منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حكايا المملكة البيضاء
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-08-14, 22:20   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
jang-mi
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية jang-mi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

لا يزال ياسين في غرفته يفكر في ما أصبح هاجسه، من الذي سيستمع له لو انه يقول لهم انه ذو مقدرة خارقة على الرؤية. حادثة ذلك اليوم أثرت عليه كثيرا لدرجة الإحساس بالذنب. غير أن شعورا غريبا بالنعاس أخذ يتملكه فجأة...حاول مقاومته و لكنه كان أقوى. نظر إلى الساعة المعلقة على الجدار كانت تشير إلى الثامنة تماما. ثم لفه الظلام....
أنفاس ياسين تتلاحق و يحس نفسه و كأنه يركض في سرداب طويل مظلم. توقف فجأة و أخذ يتحسس المكان..و في ما بدا انه نهاية السرداب بصيص ضوء خافت، يجري نحوه عله يعرف أين يتواجد. هناك يصل إلى قاعة واسعة تنيرها المشاعل. جدرانها مكسوة بالنقوش و الرسوم و كأنها جداريات أثرية قديمة بينما بدت بعض الأجزاء منها مختفية و كأنها محيت. في وسط القاعة نافورة جميلة تلقي خيوطا رقيقة من الماء على ضفتها جلست سيدة تلبس قفطانا مخمليا مطرزا، و تضع على رأسها عصابة ذهبية بينما انسدل شعرها الأسود الطويل يحيط بوجه ناصع البياض. كانت عيناها كبيرتان سوداوان..لسبب ما تذكر ياسين الأميرات التي يروى عنهن في التراث و القصص. وصول ياسين إلى القاعة لم يزعج السيدة و كأنها كانت تعرف بوجوده هناك، رفعت عينيها إليه و قالت بصوت رقيق:
- بلغني أيها الحاكم أن نفرا من الناس شدو الرحال إلى المملكة البيضاء و كل منهم يحمل حملا يرزح تحت ثقله...وبلغني أيها الملك، أنه نودي عليهم ليعيدوا للمملكة ما ضاع منها في سراديب الظلام...فهم يرون أبعد مما يرى الناس...و يسمعون أخفت الأصوات....و ينير الله لهم طريقهم في الضباب....و الظلام..
حاول ياسين الاقتراب أكثر ليفهم ما تقوله السيدة، أراد أن يسألها من هي و أين هو ...لكنه ما استطاع الكلام. فجأة نظرت السيدة باتجاه احد الأبواب..هناك ظهرت فتاة تبين له أنها من عصره نظرا لما كانت تلبسه..هي الأخرى نظرت إليه بتعجب و كأنها تتساءل في نفسها ما الذي تفعله هناك ...ثم قالت السيدة بنفس الصوت الرقيق و هي تنظر إلى الوافدة الجديدة:
- و قد بلغني أيها الملك...أن هؤلاء الناس ما أتوا باختيارهم...لقد حملتهم أسرارهم إلى مملكتك ليعيدوا ما فقد منها و .....
فجأة تلاشت السيدة من أمامهما كأنما تبخرت في الهواء، و بقي صوتها رنانا يخفت شيئا فشيئا:" لقد جاؤوا إلى المملكة البيضاء ...ليعيدوا.....يرون أبعد....يسمعون.....ينير الله طريقهم....في الظلااااااااااامم....". و فجأة وجد ياسين نفسه و تلك الفتاة في مرج كبير...تعلوه تله ينبعث من خلفها ضوء و كأنه ضوء الشمس عند الشروق، وجدا نفسيهما يتجهان إليها و لكن يعود الظلام ليلف المكان من جديد....ثم..و كأنه يسقط من مكان عال يهتز ياسين و يستيقظ. يا له من حلم غريب يفكر في ذلك و يلقي بنظرة إلى الساعة. لا بد انه نام نحو ساعة أو أكثر فقد كان متعبا. و لمفاجأته الكبيرة، كانت الساعة تشير إلى الثامنة تماما. ثيابه لا تزال مبللة على جسمه...يعتدل في جلسته و الخوف يتملكه...إنه متأكد من انه نام لوقت معتبر، كيف لم تتحرك عقارب الساعة من مكانها بعد...لابد أنها معطلة. تفتح أمه الباب عليه و تقول في صوت ملؤه التأنيب:
- ألم أقل لك إن تبدل ملابسك...هيا العشاء جاهز.
- ماذا؟؟...ألم تتعشوا بعد.....كم الساعة؟؟
- لا يزال الوقت مبكرا...إنها الثامنة...لقد وصلت منذ قليل فقط ما بك؟؟
" ما الذي يجري لي....هل انأ أفقد عقلي الآن..". يغير ياسين ملابسه و يلتحق بعائلته حول طاولة العشاء...يلقي نظرة على ساعة قاعة الجلوس، الثامنة و خمس دقائق...نظرة أخرى على ساعة الهاتف المحمول..نفس الشيء...في التلفاز، هاهو المذيع يلقي العناوين الرئيسية..."ماذا هناك؟؟ كيف أنام و لا يتغير الزمن...". الكل يتكلم و هو غارق في أفكاره المضطربة لا يجد لها تفسيرا حينما يسترعي انتباهه ما قالته شقيقته الصغرى تسنيم:
- أبي؟؟ هل تعرف زرقاء اليمامة...
- همم....إنها سيدة عربية عاشت في عصر قديم و قد كانت تمتلك مقدرة خارقة على الرؤية...أليس كذلك...
- ماذا؟؟ ( صوت ياسين ينبئ بتفاجؤ كبير) قلت مقدرة خارقة على الرؤية...؟؟؟
- أجل، حسب ما اذكر، لقد كانت تتمتع بمقدرة على الرؤية جعلها تكتشف وجود جيش كبير على بعد مسيرة ثلاثة أيام من مدينتها...
- كيف مسيرة ثلاثة أيام يا أبي،لقد قرأنا النص اليوم و لم افهم ما معنى ذلك؟؟ " تضيف تسنيم في كثير من الحيرة.
- أي أنها اكتشفت أن هناك جيشا يقصد مدينتها قبل ثلاث أيام من وصوله إليهم، هذا ما نعني به مسيرة ثلاث أيام...الحقيقة ، نسيت المسافة التقريبية لهذه المدة....غير أن قومها لم يصدقوها إلا حين هاجمهم العدو على حين غرة....
- و لكنها قالت لهم أن هناك غابة تتحرك يا أبي...كيف ذلك؟؟
- آه...تلك خدعة عسكرية قديمة...هل رأيت لماذا يلبس الجنود اللباس الأخضر و يضعون تلك القبعات و يطلون وجوههم...ذلك يسمى التمويه، لكي لا يراهم العدو و يمسك بهم. في ذلك الوقت، قام ذلك الجيش بوضع أغصان الشجر حول أنفسهم فأصبحوا يبدون كالغابة التي تتحرك...كل منهم يمثل شجرة...
اتسعت عينا ياسين و هو يسمع تلك القصة...كيف له أن يجهل شيئا كهذا و هو الذي يملك نفس المقدرة...."يا لي من غبي...كيف لا ابحث عن ذلك في الانترنت..." ثم يقول لوالده:
- إذن كانت زرقاء اليمامة تتمتع بمقدرة على الرؤية خارقة جدا...هل هذا ممكن الحصول؟؟
- ممممم......ممكن و لكن في ذلك الوقت كانت تلك من الخوارق..أنت تعرف أن القدرة على الرؤية هي ملكة من الله يمنحها لسبب معين و لحاجة معينة. و لشخص لديه القدرة على التحمل و الصبر على كل ما يرى...لأنه أحيانا، عندما لا نرى شيئا و لا نسمع تلك رحمة الله لأن عقولنا لا تحتمل رؤية الأشياء الخافية عنا و لا سماع الأصوات التي لا تلتقطها آذاننا.....و لا أظن انه في الوقت الحالي هناك شيء كهذا...الله اعلم..
" ملكة يضعها الله؟؟ لشخص يمكنه تحمل كل ما يرى....؟؟ ألهذا أستطيع الرؤية....؟؟...و لكن كل ذلك لحكمة معينة....ما هي حكمتي يا ترى؟؟...لماذا منحني الله تلك الملكة؟؟...." و فجأة تقفز إلى ذهنه كلمات تلك السيدة التي رآها فيما بدا انه حلمه: " لقد أتوا للملكة البيضاء ليعيدوا ما ضاع منها...فهم يرون أبعد مما يراه الناس...و يسمعون أخفت الأصوات....و ينير الله طريقهم في الظلام..."....ما معنى ذلك؟.


to be continued
jang-mi









رد مع اقتباس