أولا: مظاهرات 11 ديسمبر 1960 التي كانت حاسمة في:
1/إقامة الدليل للحكومة الفرنسية على أنه لا توجد أي قوة سياسية بالجزائر تتمتع بثقة الشعب ماعدا جبهة التحرير الوطني، وإلى هذا يرجع بعض الباحثين عزم الرئيس الفرنسي دي غول على التفاوض مع الجبهة.
2/ دفع الإستعماريين إلى الظهور بمظهرهم الحقيقي الذي بدأ من خلال عمليات منظمة الجيش السري الإرهابي(OAS) التي فقدت كل امال في التشبت في البقاء داخل هذه البلاد وبدأت تنتهح سياسة الأرض المحروقة.
ثانيا: مظاهرات 17 أكتوبر 1961 بباريس بقلب فرنسا والتي واجهتها قوات الأمن تحت قيادة السفاح موريس بابون (Maurice Papon) حاكم مدينة باريس بكل وحشية، مما حطم سمعة?? فرنسا المتحضرة ?? .
ومن هذا المنطلق، أخذت الحكومة المؤقتة على عاتقها مبدأ الأمم المتحدة بصدور قرار أعلنت من خلاله إستعدادها للدخول في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية على أساس تقرير المصير والاستقلال.
في الحقيقة، كانت هناك مراحل عديدة للمحادثات الجزائرية الفرنسية منها:
1/ الإتصالات السرية:
*قبل أن تعترف فرنسا رسميا بممثلي الشعب الجزائري كطرف محارب، تم الإتصال الأول في 12 أبريل 1956 بالقاهرة بين جوزيف بيغارا، النائب الإشتراكي في البرلمان الفرنسي والسيد محمد خيضر ممثل الجبهة.
*وكان الإتصال الثاني في 25 جويلية 1956 ببلغراد بين محمد يزيد وأحمد فرانسيس عن الجبهة وبيار كومين، نائب الأمين العام للحزب الإشتراكي الفرنسي وبيار هيربوت من الجانب الفرنسي.
*أما الإتصال الثالث، فكان في 20 سبتمبر 1956 بروما بين محمد خيضر ومحمد يزيد وعبد الرحمن كيوان من جبهة وبين بيار كومين وبيار هيربوت من جهة أخرى.
*وتم الإتصال الرابع في 22 سبتمبر 1956 ببلغراد بين محمد خيضر والأمين دباغين من جهة وبين بيار هيربوت من جهة أخرى.
لكن هذه الإتصالات توقفت بعد عملية القرصنة الجوية في 22 أكتوبر1956 حيث ألقي القبض على الزعماء الخمسة بن بله و رفاقه.
والجدير بالذكرأنه بعد مجيء الجنرال دي غول إلى الحكم باشر الإتصال مع جبهة التحرير قائلا أنه مستعد ليبحث معها إيقاف القتال على أساس الإنتخابات ثم المفاوضات. فكان الإجتماع ما بين 20 أغسطس و20 أكتوبر 1958، وكان ذلك بمجرد "سياسة إدماج في ثوب جديد" بعدما كان يريد من وراء ذلك ربح الوقت في هدنة وإيقاف إطلاق النار ضمن إعلانه عن "سلم الشجعان". لكن فرحات عباس رد عليه بأنه نسي أن الشعب الجزائري قد رفض الإدماج في أشد حالة ضعفه، فكيف يقبله اليوم وثورته في عامها الرابع أسمعت العالم دجيجها وأهدافها. ولقد كان هذا الرد بمثابة صفعة قاسية لكل من كان يشك في إستقلال الجزائر. فقال قولته الشهيرة: " أفضل أن نكون 10 ملايين من الجثث على أن نكون عشرة ملايين من الفرنسيين".
وبذلك عرف دي غول أن هذا الطريق غير مُجد فقطع إتصلاته السرية، إلى أن جاء اليوم المعلوم لبدء مفاوضات حقيقية على أسس متكافئة بين الطرفين، حيث أعربت الحكومة المؤقتة عن إستعدادها للعمل على تصفية المعضلة طبقا لروح هذا المبدأ المقبول قصد توقيف إطلاق النار وتحديد الشروط والضمانات لتقرير المصير وتحقيق الإستقلال.
2/ المفاوضات الرسمية:
من الواضح أن فرنسا حاولت أن تخلق قوة ثالثة موالية لها لتضمن مصالحها ولم تعترف بجبهة التحرير كممثل للشعب الجزائري. ولما أبطلت الجبهة هذه المحاولة الأخرى، أضطر ديغول أن يعرض علانية في 20 نوفمبر 1959 على قادة الثورة التفاوض من أجل إنهاء المعارك و"محاولة تبييض صورة فرنسا سياسيا ودبلوماسيا". فردت عليه الحكومة المؤقتة بتعيين الوزراء الخمس بن بله و رفاقه المعتقلين بفرنسا لإجراء هذه المفاوضات، لكنه رفض وقال أنه لا يتفاوض مع رجال يوجدون خارج المعكرة متمسكا برأيه، وهو أن الحكومة المؤقتة لاتمثل كل الجزائريين. لكنه في الأخير لمس الحقيقة بنفسه عند زيارته للجزائر في ديسمبر 1960 ليشرح سياسته الجديدة فاستقبلته جموع الجزائريين وهي تحمل العلم الجزائري وشعارات جبهة التحرير الوطني. فعاد إلى فرنسا وهو مقتنع بإستحالة سياسته الجديدة.
يقول المفكر الفرنسي المشهور جاك بيرك (Jacques Berques)"مع من يتعين علينا أن نتفاوض ؟ مع الخصم بالطبع، ولايعني ذلك أن نعتبره الممثل الرئيسي والوحيد. إن الشعب الجزائري بكامله هو الذي له أن يحدد مستقبله بنفسه، ولكن القوة التمثيلية لجبهة التحرير أو الحكومة الجزائرية المؤقتة أو كيفما دعوناها تعتبر كافية لإنهاء الصراع وبالتالي إجراء المفاوضات حتميا معها... ثم يعرض هذا البروتوكول للإستشارة الشعبية".
ونظرا لهذا الصراع النفسي والسيساي والدبلوماسي بين فرنسا الإستعمارية ودبلوماسية جبهة التحرير الوطني، فإنه سيكون من المعقول الوصول حتما إلى مفاوضات رسيمة حقيقية ..أولا: مفاوضات مولان : (MELUN)
في 14 يونيو1960، دعا الجنرال دي غول، في خطاب له، قادة الثورة الجزائرية للقدوم إلى فرنسا، فوافقت الحكومة المؤقتة في 20 من نفس الشهر، وتم تحديد مدينة مولان MELUN الفرنسية للقاء بين أحمد بومنجل ومحمد بن يحي للتمهيد للمفاوضات، وذلك من 25 إلى 29 من نفس الشهر، واصطدم الوفد الجزائري بالموقف الفرنسي الذي كان مراده جس النبض ومعرفة مدى صلابة وتمسك الثورة بمبادئها.
ثانيا: كما تم لقاء آخر في لوسيرن (LUCERNE) بسويسرا في نهاية 1960 بين أحمد بومنجل والطيب بولحروف وممثلي فرنسا جورج بومبيدو وهوبير لويس، وكانت هذه الجولة أكثر جدية من سابقتها وعلى قدم المساواة، ولكن هذا اللقاء لم ينجح كون فرنسا طرحت "تسليم الإستقلال دون الصحراء"، وهي مسألة مبدئية في دبلوماسية الثورة الجزائرية. مما أرغم فرنسا على الإعتراف بالجبهة والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ثالثا: مفاوضات الأولى (Evian)
أعلنت الحكومة المؤقتة في 3 مارس 1961 أن وقف إطلاق النار لن يتم إلا بالمفاوضات بين الحكومتين. وكان على الجانب الجزائري أحمد بومنجل والطيب بولحروف، وجورج بومبيدو GeorgesPompidou وبرونو دولوس Bruno De Leus عن الوفد الفرنسي. وقـد اتفقوا عـلى بـدأ المفاوضات في إفيان مـن 20 مـاي إلى 13 جوان 1961، ثم توقفت نظرا لإسرار فرنسا على فصل الصحراء عن الجزائر (وهي إعادة إثارة الأسطورة القديمة أي الصحراء الفرنسية وفصلها عن الجزائر الأم، (لاسيما بعد إكتشاف ثرواتها النفطية) وكذلك إصرارها على منح الجنسية المزدوجة للأقلية الأوروبية في الجزائر مما يجعل منها دولة داخل دولة، وكذا تهديدها بتقسيم الجزائر إلى "قطاعات جزائرية" (Territoires Alg?riens)،مع الاحتفاظ ببعض القواعد العسكرية إلى الأبد.
وقد شهدت الجزائر أثناء هذه المفاوضات من الرابع إلى السابع يونيوتحركات سياسية ودبلوماسية كثيفة، لكن المفاوضات توقفت في 12 جوان "لأن فرنسا كان تريد في المفاوضات الأولى استقلالا شكليا مزيفا، مما أدى إلى تأجيل هذه المفاوضات إلى أجل غير مسمى، مع العلم أن إرادة دي غول وعزيمته الأولية والرئيسية هي: الحصول على توقيف عاجل للإطلاق النار، منذ مجيئه إلى الحكم.
كما كانت هناك بعض المبادرات من بعض الأقطار المجاورة للضغط على الحكومة الجزائرية للتنازل وقبول الحل الفرنسي.
لكن رد الفعل كان سريعا على هذا التدخل حيث قام الشعب الجزائري بمظاهرات مساندة للوفد ومنددة بالتعنت الفرنسي الذي يدل على سوء النية في إيجاد حل للقضية الجزائرية.
رابعا : مفاوضات "لوغران" (LUGRIN)
ثم استؤنفت المفاوضات في جويلية بـلوغران "LUGRIN" قرب الحدود السويسرية، واستمرت هذه المرة أكثر من أسبوع، ثم انقطعت من جديد من أجل إصرار فرنسا على فصل الصحراء باعتبار الصحراء مشكلة قائمة ستسوى هذه المرة فيما بعد بين الجزائر المستقلة وفرنسا، وكان ذلك في 20/07/1961.
خامسا: مفاوضات إيفيان الثانية EVIAN:
وأخيرا في 02 أكتوبر 1961 تراجع الجنرال دي غول عن رأيه في مؤتمر صحفي بضرورة التفاوض مع الجبهة على أساس استقلال الجزائر، كل الجزائر بما فيها الصحراء.
وقد اجتمع المجلس الوطني للثورة الجزائرية (CNRA) في طرابلس من 09 إلى 24 أغسطس 1961 تم فيه تغيير الحكومة الجديدة برئاسة بن يوسف بن خدة عوض فرحاة عباس وتمت إتصالات سرية بين الحكومة المؤقتة والحكومة الفرنسية اتفقتا على اللقاء في إفيان للمرة الثانية وتمت على مرحلتين:
1/ من 11 إلى 19 فبراير 1962، وبعدها استدعي المجلس (CNRA) في دورة استثنائية بطرابلس من 22 إلى 27 من نفس الشهر حيث حرر مشروع الإتفاقية ومناقشته والمصادقة عليه.
2/ ومن 07 مارس إلى 18 مارس 1962، تم الاتفاق على مفاوضات إيفيان وتوقيعها بين الطرفين. ومن ثم الإتفاق على النقاط التالية:
* وقف إطلاق النار في منتصف يوم الإثنين 19 مارس 1962
* وحدة التراب الوطني
* إستقلال الجزائر إستقلالا تاما داخليا وخارجيا بعد استفتاء يجرى بعد فترة انتقالية قصيرة
* الإفراج عن المعتقلين في فرنسا والجزائر في مدة أقصاها 20 يوما
* إقامة علاقات مبنية على الإحترام المتبادل بين الطرفين
* اختيار الجنسية للأوروبيين مع احترام تقاليدهم ودينهم ولغتهم
* الإتفاق على بقاء البحرية العسكرية الفرنسية في المرسى الكبير بوهران لمدة 15 سنة وإجلاء القوات الفرنسية حسب جدول مضبوط.
.../يتبع