منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - صريف القلم أم صريره ؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-08-27, 10:16   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
غانم عتبة
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي صريف القلم أم صريره ؟

كان ذلك منذ سنين خلت ، كنت في الخدمة العسكرية بالصحراء ، ضابط احتياط . كانت لنا رفقة طيبة ، بعد انقضاء اليوم الشاق بالتمارين و التدريب ، نتحرر ، نعانق الصحراء على امتدادها الشاسع ، نتحلق في جلسة شاي مع الغروب الساحر ، نغرق باللعب في نادي الضباط ، ونشطب على يوم اخر مع انطفاء الشمس وراء تلك الرمال المترامية الأطراف.

في الصيف تتحول غرفنا في الليل إلى أفران يستحيل المبيت بها ، فكنا نخرج فراشنا إلى البطحاء ، ونقضي الليل تحت السماء .


كان من أحب تلك الرفقة إلي صديقي حبيب المقداد ، فتى أوتي علما وأدبا و صوتا جميلا ، يصلي بنا التراويح فيملأ نفوسنا خشوعا . يغني لنا في أماسي الشاي خارج أسوار الثكنة فيملأنا طربا .

في تلك الليلة كنت أول من يحمل فراشه ويبسطه في البطحاء ، تمددت شابكا يدي خلف رأسي أحدق في النجوم وفي خيالي صورة أمي التي تفصلني عنها مئات الكيلومترات .

وقطع على حبيب المقداد خلوتي يحمل فراشه بين يديه يبسطه بجواري ثم يتمدد ويحدق حيث أحدق .
ولأنه كان خريج كلية الأدب كان نقاشنا يدور دائما حول مساءل أدبية لغوية .

كانت تلك الليلة ملأى بالنجوم ، و أنسام لطيفة تتنفس بها الصحراء بعد نهار قائظ .

كان نقاشنا ليلتها حول الأصوات :
يسألني :

- ما صوت الغنم ؟
فأجيبه :
- الثغاء
و أسأله :
- ماصوت البقر ؟
فيجيبني :
- .الخوار
- ما صوت الضفدع؟
- النقيق.
- ما صوت الجمل ؟
- الرغاء .
- ما صوت الغراب ؟
- النعيب .
- ما صوت الثعلب ؟
- الضغاء .


وسكت قليلا ثم سأل :
- ما صوت القلم ؟؟

فأجبت:
- الصريف .
فاعترض :
- لا ، إنه الصرير .
- لا ، أنا على يقين بأنه الصريف .
- و أنا على يقين بأنه الصرير .


- إذن غدا نحتكم إلى القاموس بمكتبة الثكنة ، ومن كان على خطأ يدفع ثمن القهوة لمن كان في النادي

- موافق .

وكان هذا آخر سؤال ، إذ جاء بقية الرفاق من النادي وبسطوا أفرشتهم ، وتغير مجرى الحديث .

في الصباح انصرفنا إلى تنفيذ برنامجنا اليومي على أن ننظر في القاموس مساء .

كان برنامجي أن أدرب جنودي على استخدام الخريطة و البوصلة و نظارات الميدان وحساب المسافات .
وكان برنامج حبيب المقداد أن يدرب جنوده على استخدام القاذف الصاروخي Rpg7 .

كان في حقل الرمي ، وكان يجمع جنوده حوله في مربع ناقص ضلع. ثم فجأة سمعت الصاروخ ينطلق ، والجنود يهربون في كل اتجاه ، ورفعت نظارات الميدان إلى عيني لأرى حبيب المقداد واقعا على الأرض وقد فصلت عنه فخذه من أصلها.
وجرينا نحوه ، كانت مازالت به بقية روح ، كان يرفع سبابته بالشهادة ، حملناه في الاسعاف نسابق الزمن ، لكن أقرب مدينة إلينا تبعد عنامئة كيلومتر .
في الطريق حلقت روحه إلى بارئها و سبابته تشير بالشهادة .
مات صديقي حبيب المقداد لخطأ في تدابير الإحتياط الأمني إذ وضع قمع القاذف الصروخي إلى فخذه
ولسنا ندري كيف ضغط على الزناد في تلك الوضعية ، فأحرقت الغازات و اللهب المندفع من القمع فخذه ، وهي كفيلة أن تحرق على بعد ثلاثين مترا .
وشربت الحزن ذلك اليوم كؤوسا مقطرة ذرفتها على صديقي في جلسة مساء بلا طعم .
وقلت لنفسي : سبحان الله كان آخر سؤاله حول " صوت القلم " ثم تذكرت قوله تعالى : "نون و القلم و ما يسطرون "كأن أجله أنطقه بهذا السؤال .
ودخلت المكتبة لأنظر في قاموسها ، من منا كان على صواب ؟
أهو صريف القلم كما قلت أم صرير القلم كما قال ؟
ويا عجبا !
كان كلانا على صواب ، صريف القلم وصريره ، هكذا حكم القاموس ، لكنا لم نشرب قهوة الرهان ...









 


رد مع اقتباس