هكذاعلمتنيالحياة
القسمالأول
مقدمة
بسماللهالرحمنالرحيم
الحمدللهالذيقدركلشيءفأحسنقدره،وابتلىالإنسانبمايسرّه
ومايسوؤهليحسنفيالحالتينشكرهوصبره،وجعللعبدهممايكرهأمًلافيما
يحب،وممايحبحذرًاممايكره،فسبحانهواهبالنعم،ومقدرالنقم،لهالحمد
فيالأولىوالآخرة،لاإلهإلاهوكلشيءهالكإلاوجهه. وكلنعيمزائل
إلاجنته،وصلىاللهعلىسيدنامحمدالذيأوذيفيسبيلاللهأبلغإيذاء،فلم
يزدهذلكإلاإيمانًاومضاءً،وعلىآلهوصحبهالذينكانوافيالسراءحامدين
شاكرين،وفيالضراءخاضعينصابرين،وسلمتسليمًاكثيرًا.
وبعدفهذهخطراتبدأتتسجيلهاوأنافيمستشفىالمواساةبدمشقفي
شهرذيالقعدةمنعام١٣٨١للهجرةالموافقلشهرنيسان (إبريل) منعام
١٩٦٢للميلاد،وكنتبدأتبتسجيلهالنفسيحينرأيتنيفيعزلةعن
الأهلوالولد،والتدريسوالتأليف،وتلكهيعادتيفيالسجونوالأمراض
والأسفار،غيرأنيفقدتكلمادونتهمنقبل،فلمابدأتبتسجيلخواطري
فيهذهالمرة،وكانيزورنيبعضإخوانيفيرانيمكباعلىالكتابة،أبدى
عجبهمنأمري،فقدأجمعكلالأطباءالذينيشرفونعلىعلاجيفيبلادنا
وفيبلادالغربأنمنالواجبأنأركنإلىالراحةالتامة،فلاأقرأولا
أكتب،ولاأشغلباليبمشكلاتالحياةوهمومها،حتىيقدرليالشفاءمن
مرضكانسببهالأول _فيرأيهم_ إرهاقالأعصاببمالاتتحمله،وقد
صبرتأعصابيعلىإرهاقيلهابضععشرةسنةحتىناءتبجملماأحمّلها
منهموموأحزان،فكانمنهاأنأعلنتاحتجاجهابإيقافيعنالنشاطوالعمل
إيقافًاتامًابضعةشهور،ثماستطعتمنبعدهاأنأعودإلىنشاطيالفكري
فيالتدريسوالتأليفبرغمإلحاحالأطباءعليّبتركذلك،ولكنيلمأستطع
اتباعنصائحهملظروفشتىلاقبلليبدفعها،حتىإذادخلتالمستشفى
أخيرًابعدإلحاحالمرضعليّواشتدادالآلام،كانالمفروضأنأقفمضطرًا
عنالكتابةلولاأنيوجدتنفسيمسوقًاإلىتسجيلخواطريالتيلميكن
لييدفيإيقافتواردها. وأقربمايكونالإنسانإلىالتفكير،أبعدمايكون
عنالشواغلوالمزعجات.
فلمارأىمنيبعضأصدقائيذلك،قرأتلهمبعضماكتبت
كالمعتذرعنمخالفةنصائحالأطباء،فاستحسنوه،وكانأمربعضهمأنأخذ
يترددعليّيوميًاليسمعمااستجدمنخواطري،ثمغادرتالمستشفىفتابعت
تسجيلهذهالخواطرفيفتراتمتقطعةكانتتدفعنيإليهامناسبات
الأحداث. إلىأنتجمعليمنهاقدركافٍرأيتمنالخيرالاستجابةإلى
رغباتبعضإخوانيفينشرهارجاءالنفعوالفائدةإنشاءالله.
-٢-
لقددونتهذهالخواطركماوردت،غيرمرتبةولامبوبة،فقدكنت
أرىالمنظرفيوحيإّليبالخاطرةأوبأكثرفأدوﻧﻬا،ثمأرىمنظرًاآخرفأدونما
خطرليتعليقًاعليه،وكنتأحيانًاأتذكرمامضىمنحياتيمعالناس
فأكتبمااستفدتمنتجاربيمعهم،وهكذاجاءتهذهالخواطرمختلطًا
بعضهاببعض،يوحيإًليالأمرالذيأودالتعليقعليهبخواطرمسلسلةفأكتبها
يردفبعضهابعضاكمايرىالقارئفيبعضالمواضع. وأيًاماكانفأنا
أعرضهاكماكتبتهادونأنأعيدالنظرفيضمالنظيرإلىنظيره،والموضوع
إلىشبيهه،لغرضيناثنين:
أوًلا- أنتكونصورةصادقةعنتفكيريخلالبضعةشهور
قضيتهامنقطعًاعنالناسمابينالمستشفىوالبيت.
ثانيًا- أنيكونفيانتقالالخواطرمنموضوعإلىموضوع،ما
يلذللقارئمتابعتها،فقدتملالنفسمنموضوعواحديتتابعفيهالكلامعلى
نسقواحد،ولكنهاتنشطحينتنتقلفيالحديقةمنزهرةإلىزهرة،ومن
ثمرةإلىأخرى.
-٣-
إنهذهالخواطرهيخلاصةتجاربيفيالحياة،لمأنقلشيئًامنهامن
كتاب،ولااستعنتفيهابآراءغيريمنالناس،وأعتقدأنمنحقالجيل
الذيأتىبعدناأنيطلععلىتجاربنا،وأنيستفيدمنخبرتناإذاوجدفيهاما
يفيد،وهذاخيرمانقدمهبهمنهدية،إننالانستطيعأننمليعليهآراءنا
إملاءً،وليسذلكمنحقنا،وإنمانستطيعأننقدملهالنصحوالموعظة،وخير
النصحماأعطتهالحياةنفسها،وأبلغالموعظةمااتصلبتجاربالحياةذاﺗﻬا،
والناسوإناختلفتمشارﺑﻬموعقولهموطباعهم،فإﻧﻬميلتقونعلىكثيرمن
حقائقالحياة،ويجتمعونعلىكثيرمنالرغباتوالحاجاتوالأهداف.
وإنيإنماأقدمهذهالتجاربلمنعاشفيمثلتفكيرناوأهدافنا
ومطامحناومقاييسنافهؤلاءالذينينفعونﺑﻬا،أماالذينيخالفوننافيالعقيدةأو
الاتجاهفقّلأنيستفيدوامنها،ولاأعتقدأﻧﻬميستطيعونالصبرعلىكثيرمما
جاءفيهامنخواطروأفكار،فمنأجلأولئكنشرتماكتبت،أماهؤلاء
المخالفونلنافيالاتجاهوالنظرةإلىحقائقالحياةومشكلاﺗﻬا،فكلماأرجوأن
يستمعواإليه،وأنيقرؤوهعلىأنهيمثلوجهةنظرفيمشاكلمجتمعناالذي
نعيشفيه،ولاسبيلإلىإنصافمخالفكفيالرأيإلاأنتستمعإليهوترىما
عنده،فقدتجدفيماتسمع–إنكنتطالبًاللحق– بعضالصوابالذيكنت
تظنهخطأ،وبعضالحقالذيكنتتراهباطًلا،وقدمدحاللهعبادهالمؤمنون
"الذينيستمعونالقولفيتبعونأحسنه".
-٤-
هذاوقدكانتخواطريالتيأقدمأكثرهااليومفيهذاالكتاب
ممزوجةبخواطرسياسيةأوحتﺑﻬاظروفناالسياسية،فجردﺗﻬامنهذهالخواطر
الاجتماعية،رجاءأنيقرأهذهمناختلفمعنافيالاتجاهالسياسيومن
وافقنا،وأرجأتنشرتلكالخواطرالسياسيةإلىفرصةأخرىأرجوأنتكون
الظروففيهاملائمةلنشرهاأكثرمنظروفناالحاضرة،وأنتكونالنفوس
فيهامستعدةلقبولالنقدوالحكملهاأوعليهاأكثرمماهيمستعدةاليوم.
وبخاصةأنافيمرضيلاأريدإثارةالخصوماتالسياسيةفيوقتأرىأن
ظروفبلادنالاتسمحبإثارﺗﻬا،وأنحالتيالمرضيةلاتسمحليبالدخولفي
نقاشأوجدلحولماكتبتهفيها.
وليسمعنىهذاأنمافيهذاالكتابلايثيرعليّبعض
الخصومات،ولكنيأرىماتثيرهبعضخواطريفيهذاالكتابمن
خصومات،شيئًاأتقرببهإلىاللهعزوجل،فالخصوماتالسياسيةكثيرًاما
لايثابالإنسانعليها،أماالخصوماتالفكرية–وبخاصةمايتعلقمنهابالدين
والإصلاحالاجتماعي– فهيلابدواقعة،والثوابفيهامتوفرإنشاءاللهلمن
لميبغفينقدهإلاوجهالحق،وتخليصالناسمنالأباطيلوالأوهام..
-٥-
وأنافيهذهالخواطرلمأحاولالغموضفيصياغتها،ولاالتحدث
عنالمعانيالدقيقةالتيتخطرفيبالالفلاسفة،ويدعيهابعضالمتفلسفين،لقد
كتبتهابأسلوبأفهمهالعامةكماتفهمهالخاصة،وكنتفيهامنساقًامع
طبيعتيالتيتحبالبساطةفيكلشيء،وتكرهالعقيدةفيأيشيء.
إننيلستفيهذهالخواطرفيلسوفًاولاحكيمًاولامفكرًابعيد
الغورفيالوصولإلىالحقائق،ولكننيصاحبتجاربعمليةفيالحياة
استغرقتمنعمريأكثرمنربعقرن،وقدأحببتنقلهاإلىمنينتفعونبما
نكتب،ويتأثرونبخطانافيمانفكر،وليسيهمنيأنأبدوفينظرهممتفلسفًا،
أوأديبًامتأنفًا،وإنمايهمنيأنأبدولهمأخًامرشدًاناصحًايقولمايفهمون،
ولايعنتهمفيتدبرمايقرؤون.
علىأنيأعترفأنكثيرًامنالخواطرالمنثورةفيهذاالكتاب
تحتملمعانيكثيرةوقدتحتاجإلىشرحيبينالمقصودمنها،وقدأبقيتهاعلى
ماهيعليهمنالشموللتحتملكلماتحتملهمنمعاني،وتركتللأخ
القارئأنيفهمهاأويفهممنهامايشاءماداملفظهايحتملفهمهويدل
عليه.
-٦-
وقدجاءفيبعضالخواطركلمات "منظومة" ولاأقولقصائدشعرية،
فلستبالشاعروليستعنديوهبةالشعروسليقته،وإنكانليميلإليه،
وبقراءتههوى،ولكنهاخواطر "منظومة" جاءتنيعفوًادونتعمّد،فتركت
نفسيعلىسجيتها،تعبرعماتريدبالأسلوبالذيتريد،فهذاهوعذري
فيماأثبتهمن "منظومات" لاتطربالشعراء،ولاﺗﻬزأسماعهم،وحسبيأني
طربتلهاحينجاءتعلىلسانيهكذا،فخشيتإنأهملتإثباﺗﻬافيهذه
الخواطر،أنيضيععلىالقارئبعضمافيهامنخواطروجدانية،وانفعالات
نفسية،فرأيتأنأشركهمعيفيهاعلىأنيعلمأﻧﻬاليست–فينظري- شعرًا
أعتدّبهبلخواطرأرتاحإليها.
-٧-
وأحبأنأنبهأيضًاإلىأننيفيماأوردتمنخواطرتتناولفئات
منالناس،لمأقصدأشخاصًامعينين،وإنماقصدتكلمناتصفبتلك
الصفات،فالخواطرالمتعلقةﺑﻬمخواطرنحوصفاتمعينة،لاأشخاصمعينين،
وأعوذباللهمنأنيكونفيقلبيحقدنحوأحد،أوعنديرغبةفيالتشهير
بإنسانمهمااختلفتمعهفياتجاههوسلوكه.
ولستأقولكماقالأبوالطيبالمتنبي:
ومنعرفالأياممعرفتيﺑﻬاوبالناسروَّىرمحهغير
راحم
فلاهومرحومإذاظفروابهولافيالردىالجاريعليهم
بآثم
ولكنيأقول: إنمنبلغمنالعمرمابلغت (سبعًاوأربعينسنة)
وأصابهمنالمرضماأصابني (خمسسنينوبضعةشهور)وعرفالناسمعرفتي
ﺑﻬم،يرىنفسهأكرممنأنيحملحقدًاأوعداوةشخصيةيجريوراءها
متقطعالأنفاس.
لقدهانتعليّالدنيابمافيهامناللذائذ،وماتحتويهمنعوامل
الحسدوالحقدوالكراهية،ولميبقفينفسي–شهدالله- إلارغبةفيالخير
وأفعلهوأدلعليه،وإعراضعنالشرأهجرهوأحذرمنه،أماالأشخاصفنحن
كلنازائلون،ولنيبقىإلاماأبتغيبهوجهالله،أوقصدمنهنفعالناس،
وسيجزياللهكلإنسانعلىماقدممنعمل،ونحنجميعًا–منظالمين
ومظلومين،ومتخاصمينومتحابين- أحوجمانكونحينئذٍإلىعفوالله
ورحمتهورضوانه.
إلىديّانيومالديننمضيوعنداللهتجتمعالخصوم
-٨-
وبعدفهذاماأحببتأنأبنيهللقارئممايعتلجفينفسيمن
خواطرنحوهذهالخواطر،وإنيلأرجواللهتباركوتعالىأنينتفعﺑﻬافيما
أصبتفيه،وأنيغفرليمنهاماأخطأتفيه،وأنيجعلثوابذلكفيعداد
حسناتييومالعرضعليه "يوملاينفعمالولابنونإلامنأتىاللهبقلب
سليم" "يوملاتملكنفسلنفسشيئًاوالأمريومئذٍلله" والحمدللهرب
العالمين.
منأمراضهذهالحضارة
١- منمفاسدهذهالحضارةأﻧﻬاتسمّيالاحتيالذكاءً،والانحلال
حرية،والرذيلةفنًا،والاستغلالمعونة.__