منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حتمية العولمة وقضية الهوية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-06, 12:06   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
khelifa8
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية khelifa8
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

العولمة ومسألة الهوية : المشكلة والإشكالية
من مجلة فكر ونقد : محمد عابد الجابري
سيدور الحديث في هذا المقال حول الإشكالية التالية : إلى أي مدى يمكن التحرر من الإيديولوجيا ، والبحث في موضوع العولمة ومسألة الهوية بحثا علميا ؟
سؤال ينشد الوضوح ، باعتبار أن ذلك هو هدف البحث العلمي . ولكن هل عناصر هذا السؤال واضحة كلها ؟ إن وضوح السؤال شرط في الوصول إلى نتائج واضحة على صعيد الجواب ، هذا أمر بديهي

. لنبدأ إذن بإضفاء أكبر قدر ممكن من الوضوح على السؤال . لنحدد مجال السؤال وعناصره الأساسية .
لعل أول ما ينبغي البدء به هو استبعاد الفكرة الجاهزة التي تتبادر إلى الذهن لتضفي وضوحا زائفا على الموضوع ، الفكرة التي تربط التقابل بين العولمة ومسألة الهوية بالتقابل بين الدول المصنعة المتقدمة داعية العولمة والمستفيد الأول منها وهي دول " الشمال " ، وبين البلدان الفقيرة أو القريبة من الفقيرة والتي تصنف ضمن الجنوب . إنها فكرة جاهزة مضللة ليس لأنها خاطئة كليا بل لأن مثل هذا الربط يجر الباحث إلى تركيز النظر على هذا " التقابل " وحده وقراءة الموضوع وكأنه مظهر من مظاهر التقابل أو الصراع بين الغرب والشرق ، بين الغرب /الشمال والشرق/الجنوب . هذا في حين أن مفعول العولمة سواء على مستوى الهوية أو غيرها يمكن رصده أيضا ، وربما بوضوح أكثر داخل " الشمال " نفسه . سنركز بحثنا إذن في الموضوع المطروح على مجال أوسع ، خارج ضغط تلك الفكرة الجاهزة ، معتمدين معطيات الواقع كما هي ، منطلقين من توضيح المفاهيم الأساسية المستعملة في البحث .
***
يتكون عنوان هذا البحث من خمسة مفاهيم أو عناصر لابد من عقد اتفاق بيننا وبين القارئ بشأنها ، أعني حول المعنى الذي نعطيه لها هنا . هذه العناصر هي : إشكالية ، العولمة ، الهوية ، البحث العلمي ، الخطاب الإيديولوجي .
لقد استعملنا لفظ " الإشكالية " ولم نستعمل " المشكلة " قصدا . والفرق بينهما - عندنا - يتلخص في كون المشكلة تتميز بكونها يمكن الوصول بشأنها إلى حل يلغيها . فـ" المشاكل " في الحساب تنتهي إلى حل ، باستثناء بعض المعادلات الرياضية التي يكون حلها ، أعني التخلص منها بعد البحث والمحاولة ، بالإعلان عن كونها لا تقبل الحل . أما المشاكل المالية والاقتصادية والاجتماعية عموما , والمشاكل التي يصادفها العلماء في العلوم الطبيعية بمختلف أنواعها , فهي جميعا تنتهي إلى نوع من الحل ، آجلا أو عاجلا ، ما دام المجال الذي تطرح فيه ينتمي إلى الواقع الموضوعي ويقبل نوعا ما من التجريب . وفي هذا الإطار يصدق قول ماركس : " إن الإنسانية لا تطرح من المشاكل إلا تلك التي تقدر على حلها " . لماذا ؟ لأن " المشاكل " ، بهذا المعنى ، إنما تظهر من خلال تقدم البحث ، فاكتساب مزيد من المعرفة بموضوع ما يفتح الطريق أمام اكتشاف مجاهيل جديدة ، تكون مناسبة لطرح أسئلة جديدة .
هذا هو تصورنا لمعنى " المشكلة " ، وأعتقد أنه من الممكن التعاقد مع القارئ على هذا المعنى . كما يمكن التعاقد على معنى أضيق أو أوسع ؛ ففي هذا المجال ، مجال الحدود والتعريفات ، ليس هناك برهان ، وإنما تعاقد واتفاق بين الباحث والمتلقي (وقد يكون المتلقي هو الباحث نفسه) ! فبدون هذا لا يمكن الوصول إلى برهان ، فالبرهان إنما يبنى ، من جملة ما يبنى عليه ، على الحدود والتعريفات .
هذا عن لفظ " المشكلة " ، وأمرها لا يحتاج إلى مزيد بيان . أما " الإشكالية " ، فهي شيء آخر . فعلا ، يستعمل كثير من الكتاب والقراء (عندنا في العالم العربي) - أو يفهمون- هذا اللفظ ونسيبه " المشكلة " من غير تدقيق ، وكأنهما من الألفاظ التي يجوز أن ينوب بعضها مناب بعض ( وهل هناك فعلا ألفاظ يجوز فيها ذلك بدون غرض ومبرر؟) . ومهما يكن , فنحن نستعمل هنا لفظ " إشكالية " في معنى محدد - ولو أنه معقد- غير معنى " المشكلة " . وفيما يلي تفاصيل عقد ( تعريف) نقترحه على القارئ . ولا يخطرن بالبال أن التعريفات والحدود تصاغ كيف اتفق . كلا ، ليس لأحد أن يقترح تعريفا إلا إذا كان هذا التعريف يزيدنا معرفة بالمعرف به ويفسح المجال أمامنا لمزيد من المعرفة بالموضوع الذي نبحث فيه . ولعل القارئ سيلاحظ هذا بوضوح فيما نحن يصدده .
لقد سبق أن حددنا ما نعنيه بهذا المصطلح منذ أن بدأ يشيع ويذيع في خطابنا العربي المعاصر( نحن والتراث 1980) . لقد كتبنا آنذاك في هذا الموضوع ما يلي : " على الرغم من أن كلمة إشكالية من الكلمات المولدة في اللغة العربية ( وهي ترجمة موفقة لكلمة problématique فإن جذرها العربي يحمل جانبا أساسيا من معناها الاصطلاحي . يقال : أشكل عليه الأمر بمعنى التبس واختلط . وهذا مظهر من مظاهر المعنى الاصطلاحي المعاصر للكلمة ( ولكنه مظهر فقط ) . ذلك أن الإشكالية هي في الاصطلاح المعاصر، منظومة من العلاقات التي تنسجها ، داخل فكر معين ( فكر فرد أو فكر جماعة) , مشاكل عديدة مترابطة لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل ، - من الناحية النظرية - إلا في إطار حل عام يشملها جميعا . وبعبارة أخرى : إن الإشكالية هي النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها ، فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري " .
لم نعمد هنا إلى استرجاع هذا التعريف جزافا ، بل نحن نعتبره خطوة أولى لابد منها في سعينا إلى الوضوح الذي ننشده . وسنرى أن الموضوع الذي نحن بصدده ، أعني العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ، سيغدو أوضح ، بمجرد ما نقرأه بواسطة هذا التعريف . ذلك أن العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية ليست من العلائق البسيطة بل هي فعلا :
ـ " منظومة من العلاقات " ، وليست مجرد علاقة بسيطة وحيدة الاتجاه : العلاقة بين العولمة ومسألة الهوية قائمة في آن واحد : بين طرف وطرف آخر داخل الدول المصنعة ، وداخل الدول النامية ، وبين هذه الدول وتلك …
ـ " تنسجها داخل فكر معين " : فكر فرد وفكر جماعة وفكر أمة الخ . هذه العلاقة علاقة موضوعية فعلا ، لها وجود في الواقع ، ولكنها لا تتشكل منها إشكالية إلا بعد نقلها إلى الذهن بوصفها تطرح إشكالا قد يتمثل في كون العولمة تقفز على الهوية أو تلغيها ، فيترتب عن ذلك رد فعل معين … وقد يتمثل في شيء آخر !
- مشاكل عديدة مترابطة ، منها ما يخص ظاهرة العولمة نفسها ، ومنها ما يخص مسألة الهوية ، ومنها ما يخص العلاقة بينهما : مشاكل اقتصادية وتكنولوجية ومعلوماتية وثقافية وحضارية عامة .
ـ هذه المشاكل " لا تتوفر إمكانية حلها منفردة ولا تقبل الحل ، - من الناحية النظرية- إلا في إطار حل عام يشملها جميعا " . وسنرى أنه سواء تعلق الأمر بالعالم " المتقدم " أو بالعالم " المتخلف" فلا يمكننا حل المشاكل التي تطرحها العولمة دون الاصطدام بمسألة الهوية ، كما لا يمكن التفكير اليوم في مسألة الهوية بدون الاصطدام بظاهرة العولمة ، وفي جميع الأحوال سيكون الحل الذي نتوصل إليه حلا على الصعيد النظري . أما الناحية العملية فشيء آخر.
ـ ومن هنا تبدو إشكالية العولمة ومسألة الهوية بمثابة " النظرية التي لم تتوفر إمكانية صياغتها ، فهي توتر ونزوع نحو النظرية ، أي نحو الاستقرار الفكري " .
والحق أننا هنا لا نطمع ، ويجب أن لا نطمع ، في حل نهائي لهذه الإشكالية . كل ما يمكن أن نحصل عليه بعد البحث هو شيء من " الاستقرار الفكري " ، شيء من المصالحة داخل وعينا بين عناصر متصارعة .
لقد قلنا في الفرق بين المشكلة والإشكالية ، وسيكون علينا أن نقول في الفرق بين البحث العلمي والخطاب الإيديولوجي .





انتهى : المصدر المجلة الالكترونية فكر ونقد









رد مع اقتباس