مغامرة الموت
بينما كنت أتصفح جريدة الخبر عثرت على موضوع يتحدث عن الحراقة تحت عنوانين احدهما يبكي الحجر والأخر يدمي القلوب
العنوان الأول كان ''حراقة'' يقتاتون من مزابل إسبانيا فعدت إلى السؤال الذي طرحته في مقدمة الحلقة والذي يقول
ماذا فقد في وطنه ؟ وماذا وجد هناك ؟ فتساءلت هل كان في وطنه يقتات من المزابل ؟؟ وأيقنت حينها أن الجواب على الشطر الثاني من السؤال المطروح هو انه وجد هناك .............( العنوان الأول ) ؟؟؟
اما العنوان الثاني كان أكثـر من 200 جثة لجزائريين مجهولي الهوية بألميريا فعدت كذلك إلى أحد الأسئلة المطروحة والقائلة هل الهجرة هي الحل والبديل للخروج من المعانات أم هي الدخول إلى العالم الآخر ؟؟ فوجدت ان الجواب هو ان الهجرة هي الحل والبديل للدخول إلى قافلة الأرواح المفقودة والأجساد الغير مدفونة
بدونة إطالة سأنقل لكم قصة مغامرة الموت من مصدرها الخبر لأخذ العبر
''حراقة'' يقتاتون من مزابل إسبانيا
أكثـر من 200 جثة لجزائريين مجهولي الهوية بألميريا

ساروا مشيا على الأقدام قرابة الساعتين نحو غابة مجاورة للبحر، فعرف العربي والسبعة الآخرون بأن ساعة ''الحرفة'' أصبحت حقيقة.. وصلوا إلى مكان آمن بالغابة حيث خبأوا قاربا مزودا بمحركين وحوالي 60 لترا من البنزين وصدريات إنقاذ وكمية من النبيذ الأحمر والجعة لرحلة نحو المجهول.. سلموا المبلغ المالي لمهربهم وتم تجريدهم من الهواتف المحمولة.
العربي عدول، شاب لم يتجاوز 21 من العمر، يقطن بدوار أولاد حمو الهادئ ببلدية خير الدين في ولاية مستغانم، توقف عن الدراسة في السنة الأولى ثانوي. يعمل لدى أحد الخواص بمكتبة في خير الدين مركز. راوده حلم ''الحرفة'' في صيف 2007، بحثا عن الفردوس، فبدأ العربي يعد العدة لمغامرة ثمنها 8 ملايين سنتيم.
تمكن العربي بعد جهد دام أكثـر من شهر أن يربط أول اتصال له مع طالب من جامعة مستغانم يدرس في السنة الثانية علوم تجارية، وبواسطته تعرف على شابين من دائرة عشعاشة الساحلية، التي تبعد بحوالي 98 كلم عن مقر عاصمة الولاية، حيث تبين له بعد مدة أنهما من نزلاء الإقامة الجامعية بحي خروبة. الاتصالات والترتيبات دامت أكثـر من 4 أشهر وفي سرية تامة، بالإقامة الجامعية وبأحد مقاهي المدينة.
بداية العد التنازلي
أسبوع قبل رحلته نحو المجهول، كان العربي على موعد يوم 4 ماي الماضي، بأحد مقاهي المدينة، مع شاب في الـ35 من العمر، وسيم المنظر، أنيق اللباس، هادئ، قليل الكلام. لم يلتقه ولم يره من قبل، فتعرف عليه بواسطة الطالبين. ثم التحق بهم شبان آخرون بالطاولة التي كانوا يجلسون حولها وهم يحتسون فناجين من القهوة، ليكتمل العدد ثمانية، فعرف وقتها أن ساعة ''الحرفة'' قد حانت. فارتفعت دقات قلبه وأدرك أن الشاب الذي يلتفون حوله هو أحد عناصر الشبكة المنظمة لسفريات الموت، فكان يراقب حركات كل واحد من الجالسين الثمانية. ويستمع إلى كلامهم دون تعليق أو رد.
وقبل أن ينصرف طلب منهم إحضار مبلغ 50 مليون سنتيم وضرب لهم موعدا للقاء يوم 11 ماي بمقهى شعبي بعشعاشة، في حدود الساعة الخامسة مساء لوضع آخر الترتيبات قبل الإبحار.
لم يكن العربي يعلم بأن موعد لقاء عشعاشة هو بداية مغامرة محفوفة بكل المخاطر، وصل إلى عشعاشة مساء، فوجد نفس الوجوه التي اجتمع بها في مقهى مستغانم تنظر في صمت. ودام الانتظار إلى غاية الساعة السابعة، تنفسوا الصعداء بعد أن حضر الشاب الوسيم، فانطلقوا مشيا على الأقدام نحو غابة مجاورة للبحر، وبقوا في الانتظار، فحضر شاب آخر يحمل بيده جهاز ''جي بي اس''، فتبين لهم بعد ذلك أنه قائد الرحلة. وهو بحار محترف على دراية كبيرة بخبايا الملاحة. متمرس ومتعود على تنظيم مثل هذه الرحلات البحرية غير الشرعية. وكان الضباب كثيفا. وقد دامت الرحلة 9 ساعات في بحر كان هادئا نسبيا تلك الليلة، بعد أن نصحهم بتناول كميات من النبيذ الأحمر والجعة لمقاومة الخوف وأمواج البحر. وعندما استيقظوا في حدود الساعة السادسة صباحا وجدوا أنفسهم في الضفة الأخرى من البحر بأحد شواطئ مدينة ألميريا الإسبانية. وقد اختفى قائد الرحلة ومركبه فجأة. كما تفرقوا هم بدورهم وذهب كل واحد إلى سبيله.
في القمامات الإسبانية ليلا بحثا عن الطعام
خوفا من القبض عليه، توجه العربي إلى أقرب غابة من المدينة يحتمي بها من الشرطة الإسبانية، فوجد هناك عالما آخر من الحرافة، بينهم فتيات سجينات بالغابة. وقد انقطعت بهم السبل.. وجوه شاحبة، أجسام نحيلة ووسخة، يتصارعون في الليل على قمامات المساحات الكبرى والمنازل. ومنهم من يتجرأ على دخول أحياء المدينة في ساعة متأخرة من الليل خلسة للبحث في القمامات لسد الرمق أو لسرقة كل ما وقعت عليه الأعين دون تردد.
كل ما كان يملكه العربي من مال 60 أورو، ليجد نفسه بعد أقل من ثلاثة أيام عرضة للجوع، فبحث في الغابة عن بعض الثمار دون جدوى.. لم يتناول الأكل لمدة ثلاثة أيام. فخف وزنه واصفر وجهه وبدأ يشعر بالإرهاق والدوران وبارتفاع دقات القلب. فوجد نفسه مجبرا على السباق ليلا نحو القمامة بالمساحات التجارية الكبرى. فقد العربي 12 كيلو غرام من وزنه. وقرر أن يجد حلا يخرجه من الورطة التي وقع فيها، فحاول الدخول إلى المدينة للاتصال بأحد أقاربه بفرنسا لنجدته، فألقت عليه الشرطة الإسبانية القبض داخل كشك للهاتف. فاقتيد إلى مركز التحريات. حيث مكث ثلاثة أيام خضع فيها للاستنطاق والتحقيق، قبل أن يتصل به قنصل الجزائر الذي سلمه وثيقة عبور بها إثبات الهوية ليرحل بعد ذلك جوا إلى وهران.
وحسب أقواله، علم بأن هناك أكثـر من 200 جثة لحرافة جزائريين مكدسة بمركز حفظ الجثث بألميرايا، قذفت بها أمواج البحر، أو عثـر عليهم أموات جراء سوء التغذية والمرض، لم يتم التعرف عليهم لانعدام وثائق تثبت هويتهم. ويبدو أن العربي يعاني من اضطرابات نفسية جراء تجربته المرة. ويعتبر نفسه محظوظا بعد أن وقع في أيدي عصابة محترفة ونجا من الغرق والموت. ووقع في أيدي الشرطة الإسبانية التي عاملته معاملة إنسانية وعاد سالما إلى أهله.