اللجوء إلى التحقيق : اللجوء إليه يكون تلقائيا دون الحاجة إلىطلبه من الأطراف و يكون ذلك وفقا لقواعد قانون الإجراءات المدنية و تحديدا المادة 43 و ما بعدها إما بموجب أمر كتابي أو شفوي .
فأما الأمر الكتابي فهو عبارة عنحكم تحضيري بإجراء التحقيق و في هذه الحالة يجب أن يبين فيه القاضي الوقائع المرادالتحقيق فيها و يوم و ساعة الجلسة المحددة لإجرائه .
و بصدور هذا الحكم يتعينعلى من له مصلحة استخراج نسخة منه و تبليغها للخصوم الآخرين مع إحضار شهودهبالتاريخ الذي يحدده القاضي .
و أما الأمر الشفوي و هو المعمول به عادة فإنالقاضي يحدد تاريخ جلسة إجراء التحقيق و يبلغ الأطراف به بالجلسة و يتعين عليهمإحضار شهودهم بذلك التاريخ .
ب- إجراءالتحقيق :يقوم القاضي بالتحقيق بالتاريخ المحدد بموجب الأمر بالتحقيق و ذلك بسماع شهودالإثبات أو النفي بعد أدائهم اليمين القانونية ، و يتم سماع الشهود وفقا للقواعدالعامة و ذلك بأن تسمع شهادة كل واحد منهم على انفراد بعد تذكيره باسمه و لقبه ومهنته و سنه و موطنه و يؤدي اليمين بأن يقول الحق و إلا كانت شهادته باطلة في حينأن القصر يتم سماعهم على سبيل الاستدلال و دون تحليفهم اليمين ،كما يجوز إعادة سماعالشهود و مواجهتهم بعضهم ببعض ، و يجوز سماع شهادة جميع أقارب الزوجين في دعاوىالطلاق ما عدا الأبناء . و يدلي الشاهد بشهادته دون أن تتم مقاطعته من أحد ثم تتلىعليه أقواله و يقوم بالتوقيع عليها أو ينوه على أنه لا يحسن التوقيع أو أنه امتنععن ذلك .
و يقوم أمين الضبط بتدوين أقوال الشهود في محضره فيما يخص الدعاوىالتي لا يجوز استئنافها ، أما الدعاوى الجائز استئنافها فيحرر محضرا خاصا بأقــوالالشهود ثم يرفقه بعد التوقيع عليه من القاضي بالنسخة الأصلية للحكم ، و يجب أنيتضمن بيان يوم و ساعة التحقيق و حضور الخصوم و غيابهم واسم كل شاهد و لقبه و مهنتهو موطنه و بيان أداء اليمين و يثبت فيه أقوال الشهود و يشار إلى تلاوتها عليهم . وهنا يجوز للقاضي أن يصدر حكمه فور إجراء التحقيق كما له أن يؤجل الدعوى إلى جلسةمقبلة و في هذه الحالة الأخيرة يصرح للأطراف بالإطلاع على التحقيق قبل المناداة علىالقضية من جديد في الجلسة المحددة .
و تختلف طريقة إجراء التحقيق باختلافموقف الزوجين من الطلاق و هنا ينبغي علينا أن نفرق بين ثلاث حالات:
-حالةاتفاق الزوجين على وقوع الطلاق : هذه المسألة لا تطرح إشكالا لكونها لا تنطويأصلا على نزاع ، وهنا يقوم القاضي بسماع الشهود فقط لتأكيد الواقعة و تحديدا لتأكيدالتاريخ و المكان الذي وقعت به.
-حالة إنكار أحد الزوجين : في حالة ادعاءالزوجة وقوع الطلاق العرفي وإنكاره من طرف الزوج فإن القاضي هنا يقوم بالتحقيق معالشهود بدقة لكون أن المسألة تتضمن اعتداء على أحد أهم حقوق الزوج ألا و هو حقه فيطلاق زوجته و لكون أن القاضي سوف يحل محله في القول بوقوع الطلاق من عدمه خاصة و أنالعصمة بيد الزوج ، و قد اتجهت التطبيقات القضائية إلى الأخذ بشهادةالشهود في إثبات الطلاق حتى في حالة إنكاره من طرف الزوج و هو الأمرالذي يتجسد منخلال الحكم رقم 75/2001 الصادر بتاريخ 10/02/2001 و الذي قضى في الشكل بقبولالمعارضة و في الموضوع تأييد الحكم المعارض فيه و القضاء نهائيا بالإشهاد علىالطلاق العرفي الواقع بين الطرفين مع الأمر بالتأشير به على هامش عقدي ميلادهماوعقد زواجهما لدى مصالح الحالة المدنية لدار الشيوخ.
و قد ذهب الاجتهاد المصريإلى اعتبار أنه إذا صدقت الزوجة زوجها المقر في إسناد طلاقها إلى تاريخ سابق اعتبرفي حقها لا في حق الله فتعامل بهذا الإسناد بالنسبة لنفقتها ولا يعمل به فيما هو منحقوق الله كتزوجه بأختها أو أربع سواها لتهمة المواضعة .
كما ورد في اجتهاد آخرما يلي : المنصوص عليه أن المقر إذا أسند الطلاق إلى تاريخ سابق فإما أن تقوم علىهذا الإسناد بينة أم لا ، فإذا قامت بينة فإن الطلاق من وقت أن قامت عليه البينةقولا واحدا و إن لم تقم فالمتقدمون على اعتباره من وقت أسنده له و المتأخرون علىاعتباره من وقت الإقرار سواء صدقته أو كذبته أو قالت لا أدري ، إلا أنها في حالةالتصديق لا نفقة لها و لا سكن لقبول قولها في حق نفسها لا في حق الله على المفتى به .
- التحقيق في حالة وفاة أحد الزوجين : هنا تكون الدعوى إما مرفوعة منالزوج الباقي على قيد الحياة ضد ورثة الزوج المتوفى أو من ورثة الزوج المتوفى ضدالزوج الباقي على قيد الحياة .
و نظرا لخطورة هذه المسألة لتعلقها غالبا بأمورالميراث أين يكون القصد منها استبعاد الزوج الباقي على قيد الحياة منه فإنه يتعينعلى القاضي التدقيق قدر الإمكان قبل الحكم بالإشهاد على وقوع الطلاقالعرفي.
المبحث الثاني : طرق الطعن فيالحكم بالطلاق و تنفيذه .
تنص المادة 57 من ق. أ على أنالأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبها المادية ، و نعلم أن الحكمبالطلاق وان كان يصدر في شكل الحكم القضائي إلا أنه ذو طبيعة ولائية و من ثمةفالمفروض أن يخضع لنظام خاص به و مفاده أن يكون الطعن فيه بموجب تظلم أمام القاضيمصدر الأمر ، ولعل نص المادة 57 من ق.أ قد سار في هذا الاتجاه عندما نص على عدمخضوع الحكم بالطلاق للاستئناف وفي ذلك تماشيا مع القواعد الشرعية إذ لا يعقل أنيستعمل الزوج حقه في الطلاق استنادا إلى كون العصمة في يده ثم يعطى الحق للزوجة فياستئنافه، هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد أن المادة 57 نصت على عدم القابليةللاستئناف و لم تنص على عدم القابلية للطعن بالنقض و هنا يطرح السؤال فيما إذا كانتأحكام الطلاق تقبل الطعن بالنقض أم لا ؟
وعلى صعيد آخر و بالعودة إلى الواقعالعملي و تحديدا محكمة الجلفة نجدها كما سبق البيان تذهب إلى إثبات الطلاق العرفيبأثر رجعي فهل تطبق عليه نفس الأحكام المطبقة على الحكم بالطلاق أم أنه يقبل الطعنفيه كباقي الأحكام ؟
إجابة على هذه التساؤلات سوف نتطرق لدراسة طرق الطعنالعادية وغير العادية و مطابقتها على حكم إثبات الطلاق في مطلب أول لندرس تنفيذالحكم بالطلاق في مطلب ثان.
المطلب الأول : طرق الطعن في حكم الطلاق .
بصفة عامة تنقسم طرق الطعن إلى طرقطعن عادية و أخرى غير عادية والأصل أنه بالعودة إلى المادة 57 فإنه يستشف منها أنالطلاق لا يقبل إلا الطعن بالنقض إلا أننا و مع ذلك سوف نحاول تسليط الضوء على هذهالطرق و مطابقتها بأرض الواقع لنخلص في النهاية إلى النتيجة القانونية و هذا ما سوفنتناوله فيما يلي :
الفرع الأول : طرقالطعن العادية .
يقصد بطرق الطعن العادية تلك الطعونالتي ترفع إلى محكمة أعلى درجة من المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه أو إلى ذاتالمحكمة و سميت طعونا عادية لأنه يجوز بناؤها على أي سبب من الأسباب سواء تعلقتبصحة الحكم من الناحية الشكلية أو بعدم عدالته من ناحية مضمونه أو موضوعه بالإضافةإلى ذلك فإن سلطات القاضي في الفصل فيه تكون مماثلة لسلطات القاضي الأول و تتمثلهذه الطرق في المعارضة و الاستئناف وكل طريق منها يمثل مبدأ من مبادئ التقاضيفالمعارضة تمثل مبدأ الوجاهية و الاستئناف يمثل مبدأ التقاضي على درجتين ، وسوفنحاول التطرق لهما بشيء من الإيجاز في النقاط التالية:
أ-الاستئناف: الطعن بالاستئناف هو طريقعادي للطعن في الأحكام الصادرة ابتدائيا عن محاكم الدرجة الأولى و يرمي أساسا إلىإعادة الفصل في ذات القضية مرة ثانية و باعتباره طريقا عاديا فإن المشرع لم يحددأسبابا محددة لبناء الطعن على أساسها.
وبالرجوع إلى نص المادة 49 من ق. أ نجدهاتنص على أن الطلاق هو حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج المنفردة أو بتراضي الزوجينأو بطلب من الزوجة في حدود ما هو وارد بنص المادتين 53 و 54 من هذا القانون . وتنصالمادة 57 منه على أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا في جوانبهاالمادية ، ومن هنا وجب التفرقة بين الأحكام الصادرة بحل الرابطة الزوجية بالطلاقبالإرادة المنفردة للزوج أو بتراضي الزوجين و الأحكام الصادرة بالتطليق و التي لمتتضمنها المادة 57 من ق . أ و من ثمة تبقى خاضعة لإجراءات الطعن العادية إلا أنهكان ينبغي على المشرع أن يحسم الخلاف بالنص صراحة على ذلك ، وإذا قلنا بأن أحكامالطلاق وفقا للمادة 57 من ق. أ غير قابلة للاستئناف فهل تنطبق هذه القاعدة علىالأحكام الصادرة برفض دعوى الطلاق لعدم التأسيس ؟
مبدئيا نجد أن القضاء فيهذا المجال انقسم إلى اتجاهين :
- ثمة هناك اتجاه يذهب إلى اعتبار الحكم برفضدعوى الطلاق لعدم التأسيس حكم ابتدائي قابل للاستئناف لكونه لم يصدر بالطلاق وحجتهم في ذلك أن المشرع عندما نص على عدم قابلية الحكم بالطلاق للاستئناف فإن ذلكمرده طبيعة الحكم في حد ذاتـه و الأســـاس
الشرعي الذي يستند عليه و هوالعصمة الزوجية، في حين أن الحكم برفض دعوى الطلاق لعدم التأسيس هو حكم عادي يخضعلمبدأ التقاضي على درجتين، ذلك أن جهة الاستئناف هي جهة مراقبة لشرعية أعمال قاضيالدرجة الأولى و من ثمة وجب إعطاء فرصة للخصم لتدارك هذا الخطأ خاصة و أن الطلاق هوحق إرادي والمفروض ألا يثار مثل هذا الإشكال بخصوصه لأن الحكم به يكون مجرد تقديمالزوج لطلبه وفقا للشكل المنصوص عليه قانونا. و قد سارت المحكمة العليا في هذاالإتجاه إذ جاء في قرارها أنه من المستقر عليه أنه يجوز الحكم بالطلاق أمام المجلسالقضائي لما تقضي المحكمة بالرجوع إلى بيت الزوجية أو ترفض دعوى الطلاق .
ومنثمة فإن قضاة المجلس لما قضوا بإلغاء الحكم القاضي برفض الدعوى و حكموا من جديدبإثبات الطلاق العرفي الواقع بين الطرفين و اعتبروه تعسفيا على مسؤولية المستأنفعليه طبقوا صحيح القانون .
ولكن هذا القول يتناقض مع قواعد الاختصاص النوعي إذأصبحت المحاكم منذ صدور قانون الأسرة هـــي المختصة نوعيا بدعاوى الطلاق دون غيرهاو أصبح التقاضي بالنسبة لها يتم على درجة واحدة .
-أما الاتجاه الثاني فيذهبإلى أنه في دعاوى الطلاق يجب أن يكون التقاضي على درجة واحدة حيث يصدر الحكمبالدرجة النهائية غير قابل للاستئناف و لكنه يقبل الطعن بالنقض طبقا للقاعدة العامةالمنصوص عليها بالمادة 232 ق.إ.م . وعليه إذا وقع الطعن بالاستئناف في الحكم الصادرفي دعوى الطلاق سواء انتهت هذه الدعوى إلى نتيجة إيجابية أو سلبية فإنه يجب أنينتهي هذا الاستئناف إلى عدم القبول.
و إذا فصل المجلس خلاف ذلك كأن يفصلبتأييد الحكم الصادر بالطلاق أو برفض دعوى الطلاق أو يفصل بالطلاق ووقع الطعنبالنقض في هذا القرار فيجب على المحكمة العليا أن تفصل ببطلان القرار المطعون فيهدون أن تحيل القضية من جديد أمام نفس الجهة التي أصدرته استنادا إلى أن المجلس ليستله ولاية الفصل في دعاوى الطلاق و لا تقبـــل سوى الطعون المرفوعة ضد الأحكامالصادرة عن المحاكم الابتدائية و الفاصلة في دعاوى الطلاق .
و يذهب الأستاذزودة عمر إلى أن المحكمة العليا لم تميز بين الطعن بالنقض في الأحكام الصادرة عنالمحاكم الابتدائية في دعاوى الطلاق و القرارات الصادرة عن المجالس القضائية و منثمة فهي لم تلتزم بأحكام المادة 57 من ق. أ حيث نجدها تصرح بقبول الطعون بالنقض فيالقرارات الصادرة عن المجالس القضائية الفاصلة في دعاوى الطلاق و يتجسد ذلك من خلالقرارها رقم 182483 المؤرخ في 17/02/1998 غير المنشور .
و عليه فقد انتهيناإلى أن الحكم بالطلاق يصدر ابتدائيا نهائيا لا يقبل إلا الطعن بالنقض إلا أنالإشكال الذي يبقى مطروحا يتجسد في الحكم بإثبات الطلاق العرفي هل يتم الحكم بهابتدائيا أم ابتدائيا نهائيا؟
لم تستقر التطبيقات القضائية على مستوى محكمةالجلفة على وصف معين للحكم بإثبات الطلاق العرفي إذ نجدها تصدر أحيانا نهائية وأحيانا أخرى ابتدائية مما يعطي الفرصة للخصم لإمكانية الاستئناف، فقد جاء في منطوقالحكم رقم 489/03 الصادر بتاريخ 25/10/2003 وصف الحكم بالإشهاد على الطلاق العرفيبأنه ابتدائي في حين نجد أن هناك أحكام أخرى صدرت نهائية و مثالها الحكم رقم 161/2002 الصادر بتاريخ 09/03/2002.
وعلى صعيد آخر فإن مجلس قضاء الجلفة قضى فيقراره رقم 88/99 الصادر بتاريخ 03/07/1999 برفض الاستئناف شكلا طبقا للمادة 57 منقانون الأسرة.
و في رأيي أن الحكم بإثبات الطلاق العرفي يختلف عن الحكم بالطلاقذلك أن القاضي في الحكم بالطلاق له دور سلبي فمتى رفع أمامه طلب الطلاق من الزوجوجب عليه أن يقضي به دون أن يكون له البحث في أسبابه ، في حين أن الحكم بإثباتالطلاق العرفي يكون دور القاضي فيه إيجابيا إذ يبحث و يحقق في الواقعة ثم له أنيحكم بالطلاق في حالة اقتناعه كما له ألا يحكم به في حالة عدم ثبوت الواقعة المدعىبها و عليه فالمفـــروض أن تطبق عليه القواعد العامة ليكون بالتالي خاضعا للاستئنافخاصة و أنه لا يؤسس على العصمة الزوجية و بالتالي تنتفي الحكمة من جعله يصدرنهائيا.
و بخصوص تطبيق المادة 57 من ق.أ فقد جاء في قرار المحكمةالعليا مايلي : متى كان مقررا أن الأحكام بالطلاق غير قابلة للاستئناف ما عدا فـــي جوانبهاالمادية فإن قضاة المجلس في قضية الحال بإلغائهم للحكم المستأنف لديهم القاضيبالطلاق خالفوا القواعد الجوهرية للإجراءات .
ب- المعارضة :تنص المادة 98 من ق . إ . م على أنهيجوز الطعن في الأحكام الغيابية بطريق المعارضة ضمن مهلة 10 أيام من تاريخ التبليغالحاصل وفقا للمواد 22،23،24و26 .
و بذلك فقد وضعت قاعدة عامة تسري على جميعالأحكام الابتدائية و الأحكام الصادرة نهائيا و التي يعبر عنها الفقهاء بالأحكامالإنتهائية ذلك أن صدور الحكم ابتدائيا انتهائيا لا يمنع من المعارضة فيه .
وبالرجوع إلى قانون الأسرة نجده لم يتضمن النص على المعارضة في الحكم القاضي بالطلاقفهل يفهم من ذلك تطبيق القواعد العامة في هذا الصدد أي العودة إلى الأصل العام والذي مفاده أن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يوجد نص مقيد ؟
بدراسة طبيعة الحكمبالطلاق نجده يقوم على أساس العصمة الزوجية و هو حق إيرادي للزوج لا يحتاج فيه إلىرأي الزوجة بل أكثر من ذلك فإن دور القاضي فيه يكون سلبيا و عليه و على فرض صدورهفي غياب الزوجة ما لحكمة من المعارضة في هذه الحالة ؟