الجمعة أو بعد صلاة الظهر أو بعد صلاة العصر من يوم الجمعة أو في يوم آخر: يبدأ الحاضرون بشكل ( منفرد و سري) يصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصيغة التي يرتاحون لها و الصيغة التي تحقق تنفيذ الحد الأدنى من الأمر بالصلاة عليه وهي قولنا( اللهم صل على محمد وآله وسلم ) ويمكن الإعتماد زمن بعينه كثلث ساعة مثلاً أو عدد بعينه بحيث لا يرهق الحاضرين ثم بعد ذلك يبدأ ذكر ونحن جلوس كقولنا: سبحان الله و الحمد لله ولا إله إلا الله و الله أكبر، حوالي مائة مرة ثم يمكن أن يكون بعد ذلك شيء من الإنشاد المنتقى شعره ثم تختم الجلسة بشيء من قراءة القرآن " أهـ .
وفي ختام هذه الجولة أقول للأخ جاسم المهلهل : لم يبق شك بعد هذا الكلام ان هذه دعوى صوفية صريحة بدعية، وهذا المسلك ليس من السلفية في شيء، فالسلفية و الصوفية نقيضان: السلفية منهج القرآن والسنة وعمل الصحابة، و الصوفية منهج غريب شاذ دخيل على الإسلام من ابتداع الزنادقة الفرس و المجوس، الذين أرادوا صرف المسلمين عن الدين الحق وعن كتاب ربهم عز وجل وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم واعتماد الإخوان للمنهج الصوفي في التربية خطأ جسيم آن الأوان للتحذير منه والابتعاد عنه ... فاتق الله يا أخ جاسم ولا تحاول تجاهل هذه الحقائق الخطيرة وأنصف في نقدك ونقلك ولا تجعل العصبية الحزبية تحجب عنك الحقائق ... هدانا الله وإياك إلى سواء السبيل ؟...
ولمن أراد المزيد فعليه بكتاب " الطريق إلى الجماعة الأم " للشيخ عثمان عبد السلام نوح