.
ما يجب على المسلم تعلمه
والذي يلزم الجميع فرضه من ذلك ما لا يسع الإنسان جهله من جملة الفرائض المفترضة عليه نحو الشهادة باللسان والإقرار بالقلب بأن الله وحده لا شريك له ولا شبه له ولا مثل له ( لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) خالق كل شيء وإليه يرجع كل شيء ، المحيي المميت الحي الذي لا يموت عالم الغيب والشهادة هما عنده سواء لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، والذي عليه جماعة أهل السنة والجماعة أنه لم يزل بصفاته وأسمائه , ليس لأوليته ابتداء ولا لآخريته انقضاء ، هو على العرش استوى .
والشهادة بأن محمدا عبده ورسوله وخاتم أنبيائه وأن البعث بعد الموت للمجازاة بالأعمال ، والخلود في الآخرة لأهل السعادة بالإيمان والطاعة في الجنة ، ولأهل الشقاوة بالكفر والجحود في السعير حق , وأن القرآن كلام الله وما فيه حق من عند الله , يلزم الإيمان بجميعه ، واستعمال محكمه.
وأن الصلوات الخمس فريضة ويلزمه من علمها علم ما لا تتم إلا به من طهارتها وسائر أحكامها وأن صوم رمضان فرض ، ويلزمه علم ما يفسد صومه ، وما لا يتم إلا به ، وإن كان ذا مال ، وقدرة على الحج لزمه فرضا أن يعرف ما تجب فيه الزكاة ومتى تجب وفي كم تجب؟ ولزمه أن يعلم بأن الحج عليه فرض مرة واحدة في دهره إن استطاع السبيل إليه.
إلى أشياء يلزمه معرفة جملها ولا يعذر بجهلها نحو تحريم الزنا وتحريم الخمر وأكل الخنزير وأكل الميتة ، والأنجاس كلها , والسرقة والربا , والغصب والرشوة في الحكم ، والشهادة بالزور ، وأكل أموال الناس بالباطل وبغير طيب من أنفسهم , إلا إذا كان شيئا لا يتشاح فيه ولا يرغب في مثله ، وتحريم الظلم كله , وهو كل ما منع الله عز وجل منه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وتحريم نكاح الأمهات والبنات والأخوات ومن ذكر معهن ، وتحريم قتل النفس المؤمنة بغير حق ، وما كان مثل هذا كله مما قد نطق به الكتاب وأجمعت الأمة عليه .
ما كان من العلم فرض كفاية
ثم سائر العلم ، وطلبه والتفقه فيه وتعليم الناس إياه وفتواهم به في مصالح دينهم ودنياهم والحكم به بينهم فرض على الكفاية , يلزم الجميع فرضه , فإذا قام به قائم سقط فرضه عن الباقين بموضعه لا خلاف بين العلماء في ذلك وحجتهم فيه قول الله عز وجل ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) قال أبو عمر : ورد السلام عند أصحابنا من هذا الباب فرض على الكفاية لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « وإن رد السلام واحد من القوم أجزأ عنهم » ومن هذا الباب: أيضا تكفين الموتى وغسلهم ، والصلاة عليهم ، ومواراتهم ، والقيام بالشهادة عند الحكام فإن كان الشاهدان عدلين ، ولا شاهد له غيرهما تعين الفرض عليهما ، وصار من القسم الأول ، ومن هذا الباب: عند جماعة من أهل العلم ، الأذان في الأمصار ، وقيام رمضان ، وأكثر الفقهاء يجعلون ذلك سنة وفضيلة ، وقد ذكر قوم من العلماء في هذا الباب: عيادة المريض ، وتشميت العاطس قالوا : هذا كله فرض على الكفاية
ما هي الكتب التي ينصح بها لتعلم ما لا يسع المسلم جهله؟
أما الكتب التي نوصي بها ليتعلم منها المسلم هذه الموضوعات فهى:
1 ــ كتاب (العقيدة الواسطية) لابن تيمية، أو كتاب (لُمعة الاعتقاد) لابن قدامة المقدسي، ويتعلم الموحد منهما: أركان الإيمان الستة.
2 ــ كتاب (التوحيد حق الله على العبيد) وكتاب (كشف الشبهات في التوحيد) وكتاب (الأصول الثلاثة وأدلتها)، كلها لمحمد بن عبد الوهاب , وهذه الكتب يتعلم الموحد منها: معنى الشهادتين وأقسام التوحيد ونواقض الإسلام وعبادات القلب الواجبة.
3 ــ كتاب (العُدة شرح العمدة) لبهاء الدين المقدسي 624 هـ، وكتاب (العدة) شرح لكتاب (العمدة) للموفق بن قدامة الحنبلي 620 هـ ، وهذا الكتاب يتعلم منه الموحد: الأحكام الفقهية الواجبة، وهى أحكام الطهارة والصلاة والجنائز والزكاة والصيام والحج والجهاد، وذلك على النحو الذي أشرنا إليه أعلاه.
4 ــ كتــاب (ريــاض الصالحــين) للنووي ويتعلم منه الموحد عبـادات القلــب الواجبـة: (وهى في خُمسِه الأول تقريبا) ، ودراسة المحرمات: (وهى في خُمسِه الأخير تقريبا) , ودراسة الواجبات والآداب الشرعية: (وهى في بقية الكتاب) ، ودراسة شروط التوبة
وهى في أول الكتاب).
أما القسم الثاني وهو: العلم الواجب العيني الخاص
فيجب على الشخص ألا يقدم على عمل إلا بعد معرفة حكمه وفقه تأديته بالرجوع إلى نصوص الوحيين وشروح العلماء عليها , فمن وجبت عليه الزكاة: وجب عليه أن يتعلم أحكامها , ومن استطاع الحج وملك مؤنته وتكاليفه: وجب عليه أن يتعلم فقهه قبل أن يحج , والطبيب يجب عليه أن يلم بأحكام الشرع في المجال الطبي والتي يحتاجها ليعرف ما يجوز وما لا يجوز من الممارسات الطبية من حيث العلاج والتداوي والعمليات التجميلية والجراحية ونقل الأعضاء وغير ذلك ، والقاضي: لا بد أن يكون ملما بعلم القضايا التي يطلب منه أن يقضي فيها , فمثلا: من كلف بالقضاء بين الناس في مجال الدماء لا بد أن يكون ملما بفقه العقوبات والدماء في الشريعة وهكذا ... ، كما أن المشتغل بالتجارة: لا بد أن يتعلم فقهها , بل يجب عليه ذلك وجوبا عينيا , والمشتغل بالجهاد: يجب عليه أن يتعلم فقهه , والإنسان المقبل على الزواج: لا بد عليه أن يتعلم فقه الزواج كذلك , وكل من اشتغل بعمل وجب عليه أن يتعلم فقهه الشرعي.
والقسم الثالث وهو: العلم بأحكام النوازل
فكل من تعرض لمسألة أشكلت عليه أو قضية تلبس حكمها عليه أو نازلة احتاج أن يعرف حكم الله فيها , أو نزاع حصل بينه وبين شخص آخر في أمر ما , فيجب في مثل هذه الحالات رد هذه الأمور جميعا إلى أهل العلم العاملين لمعرفة حكم الله فيها , وهذا مما يجب على المسلم أن يعرفه و يعمل به وجوبا عينيا , قال الله تعالى :" فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) "(النحل) , وقال كذلك"وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) "(النساء) ,وقال أيضا:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)"(النساء).
متى يصبح تعلم العلوم الدنيوية فرضا؟
ومن الممكن أن ترقى بعض العلوم الدنيوية إلى درجة فرض الكفاية وذلك كما نص العلماء في حق كل علم يؤدي عدم وجوده بين المسلمين إلى مشقة ظاهرة في صفوفهم .
ومن الأمثلة على ذلك:علم الصناعات , فالدول التي يسكنها المسلمون لا تستطيع الاستغناء عن الغرب أو معارضته لأن جل ما يحتاج إليه المسلم من صناعات يأتي من الغرب .
ومن الأمثلة أيضا:علوم التصنيع العسكري , فعدم وجود مثل هذه العلوم وعدم تحويل ما يعلم فيها إلى واقع , أدى إلى امتهان العالم للمسلمين , واعتدائهم على ل ما هو مقدس بالنسبة لهم .
وهكذا يقال في علم الطب والزراعة وغيرها من العلوم التي سبب عدم وجودها مشقة بالغة على عموم المسلمين .
وقد قال الشعراوي يوما لما سئل عن الوقت الذي سيصبح للمسلمين فيه قرار يتخذونه من رؤوسهم فقال:"الذي لا يأكلها من فأسه لا يقولها من رأسه" .
حقا: إن تعلم مثل هذه العلوم وتحويلها إلى واقع عملي في بلاد الإسلام سيحول دون أن تكون بلادنا في ذيل الكفار شرقا وغربا , وعندها سنتحكم في قرارنا ولن نخشى من أحد في إصداره.
ما هو ضابط ما لا يسع المسلم جهله ويجب تعلمه؟
قال ابن القيم –رحمه الله- في "مفتاح دار السعادة" (1\156-157) :
إن العلم بالمفروض تعلمه ضربان :
ضرب منه فرض عين لا يسع مسلما جهله , وهو أنواع :
النوع الاول : علم أصول الإيمان الخمسة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , فإن من لم يؤمن بهذه الخمسة لم يدخل في باب الإيمان ولا يستحق اسم المؤمن قال الله تعالى [ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين] , وقال [ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا] , ولما سأل جبريل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الإيمان فقال {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. قال: صدقت} , فالإيمان بهذه الأصول فرع معرفتها والعلم بها .
النوع الثاني : علم شرائع الإسلام واللازم منها علم ما يخص العبد من فعلها كعلم الوضوء والصلاة والصيام والحج والزكاة وتوابعها وشروطها ومبطلاتها .
النوع الثالث : علم المحرمات الخمسة التي اتفقت عليها الرسل والشرائع والكتب الإلهية وهي المذكورة في قوله تعالى [قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون] فهذه محرمات على كل واحد في كل حال على لسان كل رسول لا تباح قط ولهذا أتى فيها بإنما المفيدة للحصر مطلقا وغيرها محرم في وقت مباح في غيره كالميتة والدم ولحم الخنزير ونحوه فهذه ليست محرمة على الإطلاق والدوام فلم تدخل تحت التحريم المحصور المطلق .
النوع الرابع : علم أحكام المعاشرة والمعاملة التي تحصل بينه وبين الناس خصوصا وعموما , والواجب في هذا النوع يختلف باختلاف أحوال الناس ومنازلهم فليس الواجب على الإمام مع رعيته كالواجب على الرجل مع أهله وجيرته وليس الواجب على من نصب نفسه لأنواع التجارات من تعلم أحكام البياعات كالواجب على من لا يبيع ولا يشتري إلا ما تدعو الحاجة إليه وتفصيل هذه الجملة لا ينضبط بحد لاختلاف الناس في أسباب العلم الواجب وذلك يرجع إلى ثلاثة أصول : اعتقاد وفعل وترك .
فالواجب في الاعتقاد مطابقته للحق في نفسه , والواجب في العمل معرفته وموافقة حركات العبد الظاهرة والباطنة الاختيارية للشرع أمرا وإباحة , والواجب في الترك معرفة موافقة الكف والسكون لمرضات الله.(أ.هـ)
وإن مما يجب على كل مسلم أن يعرفه ما يتعلق بشروط التوحيد ونواقضه , فإن الإنسان لا يثبت له إسلام إلا إذا عمل بشروط التوحيد واجتنب نواقضه , فليس المسلم فقط من نطق بالشهادتين, أو من تسمى بالمسلم واكتفى بذلك كما يظن الكثيرون .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فرسان الحق