منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الجامع لاحكام الجنائز
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-03-21, 02:03   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
المعزلدين الله
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية المعزلدين الله
 

 

 
الأوسمة
وسام الاستحقاق 
إحصائية العضو










افتراضي


· تجهيز الميت
السؤال الأول من الفتوى رقم (2634):
س1: إذا مات الميت فكيف نجهزه؟ وهل نشيعه إلى المقبرة بالسكوت أم بالذكر والقراءة؟
جـ1:
أ ـ إذا حضرت المسلم الوفاة وجه إلى القبلة، حتى إذا تيقنت وفاته، غمضت عيناه ودعي له، ولا يذكر عنده إلا الخير، لما روى مسلم عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت:
"دخل رسول الله r على أبي سلمة وقد شَقَّ بصَرُهُ فأغمضه ثم قال: إن الروح إذا قُبض تَبِعَه البصر، فضجَّ ناسٌ من أهله، فقال: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يُؤمِّنُون على ما تقولون، ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين المقربين، واخلفه في عَقِبِه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونَوِّر له فيه"
ويشد لُحياهُ لئلا يبقي فمه مفتوحاً بعد أن يبرد، وتنزع ثيابه عنه، ويُغَطَّى بثوب يستره جميعه، ويستحب الإسراع في تجهيزه لئلا يتغير، ثم يجرد لتغسيله، ويستر من سرته إلى ركبته حين تغسيله
ولا يحضر إلا من يعين في غسله، ويشرع الإسراع في قضاء دينه إبراءً لذمته، وتنفيذ وصيته لينتفع بثوابها، ويكفن في ثلاثة أثواب بيض، ويُصلَّى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويُدْعى له بالمغفرة بعد دفنه.

ب ـ أما تشييعه إلى المقبرة فمع السكوت لا مع الذكر وقراءة القرآن عملاً بسنة الرسول r وخلفائه الراشدين، والقرون الأولى التي شهد لها رسول الله r بالخير.
وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
(اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)






س: ما الذي يجب على أقارب الميت أن يفعلوه عند الوفاة ؟
الأمور التي يفعلها أقارب الميت حال الوفاة:-
1- الصبر والرضا والاسترجاع:
لقوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }(البقرة: 155ـ157)
ـ الاسترجاع وهو كما في الآية، أن يقول:{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} ويزيد على ذلك ما أمرنا به النبي r.
فقد أخرج أبو داود عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قال رسول الله r:
"إذا أصاب أحدكم مصيبة، فليقل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم عندك احتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيراً منها"
وأخرج الإمـام مسلم عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قـالت:
سمعت رسول الله r يقول:
"ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره به الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: وأي المسلمين خير من أبي سلمة؟ فهو أول من هاجر إلى رسول الله r، تقول أم سلمة: ثم إني قلتها فأخلف الله لي بدلاً من أبي سلمة رسول الله r"
فعلى أقارب الميت إذا حلت بساحتهم مصيبة الموت أن يقولوا على التو والفور:
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فهذه الآية كالماء البارد الذي ينزل على هذه القلوب المحترقة بلوعة الأسى والفراق فتطفي لهيبها، فتهدأ النفس، ويرتاح القلب
فقولهم:{إِنَّا لِلّهِ } إقرار بالعبودية والمُلْك لله، والمَلِكُ له حق التصرف في ملكه كيف يشاء.
وقولهم:{وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} فهذه الآية إقرار بأن هناك موت ثم بعث، فليحذروا من المخالفة
لأنهم على علم بأنهم راجعون إلى ربهم، وسيحاسبهم على الصغير والكبير، والنقير والقطمير، فيحملهم هذا على عدم المخالفة والتسخط، كما يحملهم على الرضا والصبر والاحتساب رجاء المثوبة والرفعة في الدرجات والفوز ببيت الحمد في الجنَّة
كما جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أبي موسي الأشعريt أن رسول الله r
قال: "إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى لملائكته: قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرةَ فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً قي الجنَّة وسموه بيتَ الحمد"
( صحيح الجامع:979)
· والله U يعطي على الصبر ما لا يعطي على غيره.
فقد أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري t أن رسول الله r قال:
"من تصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر"

· والصبر والاحتساب ليس له جزاء إلا الجنَّة
فقدأخرج البخاري عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال:
"يقول الله تعالى: "ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احْتَسَبَهُ إلا الجنَّة"
وأخرج النسائي بسند حسن أن النبي r قال:
"إن الله لا يرضى بعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب بثواب إلا الجنَّة"
ملاحظة:
هذا الأجر العظيم لمن صبر عند الصدمة الأولى:
ونقل الحافظ في الفتح (3/149) عن الخطابي في قوله:
واعلمي أختي المؤمنة إن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك، فإنه على الأيام يسلو.
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس t قال:
"مرَّ رسول الله r بامرأة عند قبر وهي تبكي، فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، قال: ولم تعرفه، فقيل لها: هو رسول الله r، فأخذها مثل الموت، فقالت: يا رسول الله إني لم أعرفك، فقال رسول الله r: إنما الصبر عند الصدمة الأولي"
ـ وفي رواية: إن الصبر عند أول الصدمة".
2- تنفيذ الوصية، ما لم تكن فيها جور أو ظلم أو مخالفة شرعية:
قال الحافظ – رحمه الله – كما في فتح الباري (5/357):
إن كانت الوصية غير جائزة أو غير ذلك من الأمور الغير معقولة فلا تنفذ. أهـ

3- المبادرة إلي قضاء دينه:
وذلك للحديث الذي أخرجه الترمذي بسند صحيح من حديث أبي هريرة t أن النبي r قال: "نفس المؤمن معلقة بدَيْنِه حتى يُقضى عنه"(صححه الألباني في المشكاة: 5/29)
فلخطورة الأمر ينبغي على أولياء وأقارب الميت أن يسارعوا في قضاء الدين عن الميت.
أ ـ وقضاء الدين يكون بداية من مال الميت:
فقد أخرج الإمام أحمد وابن ماجة والبيهقي بسند صحيح عن سعد بن الأطول t:
"أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال لي رسول الله r: إن أخاك محبوس بدينه، فاذهب فاقض عنه، فذهبت فقضيت عنه، ثم جئت، قلت: يا رسول الله r قد قضيت عنه إلا دينارين ادَّعَتْهُمَا امرأة وليست لها بينة، قال: أعطها فإنها محقة"
ـ وفي رواية: أعطها فإنها صادقة"
ـ محبوس بدينه: أي: محبوس عن الجنَّة
(والحديث ضعفه البعض؛ لأن فيه عبد الملك أبو جعفر وهو مجهول، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع: 1550)

ب ـ فإن لم يكن عنده ما يقضي به الدَيْن، فيقضي عنه أحد أقاربه وهم أولى بذلك:
فقد أخرج أبو داود والنسائي من حديث سَمُرَة بن جُنْدُب t:
"أن النبي r صلَّى على جنازة فلما انصرف، قال: أهاهنا من آل فلان أحد، فسكت القوم ـ وكان إذا ابتدأهم بشيء سكتوا ـ فقال: ذلك مراراً ثلاثاً، فلم يجبه أحد، فقال رجل: هو ذا، فقام رجل يجر إزاره من مؤخر الناس، فقال له النبي r: ما منعك في المرتين الأوليين أن تكون أجبتني، أما إني لم أنوه باسمك إلا لخير، إن فلاناً لرجل منهم مأسور بدينه عن الجنَّة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه حتى ما أحدٌ يطلبه بشيء".
جـ- فإن لم يوجد أحد من أقاربه يقضي عنه الدين، جاز لأي أحد أن يقضي عنه دينه:
فقد أخرج الحاكم من حديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـقال:
"مات رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول الله r حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله r بالصلاة عليه، فجاء معنا فتخطى خطى، ثم قال: لعل على صاحبكم ديناً، قالوا: نعم. ديناران، فتخلف ثم قال: صلوا على صاحبكم، فقال له رجل منا: يقال له أبو قتادة يا رسول الله r هما عليَّ، فجعل رسول الله r يقول: هما عليك وفي مالك، والميت منهما برئ، فقال: نعم. فصلى عليه، فجعل رسول الله r إذا لقي أبا قتادة يقول: ـ وفي رواية: ثم لقيه من الغد فقال: ـ ما صنعت الديناران، قال: يا رسول الله إنما مات أمس – حتى كان آخر ذلك
ـ وفي رواية: ثم لقيه من الغد ـ قال: قد قضيتُها يا رسول الله، قال: الآن حين بَرَدَتْ عليه جلده"
ـ حين بَرَدَتْ عليه جلده: أي بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء دينه.
فـائـدتــان:
1- قال بعض أهل العلم: المقصود بقول النبي r:"الآن حين بَرَدَتْ عليه جلده""
أي: استراح، وهذا يدل على أنه ما زال قلقاً حتى يقضى الدين، ولا يؤاخذ الميت لتحمل غيره عنه ولقول النبي rلأبي قتادة:
"هما عليك وفي مالك والميت منهما بريء"
فلا يلزم من قول النبي r: "الآن حين بَرَدَتْ عليه جلده": وقوع العذاب
وقال البعض: إن رفع العذاب لا يكون إلا بعد قضاء الدين عنه

2ـ جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما يفيد:
أن من مات وعليه أقساط لم يحل وقت سدادها، وتحمَّلها عنه غيره؛ فإنه تبرأ بذلك ذمة الميت، ولا يلزم التعجيل في سدادها، بل تسدد في أوقاتها؛ لأن المسلمين عند شروطهم.



د ـ فإن لم يكن له مال، ولم يوجد أحد من أقاربه يقضي عنه، ولم يتطوع أحد من المسلمين لقضاء دينه، فعلى الدولة أن تسد عنه:
يقول الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه أحكام الجنائز صـ14:
فإن لم يكن له مال، فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه واستدل بالحديث الذي أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عن عائشة-رضي الله عنها- قالت: قال رسول اللهr:
"من حمل من أمتي ديناً، ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه"
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t قال:
كان يُؤتى بالرجل عليه الدين، فيسأل رسول الله r: هل ترك لدينه فضلاً ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلَّى، وإلا قال للمسلمين: صلُّوا على صاحبكم، فلما فتح الله عليه الفتوح، قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلىَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته.
قال الإمام النووي – رحمه الله – في شرح مسلم (11/60):
إنما يترك الصلاة عليه؛ ليحرص الناس على قضاء الدين في حياتهم، والتوصل إلى البراءة منها؛ لئلا تفوتهم صلاة النبي r، فلما فتح عليه عاد يصلي عليهم، ويقضي دين من لم يخلف وفاء. أهـ

هـ ـ فإن لم يكن له مال ولم يوجد أحد من أقاربه يقضي عنه، ولم يتطوع أحد، ولم تسد عنه الدولة ففضل الله واسع فنرجو أن يشمله الله برحمته التي وسعت كل شيء.
وقد جاء في الحديث: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه"
فائدة:
يُقْضَى الدين قبل الوصية
قال البخاري – رحمه الله – باب تأويل قول الله تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}(النساء:11)
ويذكر أن النبي r قضي الدين قبل الوصية، وقوله U:
{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}(النساء:58)
فأداء الأمانة أحق من تطوع الوصية، وقال النبي r:"لا صدقه إلا عن ظهر غنى"
قال ابن حجر – رحمه الله –:
ولم يختلف العلماء أن الدَيْن يقدم على الوصية
س: ما هي الأمور التي لا يجوز على أقارب الميت فعلها؟
أولاً: النياحة([1])والندب:
والندب: هو اسم للبكاء على الميت وتعديد شمائله ومحاسنه
والنياحة: أعمُّ من الندب, وهي رفع الصوت بالتحسر على الميت وندبه وتعديد شمائله، وهي محرمة لأنها تهيج على الحزن، وترفع الصبر، وفيها مخالفة للتسليم للقضاء والإذعان لأمر الله تعالى. (شرح مسلم:2/598، بتصرف)
قال ابن العربي – رحمه الله –:
النوح: ما كانت الجاهلية تفعله، كانت النساء يقفن متقابلات يصحن ويحثن التراب على رءوسهن ويضربن وجوههن.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري أن النبي r قال:
"أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة"
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث:
فيه دليل على تحريم النياحة، وهو مجمع عليه.
وقال r كما في صحيح مسلم:
"النائحة إذا لم تَتُبْ قبل موتها، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب".
ـ والمعنى: يسلط على أعضائها الجرب والحكة بحيث يغطي بدنها تغطية الدرع وهو القميص.
وأخرج البخاري ومسلم عن أم عطية – رضي الله عنها – قالت:
"أخذ علينا النبي rعند البيعة أن لا ننوح، فما وَفََّت منا امرأة غير خمس نسوة..."
الحديث
قال النووي في كتاب الأذكار صـ233:
أجمعت الأمة على تحريم النياحة، والدعاء بدعوى الجاهلية، والدعاء بالويل والثبور على المصيبة.أهـ
وكان هذا الأمر من فعل الجاهلية، وربما أوصى أحدهم أولياءه بذلك عند موته.
فهاهو أبو فراس الحمداني وقد أصيب برمحٍ أودى بحياته يقول:

أَبُنَيَّتِي لا تجزعـي
كـل الأنـام إلى ذهـاب
نوحي عليَّ بحسرةٍ
من خلف سترك والحجاب
قـولي إذا ناديتني
زين الشبـاب أبو فـراس
ـ زين الشباب: لم يتمتع بالشباب

ويروي عن عمر بن الخطابt:
"سمع صوت نوح في بيت، فدخل ومعه غيره، فمال عليهن ضرباً حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها وقال: اضرب فإنها نائحة لا حرمة لها، إنها لا تبكي لشجوكم، إنما تريق دموعها على أخذ دراهمكم، إنها تؤذي موتاكم في قبورهم، وأحياءكم في دورهم، إنها تنهى عن الصبر الذي أمر الله به، وتأمر بالجزع الذي نهى الله عنه"
تنبيه:
كما أن الإسلام حرم النياحة، فإنه كذلك حرم الإسعاد، والإسعاد هو أن تقوم المرأة بالنياحة فتقوم معها نساء أُخر يساعدنها على النياحة، ولا تزال هذه العادة السيئة عند كثير من النساء، وتردد إحداهن هذا المثل الجاهلي: "كل شيء دين حتى دموع العين"، لكن هذا كله من فعل عادات الجاهلية التي جاء الشرع وأبطلها.
فقد أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أنس t:
"أن رسول الله rأخذ على النساء حين بَايَعْهُنَّ أن لا يَنُحْنَ، فقلن: يا رسول الله،
إن نساء أسعدتنا في الجاهلية أَفَنُسْعِدُهُنّ، فقال رسول الله r:لا إسْعَادَ في الإسلام"
وأخرج الإمام مسلم من حديث أم سلمة –رضي الله عنها – قالت:
ولما مات أبو سلمة قلت: غريبٌ وفي أرض غُرْبَة لأبْكِيَنَّه بكاءً، يُتحدث عنه، فكنت قد تهيأت للبكاء عليه، إذ قبلت امرأة من الصعيد – عوالي المدينة- تريد أن تُسْعِدَني فاستقبلها رسول الله r، وقال: أتريدين أن تُدْخِلي الشيطان بيتاً أخرجه الله منه، فكففتُ عن البكاء فلم أبْكِ"
ـ تُسْعِدَني: أي تساعدني على البكاء والنوح.
· إشكال والرد عليه:
جاء في الأحاديث أن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه.
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة أن النبي r قال:
"الميت يُعَذَّب ببكاء الحيِّ عليه"
وعند البخاري ومسلم أيضاً من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي r قال:
" إن الميت يُعَذَّب ببكاء أهله عليه"
وأخرج البخاري في كتاب الجنائز (باب يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه):
أنه عندما طعن عمر بن الخطاب t دخل عليه صهيب يبكي يقول واأخاه، واصاحباه، فقال عمر t يا صهيب أتبكي علىَّ وقد قال رسول الله r: إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه"
وقد ذهب هذا المذهب أيضاً الترمذي – رحمه الله-: فقد روى حديث عمرtبلفظ:
" الميت يعذب ببكاء أهله عليه" ، ثم قال: وقد كره قوم من أهل العلم البكاء على الميت، قالوا: الميت يعذب ببكاء أهله عليه، وذهبوا إلى هذا الحديث
ملاحظة:
المقصود بالبكاء في هذه الأحاديث: هو البكاء الذي يصاحبه نوح.
ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري عن المغيرة بن شعبة قال: سمعت النبي r يقول:
"إن كذباً علىَّ ليس ككذبٍ على أحد، من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار، سمعت النبي rيقول: من نِيح عليه يعذب بما نِيح عليه"
وعند البخاري أيضاً عن عمر t أن النبي r قال:
"الميت يعذب في قبره بما نِيح عليه"
أما البكاء الذي هو دمع العين، فلا مؤاخذة عليه ولا ذنب فيه.
قال الشوكاني في النيل (2/102):
فيجمع بين الأحاديث بحمل النهي عن البكاء مطلقاً ومقيداً بِبَعْدِ الموت على البكاء المفضي إلى ما لا يجوز من النواح والصراخ ...وغير ذلك، والإذن به على مجرد البكاء الذي هو دمع العين، ومالا يمكن دفعه من الصوت. أهـ
وهذا هو الرأي الذي ينبغي المصير إليه، ويدل عليه كذلك تبويب البخاري والحديث الذي ذكره:"إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه" أي:لا يُعَذَّب بكل بكاء.
فالبكاء الذي تدمع فيه العين ولا شق ولا لطم معه، لا يؤاخذ صاحبه به، وقد جاءت في ذلك نصوص كثيرة تذكرها بمشيئة الله في مبحث: "ما يباح لأهل الميت فعله" وسيأتي...
وقد نقل النووي – رحمه الله-:
الإجماع على أن المراد بالبكاء في الحديث: هو البكاء بصوت ونياحة، فقال – رحمه الله-: وأجمعوا كلهم على اختلاف مذاهبهم على أن المراد بالبكاء هنا: البكاء بصوت ونياحة لا مجرد دمع العين.
ونأتي هنا إلى الإشكال وفيه أن عائشة ـ رضي الله عنهاـ أنكرت أن يكون الرسول r قد قال هذا: أي: "إنما يعذب الميت ببكاء الحي عليه"
ففي صحيح البخاري أن ابن عباس – رضي الله عنهما- ذكر لعائشة ما قاله عمر t بعد وفاته، فقالت: "رحم اللهُ عمرَ، والله ما حَدَّثَ رسول الله r أن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، ولكن الرسول r قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، حسبكم القرآن: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(فاطر:18)
فكيف الرد على هذا الإشكال؟ وكيف يمكن الجمع بين حديث عائشة – رضي الله عنها- وباقي الأحاديث السابقة والتي فيها: "أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه" ؟
أولاً: وقبل الجمع بين حديث عمر وحديث عائشة – رضي الله عنهما - لابد أن نعلم أن إنكار عائشة لكلام عمر tلا يعني ذلك صحة ما ذهبت إليه عائشة – رضي الله عنها -، فكونها أنها لم تسمع، لا يعني أن هذا لم يحدث، فالمثبت مقدَّم على النافي لأنه عنده مزيد علم.
قال القرطبي- رحمه الله – كما قال في فتح الباري (3/154):
إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوي بالتخطئة، أو النسيان، أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً فهذا كله بعيد؛ لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون، فلا وجه للنفي مع إمكان حمله على محمل صحيح.
إذاً: كيف نجمع بين الأدلة في كون الميت يعذب ببكاء أهله، وبين قوله تعالى:
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
اختلف العلماء في الجواب عن ذلك إلى ثمانية أقوال أقربها إلى الصواب هي:
1- أنهم يبكون عليه وإنه ليعذب في قبره.

2- أنه يعذب بتوبيخ الملائكة له بسبب تعديد شمائله ومحاسن أفعاله.
كما جاء في صحيح البخاري عن النعمان بن بشير قال:
"أُغمي على عبد الله بن رواحة t فجعلت أخته عمرة تبكي [وتقول]: واجبلاه، واكذا واكذا تعدد عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلا قيل لي، أنت كذلك؟! فلما مات لم تبكِ عليه"
بل إن هذا المعني ورد صريحاً في الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند حسن من حديث أبي موسي الأشعري t أن رسول الله rقال:
"ما من ميت يموت فيقوم باكيه، فيقول: واجبلاه، واسيِّداه...أو نحو ذلك، إلا وُكِّلَ به ملكان يلهزانه: أهكذا كنت؟!"
ـ اللهز: هو الدفع بجمع اليد في الصدر (أو اللهزمة والرقبة) .
ولعل هذا ما كان يقصده عمر؛ ولذا فإنه نهى أخاه صهيب عن النواح والتعديد عليه.
قال الحافظ في الفتح ضمن التأويلات التي تأولها فقال:
وهذه الأحاديث تدل على أن العذاب هو توبيخ الملائكة.

3- إن معني يعذب: أي يتألم بسماعه بكاء أهله عليه، ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة، وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – كما في مجموع الفتاوى (24/374):
وأما تعذيب الميت، فالنبي r لم يقل:"إن الميت يعاقب ببكاء أهله عليه"بل قال:"يعذب" والعذاب أعم من العقاب، فإن العذاب هو الألم، وليس كل من تألم بسبب ذلك عقاباً له على ذلك السبب، فإن النبي r قال كما في مسند الإمام أحمد:
"السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه" فسمي السفر عذاباً وليس عقاباً.
(صحيح الجامع:3686)
والإنسان يعذب بالأمور المكروهة التي يشعر بها مثل: الأصوات الهائلة، والروائح الخبيثة، والصور القبيحة، فهو يتعذب بسماع هذا، وشَمُّ هذا، ورؤية هذا، ولم يكن ذلك عملاً له عوقب عليه.
فكيف ينكر أن يعذب الميت بالنياحة، وإن لم تكن النياحة عملاً له يعاقب عليه؟!.
إن حديث عمر محمول على مَن أوصى بالنواح عليه، أو كان يعلم أنهم سيفعلون هذا من بعده ولم ينهاهم، أو أن النواح من سنته، وهذا هو قول الجمهور، وهو الراجح إن شاء الله.
أهـ باختصار من فتح الباري(3/150)
وقد ترجم البخاري لحديث عمرt باب "قول النبي r: "يعذب الميت ببعض ما ينح عليه"إذا كان النوح من سنته ، وإن لم يكن من سنته فهو كما قالت عائشة – رضي الله عنها –:
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – كما في فتح الباري(3/351) تعليقاً على كلام البخاري:
وتقيد ذلك بمن كانت تلك سنته أو أهمل النهي عن ذلك، فالمعني على هذا أن الذي يعذب ببعض بكاء أهله من كان راضياً بأن تكون تلك طريقته. ولذلك قال المصنف (البخاري): فإذا لم يكن من سنته، أي كمن لا شعور عنده بأنهم يفعلون شيئاً من ذلك أو أدَّى ما عليه؛ بأن نهاهم فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره. أهـ من كلام الحافظ
وقال عبد الله بن المبارك – رحمه الله-:
أرجو إن كان ينهاهم في حياته أن لا يكون عليه من ذلك شيء " (فتح الباري: 3/351)
وقال القرطبي – رحمه الله – كما في التذكرة صـ102:
قال بعض العلماء أو أكثرهم:"إنما يعذب الميت ببكاء الحي عليه" إذا كان البكاء من سنة الميت واختياره، كما قال بعضهم:
إذا أنا متُّ فانعيني بما أنا أهله
وشُقِّي علىَّ الجَيْبَ يا ابنةَ معبد
وكذلك إذا وصَّى به. أهـ
وقال ابن الأثير في جامع الأصول (103):
وقد كان النواح ولطم الخدود وشق الجيوب من شأن أهل الجاهلية، وكانوا يوصون أهاليهم بالبكاء والنوح علهيم وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم كثيراً، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك؛ لما تقدم إليهم في وقت حياته
وقال النووي – رحمه الله – في شرح مسلم:
واختلف العلماء في هذه الأحاديث فتأولها الجمهور على من أوصى بأن يُبْكَى ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحهم؛ لأنه بسببه ومنسوب إليه، قالوا: فأما من بكى عليه أهله وناحوا من غير وصية منه، فلا يعذب، لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}(فاطر:18)
ثانياً ـ ومن الأمور المنهي عنها: ضروب الخدود، وشق الجيوب، والدعاء بدعوى الجاهلية:وهي من الأمور المحرمة
وذلك للحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود t أن النبي r قال: "ليس منا من لطم الخدود، وشقَّ الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية"
قال الحافظ في الفتح (3/195):
قال المهلب: قوله: "ليس منا"ليس متأسياً بسنتنا، ولا ممتثلاً لطريقتنا التي نحن عليها،
كما قال r:" ليس منا من غشنا"لأن لطم الخدود، وشق الجيوب من أفعال الجاهلية.
وقوله:"لطم الخدود" خص الخد بذلك؛ لكونه الغالب في ذلك، وإلا فضرب بقية الوجه داخل في ذلك،
وقوله:"وشق الجيوب" جمع جيب، وهو ما يفتح من الثوب؛ ليدخل فيه الرأس،
والمراد بشقه: إكمال فتحه إلى آخره، وهو من علامات التسخط
وقوله:"ودعا بدعوى الجاهلية" ـ وفي رواية مسلم:"بدعوى أهل الجاهلية"
أي: من النياحة ونحوها، وكذا الندبة كقولهم: "واجبلاه" ,وكذا الدعاء بالويل والثبور.أهـ
وندبة الميت في هذا الزمان هي التعديد المعروف عند النساء تقول إحداهنَّ: "يا سبعي، يا جملي"
مما هو مشهور, وهذا كله منهي عنه.
فقد أخرج البخاري من حديث النعمان بن بشيرtقال:
"أُغمي على عبد الله بن رواحة t فجعلت أخته عَمْرَةُ تبكي: واجبلاه، واكذا تُعَدِّدُ عليه، فقال حين أفاق: ما قلت شيئاً إلا قيل لي، أنت كذلك؟!، فلما مات لم تبكِ عليه"
أي: تعدد عليه وتندبه.
أخرج الترمذي من حديث أبي موس الأشعري t أن الرسول r قال:
"ما من ميت يموت فيقوم باكيه، فيقول: وإجبلاه !واسيِّداه! أو نحـو ذلك، إلا وُكِّل بــه ملكـان يلهزانه ؛أهكذا كنت؟" (صححه الألباني في صحيح الترمذي:801)
تنبيه:
هناك حديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي موسي الأشعري t مرفوعاً:
"إن الميت ليعذب ببكاء الحي، فإذا قالت النائحة: واعضُداهُ، وامانعاه، وناصراه، واكاسياه، فقيل له: أناصرها أنت؟ أكاسيها أنت؟ أعضُدُها أنت ؟"
(وهذا الحديث ضعيف ضعفه الألباني في ضعيف الجامع:1793)
فلطم الخدود، وشق الجيوب، والتعديد، والندب كلها من فعل الجاهلية
كما كان البعض منهم يقول لزوجته وهو على فراش الموت:
إذا أنا متُّ فانعيني بما أنا أهله
وشُقِّي علىَّ الجَيْبَ يا ابنةَ معبد
ثم جاء الإسلام ونهى عن هذه الأمور؛ لأنها تدل على التسخط ،وعدم الرضا بقضاء الله.

ثالثاً ـ ومن الأمور المنهي عنها: حـلـقُ الشـعـر عند نزول المصيبة:
وهو محرم.
فقد أخرج البخاري من حديث أبي بُردة بن أبي موسى قال:
"وجع أبو موسى وجعاً فغُشِيَ عليه، ورأسه في حِجْر امرأةٍ من أهله، فصاحت امرأةٌ من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئاً، فلما أفاق قال: أنا بَرِيءٌ ممن بَرِئَ منه رسول الله r، فإن رسول الله r برئ من الصالقة والحالقة والشاقة"
ـ الصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة عند الفجيعة بالموت، أو عند نزول المصيبة.
ـ الحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة.
ـ الشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة.
قال النووي – رحمه الله- كما في الأذكار صـ145:
وكل هذا حرام باتفاق العلماء، وكذلك يحرم نشر الشعر، ولطم الخدود، وخمش الوجه، والدعاء بالويل.

رابعاً ـ ومن الأمور المنهي عنها:نـشر الشـعـر:
وهو نفشه ونشره وتفريقه عند المصيبة، وهو محرم.
فقد أخرج أبو داود بسند صحيح أن امرأة ممن بايعت الرسول rقالت:
"كان فيما أخذ علينا رسول الله r في المعروف الذي أخذ علينا، أن لا نعصيه فيه، وأن لا نخمش وجهاً، ولا ندعو ويلاً، ولا نشق جيباً، وأن لا ننشر شعراً"
ـ أن لا نخمش وجهاً: أي لا نجرح وجهنا بالظفر، وهو ما ينتج عن لطم الخدود، أو تعمد جرح الوجه بالأظافر.
ـ ولا ندعو ويلاً: لا نندب بـ(ياويلاه)
ـ أن لا ننشر شعراً: أن لا ننفش شعراً.
· خطأ يقع فيه الرجال:
وإعفاء بعض الرجال لحاهم أياماً قليلة حُزناً على ميتهم، ثم بعد ذلك يعودوا إلى حلقها، فهذا الإعفاء في معنى نشر الشعر، فالأصل أن يعفوها ولا يحلقوها
قال ابن القيم كما في زاد المعاد (1/527):
وكان من هديه r السكون والرضا بقضاء الله، والحمد لله والاسترجاع، ويبرأ ممن خرق لأجل المصيبة ثيابه، أو رفع صوته بالندب والنياحة أو حلق لها شعره

هذا وقد وجه سؤال إلى سماحة الشيخ/ ابن باز – رحمه الله – وفيه:
ما حكم الشرع في النساء اللاتي يلطمن خدودهن عند حدوث حالات وفاة؟
فأجاب - رحمه الله -:
لطم الخدود، وشق الجيوب، والنياحة عند المصيبة، كل ذلك محرم لا يجوز.
لقول النبي r:"ليس منا من ضرب الخدود أو شق الجيوب أو دعا بدعوى الجاهلية".
(متفق عليه)
وقوله r:"أنا برئ من الصالقة والحالقة والشاقة". (متفق عليه)
وقال رسول الله r:
"أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم والنياحة" (رواه مسلم)
وقال r: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" (رواه مسلم في صحيحه)

فالواجب عند المصيبة الصبر، والاحتساب، والحذر من هذه الأمور المنكرة، والتوبة إلى الله مما سلف من ذلك. لقول الله سبحانه:{ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
وقد وعدهم الله خيراً كثيراً فقال: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
(البقرة:155ـ157)
(فتاوى المرأة صـ40-41)



سؤال: هل يجوز لبس الثوب الأسود حزناً على المُتَوَفَّى، وخاصة إذا كان الزوج ؟
فقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله – كما في فتاوى المرأة صـ65:
لبس السواد عند المصائب إشعار باطل لا أصل له، والإنسان عند المصيبة ينبغي له أن يفعل ما جاء به الشرع، فيقول: "إن لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي ،واخلف لي خيراً منها"
فإذا قال ذلك بإيمان واحتساب، فإن الله سبحانه وتعالى يأجره على ذلك، ويبدله بخير منها، أما ارتداء السواد وما شابهه فهو لا أصل له. وهو أمر باطل ومذموم. أهـ

خامساً ـ ومن الأمور الممنوعة: ألا ينعوه نعياً منهياً عنه:
والنعي: هو الإخبار بموت الميت، والنعي نعيان: نعي ممنوع، ونعي مشروع.
والنعي المشروع: هو الإخبـار عن وفاة الميت؛ لكي يجتمع الناس لتجهيزه، والصلاة عليه، ودفنه ... ونحو ذلك. ومما يدل على هذا:-
1ـ ما أخرجه البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ:
"أن رسول الله r مر بقبر قد دُفِنَ ليلاً، فقال: متى دُفِنَ هذا؟ قالوا: البارحة، قال: أفلا آذنتموني؟ ـ وفي رواية: ما منعكم أن تعلموني، قالوا: دفناه في ظلمة الليل، فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: وأنا فيهم، فصلَّى عليه"
2ـ وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة t:
"أن رسول الله rنعي النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلَّى فصف بهم وكبر أربعاً"
ـ النَجاشي: بفتح النون على المشهور، وقيل: تكسر، واسمه: "أصحمة بن أبحر" ملك الحبشة، والنجاشي لقب له.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث:
فيه استحباب الإعلام بالميت لا على صورة نعي الجاهلية، بل مجرد إعلام للصلاة عليه، وتشييعه، وقضاء حقه في ذلك، والذي جاء من النهي عن النعي ليس المراد به هذا، وإنما المراد نعي الجاهلية المشتمل على ذكر المفاخر وغيرها.
3ـ وعند البخاري أيضاً من حديث أنس t قال: قال النبي r(يوم مؤتة):
"أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب – وإن عَيْنَيّ رسول الله r– لتذرفان - ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له"
وقد ترجم البخاري لهذين الحديثين: باب الرجل الذي ينعى إلى أهل الميت بنفسه.
قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله- في الفتح (3/117):
وفائدة هذه الترجمة الإشارة إلى أن النعي ليس ممنوعاً كله، إنما نهي عمَّا كان أهل الجاهلية يصنعون، وكان يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق. أهـ
وكذلك النعي بقصد الفخر والخيلاء، كقولهم: مات اليوم فلان، وكان كذا، وأبوه كذا، وقريبه كذا،
أو النعي على رءوس المنائر.
وقال ابن المرابط:
إن النعي الذي هو إعلام الناس بموت قريبهم مباح، وإن كان فيه إدخال الكرب والمصائب على أهله لكن في تلك المفسدة مصالح جمَّة لما يترتب على معرفة ذلك من المبادرة لشهود جنازته، وتهيئة أمره، والصلاة عليه، والدعاء له والاستغفار، وتنفيذ وصاياه، وما يترتب على ذلك من الأحكام
فهذه الأحاديث تدل على أن مجرد الإعلام بالموت لا يكون نعياً محرَّمَاً

وهناك آثار عن الصحابة والتابعين تدل على مشروعية النعي منها:-
ـ ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في السنن بسند حسن عن يحيى بن عبد الحميد بن رافع عن جدته:
أن رافع بن خديج مات بعد العصر، فأتى ابنُ عمرَ فأخبر بموته، فقيل له: ما ترى، أيخرج بجنازته الساعة؟ فقال: إن مثل رافع لا يُخْرَجُ به حتى يؤذن به من حولنا من القرى، فأصبحوا فأخرجوا بجنازته.
ـ وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ:
أنه كان لا يرى بأساً أن يُؤْذِنَ الرجلُ حميمهُ وصديقهُ بالجنازة
وقال الحافظ في نفس المصدر السابق (3/117):
وحاصله: أن محض الإعلام بذلك لا يكره، فإن زاد على ذلك فلا.
وقد كان بعض السلف يشدد في ذلك حتى كان حذيفة إذا مات له ميت يقول:
"لا تؤذنوا به أحداً، إني أخاف أن يكون نعياً، وإني سمعت رسول الله r بأُذُنَيَّ هاتين ينهى عن النعي".
(أخرجه الترمذي، وابن ماجة بسند حسن حسنه الشيخ الألباني، وضعفه بعض أهل العلم)

ثم أورد الحافظ كلام ابن العربي - رحمه الله – فقال:
يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاث حالات:-
الأولـى: إعلام الأهل، والأصحاب، وأهل الصلاح، فهذه سنة.
الثانية: الدعوة للمفاخرة بالكثرة، فهذا مكروه.
الثالثة: الإعلام بنوع آخر كالنياحة... ونحو ذلك، فهذا يحرم.أهـ
ـ ولعل النعي المنهي عنه الذي يقصده حذيفة tفي الحديث السابق، هو من جنس الحالة الثانية والثالثة التي ذكرها ابن العربي
وعلى هذا تحمل الآثار التي تنهي عن النعي ومنها:-
ـ ما أخرجه عبد الرازق في مصنفه عن محمد بن زيد العمري:
أن ابن عمر t كان يتحين بجنائزه غفلة الناس
ولعل هذا قبل أن يعرف ابن عمر فضل الاجتماع على صلاة الجنازة، ويدل على هذا حديث رافع بن خديج الذي مر بنا.
ـ وأخرج سعيد ابن منصور بسند صحيح عن ابن عون قال:
قلت لإبراهيم: أكانوا يكرهون النعي؟ قال: نعم.
ـ وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه جملة من الآثار:-
* عن أبي وائل أنه قال عند موته:" إذا أنا مت فلا تؤذنوا بي أحداً"
* وقال مطرف:" لا تؤذنوا بجنازتي أحداً"
* وعن نصر بن عمران بن عصام الضبعي قال:
"لا تؤذنوا بجنازتي أهل مسجدي"
وكل هذه الآثار التي تنهي عن النعي محمولة على النعي المصحوب بالمفاخرة بالأحساب، وتعديد المآثر، والصياح والعويل، وما يتحف به من أفعال الجاهلية.
قال النووي ـ رحمه الله ـ كما في المجموع:
والصحيح الذي تقتضيه الأحاديث الصحيحة: أن الإعلام بموته لمن لم يعلم ليس بمكروه، بل إنْ قصد به الإخبار لكثرة المصلين فهو مستحب، وإنما يكره ذكر المآثر والمفاخر والتطواف بين الناس يذكره بهذه الأشياء، وهذا نعي الجاهلية المنهي عنه، فقد صحت الأحاديث بالإعلام، فلا يجوز إلغاؤها، وبهذا الجواب أجاب بعض أئمة الفقه والحديث المحققين. والله أعلم.أهـ
وقال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (6/258):
في حديث المرأة السوداء ـ التي توفيت ودفنت دون علم من النبي r، فقال لصحابته:
"أفلا آذنتموني"ـ جواز الإذن بالجنازة، وذلك يرد قول من كره ذلك، والحجة في السنة لا فيما خالفها، وقد قال النبيr: "لا يموت أحدٌ من المسلمين فيصلى عليه أمةٌ من الناس يبلغون مائة فيشفعون له إلا شُفِّعُوا فيه"
ففي هذا دليل على إباحة الإشعار بالجنازة والاستكثار من ذلك بالدعاء، وقد أجمعوا أن شهود الجنائز خير وعمل بر، وأجمعوا أن الدعاء إلى الخير من الخير.أهـ
فالحاصل: أن الإعلام للغسل، والتكفين، والصلاة، والحمل، والدفن، مخصوص من عموم النهي.
وقال الألباني في أحكام الجنائز صـ32:
ويجوز إعلان الوفاة إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية، وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده من يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه... ونحو ذلك.

س: هل يجوز النعي في المساجد؟
جـ: ذهب فريق من أهل العلم: إلى المنع من ذلك.
واستدلوا بالأدلة التي تنهى عن النعي
وقالوا كذلك:إن النعي في المساجد يلبس ويشوش على الناس صلاتهم وقراءتهم.
قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ كما في التاج والإكليل (2/241):
أما النداء بالجنازة في المسجد فلا يجوز لكراهة رفع الصوت في المسجد.
وفي نفس المصدر قال ابن القاسم ـ رحمه الله ـ:
سُئل مالك عن الجنائز يؤذن بها على أبواب المساجد فكره ذلك، وكره أيضاً أن يُصاح في المسجد بالجنازة ويؤذن بها، وقال: لا خير فيه، وقال: لا أرى بأساً أن يدار في الحِلَق يؤذنُ الناس بها ولا يرفع بذلك صوته. أهـ
وهذا ما كان يفعله أبو هريرة t
فقد أخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عروة قال:
"تُوفِّي رجل، قال: فجعل أبو هريرة يمر بالمجالس، ويقول: إن أخاكم فلاناً تُوفِّي فاشهدوا جنازته"

لكن ذهب فريق آخر من أهل العلم: إلى جواز النعي في المساجد،
واستدلوا بما يلي:-
1ـ ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك t قال:
" خطب النبي r فقال: أخذ الراية زيد فأصيب ...." الحديث
وفي رواية عند الطبراني:
" نعى رسول الله r أصحاب مؤتة على المنبر رجلاً رجلاً، بدأ بزيد بن حارثة"
2ـ وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة t:
"أن رسول الله rنعي النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلَّى فصف بهم وكبر أربعاً"
3ـ وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن إياس بن معاوية قال:
"جلست إلى سعيد بن المسيب، فقال لي: ممن أنت ؟ قلت: من مزينةَ، قال: إني لأذكر يوم نعى عمرُ بنُ الخطاب النعمان على المنبر"
4ـ وكذلك لما نعى أبو بكرt النبي r للناس ... (والحديث عند البخاري)
وفي بعض الروايات جاء فيها: " فقام أبو بكر فصعد المنبر" (أخرجها ابن ماجة بسند فيه مقال)

ـ أما مسألة أن النعي في المساجد يشوش ويلبس على الناس صلاتهم وقراءتهم
فالرد على هذا:
إنه قد ثبت في السنة رفع الصوت في المسجد من أجل الخصومة، ولم ينكر النبي rذلك.
فقد أخرج البخـاري في باب " رفع الصوت في المساجد" وعند مسلم كذلك من حديث
عبد الله بن كعب بن مالك: " أنه تقاضى ابن أبي حدرد ديْناً كان له عليه في المسجد فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله r وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى: يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه أي الشطر، قال: لقد فعلت يا رسول الله، قال: قم فاقضه"
قال النووي- رحمه الله- في شرح هذا الحديث: قال القاضي: قال مالك وجماعة من العلماء: يكره رفع الصوت في المسجد بالعلم وغيره، وأجاز أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ ومحمد بن مسلمة من أصحاب مالك ـ رحمه الله ـ رفع الصوت فيه بالعلم والخصومة ... وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس؛ لأنه مجمعهم ولابد لهم منه. أهـ
ويتضح مما سبق:
أنه إذا جاز رفع الصوت في المسجد للعلم أو للخصومة، فيجوز للنعي حتى يكثر عدد المصلين، وهذا أنفع للميت، وكذا لمن حضر الصلاة عليه حتى يرجع بقيراط في الجنة، أضف إلى هذا أنه يمكن أن يعلن الناعي في السماعات الخارجية للمسجد ويغلق الداخلية، فيتم الإعلام والإخبار دون تشويش على مَن بداخل المسجد.
وأميل في هذه المسألة إلى أمر وهو: إن كان الإخبار عن الميت في المساجد عن طريق المنـائر
فلا يذكر اسم الميت؛ لأن هذا جرَّ الناس إلى تعديد شمائله، ومآثر عائلته، وهذا يشبه نعي الجاهلية، والمنائر لم تُبنَ لهذا، لكن عليه أن يعلن فقط عن وجود صلاة جنازة بالمسجد دون ذكر للاسم، وهذا سيفي بالغرض (وهو اجتماع الناس للصلاة عليه).
ـ أما إن كان سيتم الإعلان والإخبار عن الميت داخل المسجد، وعدم إعلان ذلك على المنائر فلا مانع من ذكر اسمه كما فعل النبي r وأصحابه. والله أعلم

[1])) قال ابن المنظور في لسان العرب (6/4570): والمناحةُ والنوح: النساء يجتمعن للحزن. والتَنَاوُحُ: التقابل: ومنه تَنَاوُحُ الجبلين ,وتَنَاوُحُ الرياح،
ومنه سميت النساء النوائح، نوائح لأن بعضهن يقابلن بعضاً إذا نُحْنَ، وعرفها القاضي عياض فقال: هو اجتماع النساء للبكاء على الميت متقابلات.









رد مع اقتباس