منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - ------ ---فتاوى العلماء الأكابر فيما أُهدر من دماء في الجزائر !!! ---
عرض مشاركة واحدة
قديم 2007-07-06, 20:05   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

--- الحلقة الخامسة ---
ثمَّ إنَّ الذي يُقدِّر هذا الظرفَ ويُعطيه حكمَه إنَّما هو العالِم المتبحِّر،
كما سيأتي في كلام العلاَّمة ابن عثيمين إن شاء الله، ولذلك لَمَّا
ادَّعى ابنُ المطهر الشيعي الرافضي أنَّ جهادَ علي بن أبي طالب
رضي الله عنه هو الجهاد المشروع دون غيره، رَدَّ عليه ابن تيمية،
وبيَّن له الفرق بين جهاد أصحاب أبي بكر وجهاد أصحاب
عليٍّ، وذكر له أنَّ هؤلاء كانوا يُقْدمون على القتال حين
لا يُؤمَرون به شرعاً، كما في الجمل، وكانوا ينكلون عنه
حين يُؤمرون به شرعاً، بخلاف جهاد أصحاب أبي بكر
رضي الله عنه، وسبب ذلك أنَّ عليًّا رضي الله عنه ابتُلي
بأصحابٍ لم يكونوا في العلم مثل أصحاب أبي بكر،
ولذلك بيَّن ابنُ تيمية أنَّ خواصَّ أهل العلم هم القادرون
على معرفة وقت مشروعيَّة الجهاد من عدمه، فقال:
(( وفي الجملةِ فالبحثُ في هذه الدقائق من وظيفة خواصِّ أهل العلم ))
(منهاج السنة (4/504)).
ولقد صدق ـ رحمه الله ـ؛ فإنَّ الله يقول: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلى الرَّسُولِ
وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}
[النساء 83]،
فأين هم من هذا الفقه؟!
هذا مع ملاحظة شرطٍ آخرَ لَم يختلف فيه أهلُ العلم، ألا وهو
القيادةُ الشرعيَّةُ. ودليله قول رسول الله :
(( إنَّما جُعل الإمام جُنَّة يُقاتَل مِن ورائه،
ويُتَّقَى به، فإن أمر بتقوى الله وعَدَل فإنَّ له بذلك أجراً،
وإن أَمَر بغيره فإنَّ عليه وِزْراً ))

( رواه البخاري (2957)، ومسلم (1841)).
وفي الحديث فائدتان:
ـ الأولى:
ما نحن بصدده، من أنَّه لا بدَّ للناس من أمير للقتال معه كما
سيأتي في كلام ابن جرير.
ـ والثانية: أنَّه (( لم يُقيِّد ذلك بما إذا كان الإمام عادلاً ))،
قاله ابن حجر( فتح الباري (6/56)).
وأما إذا كان المسلمون الذين يَطمحون إلى إقامة شرع الله متفرِّقِين،
على أمراء متعدِّدين في رقعة واحدة، فقد جاء بيانه في حديثُ حذيفة
رضي الله عنه حين سأل رسولَ الله  عن مُجتمعٍ لا قائد فيه،
فقال: فإن لم يَكن لهم جماعةٌ ولا إمامٌ؟ قال :
(( فاعتَزِلْ تلكَ الفرق كلَّها ... ))( رواه البخاري (7084)، ومسلم (1847)).
وقال ابن جرير الطبري ـ رحمه الله ـ: (( في الحديث أنَّه متى
لَم يكن للنَّاسِ إمامٌ فافترق الناسُ أحزاباً فلا يَتَّبِع أحداً في الفُرقةِ،
ويعتزِل الجميعَ إنْ استطاعَ ذلك خشيةً من الوقوعِ في الشرِّ ))
(انظر: فتح الباري (13/37)، وشرح صحيح البخاري لابن بطال (10/36)).
وقال الكرماني: (( فيه الإشارةُ إلى مساعدةِ الإمامِ بالقتال ونحوِه إذا كان إمامٌ،
وإن كان ظالِماً عاصياً، والاعتزال إن لم يكن ))( شرح البخاري (24/162)).
قلتُ: فإن زعمتم أنَّ إمامَكم هو أميركم المختفي في الجبال، قلنا:
فمَن بايعه من أهل العلم؟ مع أنَّكم لا تفتأون تذبحون أميراً، وتُبايِعون
أميراً! بل ما بين وقت وآخر تتحيَّزُ فئةٌ عن مثيلاتها، ويتبادلون تُهم
الرِّدة والتكفير!!
وأين الطائفة المنصورة حتى نبايعها؟! وهل تكون طائفة منصورة
لا علماء لها؟! مع أنَّ السلفَ قد أجمعوا على أنَّها تتمثَّل في أهل العلم
أصحاب الحديث، راجع (( شرف أصحاب الحديث )) للخطيب البغدادي.
وإن قلتُم: اليوم عندنا إمام وهو الذي على رأس الحكومة.
قلنا: إذاً فحَمْلُكم السلاحَ حرامٌ، وهو الحقُّ.
وإن زعمتُم أنَّه لا إمام، فقد علمتم أنَّكم مُطالبون باعتزالِ القتال؛ لأنَّكم جماعاتٌ،
وما أكثر فرَقَكم على شدَّة بأسٍ بينكم!
فهل أنتم عاملون بحديث رسول الله ؟
واعلموا أنَّ الخارجيَّ ليس هو مَن خرج على الإمام العادل فحسب،
بل مَن خرج على الإمام الجائر سُمِّيَ خارجياً، قال الإمامُ الآجريُّ
رحمه الله: (( فلا ينبغي لِمَن رأى اجتهادَ خارجيٍّ، قد خرَج على إمامٍ،
عدلاً كان الإمام أو جائراً، فخرج وجمع جماعةً، وسلَّ سيفَه، واستحلَّ
قتالَ المسلمين، فلا ينبغي له أن يَغتَرَّ بقراءتِه للقرآن، ولا بطولِ قيامِه
في الصلاة، ولا بدوامِ صومِه، ولا بِحُسن ألفاظِه في العلم، إذا كان مذهبُه
مذهبَ الخوارج ))
( الشريعة (1/345)).
وقال ابن القاسم: سمعتُ مالكاً يقول: (( إنَّ أقواماً ابتغوا العبادةَ وأضاعوا العلمَ،
فخرجوا على أمَّة محمد  بأسيافهم، ولو اتَّبعوا العلمَ لَحَجَزَهم عن ذلك ))

( عن مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/119)).
وقال الآجريُّ أيضاً: (( قد ذكرتُ من التحذير من مذهب الخوارج ما فيه بلاغٌ
لِمَن عصمه الله تعالى عن مذاهب الخوارج، ولَم يَرَ رأيَهم، فصبر على جَوْر
الأئمَّة، وحيف الأمراء، ولَم يَخرُج عليهم بسيفه، وسأل الله تعالى
كشفَ الظلمِ عنه وعن المسلمين، ودعا للوُلاة بالصَّلاحِ وحجَّ معهم،
وجاهد معهم كلَّ عدُوٍّ للمسلمين، وصلَّى خلفَهم الجمعةَ والعَيدين،
وإن أمروه بطاعةٍ فأمكنَه أطاعهم، وإن لَم يُمكنه اعتذر إليهم،
وإن أمروه بِمعصيةٍ لم يُطعهم، وإذا دارت الفتنُ بينهم لزمَ بيتَه،
وكفَّ لسانَه ويدَه، ولَم يَهْوَ ما هم فيه، ولَم يُعِن على فتنة، فمَن كان
هذا وصفُه كان على الصراط المستقيم إن شاء الله ))

(الشريعة (1/371 ـ 372)).
وقال اللالكائيُّ مُقرِّراً عقيدة أهل السنة، وناقلاً هنا عن أحمد بن حنبل
قولَه: (( ومَن خرج على إمام من أئمة المسلمين ـ وقد كان الناس اجتمعوا
عليه، وأقرُّوا له بالخلافة بأيِّ وجهٍ كان: بالرضا أو بالغلبة ـ فقد شقَّ
هذا الخارجُ عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله ،
فإن مات الخارجُ عليه مات ميتةً جاهلية.
ولا يَحلُّ قتالُ السلطان ولا الخروجُ عليه لأحدٍ من الناسِ، فمَن فعل ذلك
فهو مبتدعٌ على غير السنَّة والطريق ))

(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/181)، ومثله في
(ص:188 ـ 189) عن علي بن المديني. ).
قلت: نسأل هؤلاء الحركيِّين الذين يزعمون أنَّ المسألةَ خلافيةٌ:
هل يُعَدُّ بعد هذا العرض مَن ينتحلُ الخروجَ من أهل السنة؟

قيل لسَهل بن عبد الله التستري: (( متى يعلمُ الرجلُ أنَّه على السنة والجماعة؟
فقال ـ رحمه الله ـ: إذا علِم من نفسه عشر خصالٍ:
ـ لا يترك الجماعة.
ـ ولا يسبُّ أصحابَ النبيِّ .
ـ ولا يخرج على هذه الأُمَّة بالسيف.
ـ ولا يُكذِّب بالقدر.
ـ ولا يَشكُّ في الإيمان.
ـ ولا يُماري في الدِّين.
ـ ولا يترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب.
ـ ولا يترك المسح على الخُفَّين.
ـ ولا يترك الجماعة خَلْف كلِّ والٍ جارَ أو عدلَ ))
(رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة (324)).
وإن زعم زاعمٌ أنَّ الخلافَ واردٌ فيه، قيل له: قد ذكر ابنُ تيمية أنَّ الأمرَ
قد استقرَّ بعد ذلك على المنع من الخروج( انظر: منهاج السنة (4/529)،
والمنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال لتلميذه
الذهبي (ص:297))، ولذلك نقل غيرُ واحدٍ
من أهل العلم الإجماعَ عليه، منهم:
ـ البخاري، فقد ذكر هذه العقيدة (أي: ترك الخروج على الولاة) وقال:
(( لقيتُ أكثرَ من ألف رجل من أهل العلم: أهل الحجاز، ومكة، والمدينة،
والكوفة، والبصرة، وواسط، وبغداد، والشام، ومصر، لقيتُهم كرَّاتٍ،
قرناً بعد قرن، ثمَّ قرناً بعد قرن (أي طبقة بعد طبقة)، أدركتُهم
وهم متوافروان منذ أكثر من ستٍّ وأربعين سنة، أهل الشام ومصر
والجزيرة مرَّتين، والبصرة أربع مرَّات في سنين ذوي عدد، بالحجاز
ستة أعوام، ولا أُحصي كم دخلتُ الكوفةَ وبغداد مع محدِّثي أهل خراسان
منهم ... ))
، وسمَّى عدداً من أهل العلم، ثمَّ قال: (( واكتفينا بتسمية
هؤلاء كي يكون مختصراً، وأن لا يطول ذلك، فما رأيتُ واحداً
منهم يختلف في هذه الأشياء ))

(رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (320)).
قلت: تأمَّل هذا، وأدركْ نفسَك على مذهبهم قبل أن يُحال بينك وبين الحقِّ،
وهل يَسْعَدُ مؤمنٌ بمفارقتهم؟!
ـ أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، فقد قرَّرَا هذه العقيدة، وقالا:
(( أدركنا العلماءَ في جميع الأمصار: حجازاً وعراقاً وشاماً ويَمَناً ... ))
( المصدر السابق (321 ـ 323)).