[naili+farjawi]

2/- ما لبثت أن صعدت الحافلة التي كانت متوجهة نحو قسنطينة ، وجلست وحيدا
أعيد تفاصيل الحوار وفصول المشهد الذي كان ..

بينما أنا كذلك، أحسست بيد رقيقة خفيفة على كتفي، وصوت شبيه بالذي يدور في رأسي الآن يسأل عن المقعد بجانبي ، رفعت رأسي فإذا بها فتاة جميلة ، لكنها لا تخفي شيئا من جمالها وكأنها دمية معروضة على واجهة محل ، إلا أنها تتحرك !! تملأ الألوان الحمراء والزرقاء والسوداء تقاسيم وجهها ، والروائح تخترق الأنوف وتسدها من مسافة خمسة أمتار وأكثر ..
لم أحول نظري عنها - ليس ذهولا من الجمال- لأنني كنت فاقد وعيي و سارحا في الفرق الشاسع ، فهذا لباس يكاد ينعدم وشعر ينسدل على الكتفين كأنه حرير بلون جميل، والغريب حقا كان سروال (الجينز) الذي ترتديه، وكأنها استعارته مني ..!!

ظللت سارحا مستغربا الموقفين المتناقضين ، ثم قلت في تنهد عميق : سبحان الله مغيــر الأحوال كنت رفقة ملاك والآن جاءني سبب الهلاك.. شتان بين الثرى و الثريا ..

-اعتذرت قائلة : لم أفهم ما قلت..هل المقعد شاغر ؟

نظرت حولي فوجدت المقاعد مملوءة جميعها ، ولم أشأ -رغما عني- أن أكون ممن يوصفون بغير الإنسانيين والمثقفين الواعين والمتحضرين !!!!!

قلت لها مصطنعا ابتسامة صفراء : لا عليك، تفضلي بالجلوس إن شئت .
جلست جنبي وكدت أخرج من النافذة لهول الموقف، ليس ضعفا أو تكبرا، ولكني لا زلت متأثرا بصفات وأخلاق الفتاة الأولى وهذا الفرق يجعلني أشعر بالغثيان..
وجدت القنبلة جنبي الآن بل تكاد تلاصقني !! انسحبت قليلا بسرعة وهدوء نحو الجهة الأخرى، لئلا ألامسها فأنفجر.. هي عن بعد كارثة نووية، فما بالك إن كانت قربي ..!!!

تبا ، ما هذا الحظ الرائع الذي جمعني اليوم بالسالب والموجب، حقا أخاف أن يحدث تنافر بين القطبين وأكون ضحية للكهرباء فتفحمني ، ما أغربك يا دنيا..قلت محدثا نفسي.

و طبعا قبل أن تبدأ بمخاطبتي مجددا اكتشفت أني -لحسن حظي- أحمل سماعة الأذنين الخاصة بهاتفي المحمول ، وضعتها ، وأغمضت عيناي مسندا رأسي إلى المقعد، حتى لا أرى ولا أسمع ، و تمنيت لو أني أحمل بعض القطن لأغلق به أنفي لأن الرائحة القوية للميك آب والعطور و...و..أدخلتني عالم السكــارى فعلا !! .

والمشكل الأكبر هو أن المسافة طويلة جدا، ويا ساتــــــر يا رب...
طـــرافي 2010