المسألة الثانية : مسألة الصفات الإختيارية :
و هذه المسألة التي شنّع عليها المعترض يسميها و أضرابه بمسألة حلول الحوادث , و مقتضاها عندهم ان الله تعالى لا يفعل بمشيئته و لا بقدرته , لأن هذا يقتضي حلول الحوادث فيه
ثم انزلق المعترض الى منزلق الكذب و البهتان فزعم ان شيخ الإسلام يقول بحدوث الذات العلية ! و هذا ضرب من الهذيان , لا يوجد إلا في مخيلة هذا الإنسان , و هذا الكلام العاطل عن حلى التحقيق يتلو عنده كل ذي عقل سليم : سبحانك هذا بهتان عظيم !
فلماذا البهت يا هذا ؟ أفما أقنعك كلامه في ثنايا فتاويه في أزلية المولى عز و جل و صفاته العليا ؟ هب انك لم تفهم مسألة الصفات الإختيارية و ظننتَ ان ابن تيمية يقول بحدوث الصفات أفما جعلك تتبع كلامه تقف على الكلام الثمين في نقض هذا الهراء ؟
سبحان الله !
و لكن المعترض أُتي من إتباعه لطريقة الجهمية لأن الجهمية لا تقر بأن فعل الله تعالى صفة له و تعتبر ذلك حلول حوادث و لهذا ذكر الإمام البخاري ان الجهمية يقولون ان الفعل و المفعول واحد أي مخلوق
قال الإمام أبو عبدالله البخاري رحمه الله خلق أفعال العباد فقال-:
((اختلف الناس في الفاعل والفعل والمفعول
فقالت القدرية: الأفاعيل كلها من البشر
وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد ولذلك قالوا كن مخلوق
وقال السلف التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة ففعل الله صفة الله والمفعول من سواه من المخلوقات انتهى من فتح الباري 13/439
و لهذا لا غرو ان اتبعهم المعترض ثم يقول : ابن تيمية خالف السلف ! نعم خالف سلف الجهمية و اتبع سلف الأمة رضوان الله عليهم و إلا هل ستطعن على الإمام الجهبذ البخاري ؟ و من طعن في شيخه نعيم بن حماد سهل عليه الطعن في تلميذه الإمام البخاري رضي الله عنه و عن شيخه على رغم أنف الحساد من الجهمية الأوغاد
ثم أردف يأتي بأقوال بعض أهل العلم في تكفير القائل بقدم العالم : فما فائدة هذه الأقوال و ابن تيمية أيضا يكفّر القائل به ؟ أم ان الأوراق اختلطت عليك فلم تعرف قول ابن تيمية في هذه المسألة و ظننته يقول بذلك تقليدا لمشايخك كالسقاف الرافضي و الكوثري ؟ سبحان الله !
ثم ان الحق لا يجلو بكثرة السب و مقال المعترض مملوء بسب الأئمة بما يستحي العاقل من ذكره فيالله العجب ! يُسب أئمة الدين لأنهم اتبعوا السلف الصالح و يُرفع أئمة الجهيمة الى العلالي لأنهم اتبعوا السلف الطالح ! فإن لله و إنا إليه راجعون
ثم اعترض المعترض بما حاصله ان كل من قام به حادث فهو حادث و مقصوده ان كل حادث مخلوق و كل ما قام به الحادث فهو مخلوق, و هذه قاعدة غير سليمة و قد بيّن بطلانها جماعة من العلماء منهم : الإمام البخاري و الإمام تقي الدين ابن تيمية و الشيخ شمس الدين ابن القيم بل و المحدّث محمد أنور شاه الكشميري الماتريدي – فماتريديته لم تمنعه من قول الحق و الصواب في هذه المسألة فنسأل الله الإنصاف في القول و العمل –
و الصواب : ان كل مخلوق حادث و ليس كل حادث مخلوق, ألا ترى ان الانسان و هو مخلوق عندما يقوم أو يقعد هل يقال بأنه خلق هذا القيام و القعود؟ لا يقال ذلك و هذا بإتفاق العقلاء إلا ان شذ من لا عبرة بشذوذه في ذلك , و بهذا تبطل قاعدتهم هذه
و نحن نذكر قول جماعة في ان الحدث من المولى عز و جل لا يشبه الحدث من المخلوق
قال
قال الامام البخاري في صحيحه : ** مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ }
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
** لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا }
وَأَنَّ حَدَثَهُ لَا يُشْبِهُ حَدَثَ الْمَخْلُوقِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
** لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ كُتُبِهِمْ وَعِنْدَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ أَقْرَبُ الْكُتُبِ عَهْدًا بِاللَّهِ تَقْرَءُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ
فهاهو الامام البخاري يقول ان حدث الله تعالى لا يشبه حدث المخلوقين ! ثم يورد تحت هذا التبويب الحديث اعلاه !!! اي انه يقول ان القرآن محدث
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري :
" غرضه فى هذا الباب الفرق بين وصف كلام الله بأنه مخلوق، وبين وصفه بأنه محدث، فأحال وصفه بالخلق، وأجاز وصفه بالحدث، اعتمادًا على قوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء: 2]، وهذا القول لبعض المعتزلة ولبعض أهل الظاهر"
و قد حاول ابن حجر تأويل كلام الامام البخاري فأتى بما لا طائل تحته لما زعم انه لا فرق بين المخلوق و المحدث , و يمكن معرفة تكلّف ابن حجر في تأويل كلام البخاري : من تكلفه أيضا في تأويل كلام الداودي رغم انه صريح - اي كلام الداودي - في انه يرى ان القرآن محدث
و كلام الإمام البخاري صريح هنا في انه يعتبر القرآن الكريم محدث فهو قد أجاز وصفه بذلك
قال ابن حجر : " قَالَ اِبْن التِّين : وَهَذَا مِنْهُ - أَيْ مِنْ الدَّاوُدِيّ - عَظِيم ، وَاسْتِدْلَاله يُرَدُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ لَمْ يَزَلْ بِجَمِيعِ صِفَاته وَهُوَ قَدِيم فَكَيْف تَكُون صِفَته مُحْدَثَة وَهُوَ لَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَّا أَنْ يُرِيد أَنَّ الْمُحْدَث غَيْر الْمَخْلُوق كَمَا يَقُول الْبَلْخِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ ، وَهُوَ ظَاهِر كَلَام الْبُخَارِيّ حَيْثُ قَالَ : وَإِنَّ حَدَثه لَا يُشْبِه حَدَث الْمَخْلُوقِينَ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ مُحْدَث اِنْتَهَى "
و في هذا شهادة آخرى من ابن التين في اعتقاد الإمام البخاري
قال ابن حجر في الفتح "
" قَالَ الرَّاغِب : الْمُحْدَث مَا أُوجِدَ بَعْد أَنْ لَمْ يَكُنْ وَذَلِكَ إِمَّا فِي ذَاته أَوْ إِحْدَاثه عِنْد مَنْ حَصَلَ عِنْده ، وَيُقَال لِكُلِّ مَا قَرُبَ عَهْده حَدَث فِعَالًا كَانَ أَوْ مَقَالًا "
و قال الإمام الحافظ ابن كثير في البداية و النهاية الجزء 10 ص 298 :
" ذكر أول المحنة والفتنة في هذه السنة كتب المأمون إلى نائبه ببغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخلق القرآن وأن يرسل إليه جماعة منهم، وكتب إليه يستحثه في كتاب مطول وكتب غيره قد سردها ابن جرير كلها ، ومضمونها الاحتجاج على أن القرآن محدث وكل محدث مخلوق، وهذا احتجاج لا يوافقه عليه كثير من المتكلمين فضلا عن المحدثين، فإن القائلين بأن الله تعالى تقوم به الافعال الاختيارية لا يقولون بأن فعله تعالى القائم بذاته المقدسة مخلوق، بل لم يكن مخلوقا، بل يقولون هو محدث وليس بمخلوق، بل هو كلام الله القائم بذاته المقدسة، وما كان قائما بذاته لا يكون مخلوقا، وقد قال الله تعالى (ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث) [ الانبياء: 2 ] وقال تعالى (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) [ الاعراف: 11 ] فالامر بالسجود صدر منه بعد خلق آدم، فالكلام القائم بالذات ليس مخلوقا، وهذا له موضع آخر. ) اهـ
الشيخ محمد أنور الكشميري الماتريدي في العرف الشذي شرح سنن الترمذي :
" وأما مشرب الحافظ ابن تيمية في الصفات الحوادث أنها قائمة بالباري وحوادث وغير مخلوقة ، ويدعى أنه يوافق السلف الصالحين ، ويقول : إن الله تعالى يقوم به الحوادث باختياره ولكنه ليس ما لا يخلو من الحوادث بل قد يكون متصفاً بالحوادث وقد لا يكون متصفاً بها ، وقال : إن بين الحادث والمخلوق عموماً وخصوصاً فإن الصفات الحادثة وسائر أشياء العالم حوادث ، والصفات ليست بمخلوقة بخلاف سائر أشياء العالم الممكنة ، وأما الأشاعرة فيقولون بأن الباري عزَّ اسمه ليس بمحل للحوادث وقالوا لا فرق بين الحادث والمخلوق ، وأقول : إن اللغة تساعد الحافظ ابن تيمية فإنه إذا كان زيد قائماً يقال : إن القيام متعلق بزيد ، وإن زيداً متصف بالقيام ، ولا يقال : إنه خالق القيام فكذلك لما كان الله موصوفاً بالنزول فلا بد من قيام النزول ، وكون الباري عز برهانه متصفاً بالنزول لا خالقاً ، له وبعين ما قال ابن تيمية قال البخاري بأن الله متصف بصفات حادثة ، إلا أن الشارحين تأولوا في كلامه ومثله روي عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن حسن بسند صحيح في كتاب الأسماء والصفات ، حيث قالوا : من قال : إن القرآن مخلوق كافرٌ ، أي من قال : بأن القرآن ليس صفة الباري وأنه بمعزل وبائن عن ذات الباري ، وليسوا بقائلين بأن القرآن قديم أي الكلام اللفظي فالحاصل أنهم قائلون بحدوث الكلام اللفظي لا بخلقه ، وصنف ابن تيمية في كون الباري يقوم به الأفعال الاختيارية مجلداً كاملاً ، ودل ماروينا على رغم أنف من قال بأن أبا حنيفة جهمي عياذاً بالله ، فإن أبا حنيفة قائل بما قال السلف الصالحون ، فالحاصل أن نزول الباري إلى سماء الدنيا نزول حقيقة يحمل على ظاهره ويفوض تفصيله وتكييفه إلى الباري عز برهانه ، وهو مذهب الأئمة الأربعة والسلف الصالحين كما نقله الحافظ في فتح الباري عنه ، وذهب الأشاعرة المتكلمون إلى ما ذهبوا ، ثم نقول : إن قول الأشعرية بأن الصفات الفعلية حوادث ، لا دليل لهم عليه فإنها ليست بحادثة ، وإن قيل : إن للصفات الفعلية التي تحت الأسماء الحسنى للباري تعلقاً بالحوادث فتكون حوادث ، قلت : إن المقدرة والإرادة وغيرهما أيضاً تعلقاً بالحوادث ولا تقولون بحدوثها ثم المشهور بين المتكلمين أن الإرادة مثلاً قديمة والتعلقات بالمتعلقات الحادثة حوادث وقال الحذاق منهم : إن الإرادة مثلاً والتعلق قديمان والمتعلق حادث كما قال الدواني في رسالة إثبات الواجب .ج 2 ص 417
و قال في شرحه على البخاري :
باب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ، وَنِدَاءِ اللَّهِ المَلاَئِكَة
وَقَالَ مَعْمَرٌ: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْءانَ} (النمل: 6) أَي يُلقى عَلَيكَ وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ، أَي تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ، وَمِثْلُهُ: {فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} (البقرة: 37).
شَرَعَ في صلة الكلام، وتراجمه فيه على نحوين: الأُولَى في إثبات قِدَم كلام الله تعالى، والثانيةُ في إثبات حدوث فعله الوارد عليه.
فاعلم أن الكلامَ إمَّا كلامٌ نفسيٌّ، أو لفظيٌّ. والأوَّلُ أقرَّ به الأشعريُّ، وأنكره الحافظ ابن تَيْمِيَة. قلتُ: أمَّا إنكارُ الحافظ ابن تَيْمِيَة، فتطاولٌ، فإنه ثابتٌ بلا مِرْيَة.
وتفصيلُه أن في الكلام ثلاثَ مراتب:
الأُولَى: عبارةٌ عن حالةٍ بسيطةٍ إجماليةٍ غيرِ متجزئةٍ، من شأنها الإِفادة، فلا تقدُّم فيها، ولا تأخُّر، كالقرآن في ذهن من حَفِظَهُ، فإنه يَحْضُرُ في ذهنه جملةً، حتَّى إنه يُدْرِكُهُ أيضاً. إلاَّ أنه لا تفصيلَ في تلك المرتبة، وهي مبدأٌ للتفصيل.
والثانيةُ: عبارةٌ عن الصور المخيَّلة المنفعلة في الذهن. تعرَّض إليها بحرُ العلوم في «شرح مسلم». وفي تلك المرتبة يَحْضُرُه تفصيله، نحو أن تَقْرَأَ القرآنَ في نفسك، ففيها انكشافٌ تامٌّ، وتصيلٌ كاملٌ، وإن لم يَشْعُرْ به المُخَاطَبُ.
والثالثة: عبارةٌ عن إجراء تلك الكلمات على اللسان، فالكلامُ ما دام دائراً في النفس بسيطٌ، فإذا نَزَلَ في الخيال صار عبارةً عن كلمات مخيَّلة، ثم إذا نَزَلَ على اللسان صار كلماتٍ ملفوظةً. فالكلامُ النفسيُّ ثابتٌ عقلاً. نعم، كلامُ المصنِّف ليس إلاَّ في اللفظيِّ، ومع ذلك تلك الحوادث القائمة ليست مخلوقةً. واسْتَبْعَدَهُ الحافظُ: فقال: إن في إثبات حدوثها، ونفي كونها مخلوقةً تناقضاً، لأنه لا فرقَ بين الحادث والمخلوق.
قلتُ: وهذا إنَّما نَشَأ من عدم اطلاعه على اصطلاح القدماء، فإن المخلوقَ عندهم هو المُحْدَثُ المُنْفَصِلُ، أمَّا إذا كان قائماً لفاعله، فلا يُقَالُ له: إنه مخلوقٌ. وهذا عينُ اللغة، فإنك تقولُ: قام زيدٌ، وقَعَدَ عمرٌو، ولا تقولُ: خَلَقَ زيدٌ القيامَ، وخَلَقَ عمرٌو القعودَ، وذلك لأن القيامَ والقعودَ، وإن كانا حَادثَيْن، إلاَّ أنهما ليسا بمنفصلين عن زيدٍ، وعمرٍو، فالشيءُ إذا قام بفاعله، فهو حادثٌ غيرُ مخلوقٍ.
والعجب من الحافظ حيث خَفِي عليه هذا الاصطلاحُ الجليُّ، فإن بين اللفظين بَوْناً بعيداً. أَلاَ ترى أن المُحْدَثَ قد أطلقه القرآن بنفسه، فقال تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ}... إلخ (الأنبياء: 2)، وأمَّا المخلوقُ، فقد نُقِلَ عن أبي حنيفة وصاحبَيْهِ: أن من قال بخلق القرآن فقد كَفَرَ، هكذا نقله البيهقُّ في كتاب «الأسماء والصفات». فالمُحْدَثُ وَرَد في القرآن، وإطلاقُ المخلوق أفضى إلى الكفر. وإذا دَرَيْتَ الفرقَ بينهما، هان عليك إطلاقُ الحادث على القرآن، مع نفي المخلوق عنه، ولم يَبْقَ بينهما تناقضٌ.
أمَّا الكلامُ اللفظيُّ في دائرة البشر، فهو حادثٌ ومخلوقٌ، ومعنى قول المصنِّف: «لفظي بالقرآن مخلوقٌ»، أي إن المَوْرِدَ الذي هو صفةٌ تعالى، وإن كان قديماً، لكن تلفُّظُنا الواردُ عليه فعلَنا وصفتَنا، وهو مخلوقٌ. ومن لم يُدْرِكْ مرادَه، ظَنَّ أنه جَعَلَ القرآنَ مخلوقاً. ومعلومٌ أن المَوْرِدَ الذي هو قائمٌ بالباري تعالى كيف يكون مخلوقاً؟ هذا تقريرُ مرام المصنِّف، وتقريبه.
أمَّا المحدِّثون، فهم فيه على فرقتين: منهم من أَنْكَرَ قيام الحوادث بالباري تعالى، ومنهم من أقرَّه. بقي المتكلِّمون، فاتَّفَقُوا على إنكاره، وهو المذهبُ الأسلمُ والأحكمُ.
والذي تلخَّص من مذهب المصنِّف: أن الذاتَ، وصفاتَه السبع، والتكوين كلَّها قديمٌ. بَقِيَتِ الأفعالُ الجزئيةُ، كالنزول، والضحك، وأمثالهما، فهي قائمةٌ بالباري تعالى، وحادثةٌ عنده. وتكل مُنْفَصِلَةٌ عند المَاتُرِدِيَّةِ.
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَئِكَةُ يَشْهَدُونَ} (النساء: 166)
قَالَ مُجَاهِدٌ: {يَتَنَزَّلُ الاْمْرُ بَيْنَهُنَّ} (الطلاق: 12) بَينَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَرْضِ السَّابِعَةِ.
فالإِنزالُ صفةٌ للباري تعالى، وليس بمخلوقٍ، مع كونه حادثاً. وفيه إشارةٌ إلى أني أؤمِنُ بكون القرآن كلامَه تعالى، وهو الجزءُ الأوَّلُ من مَلْحَظَيْهِ، أعني كون القرآن صفةً تعالى، والواردُ عليه هو فعلُنا، وهو مخلوقٌ حادثٌ، وهو الجزءُ الثاني.
======
و قال أيضا عند قول الامام البخاري:
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ} (الرّحمن: 29)
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} (الأنبياء: 2)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} (الطلاق: 1).
وَأَنَّ حَدَثَهُ لاَ يُشْبِهُ حَدَثَ المَخْلُوقِينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11). وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «إِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْره مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ مِمَّا أَحْدَثَ: أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا في الصَّلاَةِ».
يريد به إثباتَ قيام الحوادث بالله تعالى. ) اهـ
فانظر الى انصاف الماتريدي !! و تبيانه للحق من غير تعصب !
فهذا كلام جماعة من العلماء بما حاصله ان كل محدث ليس بمخلوق , فإذا عرفنا ذلك فلننتظر طعن المعترض على هؤلاء العلماء و من طعن في شيخِ الإمام البخاري سهل عليه الطعن فيمن دونه
ثم ذكر المعترض شعرا للسبكي يرد به على شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , و نحن نورد رد الإمام الحافظ الجهبذ يوسف السرمري رحمه الله على قصيدة السبكي هذه – ت 776 هـ -
حيث قال رادا عليه :
أما حوادث لا مبدا لأولها *** فذاك من أغرب المحكي وأعجبهِ
قصّرتَ في الفهمِ فاقصر في الكلامِ فما *** ذا عشك ادرج فما صقر كعنظبهِ
لو قلتَ قال كذا ثم الجوابُ كذا *** لبان مخطئ قولٍ من مصوِّبهِ
أجملتَ قولاً فأجملتُ الجوابَ ولو *** فصّلتَ فصّلتُ تبياناً لأغربهِ
إن قلتَ كان ولا علم لديه ولا *** كلام لا قدرة أصلاً كفرتَ بهِ
أو قلتَ أحدثها بعد استحالتها ***في حقه سَمْتُ نقصٍ ما احتججتَ بهِ
وكيف يوجدها بعد استحالتها *** فيه أيقدر ميت رفع منكبهِ
أو قلت فعل اختيار منه ممتنع *** ضاهيت قول امرئ مغوِ بأنصبهِ
ولم يزل بصفات الفعل متصفا *** وبالكلام بعيداً في تقربهِ
سبحانه لم يزل ما شاء يفعله *** في كل ما زمن مامن معقبهِ
نوع الكلام كذا نوع الفعال قديـ *** ـم لا المعيّن منه في ترتبهِ
وليس يفهم ذو عقل مقارنة الـ *** ـمفعول مع فاعل في نفس منصبهِ
يحب يبغض يرضى ثم يغضب ذا *** من وصفه، أرضِهِ بُعداً لمغضبهِ
والخلق ليس هو المخلوق تحسبه *** بل مصدر قائم بالنفس فادر بهِ
وقول كن ليس بالشيء المكوَّن والصـ *** ـغير يعرف هذا مع تلعبهِ
فالمصطفى قال كان الله قبل ولا *** شيء سواه تعالى في تحجبهِ
و هي قصيدة طويلة أطنب الحافظ السرمري فيها ببيان معتقد أهل السنة و النقض على السبكي
و قد مدح قصيدته هذه حافظ الشام الإمام الجهبذ ابن ناصر الدين الشافعي رحمه الله
و قبل الختام : نذكر قول الإمام ابن جرير الطبري في إثبات الصفات الإختيارية و منها صفة الإستواء التي يسميها المعترض بحلول الحوادث و في إنتظار طعنه عليه إن كان واثقا من معتقده الردئ , فنقول :
قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره :
وقوله: ( فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ) قيل: كان ابتداء ذلك يوم الأحد، والفراغ يوم الجمعة( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ) يقول: ثم استوى على العرش الرحمن وعلا عليه، وذلك يوم السبت فيما قيل. "
و قال في موضع اخر :
القول في تأويل قوله تعالى : { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (4) }
يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له أيها الناس( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا ) من خلق(فِي سِتَّةِ أيَّام) ثم استوى على عرشه في اليوم السابع بعد خلقه السموات والأرض وما بينهما."
فانظر كيف جعل الطبري الإستواء بعد خلق الله تعالى للسموات و الأرض ؟؟؟
هيا اطعن عليه ان كنتَ صادقا مع نفسك و إلا فمعتقدك هباء في هواء لا يستند الى ركن شديد
و لو كنتَ منصفا لرجعتَ الى عقيدة السلف و تركت عقيدة الكلام و أهله , اسأل الله لك الهداية
يتبع ,,,