قال الامام الالباني رحمه الله في جلباب المرأة المسلمة
الشرط الأول
( استيعاب جميع البدن إلا ما استثني )
فهو في قوله تعالى في [ سورة النور : الآية 31 ] :
( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) .
وقوله تعالى في [ سورة الأحزاب : الآية 59 ] :
( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) .
ففي الآية الأولى التصريح بوجوب ستر الزينة كلها وعدم إظهار شيء منها أمام الأجانب إلا ما ظهر بغير قصد منهن فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره قال الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) :
( أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه قال ابن مسعود : كالرداء والثياب يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكن إخفاؤه ) .
وقد روى البخاري ( 7 / 290 ) ومسلم ( 5 /197 ) عن أنس رضي الله عنه قال :
( صحيح ) ( لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم مجوب عليه بحجفة له . . . ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وإنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهما ( يعني الخلاخيل ) تنقزان القرب على متونهما تفرغانه في أفواه القوم . . . ) .
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني :
( وهذه كانت قبل الحجاب ويحتمل أنها كانت عن غير قصد للنظر ) .
قلت : وهذا المعنى الذي ذكرنا في تفسير : ( إلا ما ظهر منها ) [ النور : 31 ] هو المتبادر من سياق الآية وقد اختلفت أقوال السلف في تفسيرها : فمن قائل : إنها الثياب الظاهرة .
ومن قائل : إنها الكحل والخاتم والسوار والوجه وغيرها من الأقوال التي رواها ابن جرير في ( تفسيره ) ( 18 / 84 ) عن بعض الصحابة والتابعين ثم اختار هو أن المراد بهذا الاستثناء الوجه والكفان فقال :
( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : عنى بذلك الوجه والكفين يدخل في ذلك - إذا كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال في ذلك بالتأويل لإجماع الجميع على أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي [ الحديث منكر ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها قدر النصف فإذا كان ذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استثنى الله تعالى ذكره بقوله : ( إلا ما ظهر منها ) [ النور : 31 ] لأن كل ذلك ظاهر منها )وهذا الترجيح غير قوي عندي لأنه غير متبادر من الآية على الأسلوب القرآني وإنما هو ترجيح بالإلزام الفقهي وهو غير لازم هنا لأن للمخالف أن يقول : جواز كشف المرأة عن وجهها في الصلاة أمر خاص بالصلاة فلا يجوز أن يقاس عليه الكشف خارج الصلاة لوضوح الفرق بين الحالتين .
أقول هذا مع عدم مخالفتنا له في جواز كشفها وجهها وكفيها في الصلاة وخارجها لدليل بل لأدلة أخرى غير هذه كما يأتي بيانه وإنما المناقشة هنا في صحة هذا الدليل بخصوصه لا في صحة الدعوى فالحق في معنى هذا الاستثناء ما أسلفناه أول البحث وأيدناه بكلام ابن كثير . ويؤيده أيضا ما في ( تفسير القرطبي ) ( 12 /229 ) ( قال ابن عطية : ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف ( ما ظهر ) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه ) .
قال القرطبي :
( قلت : هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لها : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها والله الموفق لا رب سواه ) .
قلت : وفي هذا التعقيب نظر أيضا لأنه وإن كان الغالب على الوجه والكفين ظهورهما بحكم العادة فإنما ذلك بقصد من المكلف والآية حسب فهمنا إنما أفادت استثناء ما ظهر دون قصد فكيف يسوغ حينئذ جعله دليلا شاملا لما ظهر بالقصد ؟ فتأمل .
ثم تأملت فبدا لي أن قول هؤلاء العلماء هو الصواب وأن ذلك من دقة نظرهم رحمهم الله وبيانه : أن السلف اتفقوا على أن قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها ) اختلفوا فيما تظهره بقصد منها فابن مسعود يقول : هو ثيابها أي : جلبابها . وابن عباس ومن معه من الصحابة وغيرهم يقول : هو الوجه والكفان منها . فمعنى الآية حينئذ : إلا ما ظهر عادة بإذن الشارع وأمره . ألست ترى أن المرأة لو رفعت من جلبابها حتى ظهر من تحته شيء من ثيابها وزينتها - كما يفعل ذلك بعض المتجلببات السعوديات - أنها تكون قد خالفت الآية باتفاق العلماء فقد التقى فعلها هذا مع فعلها الأول وكلاهما بقصد منها لا يمكن إلا هذا فمناط الحكم إذن في الآية ليس هو ما ظهر دون قصد من المرأة - فهذا مما لا مؤاخذة عليه في غير موضع الخلاف أيضا اتفاقا - وإنما هو فيما ظهر دون إذن من الشارع الحكيم فإذا ثبت أن الشرع سمح للمرأة بإظهار شيء من زينتها سواء كان كفا أو وجها أو غيرهما فلا يعترض عليه بما كنا ذكرناه من القصد لأنه مأذون فيه كإظهار الجلباب تماما كما بينت آنفا .
فهذا هو توجيه تفسير الصحابة الذين قالوا : إن المراد بالاستثناء في الآية الوجه والكفان وجريان عمل كثير من النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده كما سترى في النصوص الآتية المتواترة معنى .
ويعود الفضل في التنبه لهذا التوجيه - بعد الله تعالى - إلى الحافظ أبي الحسن بن القطان الفاسي رحمه الله تعالى في كتابه القيم الفريد
يعود إلى فعل يصدر من المرأة المكلفة غاية ما في الأمر أنهم الذي أطلعني الله عليه وأنا أهيئ مقدمة هذه الطبعة الجديدة ألا وهو ( النظر في أحكام النظر ) فقد تكلم فيها بعلم واسع ونظر ثاقب على كل مسائله ومنها ما نحن فيه فنبهني على ما أشرت إليه قوله فيه ( ق 14 /2 ) :
( وإنما نعني بالعادة هنا عادة من نزل عليهم القرآن وبلغوا عن النبي صلى الله عليه وسلم الشرع وحضروا به خطاب المواجهة ومن لزم تلك العادة بعدهم إلى هلم جرا لا لعادة النسوان وغيرهم المبدين أجسادهم وعوراتهم ) .
قلت : فابن عباس ومن معه من الأصحاب والتابعين والمفسرين إنما يشيرون بتفسيرهم لآية ( إلا ما ظهر منها ) إلى هذه العادة التي كانت معروفة عند نزولها وأقروا عليها فلا يجوز إذن معارضة تفسيرهم بتفسير ابن مسعود الذي لم يتابعه عليه أحد من الصحابة لأمرين اثنين :
الأول : أنه أطلق الثياب ولا قائل بهذا الإطلاق لأنه يشمل الثياب الداخلية التي هي في نفسها زينة كما تفعله بعض السعوديات كما تقدم فإذن هو يريد منها الجلباب فقط الذي تظهره المرأة من ثيابها إذا خرجت من دارها .
والآخر : أن هذا التفسير - وإن تحمس له بعض المتشددين - لا ينسجم مع بقية الآية وهي : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن . . . ) الآية فالزينة الأولى هي عين الزينة الثانية كما هو معروف في الأسلوب العربي : أنهم إذا ذكروا اسما معرفا ثم كرروه فهو هو فإذا كان الأمر كذلك فهل الآباء ومن ذكروا معهم في الآية لا يجوز لهم أنينظروا إلا إلى ثيابهن الباطنة ؟ ولذلك قال أبو بكر الجصاص رحمه الله في ( أحكام القرآن ) ( 3/316 ) :
( وقول ابن مسعود في أن ( ما ظهر منها ) هو الثياب لا معنى له لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة ألا ترى أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال في نسق الآية بعد هذا : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ) والمراد موضع الزينة فتأويلها على الثياب لا معنى له إذ كان مما يرى الثياب عليها دون شيء من بدنها كما يراها إذا لم تكن لابستها ) .
وكأنه لهذا لم يعرج عليه الحافظ ابن القطان في كتابه الآنف الذكر وقد ذكره في جملة ما قيل في تفسير الآية كما ذكر أقوال العلماء والمذاهب حولها بتفصيل وتحرير وتحقيق فيها لا أعرف له مثيلا ثم ساق بعض الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها على جواز إبداء المرأة لوجهها وكفيها للأجانب ومع أنه فاته الكثير من الأحاديث التي ذكرت في كتابنا هذا فقد ناقشها مناقشة دقيقة وميز صحيحها وسقيمها وما يصح الاستدلال به وما لا يصح من الناحية الفقهية دون أن يتحيز لفئة .
ثم تكلم على الآية وفسرها تفسيرا بديعا يدل على أنه إمام في التفسير والفقه أيضا كما هو في الحديث فأفاد - رحمه الله - أن النهي فيها مطلق من وجوه ذكرها وهي أربعة وفصل القول فيها تفصيلا رائعا ويهمنا هنا منها رابعها فقال ( ق 15 / 1 ) :
( ومطلقة بالنسبة إلى كل ناظر ورد على إطلاقه منها استثناءان :
أحدهما : على مطلق الزينة وخصص به منها ( ما ظهر منها ) فيجوز إبداؤه لكل واحد .
والآخر : على مطلق الناظرين الذين يبدى لهم شيء من ذلك فخصص منهم البعولة ومن بعدهم ) .
وبعد أن ساق قول ابن مسعود وأقوال الصحابة والتابعين المخالفة وأقوال المذاهب والأحاديث المشار إليها آنفا قال ملخصا للموضوع وموضحا رأيه فيه ( ق 21 / 1 ) :
( الأحاديث المذكورة في الباب إما أن تدل على إبدائها جميع ذلك ( يعني : الوجه والكفين ) أو بعضه دلالة يمكن الانصراف عنها بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك لكن الانصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ أو سياق القصة لا يكون جائزا إلا بدليل عاضد يصير الانصراف تأويلا وإذا لم يكن هناك دليل كان الانصراف تحكما فعلى هذا يجب القول بما تظاهرت هذه الظواهر وتعاضدت عليه من جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها لكن يستثنى من ذلك ما لا بد من استثنائه قطعا وهو ما إذا قصدت بإبداء ذلك التبرج وإظهار المحاسن فإن هذا يكون حراما ويكون الذي يجوز لها إنما هو إبداء ما هو في حكم العادة ظاهر حين التصرف والتبذل فلا يجب عليها أن تتعاهده بالستر بخلاف ما هو في العادة ( أي الشرعية ) مستور إلا أن يظهر بقصد كالصدر والبطن فإن هذا لا يجوز لها إبداؤه ولا يعفى لها عن بدوه ويجب عليها ستره في حين التصرف كما يجب من
ستره في حين الطمأنينة ويعضد هذه الظواهر وهذا المنزع قوله تعالى :
( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) فمعنى الآية : لا يبدين زينتهن في مواضعها لأحد من الخلق إلا ما كان عادة ظاهرة عند التصرف فما وقع من بدوه وإبدائه بغير قصد التبرج والتعرض للفتنة فلا حرج فيه ) .
ثم قال ( ق 21 / 2 ) :
( ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلا به : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فإنه يفهم منه أن القرطة قد يعفيهن عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف إلا أن يستر بقصد وتكلف مشقة وكذلك الكفان وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر . . . ) .
ثم ذكر حديث عائشة الآتي ( ص 78 ) لكن من رواية أبي داود بلفظ : ( شققن أكنف ( وقال ابن صالح : أكثف ) مروطهن فاختمرن بها ) . وقال :
( هذا إسناد حسن )
ولمن يريد ان يكمل القراءة فليتفضل منه هنا حمل الكتاب :
جلباب المرأة المسلمة (27477 مرة): صيغة Chm - صيغة Exe