منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - محاضرات ملتقى القرآن الكريم
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-06-15, 11:09   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابو مريم الجزائري
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

المحاضرة الثالثة: " الأخطاء التي تتضمنها ترجمات وتفاسير القرآن [ الكريم] بصدد بعض الآيات التي لها صلة بالعلم الحديث" .

الدكتور موريس بوكاي
الرئيس السابق لعيادة الجراحة بالجامعة الفرنسية
وعضو الجمعية الفرنسية للأمراض الباطنية – فرنسا.

(( لقد كنت في السنة الماضية أجهل بطبيعة الأمر الموضوعات التي وقع عليها الاختيار لتكون مدار المناقشة في هذا الملتقى، ولذلك تقدمت لكم ببعض الملاحظات بخصوص مضار بعض ترجمات وتفاسير القرآن [ الكريم] في مجموعه بالغرب، وكنت قد تعرضت باختصار في عرضي الوجيز إلى الأخطاء المتعلقة بالآيات التي تلفت بصورة خاصة انتباه رجال العلم في عصرنا الحاضر، وجاء برنامج ملتقى هذه السنة الذي شرفني السيد وزير الشؤون الدينية [ الشيخ عبد الرحمن شيبان حفظه الله ] بدعوتي إليه، وإني له على ذلك من الشاكرين، جاء برنامج هذا الملتقى إذن ليثير في ذهني فكرة العودة إلى هذه المسألة بصدد الآيات التي تتصف بهذه الخصوصية.
وإني التمس منكم المعذرة إذا ما تضمن عرضي اليوم تكرارا لبعض ما سبق أن عرضته على مسامعكم في السنة الماضية، لأني أرى انه من الأهمية بمكان أن يعود المرء إلى التنبيه إلى المضار التي تنجر عن هذه الترجمات أو التفاسير غير الصحيحة.
ويمكن أن تظهر هذه المضار في العالم الإسلامي وخاصة لدى الطلاب، ولدى الذين أصبحت لهم في يومنا هذا لحسن الحظ معارف في المسائل العلمية لأنهم لا يؤمنون بفعل بعض التفاسير غير الملائمة أن يفترضوا وجود تناقض ما بين القرآن [ الكريم] والعلم، والحال أنه لا وجود لهذا التناقض، غير أن الأضرار قد تلحق أيضا بنفس الطريقة، أي معرفة صحيحة بالقرآن [ الكريم] وبالإسلام في البلاد غير الإسلامية، لأنه غالبا ما تنتشر فيها – للأسف الشديد – أفكار خاطئة عن القرآن [ الكريم] والإسلام، ولا بد من الاجتهاد في تصحيحها.
اسمحوا لي أن أقدم لكم بهذا الصدد مثالا مميزا للغاية بخصوص ما جرت عليه ترجمة كلمة " علق " المأخوذة من سورة العلق (الآيتان 1 و2).
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ () خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ }
فكلمة " علق " في الترجمات الانجليزية والفرنسية للقرآن [ الكريم] تترجم بجلطة دم أو الدم المتخثر أو التصاق واتصال دموي، إلا أن جلطة الدم أو الدم المتخثر هي الترجمة المفضلة في الغالب على ما أظن لدى المؤلفين، فهؤلاء غالبا ما يبرزون في تعاليق كتبهم أهمية أول ما أوحى الله به على رسوله [ صلى الله عليه وسلم]، وبإمكانكم أن تقرؤوا مثلا في ديباجة ترجمة نشرت أخيرا بشمال افريقية أن الآيات الأولى من هذه السورة المترجمة إلى الفرنسية تلح على مدى تأثيرها في نفسه، وسترون أن كلمة "علق" قد ترجمت هنا " بجلطة لاصقة".
تصوروا لحظة واحدة ماذا يمكن لرجل غربي لا يحمل أية نية سيئة محو الإسلام والقرآن [ الكريم] – وصدقوني فإنهم كثيرون- ويسعى لأن تكون له فكرة صائبة عن القرآن [ الكريم] استنادا إلى ترجمة قام بها رجل مسلم، ماذا يمكن لهذا الرجل الغربي إذا كانت له معارف أولية في علم الأحياء أن يفكر حين يجد نفسه أمام ترجمة كهذه لكلمة " علق" ، فهو يقرأ في فاتحة هذه الترجمة أن القرآن [ الكريم] كلام الله [ سبحانه وتعالى] أوحى به إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم]، ثم يسجل في الوقت ذاته أن الله أيد القول بان أصل الإنسان هو " جلطة لاصقة" والحال أن هذه الفكرة لا سند لها حسب المعطيات الثابتة لعلم الأحياء ، فحينئذ كيف يمكن للقارئ ، إذا كان له ابسط إلمام بالمنطق أن يصدق بان الله أوحى بما نعلم تمام العلم انه غير صحيح؟ فما النتيجة التي يخرج بها هذا القارئ من قراءته؟ وإني ناقل لكم ما حدثني به بعض رجال الغرب (( كيف يمكن لكم أن تؤيدوا في هذه الحالة – كما سمعتهم يقولون – أن يكون القرآن [ الكريم] كلام الله؟ إن هذا مستحيل أمام هذه التأكيدات )) وأضيف بان الترجمة السيئة قد تعهدت هذا الغموض بالرعاية إلى درجة أن المؤلف أوضح في تعاليقه على هذه السورة التي جعل عنوانها " جلطة دم " أن (( هناك إشارة إلى العلم في الآيات الثماني الأولى التي كانت موضوع هذا الوحي الأول))
وحسبنا كما ذكرت ذلك في كتابي " التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث" أن نعطي لكلمة " علق" معناها الأول " شيء يعلق" لكي يظهر التطابق واضحا مع المعطيات العلمية، بينما المعاني المشتقة مثل " جلطة دم، الدم المتخثر، الجلطة اللاصقة ...الخ " إنما هي تعابير تفيد المعاني المشتقة.
ومن الترجمات الانجليزية للقرآن [ الكريم] التي أرجع إليها واستفيد منها في نواح أخرى ما يتضمن نفس الأخطاء.
وثمة مجموعة ثانية من الآيات لا يفهم معناها في الترجمات والتفاسير وإني مورد لكم مثالا يجسد مدى ضرورة امتلاك المرء للمعارف العلمية قبل أن يقدم على أي ترجمة صحيحة لها، وهي مأخوذة من سورة النحل الآية 66، قال الله تعالى : { وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِين}.
وإليكم بعض الترجمات التي ترجمت بها الآية في فرنسا: (( ستجدون عبرة ودرسا في قطعانكم، فنحن نسقيكم مما يحتل مكانا وسطا في أحشائها بين العصارة الغذائية والدم، لبنا صافيا لذيذا طعمه)).
أعتقد أني على دراية بحكم مهنتي بتشريح ما في البطن وتركيبه الفيزيولوجي، فأنا لا أميز بحال من الأحوال ما يمكن أن يكون وسطا بين العصارة الغذائية والدم، فهذه الترجمة لغو من الكلام.
ودونكم ترجمة أخرى لا يمكن أيضا حيث اللبن يتأتى (( مما هو في البطون بين أغذية مهضومة والدم)).
يقول أحد مترجمي شمال أفريقيا بصدد لبن النعام في كتابه وبخصوص هذه الآية: (( نحن نفجر لكم من أحشاء هذه الأنعام ومن خلال (كذا) العصارة الغذائية من جهة، والدم من جهة ثانية، لبنا تشربونه الخ...)).
فليس لهذه الترجمة أي معنى من الناحية التشريحية والفزيولوجية.
ولكي نترجم هذه الآية ترجمة صحيحة، كان علينا أن لا نعتبر كلمة " من بين" تعني " من بين أشياء أخرى" أو " بين " فحسب، بل إن العبارة قد تعني أننا نقابل بين شيئين أو شخصين، وحينئذ تبدو الترجمة المقبولة للآية المذكورة على النحو التالي: (( نسقيكم مما في داخل أجسامها ويتأتى من الاتصال بين ما تحتويه الأمعاء من الفرث والدم لبنا صافيا سائغا للشاربين)).
وهي ترجمة قريبة جدا لما قدمه "المنتخب" الصادر في القاهرة سنة 1973م.
وهذه الآية إذا ما ترجمت كما ينبغي، تفصح في جملة واحدة عن ظاهرة الامتصاص الهضمي في مستوى الأمعاء، وهو ما أكتشفه علم الفزيولوجيا أو وظائف الأعضاء الحديث.
لقد كان لي شرف تقديم هذا المقطع من القرآن [ الكريم] سنة 1976م إلى أكاديمية الطب الوطنية في باريس [ فرنسا] مشفوعا ببيانات من الكتاب تتعلق بالإنسان.
إن الترجمة الصحيحة لهذه الآية لتجعل كل عالم في وظائف الأعضاء صادق النية ونزيه، يعلن بأنه لا يمكن أن يكون ثمة تفسير بشري لوجود مثل هذا القول الثابت في نص جاء إلى الناس قبل ما يزيد عن أربعة عشر قرنا، فالترجمة الصحيحة وحدها تقترح هنا إذن الطابع الإلهي للقرآن [ الكريم]، وبأنه وحي من الله، فأي تفسير أخر يمكن أن نتصوره أمام مثل هذه الأقوال الثابتة التي تتفق مع الاكتشافات الحديثة؟
وفي الكتاب أمثلة أخرى درستها، ولا سيما ما يتعلق منها في القرآن [ الكريم] بظواهر التناسل، غير أني أنصحكم في هذا المجال بالرجوع إلى الكتاب الذي نشرته سنة 1976م.
ونحن واجدون في مجموعة ثالثة من الآيات أن المعنى كان مستوفى على نحو مفهوم، ولكنه غير صحيح، ولذلك نجد أن الترجمة لا تبرز المعنى الحقيقي الذي لم يمكن تمييزه إلا في العصر الحديث، وقد أخفت هذا المعنى تأويلات تقليدية، إن صح التعبير، ترجع إلى عدة قرون، أو كان السبب في خفائها أخطاء لسانية ( لغوية) سأبينها لكم فيما يلي:
إن كلمة "يسبحون" وردت مرتين في القرآن [ الكريم] في سورتي الأنبياء الآية 33، وفي يس الآية 40، وبالنسبة لسورة يس جاءت هذه الكلمة في الآية: { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} والمقصود هو حركات الشمس والقمر في الفضاء، ولم أجد فيما أملكه من الترجمات الفرنسية العديدة لكلمة " سبح " إلا معنى اندفع فوق الماء، أو عام أو أبحر أو تحرك، وما من شيء يتحدث عن المعنى الأصلي للكلمة الذي يقتضي حركة خاصة بالجسم مقرونة بتنقله، فمعناها السباحة حين يتم الانتقال في الماء، ومعناها الانتقال بحركة الرجلين أو الأرجل عندما يتم هذا الانتقال في البر، فالمعنى الأصلي للانتقال بحركة خاصة يترجم حركة الفلك على ذاته، ذلك الفلك الذي ينتقل وهو يسير في مدار في الوقت ذاته، فحركة الفلك على ذاته – الشمس والقمر- يعلمنا إياها العلم الحديث، وعلى ذلك فلا بد من ترجمة الكلمة بالرجوع إلى معناها الأصلي، على أن هناك قاعدة عامة لم تتخلف في وقت من الأوقات أثناء دراستي للقرآن [ الكريم]، وهو أنه كلما استعملنا المعنى الأصلي، أي أقدم المعاني في هذه الآيات، أعاننا ذلك على اكتشاف التطابق مع المعرفة العلمية الحديثة.
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك كلمة " سلالة" التي وردت مرتين في القرآن [ الكريم] في سورة المؤمنون الآية 23، وفي سورة السجدة الآية 8، وتقول الآية في السورة الأخيرة: { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ }
فالسلالة يراد بها الجوهر والخلاصة، إي الشيء المستخلص من الشيء الأخر، وأفضل أجزاء شيء من الأشياء، والكلمة تفيد أن شيئا ما يمكن استخراجه من سائل، والسائل هنا موصوف بأنه مهين، ولعل ذلك لأنه صادر من العضو الذي يخرج منه البول- السائل الفضلة- إلا أن السائل المنوي المقصود هنا يحتوي على الحيوانات المنوية التي لا يمكن أن ينصرف ذهننا عنها حينما توحي كلمة " سلالة" خلاصة ما، أو جوهرا ما يستخرج من سائل.
ولقد كانت هذه الفكرة مجهولة زمن نزول القرآن [ الكريم]، إلا أن هذه الفكرة لا تترائي للذهن أبدا إذا ما ترجمنا هذه الكلمة – كما هو الأمر في معظم الترجمات – بتعابير مثل ( ابتداء من ... ) دون أي توضيح أخر كما لو كانت كلمة " سلالة " لا وجود لها في النص.
وأدهى من ذلك، وأمَّرُ أن نلاحظ معاني مختلفة تعطى حسب المقام لكلمة واحدة، من ذلك على سبيل المثال كلمة " زوج" التي جمعها " أزواج" فقد وردت في ترجمة بالفرنسية نشرت في شمال إفريقيا مرة بمعنى " زوجين " ومرة بمعنى " نوع" وكذلك الأمر بالنسبة إلى ترجمات عديدة جارية بفرنسا، وقد بحثت دون جدوى عن الترجمة الجيدة التي هي عنصر من زوجين بصدد كلمة " زوج" فهذه الكلمة تنعت وحدة أيا كانت، فردا من زوجين سواء أكان الأمر يتعلق بزوجين " رجل وامرأة" أم بزوج قفاز [ اليدين ] فنحن نستعمل المثنى حين نتحدث عن قرينين لأن الزوجين قوامهما وحدتان اثنتان أو عنصران اثنان.
و القرآن [ الكريم] ذاته يقدم لنا المعنى الدقيق في الآيتين 45 و46 من سورة النجم: { وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى () مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى }.
وحيث أن كلمة "زوج" ومثناها وجمعها قد تحددت هنا بوضوح، فإننا عندما نقرأ الآيات الثلاث الآتية نكتشف تأكيدا في القرآن [ الكريم] لوجود حياة جنسية لدى النبات، وهذا من مفاهيم علم النبات التي لم يعرفها الناس إلا بعد اكتشاف المجهر, فنحن نقرأ بالفعل في سورة لقمان الآية 10 حيث المقصود هو الأرض: { وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } ومن البديهي أن المراد هنا إنما هو النبات.
كما نقرأ في سورة الرعد الآية 3 والكلام هنا يدور على الأرض أيضا: { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ }.
وفي سورة يس تمنحنا الآية 36 حديثا أوضح عن عنصري الزوجين في النباتات ولدى الإنسان على السواء: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ }.
فهذه الآيات الثلاث التي تسترعي كثيرا انتباه العارفين بتاريخ علم النبات، لا أجد فيما قرأته من الترجمات الفرنسية لها أي إشارة إلى ما للنبات من حياة جنسية، ومع ذلك فإنها من الأمور البديهية جدا، إلا أن الترجمات غير الصحيحة تخفيها.
فما العبرة التي نستخلصها من هذه الملاحظات؟
سأكرر هنا – إذا سمحتم لي – أفكارا ومقترحات سبق لي أن عرضتها أثناء ملتقى السنة الماضية
وهو أنه:

- لا يمكن لأحد أن يدعي القدرة اليوم على تقديم ترجمة أو تفسير صحيحين لعدد من آي القرآن الكريم ما لم يكن ذا ثقافة علمية، لكن الغالبية العظمى من المفسرين والمترجمين المحدثين للقرآن [ الكريم ] هم من ذوي الثقافة الأدبية، ومن الذين يعوزهم التكوين العلمي، أقول " الغالبية العظمى" لأن هناك استثناءات موفقة.
على أن هناك واقعا ثابتا، وهو أن معظم الترجمات الجارية تتضمن مقاطع فيها بعض الآيات التي تشير إلى معطيات لها صلة بالمعارف الحديثة، ولكنها معروضة على نحو يجد فيها القارئ – بسبب أخطاء في الترجمة – تأكيدات مخالفة لما يثبته العلم الدنيوي بما لا مجال فيه للشك، ومن السهل أن تتصوروا إذن مدى الفرصة التي يستغلها في الغرب أولئك الذين ينشدون من كل جانب حججا تدعم أطروحاتهم المتمثلة في أن القرآن [ الكريم] هو من صنع رجل عاش في عصر لم يكن فيه العلم قد نما وتطور، ولذلك أخطا حين تحدث عن بعض وقائع معروفة لدينا اليوم كل المعرفة.
وحاصل القول هو أن أخطاء القرآن [ الكريم ] هذه في نظرهم تماثل الأخطاء التي ارتكبها على هذا الأساس مؤلفو كتب التوراة والإنجيل، ذلك ما نسمعه ممن نصبوا أنفسهم للقدح والتجريح [ والتشكيك ].
- لم تكن هذه المسائل في الواقع بذات أهمية في الماضي، ولا حتى في يومنا هذا، لأنه ليس لنا أن ننشد في القرآن [ الكريم ] صيغا أو مواصفات عليمة، فالقرآن [ الكريم] كان ولا يزال كتابا دينيا في غاية الجودة، وإذا كان هذا الكتاب يتضمن كلاما عن ظواهر طبيعية أصبحت اليوم في متناول الفهم البشري بفضل معطيات من المعارف الثابتة صحتها، فذلك بهدف لفت أنظار الناس إلى هذه الظواهر، إنه بصورة ما ضرب من التعبير الإضافي عن القدرة الإلهية.
ماذا يهم إذا كنا في الماضي لا نعطي لبعض الآيات في تفاسير القرآن [ الكريم ] أو ترجماته إلا المعنى الظاهر ما دام الإنسان كان سيستشعر فيها عظمة الخالق وقدرته؟ إلا أن التقدم العلمي اليوم هو بحيث للمرء بإدراك معطى أخر من المعطيات زيادة على ذلك، وبفهم المعنى الحقيقي للكلمة، وحينئذ فنحن نجد لهذه الآيات دلالتين اثنتين: الدلالة الأصلية أي الطابع الديني للتفكير، إذ أن جميع هذه الآيات تتحدث عن دلائل القدرة الإلهية ، والدلالة الثانية هي الإشارة إلى معطى من معطيات العلم، وهذا له أهمية لأنه يقود كل عالم نزيه إلى الاعتراف بالطابع السماوي للبيان القرآني.
- إن الترجمة السيئة لهذه الآيات تؤدي إما إلى جهل القارئ لهذه الوقائع، أو أنها – وهذا أخطر – توحي خطأ بأن القرآن [ الكريم ] قد يتضمن أقوالا مخالفة للحقائق العلمية الأولية الثابتة، أو أمورا لا تصدق، هذا أن لم تكن لغوا واضحا من الكلام.
وبناءا على ذلك فإن الترجمات التي أنجزها اليوم ذوو الثقافات الأدبية لعدد لا يستهان به من البيانات القرآنية التي لها صلة بالمعارف الثابتة علميا، قد تساهم في إصدار أحكام خاطئة على القرآن [ الكريم]، ومثل هذه الوقائع تطرح مسألة القيام بمراجعات الترجمات أو التفاسير التي قام بها ذوو الثقافة الأدبية الذين لا يملكون المعارف الدنيوية اللازمة في يومنا هذا، للقيام بأية ترجمة صحيحة أو تفسير قويم، وذلك بمساعدة المعطيات العلمية اليقينية.
على ذلك يتوقف الطابع الملائم للإعلام المبذول بصدد هذه الوقائع من القرآن [ الكريم] أكان ذلك في العالم الإسلامي أم في العالم غير الإسلامي الذي تنتشر فيه مفاهيم وتصورات خاطئة عن الإسلام وكتابه المبين.
حقا إنه ليس من قبيل الإمكان توفير ترجمة وافية للقرآن [ الكريم] بالمعنى الدقيق للكلمة، غير أنه بمقدور الإنسان مع ذلك أن يعرض النص القرآني في ترجمة أقرب ما تكون إلى الكمال على من لا يعرف اللغة العربية.
- تلك هي الوقائع التي أرى من المستحسن عرضها عليكم في نطاق النقطة الثانية من البرنامج ، لأنها – على ما يبدو لي – مدعاة للقيام بمراجعة التفاسير أو الترجمات القائمة لهذه الآيات، ومثل هذه المراجعة قد تتطلب الرجوع إلى رجال العلم في الموضوعات التي تهمهم والواردة في القرآن [ الكريم].
إن القيام بعرض مقاطع من القرآن[ الكريم] على هذا النحو قد يستجيب لبعض الإغراءات التي يشعر بها الناس هنا وهناك عندما يكون العلم معنيا بالنسبة إلى ما هو معقول، ومشيّد وموضّح.
إن التدابير من هذا القبيل هي وحدها الكفيلة - على ما يبدو – بتوضيح حقيقة محتوى عدد كبير من آيات القرآن [ الكريم] توضيحا كما يليق بعصرنا.