بدأ يمتص دخان سيجارته بشراهة بعد أن أنهى مكالمة أتته على جهازه المحمول ليعيد دفنه في جيب سترته
نهض من مكانه وبدأ ينظر إلى الخارج في شرود وعادت به الذاكرة لذلك اليوم الموعود يوم اقتحمت عليه مكتبه ذلك دون استئذان
وهي تلهث: ساعدني أرجوك ساعدني أستاذ جلال ساعدني.,!
عمته دهشة واضحة فهو لم يكن ينتظر زبونة في آخر الليل وبتلك الطريقة!
جلست السيدة على الكرسي المواجه لمكتبه بعد أن منحها كوبا من الماء لتبلل حلقها
اليابس فلم تعد تقوى على الكلام دون حشرجة حادة وكحة وهي تلتفت وراءها ويمينها وشمالها ..
قال محاولا تهدءتها : لا تقلقي أنتِ في أمان الآن خذي نفسا عميقا واسترخي قليلا
استغرب كثيرا من أن تكون هذه السيدة تطلب مساعدته لقد رآها في مكان ما ولكنه لا يتذكر أين؟
لا بل يتذكر لقد شاهدها في منزل صديقه إبن حمدان ,
ألستِ فاطمة الخادمة في عائلة بيت صديقي حمدان؟
قال المحامي.
أخذت رشفة من الكوب قبل أن تقول : بلى أستاذ لقد جئت باسمك وعنوانك من بعض الأوراق الموجودة بمكتب السيد حمدان
أعلم أنك محامي العائلة وأنك عادل وستساعدني بغض النظر عن العلاقة التي تجمعك بهم.
جلس خلف مكتبه يرتب بعض أوراقه عندما قال: لقد فهمت هم يتهمونك بشيء وجئت تطلبين المساعدة؟
عمت وجهها ضحكه صفراء لتقول بعدها: نعم يتهمونني بالسرقة
علت وجهه بعض الدهشة: السرقة.. اممممم .. كنت متأكدا من ذلك.. وماذا سرقتِ؟
تدارك الأمر فأردف: عفوا لم أقصد..,
قاطعته: لا عليك أستاذ جلال هي الحقيقة يتهمونني بسرقة ابنهم !
علت وجهه دهشة بسيطة ثم انفجر ضاحكا: عفوا ماذا سرقتِ؟
فبدأت بسرد حكايتها لقد تعرفت على ابن السيد حمدان في بلدها الأصلي
لم يترك لها فرصة التعرف إليها طلب يدها من والدها وتم كل شيء على عجلة
كانت لديها ثلاث أخوات بنات وحال والدها المادي بسيط جدا لم يكن ليفلت تلك الفرصة الذهبية التي لا تأتي لأي واحدة في وضعها الإجتماعي لقد كان
العريس من بلد النفط و ابن ثري البلاد هناك..
وبعد تجهيز الاوراق واعداد امكانية الإقامة إلتحقت به هناك وهي كلها أمل وشوق لحياة أفضل .
لكن هيهات لقد تحطمت كل أحلامها بمجرد أن طأت قدماها ذلك القصر الفخم الذي حلمت أن تكون سيدته
فقد فوجئت بزوجها يقدمها لوالديه على أنها مربية ابنته عالية فهو كان متزوجا..!
رضيت بالوضع الجديد فليست تملك خيارا كيف تعود لبلدها خاوية الوفاض,
وماذا سيقول الناس هناك عنها وكيف ستصدم والدها المسكين بتلك المصيبة؟
مرت ثلاث سنوات وهي زوجة في السر وخادمة في العلن .. إلى أن جاءت تلك الليلة السوداء التي اكتشفت فيها زوجته الأولى تقرب زوجها لفاطمة
بدأت قساوتها عليها تزداد يوما عن يوما ومعاملتها لها تسوء عن قبل.
وعندما استجارت بزوجها في السر لم يجرها طلب منها أن تصبر,
ولكنها ضاقت ذرعا لم تعد تتحمل الإهانه والسب والضرب..,
فهربت من المنزل لترفع قضية طلاق لتعود لبلدها فبدون طلاق لن تستطيع مغادرة البلاد.
كان السيد جلال المحامي يستمع إلى قصتها باهتمام وكأنه لم يكن يصدق ما تسمعه أذناه عن ابن السيد حمدان
فهو إنسان معروف بنزاهته فكيف يسمح لابنه بالقيام بهذا الفعل الشنيع بحق هذه الفتاة البريئة .؟
سألها: هل عقد الزواج مع زوجك؟
أجابت: نعم
قال سأتصل بالسيد حمدان لأخبره أنكِ تحت حمايتي وأطلب منه أن يحل المسأله ودية وإذا رفض سأرفع قضية في المحكمة
قالت في توسل أرجوك سيد جلال لا تقل لهم انني هنا سيقتلني زوجي سيقتلني أو ينكر زواجه بي و أية صلة.
قاطعها: لن أسمح بذلك لقد كنت شاهدا على خدمتك في بيتهم كخادمة ,
وحتى وان أنكر صلته بك كما تزعمين فأكيد أن والدك يستطيع أن يبعث إليك بنسخة من العقد فأكيد هو مسجل في بلدك.
لا تخافي كل شيء سيكون على مايرام السيد حمدان صديقي وأنا محاميه ويثق بي ويحترمني لن يرفض لي طلبا ولن يدخل
معي في صراع هذا في مصلحة ابنه أولا قبلكِ ,لن يقبل على نفسه أية بلبلة في الصحف.
طمأنها كلامه أمسك الهاتف واتصل بالسيد حمدان تكلما مطولا لم يلاحظ أنها نامت من شدة الإعياء فوق ذلك الكرسي أمامه,
أنهى مكالمته وبدأ ينظر لذلك الوجه الملائكي اقترب منها يوقظها بهدوء: فاطمة.. فاطمة هل نمتِ؟
احمرت وجنتاها عندما فتحت عينيها فقالت: اسفة لم أنم منذ ليال..
قال لها : لا عليكِ ، لقد اتفقت مع السيد حمدان على كل شيء
الان سأوصلك لبيتي والداي يقيمان معي لتمكثي هناك بعض الوقت وبعد أن يتم كل شئ تستطيعين المغادرة إلى بلدكِ.
..
تم الاتفاق مع السيد حمدان وابنه ونالت حريتها وبعضا من حقوقها ولكنها
أحبت والدا السيد جلال المحامي فقد كانا يعاملانها كابنة لهما طلبا منها
أن تظل في بيتهم لتخدمهم وبكرامة أحبت الفكرة وبقيت ...مرت بعض شهور في منزل المحامي معززة مكرمة
كانت تشعر أنها سيدة ذلك المنزل الكبير الكريم ولكن دوم الحال من المحال فقد بدأ التفكير في زواج المحامي
كانت والدته تذكره في كل مناسبة بابنة خاله التي ستعود بعد شهر من أمريكا
مع والدها السفير بعد حصولها على شهادة الدكتوراه .
لم يكن يسره الأمر كلما فتحت والدته ذلك الموضوع كان وجهه يَسْوَد وملامحه تتغير وتتشنج ..!
وكذلك كان حال فاطمة لقد أحبا بعضهما دون أن يدريا ،
لكن هيهات إن القدر دائما لها بالمرصاد كتب عليها أن تنطفئ شعلة أحلامها عند عتبة بابها.
تواعدا خارج البيت تكلما مطولا طلب منها الزواج رغما عن الكل,
أخبرها أنه يحبها بجنون وأنه لن يستطيع الارتباط بابنة خاله وسيفسخ الخطوبة وووو...
لم تسطتع أن تتفوه بكلمة واحدة عادت الى بيت والداه وعاد هو لمكتبه ليباشر عمله.
رأت كيف كانت والدته تخطط لزواج ابنها من ابنة أخيها الدكتورة فاتن ,وكيف كانت تحدث صديقاتها عنها وعن حفل زواجه في كل مناسبة .
فكرت كيف ستصدم تلك السيدة التي كانت بمثابة والدتها نعم كانت تخدمها ,
ولكنها لم تأمرها يوما بفعل أي شيء تركت لها حرية التصرف بشؤون البيت كله.
فكرت كيف سيكون حالها عندما ستجعل ابنها الوحيد يقف ضد رغبتها وتشتت شمل العائلة .
فكرت كيف ستكون زوجة ابن سيد البيت الذي كانت تخدم فيه؟
امسكت بحقيبتها جمعت ملابسها وبعض من أشيائها الصغيرة هداياه لها ,عطور فخمة وعقد في عيد ميلادها وهدية الحاجة والدته خاتم من الذهب
الخالص.
فتحت باب غرفتها اتجهت للطابق السفلي ..لمحها والد السيد جلال
قال في اندهاش :الى أين يابنتي؟ هل أزعجك أحد هنا؟
قالت والدموع تنهمر بحرارة: لا عمي الحاج لقد عاملتموني كما تعامل الابنة ولكن والدي مريض جدا لقد اتصلت بهم هذا الصباح وأخبروني بذلك
انتفض الحاج واقفا: لا حول ولا قوة الا بالله لا تبكي يابنتي ان شاء الله سيكون بخير هيا سأوصلكِ للمطار هل حجزتِ؟
أجابته: نعم بعد اتصالي مباشره وقبل أن أعود للمنزل ستقوم الطائره بعد ساعتين من الآن وكذلك الطاكسي سيصل بعد قليل لا تزعج نفسك عمي لن
أنسى ما فعلتهم من اجلي أبدا أرجو أن تسامحاني وكذلك السيد جلال بلغاه تحياتي واسفي لعدم تمكني من توديعه.
قامت والدة الأستاذ جلال لتقول: جلال يجب أن يعرف فأمسكت سماعة الهاتف وقبل أن تظعط على أي رقم سحبت فاطمة السماعة من يد الحاجة
قائله: دعيه خالتي لا تزعجيه بأمر كهذا سأتصل به عندما أصل لأعتذر ومن يعرف فقد أعود إذا تعافى والدي .
اقتنعت الحاجة بكلامها ودعتها بحرارة قائلة: كم كنت أتمنى أن تحضري زفاف ولدي جلال يا فاطمة.. يا الهي ماذا سأفعل بدونك يا ابنتي..
كانت الحاجة تسترسل في كلامها وهي لا تعرف أنها تزيد من تعاستها وتذبحها بكلامها ..انصرفت ..ساعدها السائق بوضع حاجاتها بالسيارة
ورحلت فاطمة وخلفت وراءها عيونا باكية..
لم تستطع الحاجة كتمان ماحدث أكثر ,
تناولت سماعة الهاتف واتصلت بابنه بنبرة باكية تخبره بشأن فاطمة
بدا وكأن ابنها غاب عن الوعي وهي تردد: ألو ألو ألو جلال أين انت ياولدي؟
أغلقت السماعة .. بينما دار جلال في مكتبه كالمجنون لا يدري ماذا يفعل..
تغير لون وجهه دفنه بين يديه وهو يتحسر.. وفجأة عاد من شروده ..قام من مكانه اتجه نحو الباب
وغادر بسرعة جنونيه دون أن يبالي بكلام معاونه,
امتطى السلم الكهربائي سحب من جيبه المفاتيح وهو يهم بالخروج من البناية نحو سيارته فتح الباب ورمى بسترته في المقعد الخلفي وانطلق .
اظطرته اشارات المرور للتوقف بدأ ينظر الى ذلك الجموع الكثيف من البشر الذي يمر من أمامه باهتمام وكأنه يبحث عن وجهها بينهم ..بدا القلق
والاظطراب مرسوما على محياه وهو ينظر للساعة في معصمه الشمالي والى الهاتف المحمول الذي يبدو مهجورا كان يأمل أن تتصل به
فتذكر أنها لا تملك محمولا فزاد غضبه من نفسه ..
مرت الدقائق وكأنها ساعات قبل أن تعلن إشارة المرور اخضرارها ليستأنف القيادة بأقصى سرعة انفرجت اساريره وهو يلمح لوحة مكتوب عليها
المطار 15 كيلو مترات لكن فرحته تبددت عندما نظر للساعة انه موعد اقلاع الطائرة نحو بلد فاطمة توترت أعصابه بدأ يضرب المقود .. سحب علبة
سجائر بيد وقذف بواحدة بين شفتيه بأصابع مرتجفة,
أشعلها بصعوبة وهو يحاول عدم فقدان السيطرة على المقود فسرعته لا تخوله القيادة بيد واحدة وصل إلى مبنى المطار دخل .. بدأ ينظر ويمنة ويسرة
كالمجنون وهو ينادي فاطمة فاطمة ولكنهم أخبروه أن طيارة فاطمة قد غادرت منذ ربع ساعة انهار جلال وسقط أرضا غارقا في دموعه ..
____________النهاية