الحلقة السادسة
. قواعد مختصرة في الحوار مع أهل الكتاب:
هناك جملة من القواعد التي ينبغي الاهتمام بها أثناء الحوار مع أهل الكتاب، يمكن أن نشير إلى نبذ يسيرة منها وهي بحاجة ماسة للبحث والمراجعة، خاصة ونحن نعيش في زمن الاحتكاك المباشر مع أهل الكتاب في مجال الصراع الفكري أو الصراع المسلح المادي، لا سيما في هذا العصر على الخصوص الذي أصبح التواصل فيه بين أقاصي الدنيا وأدناها من أسهل الأمور في كل المجالات.
وإذا لم نرسم - نحن دعاة أهل السنة - منهجية صحيحة في الحوار المفروض علينا معهم فإن غيرنا من أصحاب الفكر المنحرف - الذي يحرف النصوص - سيأخذ قصب السبق في هذا المجال وسيقعّد للأجيال القادمة قواعد فاسدة في التعامل مع أهل الكتاب في مجال الحوار أو غيره من المجالات، ومن هذه القواعد التي ينبغي أخذها في الاعتبار:
1) تحديد الهدف من الحوار معهم وتنقيحه من شوائب الانهزامية والتخاذل والغموض في محاورة أهل الكتاب، والهدف الرباني في الحوار هو دعوتهم إلى الله تعالى وتمني هدايتهم للإسلام والحرص على تصوير الإسلام لهم كما أمر الله به وتوضيح نقائه وصفائه لهم من غير محاولة لتشبيهه بالمناهج الأرضية المنحرفة فهو أسمى وأعظم وأجل من كل المناهج الأرضية.
2) عدم التصدي للحوار بدون علم بدين الإسلام، أو عدم القدرة على توضيح غاياته بصورة صحيحة، فليس الحوار مطلوب من كل أحد؛ بل هو مطلوب من أهل القدرة علماً وبياناً، أما غيرهم فليس مطلوب منه الحوار إلا إذا كان بشكل مبدئي في الحث على فضائل هذا الدين أو كان المخاطب الكتابي عامي يمكن التأثير عليه دون علم دقيق بمناهج الجدل والمناقشة، فهذا يدخل في الدعوة العامة إلى دين الإسلام الذي هو مطلوب من كل مسلم.
3) الاستفادة مما لدى أهل الكتاب من الإقرار بوجود الله تعالى وصحة وجود النبوة - في الجملة- واليوم الآخر ونحوها للبناء عليها في بيان الحق لهم أو التدليل على باطلهم، وينبغي مراعاة الفروق الفردية والطائفية في دعوتهم فيوجد فيهم من يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يقصرها على العرب فمناقشة هذا ودعوته أسهل من المنكر لها بالجملة.
4) إقامة الأدلة العقلية على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإقراره بنبوته يقتضي بالضرورة أن خبره صدق وقد أخبر أنه مرسل للعالمين والطعن في ذلك إما قدح فيما أقر به وهو إثبات نبوته أو طعن في خبر النبي وهو غير مستقيم لمن أثبت النبوة، وهنا أحب التنبيه إلى ضرورة الرجوع إلى المناهج العقلية القرآنية وتبنيها والحديث بها وان كان بدون الإشارة إلى كونها قرآنية لأن الخصم لا يقر بحجيتها، ولا بأس بالأدلة العقلية السالمة من اللوازم المبطلة لشيء من الدين، وقد وقع أهل الكلام في هذا لأنهم تصوروا أن القرآن جاء بالأدلة الخبرية المحضة دون الأدلة العقلية، فراحوا يخترعون أدلة يريدون بها نصر الدين فوقعوا في لوازم تقتضي تحريف بعض العقائد، فكانت النتيجة تقرير قواعد في الاستدلال والنظر مخالفة للمناهج المتفق عليها وتوصلوا إلى أغراضهم بالتأويل الفاسد للنصوص.
5) الدراسة الدقيقة لمنهج الأنبياء في حوار أقوامهم وبالذات منهج الرسالة الخاتمة للرسالات كلها وأخذ الأصول العلمية في الحوار مع أقوامهم ودعوتهم إلى الله تعالى.
6) دراسة مناهج علماء السنة في مناقشاتهم وحوارهم مع أهل الكتاب مع ضرورة التنبه إلى المناهج البدعية في حوار بعض أصحاب البدع مع الكتابيين مما سبب في وجود مناهج منحرفة في الفكر الإسلامي ظهرت فيما بعد على شكل فرق ضالة.
7) إثبات تناقض كتبهم وضعف دينهم من واقع هذه الكتب دون ذكر وسيط مما يجعلهم يعيدون النظر في حقيقة دينهم و إمكان بطلانه.
8) إثبات دين الإسلام بالأدلة الصحيحة والمناهج القرآنية والنبوية المعتبرة بعيداً عن مناهج أهل الأهواء والبدع، ومن ذلك إثبات صحة القرآن والنبوة بالأدلة الحسية التي تضمنتها، مثل: الإخبار بالمغيبات وبموافقة الكشوف العلمية الثابتة دون تعسف وليٍّ للنص القرآني أو النبوي.
9) إثبات مناقضة ديانتهم المحرفة للعقل والحس مما جعل التطبيق لها في الواقع مناف للفطرة الإنسانية ولسنن الله في الاجتماع والحياة، وهنا ينبغي التنبه لمزلة وقعت في الفكر الإسلامي وهي تصور إمكان التعارض بين العقل والنقل وحصل بسببها عراك تاريخي ومازال مستمراً إلى اليوم، ولا يمكن التدليل على عدم التعارض بينهما بشكل صحيح موافق لمقتضى النص ولدلالة العقل إلا على منهج أهل السنة، أما من تخبط في مناهج الفرق فسوف يستأسد عليه أهل الأديان على قاعدة بعضهم: (خرافات النصرانية خير من خرافات الإسلام) يقصد التصوف والتشيع وكذلك سيكون الأمر هنا.
10) لابد من مراعاة حسن التعامل والمناقشة ليكون للدعوة قبول دون مخالفة شرعية، كالقول بإقرارهم على اعتبار دينهم والثناء عليهم بمثل ذلك باسم احترام الآخر، ولا يصح التسفيه له إذا طمع الداعية في هدايته، فالحق وسط بين تفريط من يردد عدم الإقصائية ويقول باحترام دين الآخر، وكأن الخلاف هو في وجهات النظر لا في أصل الدين وبين الإفراط الذي يجعل من إمكان هداية المحاور أمر في غاية الصعوبة.
ومن خلال العرض المتقدم لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم للحوار مع أصحاب الأديان يتبن أنَّ الأساس في الحوار هو الدعوة وإقامة الأدلة على صحة دين الإسلام ووجوب الانقياد له ونبذ الأديان المحرفة، وبيان ما في دينهم المحرف من الباطل بلغة علمية ومنهجية سليمة وهذه حقيقة شرعية واضحة لمن استقرأ نصوص الكتاب والسنة وطالع أخبار الأنبياء وعرف طبيعة رسالتهم.
المبحث الثاني: أنواع الحوار بين الأديان وأحكامها .............
............... يتبع .....