المبحث الثاني: كيفيةإثبات الطلاق في الشريعة الإسلامية .
نظرا لعدم وضوحاتجاه المشرع الجزائري فإنه ينبغي علينا الرجوع إلى تنظيم الطلاق في الشريعةالإسلامية ومدى تطابقه مع قانون الأسرة وبعبارة أخرى هل تركت الشريعة الإسلامية حقالطلاق حرا بلا قيود أم أنه ثمة هناك قيود يتعين على الزوج الالتزام بها حتى يقعطلاقه؟
و إذا تم الطلاق فماهي الطرق الشرعية المقررة لإثباته ؟
المطلب الأول: الإشهاد على الطلاق في الشريعةالإسلامية.
اتفق جمهور الفقهاء على أن الطلاق هو حق للرجل، و لكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو طريقة استعمال هذا الحق هل يتم بصفة تلقائية أميجب أن يحترم فيه الزوج ترتيب معين؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى هل هو حق مطلق أم مقيد؟
وعلى هذا الأساس سوف نتناول بالدراسة فيما يلي كيفية استعمال الزوج لحقالطلاق و مدى إلزامية الإشهاد عليه في الشريعة الإسلامية، مع العلم أن الحق ينقسمإلى حق يقابله التزام و حق إرادي لا يقابله أي التزام فهو مقرر لصاحبه.
الفرع الأول: حق الزوج في إيقاعالطلاق.
ذهب جمهور الفقهاء من السلف و الخلف إلى أنالطلاق يقع بدون إشهاد لأنه من حقوق الرجل و قد جعله الله بيده و لم يجعل اللهلغيره حقا فيه حيث قال تعالى: » يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمطلقتموهن … « و قال ابن القيم: فجعل الطلاق لمن نكح لأن له الإمساك و لهالرجعة.
ولكي يباشر الزوج حقه فلا يحتاج إلى بينة ولم يرد عن النبي صلى اللهعليه وسلم ولا عن الصحابة ما يدل على مشروعية الإشهاد.
وقد اتجه جمهور الفقهاءإلى ذلك بل إنهم قالوا بأن الإشهاد على الطلاق ليس شرطا لوقوعه فهو مندوبا لا واجباوبالتالي وطبقا لهذا الرأي فإن الحق في الطلاق هو من التصرفات الحرة ، ويكفي لترتيبالأثر القانوني أن يتم التعبير عن الإرادة بأية وسيلة كانت ، بل و يذهب أبعد من ذلكو هو وقوع الطلاق الواقع وقت حيض الزوجة مع إثم الزوج ديانة.
ونظرا لكون الطلاقهو حقمن حقوق الزوج فإنه له أن ينيب عنه غيره سواء كانت زوجته أم غيرها و هذا ماذهب إليه المالكية و تنقسم هذه النيابة إلـى قسمـين:
الأولى بأن يرسل الزوج إلىزوجته رسولا يعلمها بالطلاق، فالرسول هنا لم يجعل له الزوج إنشاء الطلاق ، و إنماله فقط إعلام الزوجة بوقوع الطلاق بعبارة الزوج نفسه والثانية تفويض الطلاق وهيثلاثة أنواع توكيل ،تخيير وتمليك .
وباعتبارأن الطلاق هو من التصرفات الشرعيةالتي تصدرعن الزوج بإرادته المنفردة فقد قيدته الشريعة الإسلامية بجملةمن الشروط والقيود ينبغي توافرها لوقوعه، وخارج ذلك إما أن يعتبر بدعيا لعدم احترام الزوجإجراءات الطلاق أو تعسفيا لعدم وجود المبرر الشرعي ومن هنا جاء تقسيم الطلاق إلىسني و بدعي، فأما الطلاق السني فهو أن يوقع الزوج على زوجته المد خول بها طلقةواحدة في طهر لم يمسسها فيه، فإذا طلقها وهي حائض أو في طهر مسها فيه أو أوقع عليهاطلقتين متتاليتين أو ثلاث فطلاقه بدعي.
والطلاق البدعي مكروه و محرم في المذاهبالسنية أما في المذهب الجعفري فهو طلاق فاسد لا يقع. و يجب على الذي يطلق امرأته أنيردها إليه قبل انتهاء عدتها عند المالكية و الحنفية، ويسن ذلك عند الشافعيةوالحنابلة، وذلك لأن عمله معصــية و الرجوع عن المعصية ضروري ،هذا إذا أمكنت الرجعةأما إذا طلقها ثلاث أو واحدة مكملة للثلاث فلا رجعة.
و عليه فإن الطلاق هو حقمقرر للزوج الذي توافرت فيه الشروط الشرعية لإمكانية ممارسة هذا الحق و ذلك بأنيكون عاقلا ، فلا يصح طلاق المجنون و لو كان جنونه متقطعا.
الفرع الثاني: الإشهاد على الطلاق كقيد على حق الزوج .
ذهب فقهاء الشيعة الإمامية إلى اعتبار أن الإشهاد شرط فيصحة الطلاق واستدلوا على ذلك بقوله سبحانه و تعالى في سورة الطلاق: »وأشهدوا ذويعدل منكم و أقيموا الشهادة لله « و ظاهر الأمر من هذه الآية الكريمة في الشرع أنالإشهاد يقتضي الوجوب.
وقد روى الإمام ابن كثير في تفسيره عن ابن جريح أن عطاءكان يقول في قوله تعالى:»وأشهدوا ذوي عدل منكم « قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولاإرجاع إلا شاهد عدل ولم ينفرد بوجوب الإشهاد فقط علماء آل البيت بل هومذهب عطاءوابن سيرين وابن جريح.
وقد قال الزمحشري : إن المعني بالخطاب في الآية 229 منسورة البقرة : » فإن خفتم ألا يقيما حدود الله « هو الأئمة والحكام ، والأمر نفسهفي الآية 35 من سورة النساء : »و إن خفتم شقاقا بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكمامن أهلها «. حيث لهم أن يتدخلوا لرفع الأذى و المضرة، وكذلك الأمر نفسه في سورةالطلاق: » واشهدوا ذوي عدل منكم « ، ومن ثمة وجب على الزوج أن يشهد شهيدين منالمسلمين على طلاقه.
والإشكال الذي طرح هنا هو موقف القضاة من الزوج الذي يطلقزوجته بدون إشهاد فإن أقروا طلاقه خالفوا الآية الكريمة التي تدعوا إلى الإشهاد علىالطـلاق وإن رفضــوا إقراره سمحوا له بالاستمرار في معاشرة زوجته وهي مطلقة في علمالله.
والإجابة على ذلك أنه ما دام و أن روح الآيات تساعد على جعل تنظيم الطلاقمنوطا بالقضاء وأن السنة النبوية الشريفة جرت على ذلك وأنه ليس فــي الكتــاب ولاالسنة ما يمنعه فإن أقر بذلك أولياء الأمور وأصبح تشريعا صار الشذوذ عنه باطلا.
ومن محاسن ضرورة الإشهاد على الطلاق مع إتباع الخطوات الصحيحة في إيقاعهوالمتمثلة في طهر المرأة هو إعطاء فرصة للزوج لإعادة التفكير فإن بقي مصمـــما رغـمحضور الشاهدين و مرور الوقت الزمني فإن طلاقه يكون قائما على أسباب قوية وليستعرضية وهذا هو الطلاق المقصود في الشريعة الإسلامية.
المطلب الثاني: طرق إثبات الطلاق شرعا وقانونا :
إن مسألة إثبات الطلاق من الناحية الشرعية لا تكتسي غموضاذلك أنه يثبت بكافة طرق الإثبات من إقرار و بينة و يمين ، فإذا ادعت المرأة أنزوجها طلقها و أنكر هو فمذهب المالكية أنه إن أتت بشاهدين عدلين نفذ الطلاق ، و إنأتت بشاهد واحد حلف الزوج و برئ و إن لم يحلف سجن حتى يقر أو يحلف ، وان لم تأتيبشاهد فلا شيء على الزوج ، و عليها منع نفسها منه بقدر جهدها،و إن حلف بالطلاق وادعت أنه حنث فالقول قول الزوج بيمينه .
و ذكر الحنابلة أنه إذا ادعت المرأة أنزوجها طلقها فالقول قول الزوج بيمينه لأن الأصل بقاء النكاح و عدم الطلاق إلا أنيكون لها بما ادعته بينة ، و لا يقبل فيه إلا عدلان لأن الطلاق ليس بمال ولاالمقصود منه المال و يطلع عليه الرجال في أغلب الأحوال كالحدود و القصاص، فإن لمتكن هناك بيّنة يستحلف الرجل على الصحيح لحديث: اليمين على من أنكر.
و توضيحالما سبق ينبغي علينا التطرق إلى طرق الإثبات المقررة شرعا و مطابقتها بتلك المقررةقانونا لنخلص في النهاية إلى مسلك القضاء الجزائري في مسألة إثبات الطلاقالعرفي:
الفرع الأول: الإقرار.
الإقرار شرعا هو الإخبار بثبوت حق للغير على نفسالمقر ولو في المستقبل باللفظ وما في حكمه، وبذلك يخرج من مدلول الإقرار ما يدعيهالخصم من حق له على الغير.
فإذا أقر الشخص بحق لزمه، ولكن الإقرار حجة قاصرةعلى المقر بخلاف البينة و ذلك لقصور ولاية المقر وعدم امتدادها إلى غيره، فإذا ادعتالزوجة حصول الطلاق و أقر الزوج بذلك لزمه هذا الإقرار و يثبت الطلاق.
والإقراريمكن أن يكون شفاهة أو كتابة مع العلم أن الإقرار بالطلاق كاذبا يقع قضاءا لاديانة.
هذا إذا أقر بطلاق سابق ، أما إذا نوى إنشاء طلاق جديد فالظاهر وقـــوعالطلاق بها لأنها صيغة تحتمل الإنشاء .
وينبغي الاعتداد بتاريخ الإسناد واتخاذهبدءا للطلاق و لكن قد يطرح السؤال : ما هو الحكم في حالة الإكراه على الإقراربالطلاق ؟
هنا لا يقع الطلاق في حالة توافر البينة الشرعية على وقوع الإكراه .
وقد نص المشرع الجزائري على الإقرار كوسيلة من وسائل إثبات الالتزام في المادة 341 ق.م بقوله أن الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بهاعليه أثناء السير في الدعوى المتعلقة بهذه الواقعة.
و في حقيقة الأمر أن الإقراروإن كان بمثابة الدليل القاطع على ثبوت الواقعة محل النزاع بل ويترتب عليه إزالةالنزاع حولها، إلا أنه في واقع الأمر لا يعتبر طريقة إثبات بقدر ماهو إعفاء منه،ولذلك فالإقرار يغني عن إلزام مدعي الواقعة بتقديــم أي دليل عنها و لذا فليس منالمتوقع أن يكون أمرا كثير الوقوع في الحياة العملية ،ولا تظهر أهميته إلا عندمايعوز الخصم الذي صدر لمصلحته الدليل على ما يدعيه فيضطر إلى الاعتماد على اعترافخصمه.
كما نصت المادة 342/1 من ق. م على أن الإقرار حجة قاطعة على المقرويتضح لنا جليا أن المشرع الجزائري يأخذ فقط بصورة الإقرار القضائـــي دون أن يتطرقللإقرار غير القضائي و عليه فإن الإقرار القضائي متى صدر مستوفيا لشروطه أصبح حجةقاطعة على صاحبه و يجب على القاضي أن يأخــذ بـه و عدم إجراء أي بحث فــــي موضوعهبعد حصوله ، وهذه القطعية في الإثبات لا تغني المقر عن إثبات صدوره منه عن غلط أوتدليس أو إكراه …
الفرع الثاني : البينـــة .
البينة حجة متعدية ، فالثابت بها ثابت علىالكافة ولا يثبت على المدعى عليه لوحده بخلاف الإقرار ، ونصاب البينة في إثباتالطلاق شهادة رجلين أو رجل و امرأتين ، ولا تجوز الشهادة بالتسامع في الطلاق لأنالشهادة بالتسامع إنما أجيزت استحسانا في بعض المسائل دفعا للحرج و تعطيل الأحكام ،وليس إثبات الطلاق من بين هذه المسائل .
الفرع الثالث : اليميــن .
اليمين هي إشهاد اللهتعالى على صدق ما يقوله الحالف أو على عدم صدق ما يقوله الخصم الآخر ، ولما كانتاليمين عملا دينيا فإن من يكلف بأداء اليمين عليه أن يؤديها وفقا للأوضاع المقررةشرعا .
واليمين طريق غير عادي للإثبات يلجأ إليها القاضي إذا تعذر تقديم الدليلالمطلوب فيحتكم الخصم إلى ذمة خصمه بيمين حاسمة يوجهها إليه أو يوجه القاضي يمينامتممة إلى أي من الخصمين ليكمل ما في الأدلة المقدمة من نقص .
و قد نص المشرعالجزائري على اليمين في المادة 343 و ما يليها من القانون المدني ، إذا ادعى أحدالزوجين وقوع الطلاق و أنكره الآخر و لم يقدم مدعي الطلاق بينة عليه فله أن يطلب منالقاضي توجيه اليمين فإذا حلف بأن الطلاق لم يقع قضى برفض الدعوى ، أما إذا نكل عناليمين قضى للمدعي بطلباته لأن النكول في حكم الإقرار بما يدعيه المدعي .
وبعد أن تعرضنا إلى طرق إثبات الطلاق شرعا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يتم إثبات الطلاق العرفي في القضاء الجزائري ؟
في حقيقة الأمر لم ينص قانونالأسرة أصلا على مسألة إثبات الطلاق العرفي حتى يضع له طرقا للإثبات ، ومع ذلك فإناتجاه القضاء الجزائـري ذهــب إلــى إثبات الطلاق العرفي في جميع الأحوال بالبينة وذلك بإجراء تحقيق فــي الموضوع بسماع الشهود وينم ذلك حتى في حالة إقرار الزوج وتصديقه من الزوجة ، إلا أنه في هذه الحالـة الأخيرة يعتبر الإقرار هو الأساس المثبتلوقوع الطلاق ومع ذلك يتم سماع الشهود لتأكيد الواقعة أكثر، ولا نجد في القضاءالجزائري ما يفيد إثبات الطلاق العرفي باليمين إلا أنه من الناحية العملية لا يوجدما يمنع ذلك .
و تأكيدا لهذا المبدأ فقد جاء في اجتهاد المحكمة العليا ما يلي : من المقرر شرعا أن الطلاق هو حق للرجل صاحب العصمة و أنه لا يجوز للقاضي أن يحلمحله في إصداره أما التطليق فهو حق للزوجة المتضررة و ترفع أمرها إلى القاضي الذييطلقها و من ثمة فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا لأحكام الشريعةالإسلامية .
ولما كانت الشريعة الإسلامية تخول إثبات تصريح الزوج بالطلاق بواسطةشهود حضروا وسمعوا بذلك من نفس الزوج أو بواسطة شهادة مستفيضة فإنه يجب على القضاةأن يجروا تحقيقا لسماع الشهود الذين علموا بواقعة الطلاق و لي لهم بعد ذلك إلا أنيوافقوا على صحة طلاق أثبت أمامهم و كذلك فإن القرار الذي قضى بأن الطلاق لا يثبتإلا بتصريح الزوج أمام القضاء يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية .
كما جاءفي قرار آخر أنه يستوجب نقض القرار الذي اعتمد في إثبات وقوع الطلاق بإرادة الزوجعلى شهادة الشهود لم تحدد تاريخ و مكان هذا الطلاق ، ولم تذكر أسماء الأشخاص الذينحضروا بمجلس الطلاق لتأكيد صحته ذلك أن هذه الشهادة يكتنفها الغموض و النقص فيمحتواها .
و ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن إعتراف المحكمة العليابالطلاق العرفي لم يتجسد فقط في قراراتها القديمة بل إنه موقفها حتى في قراراتهاالحديثة و يتضح ذلك بصفة خاصة من خلال قرارها الصادر بتاريخ 16/02/1999 و الذي جاءفي المبدأ الثاني منه أنه من المقرر شرعا أنه يثبت الطلاق العرفي بشهادة الشهودأمام القضاء .
ومتى تبين في قضية الحال أن الطلاق وقع بين الطرفين أمام جماعة منالمسلمين ، و أن المجلس أجرى تحقيقا و سمع الشهود الذين أكدوا بأن الزوج طلق فعلاالمطعون ضدها أمام جماعة من المسلمين ، وبالتالي فلا يحق له أن يتراجع عن هذاالطلاق ، وعليه فإن القضاة بقضائهم بإثبات الطلاق العرفي طبقوا صحيح القانون .
الفصل الثاني : إجراءات إثبات الطلاق .
انتهينا في الفصل السابق إلى أنه من الناحية القانونية لايثبت الطلاق إلا بحكم و هذا الحكم له طبيعة الإنشاء و هو عمل يدخل في إطار الوظيفةالولائية للقاضي رغم صدوره في شكل حكم قضائي، ذلك أنه يزيل عقبة قانونية تعترضإرادة الأفراد، ومن ثمة فإن دور القاضي يكون فيه سلبيا، كما انتهينا إلى أن الطلاقفي حد ذاته هو حق إرادي للزوج إلا أن هذا الحق يمارس وفقا للشكل القانوني ومن هنايطرح السؤال حول الإجراءات المتبعة لاستصدار الحكم بالطلاق .
وعلى صعيد آخر نجدأن التطبيقات القضائية في مختلف محاكم الوطن تذهب إلى إثبات الطلاق العرفي بأثررجعي و هنا يطرح السؤال حول مدى صحة هذا الاتجاه و الإجراءات المتبعة في ذلك و مدىشرعيتها .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أكبر إشكالية هي تلك المتعلقة بالطعن فيالحكم بالطلاق ذلك أن قانون الأسرة ينص على عدم القابلية للاستئناف إلا أنه لميتحدث عن الطعن بالنقض فهل يجوز الطعن في حكم الطلاق بطرق الطعن العادية و غيرالعادية وما هو موقف القضاء في هذه الحالة ؟
و عليه سوف نحاول قدر الإمكانالإجابة على هذه الإشكاليات و ذلك من خلال مبحثين إذ نتطرق في المبحث الأول إلىإجراءات استصدار الحكم بإثبات الطلاق والذي نتناول فيه كل من دعوى الطلاق و دعوىإثبات الطلاق العرفي و مدى شرعية إجراءات هذه الأخيرة ، أما المبحث الثاني فنخصصهلطرق الطعن في حكم الطلاق و كيفية تنفيذه .
المبحث الأول : إجراءات استصدار الحكم بإثبات الطلاق .
نعلم أنه قبل استصدار حكم من القضاء ينبغي مراعاةالشروط الشكلية التي أوجب المشرع توافرها في العريضة الافتتاحية بالإضافة إلىالتأسيس الموضوعي وعليه فإن دعوى إثبات الطلاق يجب أن ترفع إلى محكمة مختصة بموجبعريضة وفقا لما يقضي به القانون و بعد توصل القاضي بالعريضة يأتي دوره في استكمالشكليات لإثبات الطلاق .
فما هي الشروط الواجب توافرها لإصدار الحكم بإثباتالطلاق ، و كيف يتعامل قاضي الأحوال الشخصية مع دعوى لإثبات الطلاق؟
المطلب الأول: اتصال القاضيبالدعوى.
يتم عادة رفع الدعوى من الزوج إذا كنا بصدد دعوىالطلاق ، و هذا على خلاف دعوى إثبات الطلاق العرفي والتي يمكن أن ترفع من كل من لهمصلحة في ذلك و عادة يكون أحد الزوجين أو الورثة ، ولكي تقبل الدعوى أمام القضاءيجب توافر شروط قبولها من صفة و مصلحة وأهلية ، كما ينبغي أن يجسد الطلب في عريضةافتتاحية وفقا لما يقضي به القانون و أن ترفع أمام الجهة المختصة بهذه القضايا ،وهذا ما سوف نتناوله فيما يلي :
الفرعالأول : قواعد الاختصاص.
أ- الاختصاص المحلي : بالرجوعإلى المادة 08 من ق. إ . م نجدها نصت صراحة على أن دعاوى الطلاق ترفع أمام الجهةالقضائية التي يقع بها مسكن الزوجية ، وبمأن الاختصاص المحلي ليس من النظام العام وبالتالي يمكن رفع دعوى الطلاق أمام أية محكمة أخرى بشرط ألا يدفع الخصم بعدمالاختصاص المحلي ، و مسألة الاختصاص على بساطتها تثير العديد من المشاكل فكثيرا مايتقدم أمام القاضي زوجان لم يستقرا منذ زواجهما في مكان معين بل غيرا مكان الإقامةعدة مرات ، ففي هذه الحالة مــا هو السكن الذي يؤخذ بعين الاعتبار لتحديد الاختصاصالمحلي ؟
الرأي الراجح في هذه الحالة هو السكن الأخير.
و تجدر الإشارة إلى أنالاختصاص المحلي بالنسبة للجزائريين المقيمين في الخارج يعود المحل الذي يوجد فيهالسكن الرئيسي ، وفي حالة عدم وجوده يحل محله مكان الإقامة العادي و هذا ما يتجسدمن خلال قرار المحكمة العليا الذي جاء فيه ما يلي : مـن المقــرر قانونا أنه يسريعلى انحلال الزواج القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفع الدعوى وأن موطنكل جزائري هو المحل الذي يوجد فيه مقر سكناه الرئيسي ، و عند عـدم وجود سكن يحلمحله مكان الإقامة العادي ، وكما ثبت في قضية الحال أن المتخاصمان جزائري و جزائريةيقيمان مؤقتا ببلد أجنبي و طلبا التقاضي أمام محكمة جزائرية فإن قضاة الموضوع عندماقضوا بعدم الاختصاص المحلي فإنهم بذلك قد دفعوا الطرفين إلى التقاضي أمام القضاءالأجنبي وإن المسألة تتعلق بسيادة القانون الوطني مما يتعين معه نقض وإبطال قرارهمالمطعون فيه .
ب- اختصاص القانون الجزائري : و نتحدث في هذا المجالعن حالة تنازع القوانين المراد تطبيقها على مسألة الطلاق ، و هنا ينبغي عليناالرجوع إلى قواعد الإسناد المنصوص عليها في القانون المدني حيث تنص المادة 12 منهعلى أنه يسري على انحلال الزواج القانون الوطني الذي ينتمي إليه الزوج وقت رفعالدعوى ، في حين تنص المادة 3 منه على أنه يسري القانون الجزائري وحده في الأحوالالمنصوص عليها في المادتين11 و 12 إذا كان أحد الزوجين جزائريا وقت انعقاد الزواجإلا فيما يخص أهلية الزواج .
من خلال هاتين المادتين يمكن القول أنه إذا كان أحدالزوجين جزائري وقت إبرام عقد الزواج لا مجال للحديث عن تطبيق القانون الأجنبي ،إلا أنه في حالة كون الزوجين أجنبيين فإنه يطبق على الطلاق قانون الزوج وقت رفعالدعوى ، ومفـاد هذه القاعدة هو أنه يمكن أن يتم الزواج في ظل قانون معين ثم يقومالزوج بالتجنس مما يؤدي إلى تطبيق قانون الجنسية الجديدة على انحلال هذا العقد .
و إذا كانت مسألة الاختصاص لها أهميتها في دعوى إثبات الطلاق فإن شروط رفعالدعوى لا تقل عنها أهمية ، فما هي شروط قبول دعوى إثبات الطلاق ؟