مقالة جدلية حول(الخير والشر ) بين ( الدينوالعقل )
السؤال المشكل
....إذا كنت بين موقفين متعارضين أحدهما يقولالأخلاق مصدرها الإرادة الإلهية وثانيهما يقول القول هو مشروع الأخلاقي .وطلبمنك الفصل في المشكلة فما عساك تصنع؟
الوضعية المشكلة
إليك هذاالرأيين , قال أفلاطون < الخير فوق الوجود شرفا وقوة > وقال الأشعري < الخير والشر بقضاء الله وقدره >
طرح الإشكـاليـة
يتجلى سلوكات الإنسان في سلسلة من الأفعال وردود الأفعال والتي ينظر إليهاالفلاسفة من زاوية ما يجب أن يكون وذلك بربطها بقيمة <الحسن والقبح> وهذه هيالفلسفة الجمال ,أو بربطها بقيمة< الخير والشر> وهذه هي الفلسفة الأخلاقية , فإذا كنا بين موقفين متعارضين أحدهما أرجع الأخلاق إلى سلطة مقدسة <إرادةالله> والأخر أرجع القيم الأخلاقية إلى سلطة العقل فالمشكلة المطروحة.
هلمصدر القيمة الاخلاقية الدين أم العقل ؟
التحليل :
.... عرض الأطروحة الأولى....
أرجعت هذه الأطروحة < أساس الاخلاق للدين ,الشر والخير إلى إرادة الله >أيماحسنه الشرع ومدح فاعله فهو خير, وما قبحه الشرع وتوعد فاعله بالعقاب فهو شر ,وهذهالأطروحة واضحة عند ابن حزم الأندلسي حيث قال << ليس في العالم شيء حسن لعينهولاشيء قبيح لعينه لكن ما سماه الله تعالى حسن فهو حسن وفاعله محسن>>ومنالأمثلة التوضيحية <القتل> إذا كان دفاع عن النفس فإن النصوص الشرعيةاعتبرته خير أما إذا كان لهون في النفس أو لتحقيق مصلحة شخصية فإن الشرع يحكم علىفاعله بالقبح ومن أنصار هذه الأطروحة الأشعري الذي قال<< الخير والشر بقضاءالله وقدره >> فالحكمة الإلهية هي التي تفصل في الأمور وإرسال الرسل عليهمالسلام حجة تثبت ذلك , هذه الأوامر الأخلاقية نقلية وليست عقلية.
النقد:
لاشك أن الدين يرشدنا في حياتنا لكن لايعني هذا تعطيل العقل أو تحريم إشتهاديفالعقل يساهم أيضا في بناء الأخلاق.
....عرض الأطروحة الثانية....
ترى هذهالأطروحة < النظرية العقلية > إن القيم التي يؤمن بها الإنسان ويلتزم بها فيحياته مصدرها العقل , وهذه القيم ثابتة ومطلقة لاتتغير في الزمان والمكان ومن أبرزدعاة هذه الأطروحة أفلاطون الذي قال << الخير فوق الوجود شرفا وقوة > حيث قسم الوجود إلى قسمين (عالم المحسوسات وعالم المثل ) , إن القيم عند أفلاطونيتم تذكرها ولذلك قال <المعرفة تذكر> وقصد بذلك أن القيم الأخلاقية الكاملةمكانها عالم المثل , والعقل هو القادر على استعادتها , وفي أمثولة الكهف وضحأفلاطون أننا سجناء للجسد والعقل هو الذي يتحرر وبه تمزق الروح حجاب الجسد , ومنأنصار هذه الأطروحة الفيلسوف الألماني كانط الذي استعمل المصطلح " الواجب الأخلاقي" أيطاعة القانون الأخلاقي احتراما له وليس للمنفعة أو خوفا من المجتمع , والأخلاق عندكانط تتأسس على ثلاث شروط : < شرط الشمولية > وهذا واضح في قوله << تصرف بحيث يكون عملك قانون كلية >> و< شرط احترام الإنسانية > أيمعاملة الناس كغاية وليس كوسيلة , وأخيرا ضرورة أن يتصرف الإنسان وكأنه هو <مشروع الأخلاق>.
النقـد :
هذه الأطروحة نسبية لأن العقل ليس ملكةمعصومة من الخطأ بل يحتاج إلى من يرشده وهو الدين .
التركيب :
رغم مايبدو من التعارض بين المذاهب الأخلاقية حول أساس القيمة الاخلاقية إلا أنها في نهايةمتكاملة لأن القيمة الخلقية التي يطمح إليها هي التي يجب أن يتحقق فيها التكامل بينالمطالب الطبيعية وصوت العقل وسلطة المجتمع وأوامر ونواهي الشرع, لذلك قال فيقِن << الأخلاق من غير دين عبث><, ذلك الدين يرشد العقل ويهذب المصلحةويحقق الإلزام الخلقي أمام الله والمجتمع ولذلك قال أبو حامد الغزالي <<حسنالخلق يرجع إلى اعتدال العقل وكمال الحكمة واعتدال الغضب والشهوات وكونها للعقلوالشرع مطيع>>.
* وخلاصة القولأن الأخلاق مجموعة من القواعد والأحكام التقيمية التي تحدد الخير والشر , وقد تبينلنا أن المشكلة المطروحة تتعلق بمعيار القيمة الخلفية فهناك من أرجعها إلى إرادةالفرد < الأساس العقلي > وهناك من اعتبر الدين متنوع الأخلاق وكمخرج للمشكلةالمطروحةونستنتج أن الأخلاق تتأسس على العقل والدين معا .