-الانحراف الأخلاقي..
لا شك أن الانحراف الأخلاقي قَلَّ أو كثر له دور بارز في هذه المسألة الشائكة؛ويدور هذا السبب المؤثر على أطراف عِدَّة؛وأخطر هذه الأطراف هي المرأة.
وذلك لأن الرجل لو كان منحرفاً، فإن هذا لا يؤثر على موقفه، ولو أراد الزواج وجد أمامه عرضاً كبيراً من النساء، خصوصاً في وقت انعكست فيه المفاهيم..!!.
ولكن ليس هو الحال بالنسبة للمرأة..
فالمرأة التي تتعرف على رجل، ويربطها به علاقة مشبوهة، كثيراً ما تكون هذه العلاقة حيلة لبعض الشباب العابث ليغرّر بهذه الفتاة، ويستعمل معها الأساليب الماكرة، ويصوّر أنها الحلم الذي كان يسعى للوصول إليه، وأن الزواج منها هو الهدف الذي يسعى لتحقيقه، وأنها هي ضالته الني كان يبحث عنها زمناً طويلاً حتى وجدها؛ويستمر بمخادعتها حتى ينال بغيته منها..
حتى إذا الوغد أروى من الفتاة غليله
قـال اللئيم وداعاً ففي البنات بديلة
فإذا نال بغيته منها رمى بها، وذهب يبحث عن ضحية أخرى ليكمل معها مشوار انحرافه.
وحين تُعرف هذه المرأة في ذلك ، ويشيع أمرها بين الناس أنها من أهل المعاكسات وتردّي الخلق، يكون ذلك عائقاً من أن يتقدم أحد للزواج منها، بل والمصيبة أنها لو أقلعت عن هذا الخطأ ، وتركت ذلك السبيل الموحش، وتابت إلى الله، فإن الصورة القديمة غالباً ما ترسخ في أذهان الناس، وتترك انطباعاً سيئاً في نفوسهم فيستمر الإعراض عنها، والبحث عن سواها.
والواقع أنه في كثير من المجتمعات الطيّبة المحافظة، إذا انحرفت الفتاة فإن ذلك يتسبب في الإعراض عنها وجلوسها بغير إلى سن متأخرة، على الأقل في مجتمعها الذي تعيش فيه.
وذلك.. أن الرجال- وحتى المنحرف منهم- إذا فكّر الزواج لا يفكّر إلا بامرأة ذات سمعة طيبة وسلوك حسن ليرتبط بها؛وأما الأخرى فإنه أصلاً لا يفكّر مجرد التفكير أن يتزوجها، وأن يجتمع معها تحت سقف واحد.
وليت المأساة تنتهي عند هذا الحد؛لكن المصيبة أن انحراف واحدة يعود بالضرر على غيرها؛وذلك أنه في بعض المجتمعات إذا كانت هذه المنحرفة لها أخوات، فإن انحرافها يؤثر على أخواتها، ويتسبب في تأخير زواجهن، وإعراض الرجال عنهن، حتى ولو عُرِفن بالاستقامة وحسن الخلق.
وذلك أن الرجل إذا أراد أن يتقدم لهذه الفتاة الطيبة تذكّر صلتها الوثيقة بأختها المنحرفة ، وأن هذه المنحرفة ستكون خالة لأولاده، فهذا يجعله يحجم عن فكرة الزواج، والبحث عن امرأة في بيت آخر.
ولعل هذا الانحراف يستمرّ فتتسبب تلك الضائعة بعنوسة أخواتها، أو على الأقل بتأخير زواجهن بسبب طيشها وغفلتها عن العواقب الوخيمة الناتجة من جرّاء فعلتها المشينة؛ وهذا موجود، وليس بدعاً من الأمر،بل هو مشاهد في المجتمعات الطيّبة التي ما زالت تحتفظ بأصولها العريقة وأخلاقها السامية.
لذلك فإن الواجب على المرأة أن تقدر خطورة هذه الخطوة، وتحذر من الوقوع فيها، وتبتعد عن الطريق الذي يؤدي إلى هذه النتيجة المؤلمة، فتجر الحسرات على نفسها وعلى غيرها..
حسرات مـا إلى رد مثلهـا
سبيل ولو ردّت لهان التحسّر
ولتعلم الفتاة علماً يقيناً أن السمعة الطيّبة والسيرة الحسنة لها دور كبير، بل ومن أعظم الأمور المؤدية لتيسير زواجها؛لأن الكثير من أهل الغيرة إذا أراد أن يتزوج لا يقدم إلا على امرأة صاحبة خلق يثق بها، ويعلم أنها تحفظ غيبته عنها وكأنه عندها.
وهذه من خير النساء كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حيث قال فيما صَحَّ عنه:"خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك"([1]).
ولذلك فلتسعَ المرأة إلى هذه المنزلة العالية، ولتحذر من الطرق المخالفة التي تبعدها عن ذلك المبلغ العظيم والسلوك والقويم. يتبع بإذن الله
[1]رواه الطبراني، وهو صحيح، انظر صحيح الجامع الصغير للألباني (3299).
---------------------------------------------------------
- الإعراض عن التعدد..
ونعني بالتعدد هنا تعدد الزوجات، الذي أصبح من الحاجات الملحّة والمتطلبات المهمة، خصوصاً في وقتنا الحاضر، بل إن الإعراض عن هذا الأمر من الأسباب الرئيسة في جلوس كثير من النساء بغير زواج، لأننا في وقت كثر فيه النساء، وقلَّ فيه الرجال، والتركيبة السكانية في أغلب البلدان تشير إلى ذلك، والواقع الذي نعيش فيه خير شاهد على هذه الحقيقة.
فإذا كان الأمر على هذا الحال فماذا عسانا أن نفعل تجاه هذه المشكلة؛وما هو الحل لقضية النساء اللاتي جلسن بغير زواج؟.
إن في هذا الوقت الذي كثر فيه النساء حتى صار عددهن أضعاف عدد الرجال، أصبح الحل اللازم والدواء الناجع لهذه القضية هو : ( تعدد الزوجات)؛كيف لا..؟ وربنا عز وجل يقول –وهو أعلم بمصلحة الخلق-:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"([1]).
وهذا الحل ليس ببعيد، ولا صعب المنال،بل هو متناول الأيدي؛ولكن لوقوف بعض التيّارت منه موقف المهاجم تصوّره البعض مشكلة وليس حلاً.
ومع تعدد هذه التيارات، وعمل كل منهما على جانب، فإن محصول هذه الأعمال المكثفة يؤدي إلى نفس النتيجة، والوقوف منها موقف الخائف.
ومن هذه التيارات التي رهبت من مسألة التعدد، وصوّرتها شبحاً مخيفاً في أعين الناس؛"الإعلام"؛وذلك لدوره البارز في التأثير وسرعة الانتشار، من خلال الأفلام والمسلسلات الهابطة التي تصور الخلاف القائم بين الجارات!! وما يؤدي إليه هذا الخلاف من تشتت الأسرة، وجنون الزوج، وعدم قيامه بالعدل بين زوجاته؛وغير ذلك من المقولات المزيفة.
وأحياناً يكون عن طريق الصحافة وبعض الأقلام المسمومة التي تحارب هذه السنًّة محاربة شديدة، عن طريق السخرية والاستخفاف، بل والاعتراض على هذا الأمر المشروع..
ويتبع هؤلاء الناعقين الكثير من المخدوعين، فيقفون من هذه القضية موقف الرفض القطعي.
كل ذلك بسبب ما يُنقل وما يُكتب عبر وسائل الإعلام المؤثّرة.
ومن ردود الفعل لذلك التأثير القوي؛أن كثيراً من النساء بالرّغم من تقدمها في العمر إلا أنها ترفض أن تتزوج من رجل متزوج؛وهذا مما يزيد الأمر تعقيداً، لأنها إذا وصلت إلى هذا السن فإن فرصتها في الزواج تكون ضئيلة إلى حًدٍ ما.
فلو رضيت برجل متزوج لكان خيراً لها وأفضل من الجلوس بغير زواج، خصوصاً إذا كان الرجل ممن ترضى دينه وخلقه، وعنده القدرة على القيام بحقوقها.
ولكن مع الأسف..
فبسبب هذا التشويه الشنيع لمسألة التعدد ،فإن بعض النساء تخاف الإقدام على هذه الخطوة، فتفضل الجلوس بغير زواج على أن تتزوج برجل متزوج؛وهذا لقصر النظر، وعدم الإحاطة بالموضوع من جميع أطرافه، وعدم تلمّس الفوائد الناتجة عن التعدد والعائدة عليها وعلى غيرها.
وأحياناً يكون السبب في الإعراض عن هذه القضية هو الرجل نفسه!!..
وذلك أن بعض الرجال بالرغم من استطاعته الجمع بين أكثر من زوجة، ومع وجود القدرة على العدل، إلا أنه لا يفكّر أن يتزوج على زوجته الأولى؛لعل ذلك يرجع لتصوّره بأن الزواج من أكثر من واحدة أمر صعب ومتعِب؛وهو ليس كذلك، خصوصاً إّذا كان الإنسان مستطيعاً ومحكِما لقضية القوامة، فإن ذلك مما يعود عليه بالنفع والراحة، وذلك لما يجنيه من ثمار الطاعة، والبعد عن المعصية والنظر الحرام، واتباع الشهوات بسبب الاستعفاف بهذا الأمر المشروع.
ثم إذا بقي كل رجل على زوجة واحدة فمن لتلك المرأة التي تقدّم بها العمر وقد جلست بغير زواج، مُثْقلة بالهموم، محمّلة بالآلام بسبب حرمانها من ذلك الأمر الذي طالما حلمت به، وباتت تنتظره بفارق الصبر؟؟.
لذلك فإن أصحّ وأعظم الحلول على الإطلاق لقضية العنوسة هو :"تعدد الزوجات"؛وذلك لتفاوت النسبة بين عدد الرجال وعدد النساء الذي زاد، وسيزداد حتى يتبع الرجل الواحد أربعون امرأة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال:" ويُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يلذن به،من قِلَّة الرجال وكثرة النسـاء"([2]).
فلا بد من إدراك القضية –تفاوت النسبة-، ومعرفة أن التعدد هو الحل الأسلم، وكلٌ يعمل من جانبه ليساهم في حل هذه المشكلة؛وعلى الرجل خاصة أن يعمل من جانبه، وأن لا يكتفي بامرأة واحدة إذا كان مكملاً للشروط المطلوبة للتعدد . يتبع بإذن الله
[1]سورة النساء ، الآية:3
[2]البخاري: (1414)، مسلم: (1012).
------------------------------------------------------
المحــطــة الأخــيرة..
وعند هذه المحطة نتوقف لنعيد النظر فيما ذُكر من الأسباب، ونبحث عن أسباب الخلاص لكثير من النساء اللاتي وقعن في المأزق وأعيتهن الحيلة .
ولنوضّح الصورة أمام بعض النساء اللاتي على حافة الوقوع في هذه الأسباب، حتى يتراجعن قليلاًً إلى الوراء، ويُعِدن الحسابات قبل مضي أعمارهن .
ولننير الطريق أمام كل من يهمه مصلحة هؤلاء النساء، حتى يرى الأمر واضحاً جلياً، فيضع الأمور في نصابها الصحيح .
ويجب علينا جميعاً أن نقف وقفة صدق تجاه هذه القضيّة الشائكة حتى نعالجها قبل فوات الأوان؛(فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه ، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل في السفر .. فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل ، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر؛فالكيس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه، فيهتم بقطعها سالماً غانما ً، فإذا قطعها جعل الأخرى نصب عينيه ، ولا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ، ويمتد أمله، ويحصر بالتسويف والوعد والتأخير والمطل ، بل يعد عمره تلك المرحلة ، فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته ، فإنه إذا تيقن قصرها وسرعة انقضائها هان عليه العمل ، فطوعت له نفسه الانقياد إلى التزود ، فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره استقبلها كذلك ؛فلا يزال هذا دأبه حتى يطوي مراحل عمره كلها؛ فيحمد سعيه ، ويبتهج بما أعده ليوم فاقته وحاجته)([1])ولذلك فإن من الواجب على الإنسان أن يستغل كل مرحلة من مراحل حياته ، ويخرج منها بنتيجة مثمرة.
وعلى المرأة المعينة بموضوع البحث أن تتأمل في هذا جيداً ، وتتنبه لنفسها ، وأن لا تقدم على الزواج شيئاً من الأمور التي تعود عليها بالضرر؛كالدراسة المطولة والوظيفة والمثالية الحالمة ، مما تملك تغييره أو التنازل عنه .
أما ما خرج عن إرادتها ونطاق استطاعتها ، وفرض عليها بغير اختيار منها فعليها بالدعاء والتضرع إلى الله – سبحانه وتعالى – أن يغير حالها ، ويكشف عنها الغمة ، فإنه هو القادر سبحانه على أن يبدل الأحوال ، ويكشف الكروب ، قال - تعالى-: "وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم"([2]).
نسأل الله أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يجعله عملاً نافعاً؛وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين؛وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كـتبــه
سـالم العـجمي
29/8/1414هـ
[1]"طريق الهجرتين " للأمام ابن القيم : ( ص/185).
[2]سورة يونس ، الآية: 107.