...
الطريق إلى إيجاد و تربية جيل التمكين من منظور سلف:
(1) المنهج السلفي يدعو إلى التربية على الإيمان الصحيح، والتوحيد الخالص ونبذ الشرك:
يجب على جميع دعاة الإسلام، وحملة الدين، أن تكون هذه القضية أول القضايا وأهم المهمات، وهكذا فعل النبي _صلى الله عليه وسلم_ وبهذا بدأ في تربيته لجيله _صلى الله عليه وسلم_، أرسل معاذاً إلى اليمن فقال: "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله"، فقوله _صلى الله عليه وسلم_ فليكن دل على لزوم الدعوة، وقوله: "أول " دل على أن أول الأولويات، وأهم المهمات في قائمة الدعوة لمنهج النبي _صلى الله عليه وسلم_ هو الدعوة إلى التوحيد، وتصحيح العقيدة، وتحرير التصور من الانحرافات.
الاهتمام بتصحيح عقائد الناس في حال فسادها وانحرافها من الأهمية بمكان، فقد كان النبي _صلى الله عليه وسلم_ لا يرى مظهراً من مظاهر الشرك إلا وأنكره وحاربه وعاب على صاحبه حرصاً منه _صلى الله عليه وسلم_ على سلامة العقيدة، وحفظاَ لجناب التوحيد.
عندما قال له رجل: ما شاء الله وشئت. قال: أجعلتني لله نداً ما شاء الله وحده".
قال أبو واقد الليثي: خرجنا مع رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ إلى حنين، ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا يا رسول الله: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال: الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: "اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" (الأعراف: من الآية138) رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.
إذن فلا بد من تربية سليمة على أساس من العقيدة السليمة الصحيحة، لا بد من الالتزام بالعقيدة السلفية الزكية، لا بد من تجلية قضايا التوحيد والحاكمية، والقضاء والقدر، ومسائل الكفر والإيمان، يقول الشيخ ناصر الدين الألباني _رحمه الله_: "إن كثيراً من المسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهم لا يلتزمون لوازم هاتين الشهادتين، وهذا بحث طويل فكثير من المسلمين اليوم حتى الذين يعدون من المرشدين لا يعطون لا إله إلا الله حقها من التفسير، ولقد انتبه إلى هذا كثير من الشباب المسلم والكتاب المسلمين، وهو أن من حق هذه الشهادة أن الحكم لله، نعن أريد أن أقولها صراحة، لقد انتبه الشباب المسلم والكتاب المسلمين اليوم إلى هذه الحقيقة، وهو أن الحكم لله _عز وجل_ وحده، وأن تسليط القوانين الأرضية، واعتمادها لحل المشاكل القائمة ينافي كون الحكم لله _عز وجل_" (التصفية والتربية25-26).
(2) المنهج السلفي يدعو إلى الاتباع وترك الابتداع:
وهذا ما درج عليه السلف من الصحابة والتابعين؛ لأن الله أمر بهذا قال _تعالى_: "وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا" (النور: من الآية54).
وقال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ" (محمد:33).
وقال _تعالى_: "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً" (الأحزاب: من الآية71).
وقد قال _صلى الله عليه وسلم_ كما في حديث العرباض بن سارية "فإنه من يعش منكم فسير اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه الألباني.
(3) المنهج السلفي يدعو إلى الشمولية لأخذ الدين وتطبيقه:
أخذ الدين من جميع جوانبه، وتطبيقه بشموليته هو الأمر المطلوب، والتصور الصحيح لأخذ الدين وممارسته قال _تعالى_: "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الأنعام:162).
وقال _تعالى_: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً" (البقرة: من الآية208).
فكلما صح أنه من الدين علينا أن نسعى لتطبيقه والعمل بها فلا ينبغي التربية على التجزئة، ولا يجوز تقسيم الدين إلى قشور ولباب وما إلى ذلك، من فهم مغاير للفهم الصحابة الكرام. والعلماء الأعلام، فكلما جاء به الرسول _عليه الصلاة والسلام_ يجب أن نتبناه ديناَ أولاً مع وزنه بأدلة الشريعة، إن كان فرضاً ففرض وإن كان سنة فسنة " التصفية والتربية.
(4) المنهج السلفي يدعو إلى غرس مفهوم الحاكمية لله في قلوب الجيل المسلم:
يقول الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني _رحمه الله_: " إن كثيراً من المسلمين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهم لا يلتزمون لوازم هاتين الشهادتين، وهذا بحث طويل فكثير من المسلمين اليوم حتى الذين يعدون من المرشدين لا يعطون لا إله إلا الله حقها من التفسير، ولقد انتبه إلى هذا كثير من الشباب المسلم والكتاب المسلمين، وهو أن من حق هذه الشهادة أن الحكم لله، نعم أريد أن أقولها صراحة، لقد انتبه الشباب المسلم والكتاب المسلمين اليوم إلى هذه الحقيقة، وهو أن الحكم لله _عز وجل_ وحده، وأن تسليط القوانين الأرضية، واعتمادها لحل المشاكل القائمة ينافي كون الحكم لله _عز وجل_ " (التصفية والتربية25-26) الحاكمية في كل شيء صغر أم كبر، قل أم كثر، قرب أم بعد، في كل سلوكنا ومعاملاتنا، في حلنا وترحالنا، ومنشطنا ومكرهنا، وفي عسرنا ويسرنا، في كل شيء من حياتنا، والي هذا دعت نصوص الشريعة المحكمة "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة:49، 50)، وقال _تعالى_: "فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" (النساء:65) فبالتأمل في هذه الآية الكريمة جعل الله _سبحانه وتعالى_ من علامات الإيمان:
(1) التحاكم إلى الله ورسوله في كل قضية من القضايا " فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ".
(2) انتفاء الحرج من النفس حتى لو كان الحكم ضدها " ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً".
(3) التسليم للحكم تسليماَ مطلقاَ " وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً".
(5) المنهج السلفي يدعو إلى الاهتمام بتزكية النفوس:
تزكية النفس البشرية وترويضها على المعاني الربانية، والخصال الإيمانية، ومجاهدتها للتخلق والتحلي بها، من خوف ورجاء ومراقبة وخشية، وصدق في الأقوال والأفعال، وتقوى الله في السر والعلن، كل هذا كان من معالم دعوته _عليه الصلاة والسلام_، ومن معاني تربيته "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ" (آل عمران:164)، إن التزكية هي ربع الرسالة المحمدية ومطلب عظيم أقسم الله عليه أحد عشر قسماً متتالية "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا...... قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا" (الشمس:1-9).
(6) المنهج السلفي يدعو إلى العلم الشرعي والحرص عليه:
العلم سبيل المعرفة، وطريق إلى الفرقان بين الحق والباطل، لا نعرف التوحيد من الشرك، ولا السنة من البدعة، ولا الحلال من الحرام إلا إذا تعلمنا العلم الشرعي لذلك كان أول ما أنزل على نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" (العلق:1).
ثم جاء النبي _صلى الله عليه وسلم_ الأمر القرآني الأخر لتأكيد هذه القضية وترسيخ معانيها، والحث عل طلب المزيد من العلم "وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" (طـه: من الآية114)، يقول ابن القيم في (مفتاح دار السعادة): "وكفى بهذا شرفاً للعلم أن أمر نبيه أن يسأل المزيد منه" وقال ابن كثير في تفسيره:"أي زدني منك علماً" ن قال ابن عيينه _رحمه الله_: "ولم يزل _صلى الله عليه وسلم_ في زيادة حتى توفاه الله _عز وجل_".
وهذا ابن مسعود _رضي الله عنه_ كان إذا تلا قوله _تعالى_: " وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً" قال: "اللهم زدني علماً وإيماناً ويقناً".
وقد عقد الإمام البخاري _رحمه الله_ باباً في صحيحه " باب الحرص على الحديث " وذكر فيه حديث أبي هريرة وسؤله النبي _صلى الله عليه وسلم- عن أسعد الناس بشفاعته؟ وقوله له:" لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث..".
قال البدر العيني - رحمه الله - في (عمدة القاري): "فيه الحرص على العلم والخير، فإن الحريص يبلغ بحرصه إلى البحث عن الغوامض ودقيق المعاني؛ لأن الظواهر يستوي الناس في السؤال عنها، لاعتراضها أفكارهم، وما لطف من المعاني لا يسأل عنه إلا الراسخ فيكون ذلك سبباً للفائدة، وما يترتب عليها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
وهذا جابر بن عبد الله الأنصاري _رضي الله عنهما_ يرحل من المدينة النبوية إلى مصر مسيرة شهر على البعير من أجل سماع حديث واحد، خاف أن يموت ولم يسمعه.
قد أخرج الدارمي بسند صحيح عن عبد الله بن بريدة " أن رجلاً من أصحاب النبي _صلى الله عليه وسلم_ إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه، فقال: أما إني لم أك زائراُ، ولكن سمعت أنا وأنت حديثاً من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ رجوت أن يكون عندك منه علم...
وعدد الحافظ بن حجر في الفتح (1/210) أمثلة ثم قال: "وتتبع ذلك يكثر".
(7) المنهج السلفي يدعو إلى التربية على الانقياد للحق والثبات عليه:
الانقياد للحق حق مطلق، لكنه يثقل على النفوس السقيمة وبحسب تجرد النفس من الشهوات، وبعدها عن الشبهات، يكون انقيادها للحق أو عدمه، فمعرفة الحق أمراً ليس سهلاً، والجهل به معناه الوقوع في الباطل، والباطل أولى بأن ينقطع و يتلاشى ويندثر، لكن الأمر من ذلك معرفة الحق وعدم التوفيق للاستمساك به، والانقياد له، وهذا يكثر في المتعصبين والمتحزبين للأفكار والتصورات المنحرفة، وكم جرت على الأمة هذه الحزبيات للأشخاص والأفكار المجردة عن الدليل من بلايا وويلات، وآثار وخيمة، خصوصاً في هذا الزمن الذي هو زمن الغربة، لذلك النبي _صلى الله عليه وسلم_ كان يقول: "اللهم أرنا الحق حقاً، وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه".
(8) المنهج السلفي يدعو إلى إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
يحتاج جيل التمكين إلى هذه الفريضة؛ لأنها في الحقيقة صمام الأمان للجماعة المسلمة، وقطب الدين العظيم، وهو المهمة التي ابتعث الله النبيين أجمعين، ولو طوي بساطه، لاضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، وخربت البلاد، وهلك العباد، وعم الفساد".
"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" (آل عمران: من الآية110)، وقال _تعالى_: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" (الحج:41)، وقال _صلى الله عليه وسلم_: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
إذن تربية الجيل المسلم على هذه الفريضة المهملة المهجورة، فيه وسيلة عظيمة للحفاظ على الجيل المؤمن الموحد من الانحرافات على اختلاف أشكالها وألوانها.
خلاصة القول: إنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فينبغي علينا، أن ندعوا الناس إلى منهج السلف ونربيهم على قواعده، ونغرس في نفوسهم معالمه، فهو منهج الله الذي ارتضاه لنبيه، والصراط المستقيم الواضح البين، الذي به ستنتقل الأمة عن كبوتها، وتستفيق من غفلتها، وتسدد في طريقتها،وتستقيم في وجهتها، فمسألة العمل للإسلام والدعوة إليه من خلال هذا المنهج الصحيح الواضح هو الطريق _إن شاء الله_ إلى التمكين للمؤمنين، والوصول إلى الوعد المسطر في كتاب الله رب العالمين، نسأل الله السداد والتوفيق، وأن يجعلنا من السائرين على طريقهم المستقيم، إنه على كل شيء قدير.وبالاجابة جدير ،وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا - *** المسلم ***
*** نقله للفائدة اخوكم ابو ابراهيم ***