س: ما هي الأمور التي يجوز لأهل الميت فعلها بعد الوفاة؟
1ـ يباح لهم كشف وجه الميت وتقبيله:
أخرج أبو داود والترمذي بسند صحيح عن عائشة – رضي الله عنها –:
"أن النبي r دخل على عثمان بن مظعون t وهو ميت فكشف وجهه ثم أكب عليه فقبله وبكى، حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه"
(والبعض ضعفه لأن فيه عاصم بن عبدالله العمري وهو ضعيف)
وأخرج البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله t قال:
"لما قتل أبي جعلت اكشف عن وجهه الثوب وأبكي ونهوني، والنبي r لا ينهاني، فأمر به النبي r فرفع، فجعلت عمتي فاطمة تبكي، فقال النبي r: "تبكين أو لا تبكين مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه".
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
"أقبل أبو بكر t على فرسه من مسكنه بالسُّنْح حتى نزل فدخل علىَّ المسجد، وعمر يكلم الناس، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة – رضي الله عنها – فتيمَّم النبي r وهو مسجي ببردة حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبَّله بين عينيه ثم بكى، فقال: بأبي أنت وأمي يا نبي الله لا يجمع الله عليك موتتين، أما الموتة الأولى التي عليك فقد مُتَّهَا".
وفي رواية:"لقد مت الموتة التي لا تموت بعدها"
ـ بالسُّنْح: بضم أوله أو فتحها، وهو موضع معروف في عوالي المدينة.
وفي سؤال وجه إلى اللجنة الدائمة وفيه:
س2: عند وفاة زوجي حضرت لتكفينه، وبعد أن غُسِّل وكُفِّن رفعت عنه الكفن لاستودع وجهه الطاهر، فقال لي بعض أقاربي: إنه لا يجوز لكِ أن تفتحي الكفن ونحن قد غسلناه وكفناه، حيث إنه ينقض وضوءه، فهل علىَّ إثم في ذلك ؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا أفعل الآن ؟ أفيدوني أثابكم الله.
ج2: لا شيء عليك في تقبيل وجه زوجك بعد تغسيله وتكفينه. (فتوى رقم: 9226)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)
2- ويباح لهم البكاء الذي ليس معه صوت:
فالبكاء رقة ورحمة في قلوب العباد، وهو جائز لا مؤاخذة فيه طالما لا يصاحبه مخالفة
أخرج البخاري ومسلم عن أنس t قال:
"دخلنا مع رسول الله r على أبي سيف القين ـ وكان ظِئراً لإبراهيم u فأخذ رسول الله r إبراهيم فقبله وشمَّه ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله r تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله ؟ فقال: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".
ـ القين: الحداد
ـ ظِئراً: المرضع وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة.
وأخرج الحاكم وابن حبان في صحيحه:
"أنه لما مات ابن رسول الله rصاح أسامة بن زيد، فقال رسول الله r: ليس هذا مني، وليس بصائح حق، القلب يحزن والعين تدمع ولا نغضب الرب".
وأخرج البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال:
"اشتكى سعد بن عبادة شكْواً له، فأتاه النبي rيَعُودُهُ مع عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود – رضي الله عنهم – فلما دخل عليه فوجده في غاشية، فقال: قد قضى ؟ قالوا: لا يا رسول الله، فبكى النبي r فلما رأى القوم بكاءه بكوا، فقال: ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا
ـ وأشار إلى لسانه – أو يرحم، وإن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه".
وقد مر بنا أن المقصود بالبكاء هنا وفي غيره من الأحاديث: هو البكاء الذي لا يصاحبه نواح أو تعديد، أما مجرد البكاء على الميت فلا حرج فيه، وإنما يمنع التكلم باللسان بما فيه تسخط على قدر الله تعالى، والنياحة المحرمة، وقد نقل النووي الإجماع على أن البكاء الذي يعذب به الميت: هو البكاء بصوت ونياحة، لا بمجرد دمع العين،
فقال النووي في شرح مسلم (3 /229):
وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن البكاء هنا (أي في الحديث) البكاء بصوت ونياحة لا بمجرد دمع العين.أهـ
وأخرج البخاري عن أنس بن مالك t قال:
"شهدنا بنتاً لرسول الله r ورسول الله r جالس على القبر قال: فرأيت عينيه تدمعان".
- وقد مر بنا بكاء النبي r على عثمان بن مظعون.
- وأيضاً بكاء أبي بكر t على النبي r.
- وبكاء جابر وعمته على عبد الله بن عمرو بن جزام والد جابر.
تنبيه:
لا يزيد هذا البكاء عن ثلاثة أيام.
وذلك لما أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن جعفر – رضي الله عنهما –:
"أن النبي r أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم".
هذا وقد وجه سؤال إلى اللجنة الدائمة فتوى رقم (2177) وفيه:
س: هل يجوز البكاء على الميت إذا كان البكاء فيه نواح ولطم الخد وشق الثوب فهل البكاء يؤثر على الميت ؟
جـ: لا يجوز الندب، ولا النياحة، ولا شق الثياب، ولطم الخدود... وما أشبه ذلك
لما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي r قال:
" ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"،
وثبت عن رسول الله r أنه لعن النائحة والمستمعة (أي: التي تُقر بهذا أو تدعو إليه)
وصح عنه أيضاً r أنه قال:" إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه "(البخاري ومسلم)
والمراد بالبكاء هنا النياحة، أما البكاء بدمع العين من دون نياحة فلا حرج فيه
لقول النبي r لما مات ابنه إبراهيم:" العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"(البخاري ومسلم)
وقوله r:" إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه عليه الصلاة والسلام". (البخاري ومسلم)
وبالله التوفيق وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)
تنبيه:
ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح(7 /756):
أنه لا بأس أيضاً بالتوجع للميت عند احتضاره
بمثل قول فاطمة في احتضار النبي r:
"واكرب أباه، فقال النبي r: ليس على أبيك كرب بعد اليوم " (والحديث عند البخاري)
فعلم أن هذا ليس من النياحة؛ لأن النبي r سمع هذا ولم يمنعها، فكان منه r الإقرار على ذلك. والله