لقد اجتمع عمي صالح بابنه بالقاسم الذي كان بالأمس قائد من قادة الثورة وقد رحل الى العاصمة بعد الاستقلال ليستلم مهامه في الدولة وكان كل خميس يزور والده ويتفقده كان بلقاسم يتحدث عن دولة حديثة وعن مشوارها عن خباياها عن فتيل على وشك الاشتعال وبحكم منصب بالقاسم كعقيد في الجيش فهو يعلم من أمور الدولة عكس ما يفهم عوام الناس وحتى خواص الساسة أن ذاك أما عمي صالح فلم يندهش لحديث ابنه فهو يعلم أن شعلة الثورة قامت على جمع لطالما مزقه الاستعمار فتوحد على البندقية ولا تلبث الكراسي والمناصب فتفرق القوم من جديد . كان عمر مشتر في الجلسة
فأراد عمر أن يقحم نفسه في الحديث.. لكن يا عم السنا أبناء الوطن الواحد ؟ صحيح يا عمر نحن شعب واحد في وطن واحد ولكن هي النفس الأمارة بالسوء وأراد أن يغير الحديث فنظر الكهل في العجوز وقال إن الشاب لطموح هو نسخة عبد القادر رحمه الله.
اعتدل في جلوسه واسترجع الذكرى وأسرد الحديث لقد كان أباك قائد محنك وأسد ضاري على العدو التقينا عدت مرات وتبادلنا الحديث وقد كان طموحه كبير ولم يثنيه هذا الطموح في الاندفاع إلى ساحة المعركة لم يكن يخشى الموت بل كان دائما يصنع الانتصار ولو لاه لفتك العدو بخيرة قادة الناحية في صبيحة ذاك اليوم الذي سقط فيه شهيدا لقد اجتمعنا في ليلة وكان العدو قد رصد تحركنا فداهمنا وحاصر المكان ولكن أباك كان بالمرصاد إذ كان مرابط في ثغر من ثغور الجبل المقابل لهذه المدينة ولما علم بالحصار وثب من ساعته وشق طريقه وفتح جبهة من الخلف للعدو فسهل علينا فك الحصار كان يتحدث والدمع متحجر على الجفون وختم كلامه بكلمة تنبع من قلب صادق, تمنيت لو كنت مكانه رحمه الله ورحم الله جميع الشهداء , إنها لأمانة في أعناقنا و للأجيال اللاحقة لقد نزلت هذه الكلمات على عمر كوقع السياط آوى إلى الفراش وهو يعيد المشهد البطولي لأبيه ويرسم منه طريق .